النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: عربة بلا مكابح /قصة قصيرة/ صلاح الدين سر الختم علي

     
  1. #1
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    عربة بلا مكابح /قصة قصيرة/ صلاح الدين سر الختم علي


    كانت السيارة الفخمة تتهادي علي مهل في الشارع المحاصر علي ضفتيه بالقاذورات وجيوش المتسولين والأطفال المشردين ومعاقي الحروب وغيرها، كانت ثمة موسيقي أجنبية حالمة تخرج من جهاز التسجيل فتبدو العربة من الداخل كأنها تتمايل مع الأنغام،والزجاج المظلل يحجب شمس الخرطوم اللافحة عن بلوغ من بالداخل ولكنه لايحجب رؤيتهم لمن وما هو بالخارج،كان الوسيلة جالساً وحيدا ممسكا بمقود السيارة بأصابع رشيقة ناعمة يحسبها من يراها أصابع أنثي ولا يتخيل أبدا وجود صلة بينها وبين تلك الجثة الضخمة خلف المقود لذلك الرجل الذي يزحف نحو الستين، كان الوسيلة مشغولا بإجراء عمليات حسابية معقدة للعائد المتوقع للمشروع الذي أنهي لمساته الأخيرة قبل قليل(مشروع أرض الخير) الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ،أبتسم ابتسامة صغيرة وهو ينظر إلي لحيته الصغيرة في مرآة السيارة حين تذكر تلك الابتسامة الذئبية لشريكه الوزير وهو يوقع علي الأوراق ويدفع بها الي مدير مكتبه الثعلبي الملامح، كانت الابتسامة تعني الكثير،عاد الوسيلة الي الواقع منزعجا حين لمح أحد المعاقين يعبر الشارع فجأة دون اكتراث، لعنه في سره، ورفع قدمه تدريجيا عن دواسة الوقود وداس علي الفرامل، لم تستجب الفرامل، داس عليها ثانية، لكنها لم تستجب، كانت المسافة قد ضاقت بينه وبين المعاق أنحرف بالسيارة يمنة فتفاداه بالكاد ثم أعاد السيارة الي الشارع مرة أخري،جرب الفرامل ثانية بلا فائدة فأنتابه قلق حقيقي،حاول تهدئة السرعة فلم تستجب دواسة الوقود لتعليماته، بات القلق هلعا،انطلقت العربة لاتلوي علي شئ، ظل يجاهد خلف المقود محاولا تفادى إصطدامات وشيكة بين الفينة والأخرى، يميل يمنة ثم يسرة، يدوس علي الفرامل مرارا بلاجدوى ،فالعربة صمت أذنيها عن تعليماته،أغلق المحرك بالمفتاح لكن الماكينة ظلت تهدر بلا توقف كأنه لم يفعل شيئاً ارتسم علي وجهه فزع مماثل للفزع الذي رآه علي وجوه المارة الذين غازلتهم السيارة وكادت تدهسهم،ركز جهده علي التحكم باتجاهات السير فقد كان ذلك هو الأمر الوحيد المقبول عندها،واصل الالتفاف يمنة ويسرة حتي تمكن بالخروج بالعربة من المدينة الي طريق المرور السريع، لم تتوقف العربة، ظلت الماكينة تهدر وكأنها تضحك ضحكة شريرة قاسية هازئة منه، لعن نفسه علنا حين تذكر أنه أعتاد منذ أن بات عنصرا حكوميا فاعلا ان يملأ خزان عربته الخاصة من وقود الحكومة حتي يسيل خارجا ويتدفق ، هدرت العربة وظلت تنهب الطريق كأنها تطوي سجادة عن الأرض،قال لنفسه: أي شيطان هذا الذي سكنها وأمسك بها من قرونها ؟! بزغت في ذاكرته صورة أهل الكمبو الذين كان وراء إخلائهم منه بغية بيعه الي مستثمر قادم علي متن طائرة من بلاد تموت من النفط حيتانها، تري هل هو كجورهم الذي يمسك بالعربة من قرونها الآن؟! هل هذا صوت الماكينة أم صوت طبولهم وهم يرقصون رقصة حرب بدائية ويتمتمون بتعاويذ سحرية ليحترق ويتفحم في سيارته؟!.....بكي بصوت مسموع وحاول عبثا التحرر من حزام الأمان ليقفز من السيارة المسرعة، لكن الحزام بات عصيا على أياديه بات ممسكا به بقوة كأنه جزء أصيل من مؤامرة إحراقه حياً الافتراضية، بكي وأخذ يتمتم بما يحفظ وماتبقي في ذاكرته من آيات القران في هلع جعل الكلمات تختلط،ازدادت السرعة وعلا هدير الماكينة، غشيته سكينة مفاجئة فسكن في مكانه واشتعلت ذاكرته بالصور المتدفقة، مر أمام عينيه شريط حياته كاملاً في تلك اللحظات، أدرك في الحين واللحظة فقط أنه طوال حياته كان عربة بلا مكابح، بلد وزراً غاضباً من بلدوزرات البلدية التي تجيد الاستئساد على الفقراء وبيوتهم الطينية وتقف عاجزة أمام القصورالمنهوبة أرضاً وعمارةً وسيارات راضعات من وقود الحكومة بلا حساب،لمعت في شاشة ذاكرته توسلات تلك الفتاة التي ألقي بها فقرها تحت عجلاته، داس عليها بلا رحمة،كان أصماً وأعميً ووحشا لاقيود ولامكابح له حينها،شراستها لم تزده إلا شراسةوشهوة،يتذكر لحظة انكسارها وسكونها الذي يشابه سكون الموتي،أتراها هي التي تمسك بالعربة من قرونها الآن؟!تتابعت وجوه كثيرة في شاشته:وجوه اولئك الذين أعدموا بناء علي تقرير كذوب عكف ليال علي نسجه من خياله مضيفا اليه وقائع تقود الي أعدام حمامة غشيت مورد ماء في وقت وردت الماء فيه خيول يشتبه أنها للأعداء، ثم وجه ذلك الخمسيني الذي أنتحرفي بيت مستأجر لأنه لفق له تهمة رشوة حتي يزيحه من الطريق حين بات سدا أمام نهر أحلامه،ثم لمع في الشاشة وجه ذلك الموظف الذي كتب فيه مالم يكتب مالك في الخمر فظل يتنقل مجبرا بين المدن والقري بغية إجباره علي الإستقالة، كانت حقائب الرجل التي ملت الرحيل فيما يبدو هي التي منعت المكابح العمل، فصرخ الوسيلة متوسلاً: (إعطني فرصة سيدي وستعود حقائبك الي مكانها، سأكذب نفسي علنا،...) كان صوت المحرك أعلي متخذا شكل ضحكة طويلة هازئة، يغيب وجه الموظف حامل حقائب الرحيل ويملأ الشاشة وجه ذلك الذي دس له الوسيلة مجموعة محترمة من قناديل البنقو في حقيبته وأردفها ببلاغ من مجهول حادب علي الوطن ،فبات الرجل محكوم مؤبد كاذب في سجن لانوافذ فيه. وتتابعت الصور والوجوه والقصص فصرخ الوسيلة بجنون: (حكمت المحكمة عليك بالسجن المؤبد في جوف الطريق....حكمت المحكمة عليك بالتأمل العميق بلا رفيق في عربة بلا مكابح علي طول الطريق) ثم أخذ يقهقه بلا توقف ولامكابح...كانت العربة تسير الآن بجنون متجهة الي الضفة الأخرى بصيدها الثمين، كانت الموسيقي الاجنبية وبرودة جهاز التكييف يختلطان مع قهقهة لاتتوقف، بغتة ارتفعت العربة عن الأرض تدريجيا، لملمت عجلاتها كما تفعل الطائرات عند الإقلاع ووثبت كقطة ماكرة صوب الهاوية علي جانب الطريق، ثم دوي الإنفجار، وتصاعد اللهب. .
    صلاح الدين سرالختم علي
    8/9 مارس 2013
    مروي/الخرطوم

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 09-03-2013 الساعة 08:41 PM
  2.  
  3. #2
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    جشع بلا حدود
    لملم كل مفاتيح النجاح
    بس الى اين المفر
    يمهل ولا يهمل
    ليكون درساً لمن فاتهم الاستماع
    وعظة لمن تحدثه نفسه بظلم انسان
    حتى ولو بالكلام
    فقد شدتنى من الالف الى الياء

  4.  
  5. #3
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية ودالعمدة
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    من أرض المحنة
    المشاركات
    2,252

    خيال دسم لواقع مرير
    هى صورة حية وبث مباشر
    للذين يتسلطون على الأبرياء
    فقد بذوا فرعون فى الطغيان
    وهزموا الشيطان فى الكذب
    وهم يظنون انهم يحسنون صنعا
    .. وينسون ساعة الحساب
    والله يمهل ولا يهمل
    فتبا لهم ولافعالهم
    .. أمتعتنا القصة
    ولك مزج مدهش بين الواقع والخيال

    و انتمى إليكَ ......
    ياوطناً تفردَ بالجمالِ وبالبهاء
    ياأرضَ مهيرة وبنونة ......
    ياديوانَ الرجالِ وبيتَ العوينِ ....
    يامرتعَ الأطفالِ عندَ الرواكيبِ مساء
  6.  
  7. #4
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    جشع بلا حدود
    لملم كل مفاتيح النجاح
    بس الى اين المفر
    يمهل ولا يهمل
    ليكون درساً لمن فاتهم الاستماع
    وعظة لمن تحدثه نفسه بظلم انسان
    حتى ولو بالكلام
    فقد شدتنى من الالف الى الياء

    ياصديق الحرف والهم ...سلمت وسلم بنانك
    أردتها تصويرا لواقع مرير ، لكنه يحمل في الثنايا أملا لمن فقدوا الأمل، وقبسا من ضياء لمن يقبع في الظلمة، وجبالا من اليقين الراسخ لمن في قلبه شك في قدرة الخالق أو قنوط من عدالة السماء

  8.  
  9. #5
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ودالعمدة مشاهدة المشاركة
    خيال دسم لواقع مرير
    هى صورة حية وبث مباشر
    للذين يتسلطون على الأبرياء
    فقد بذوا فرعون فى الطغيان
    وهزموا الشيطان فى الكذب
    وهم يظنون انهم يحسنون صنعا
    .. وينسون ساعة الحساب
    والله يمهل ولا يهمل
    فتبا لهم ولافعالهم
    .. أمتعتنا القصة
    ولك مزج مدهش بين الواقع والخيال

    ياصديقي كم أسعدتني قراءتك الفاحصة للنص واضاءتك له

  10.  
  11. #6
    عضو مجتهد
    Array الصورة الرمزية مصطفى احمد على
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    196

    سرد جميل منمق متوازى الافكار والفكره
    فيه من الدروس والعبره
    حمانا الله من جشع النفوس
    وهوس الفلوس و القلب المطموس
    ولك التحية استاذى الفاضل

  12.  
  13. #7
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى احمد على مشاهدة المشاركة
    سرد جميل منمق متوازى الافكار والفكره
    فيه من الدروس والعبره
    حمانا الله من جشع النفوس
    وهوس الفلوس و القلب المطموس
    ولك التحية استاذى الفاضل

    شكرا اخي الكريم مصطفي علي هذا الكرم

  14.  
  15. #8
    عضو مجتهد
    Array الصورة الرمزية مصطفى احمد على
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    196

    فانت اهل لذاك الكرم

  16.  
  17. #9
    مشرف القسم الثقافي

    Array الصورة الرمزية ياسر عمر الامين
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    2,635

    هكذا يهيم المترفون الاخذون حق غيرهم الظانون أنهم غير ملاقى ربهم...تجد سطوة المال والسلطان تنسيهم أنفسهم حتى ماضيهم ان كانو منحدرين من اسر فقيرة وماضى بئيس لايكترثون له كثيراً الا أن يأتيهم القصاص بغتةً من الحى الذى لا ينام...شكرا لك أستاذنا الأديب صلاح سر الختم وأن تعكس لنا هذه الصورة من واقع الحال الذى نعيشه كل يوم بطريقتك البديعة فى السرد والتصوير.

    يا وحى الهامنا وموضع احترامنا يا مدنى الجميله ليك مليون سلامنا.
  18.  
  19. #10
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر عمر الامين مشاهدة المشاركة
    هكذا يهيم المترفون الاخذون حق غيرهم الظانون أنهم غير ملاقى ربهم...تجد سطوة المال والسلطان تنسيهم أنفسهم حتى ماضيهم ان كانو منحدرين من اسر فقيرة وماضى بئيس لايكترثون له كثيراً الا أن يأتيهم القصاص بغتةً من الحى الذى لا ينام...شكرا لك أستاذنا الأديب صلاح سر الختم وأن تعكس لنا هذه الصورة من واقع الحال الذى نعيشه كل يوم بطريقتك البديعة فى السرد والتصوير.
    شكرا اخي ياسر علي هذه الاضاءة الجميلة للنص

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid