[FONT=pt bold heading]
مسلسل " خميرة سودنة"
(ديـــل أهـــلــــي)
[FONT=arial black] @ خميرة سودنة @
رابط / ® خميرة سودنة ©
http://www.wadmadani.com/vb/showthread.php?t=48494
® تنويه:
© بالنظر إلى اتساع رقعة هذا النوع
من البوستات اللامتناهية، فقد ارتأيت العدول
عن تقديمها بالقطاعي (حبة حبة)، إلى أفضلية
نقلها بحذافيرها (بي ضبانتا)؛ و كما هي من مصدر
نشري إياها في منتداي الأم بود مدني{ رد الله غربته،
و لم شمله، و أقال عثرته}.
¶ مع خالص تقديري و امتناني لأهل
بيتي و مثواي (النخبوي)
الأخير. و نعم الأهل و العشيرة.
ود الحيشان التلاتة/ Aabersabeel.
(1/58)
(ديـــل أهـــلــي)
بادئ ذي بدء، أنوه إلى أنني كلما هممت
بالشروع في خبز هذه الخميرة، إلا و تحضرني خاطرتان
محفورتان في ذهني الباطن منذ أمد ليس بقريب ، ألا و هما:-
1) في ذات ندوة ثقافية للعلامة الراحل البروف/ عبد الطيب بالدوحة.
حضرها لفيف من جهابذة العلم و أهل الكار، وسط جمهور غفير ، إذا
بالمدعو/ يوسف درويش ، وهو وكيل وزارة الإعلام و الثقافة هناك،
و التي كان قد أسسها أديبنا العالمي الراحل/الطيب صالح و الفنان
التشكيلي / أبراهيم الصلحي، إذا بذاك الدعي
يصعد المنبر ليباغت أبا الطيب بسؤال
سخيف و محرج؛ حين قال:
أين يقع الأدب السوداني في محيط الأدب المصري".
و لكن البروف تلقفه بجواب بدهي شاف أرداه طريح الكسوف
في ربع هدومه جراء{شلاقته}، حين قال: لتعلمن أيُّ هذا السطحي
المتنطع، أن السودان {أصيل}و ليس زائدة دودية لكائن من كان ،
و لكن رعاعكم هنا في الخليج، تماماَ ، كما الطير يسقط حيث
يلتقط الحب {إن شئت بفتح الحاء؛ و إن شئت ، فبضمها}.
2) وا لثانية : أنه عقب الخروج من أزمة غزو صدام حسين لمشيخة الكويت؛
و التي فاقمت تقسيم بلاد العرب حينها إلي قسطاطين متناحرين، ترأس البروف/
حسين أبو صالخ وفدا رفيعا من وزارة خارجيته آنذاك، في محاولة لتلطيف الأجواء و رأب
بعض ما صدعته أصابع الخبث من خبائث ، و زرعته من دسائس من هنا و هناك. فانبرى
له أحد المتشنجين بسؤال أرعن: "عما فعلتموه لتعاودوا خطبة ود الكويت و هي
صاحبة الأياديالبيض عليكم!؟ . " فقال أبو صالح و بانفعال أشد و بدارجية خالصة
لا تخطئوها أذن:"اسمع يا زول هوي، نحنا عندنا، كان اتنين متشاكلين،
و جيتك ماد ليك يدي مصافحا، فقدامك خيارين بلا تالت: يا إمتن
تمسك يدي تصافح؛ و نقول عفا الله عما سلف ، و يا إمتن
كمان ألعفك بيها أم كف اجدعك متل هنووك"
[] من هنا، أشكر أخوتي المرحبين كما لم أشكر أحداً من قبل.
فقط كان يكفينا منكم أن يضع أحدكم أيقونة دون تعليق..لا أن نترفع
مباشرة إلى" قلم متميز" في نظركم .فصار لزاماً علي أن أدين بالفضل
لأهله جميعاً دونما فرز.؛كونكم تطوقونني بكلفة باهظة دونها العرق كي
يرتقي الجميع بجهد جهيد إلىمصاف الأدباء وقممهم السمهرية العالية.
ثم كيف لأحدنا أن أستطيع ، و فيكم جهابزة القرطاس و القلم؟.
& أما الآن فدعوني أطرح عليكم فكرة و حلماً ظل يراودني
منذ أمد؛ خاصة و أن الفرصة تواتيني الآن لتحقيقه ؛ بأن نكتب
بأسهاب عن" خمائر سودنتنا".. نود أن نرسم "كروكية" بانورامية
شفيفة و صادقة لهذا البلد الخرافي العريق، ممثلة في ناسه
و أرضه و نيله و غاباته و صحاريه و وديانه و وهاده و فلواته،
و سحناتهبل و كل ما يتفرد به من مزاياً خالصة تصنع منه
وحدة في تنوعه؛ لتضعه بارتياح كشامة بين الأمم.
و الآن فلنبدأً من هنا علي سبيل التجربة
و جس النبض ،؛ فإاى هنالك :_
+++++(((*)))++++++
/FONT] قلبي على جناي، و قلب جناي على حجر
لعل ما دفعني لكتابة سطوري هذه هو شعور غريب بتلذذ المعاناة. فهي أحلى بعد تجاوزها. و سر النجاح والأبداع في نظري أنه يقتات دوماً على فتات موائد الألم. يقول تشارس ديكن:" أنا أبدع طالما أنني أظل أعاني". فالكاتب و المبدع عموماً بمثابة أرشيف لذاكرة ما يدور بخواطر أهله و ناسه ، كونه مرآة ساذجة و و كاميرا نزيهة تلقط ما حولها لتصوغ منه أمثلة مدهشة وتبدع تفانين رائعة. والشاعر قيثارة عصره و لسان حال زمانه الذي لا مجال لإفلاته منه و إن حاول الفكاك من قيوده التي كلما ضاقت به ذرعاً استحكمت حلقاتها و لم تفرج، و إن تمرد على كثير من تفاصيل أوضاعه، و جند نفسه لمعترك صون الفضيلة و نبذ ثقافة النفور و الكراهية و سعى جهده لتأسيس وعي مسكون بقضايا قومه، ملتزم بها. فليس المبدع مؤرخاً و إن كان موثقاً جيداً، يعيش يومه و يشرئب لما تحبل به ثنايا غده.. و هو يدون لنا شهادة شاهد عصر رأى بأم إنسان عين زمانه ، و قلب يكاد ينخلع ألف مرة قبل أن يرتمي على مخازي عري كل ستر رآه يهتك، أو ظلمات كل ظلم رآه يقع، أو أثبابات كل حق سمعه يستلب. و للكلمة مفتاح تحظى به على خارطة الإصلاح في كل أمة و النضال لنصرة كل شعب يريد البقاء.
شخصياً، في جعبتي حكاية معاناة خاصة ، ممتدة و محببة؛ حيث إنني جئت إلى الدنيا و لم أر أمي قط ، تلك التي أودعتني أمانة لهذا العالم و رحلت.. فترعرعت في أحضان جدتين كانتا تتنازعاني. أذكر تلك التي ظفرت بضمي و تعاهدتني على إقبال ثم جئت لافتقدها بعد حين كي أرد قيضاً من فيض جميلها فوجدتها تنوي على إدبار، وهي تلملم بقايا حطام عمرها و توشك أن ترحل . كانت تعد لنا الطعام و تضعه راضية مرضية بين أيدينا أنا وأخواني ، ثم تجلس بجوارنا القرفصاء لتراقب عن كثب ، مراقبة لصيقة وتقاسم وجهها الشاحب تشي بأنها (بايتة القوى). و إذا شح الطعام أو تناقص الإدام حتى نطلب المزيد، لا تلبث تمهلنا لنصيح بها(تعالي ملحيها وزيديها ، وخلينا نمشي نخرا ونجيها) حتى تأتينا بما نريد في حينه، حتو لو منم مافي. حتى إذا فرغنا تماماً إذا بها تدنو لتحسن القدح. كنت أصغرهم سناً و بي حماقة تسميني (الجنا أب وشاً محومر). فكانت إذا نال منها الغضب و طفح بها الكيل وصفعتني مثلاً (أو قشطتني بسير المفحضة), سرعان ما تسترجع جاهشة بالبكاء و تأكل أصابعها من الندامة فتصنع لي شراباً من الليمون تغرق فيه تلة من السكر. وهي قاطعة على نفسها عهداً ألا يجد الحزن سبيلاً إلى قلوب هؤلاء اليتامى من ثغرتها. فلما كبرنا و خرجنا لطلب العلم و العمل كان قد برد عنفوانها و تقدم بها السن فزاد تعلقها بنا وبي شخصياً لدرجة خرافية مخيفة؛ كنت إذا حضرت من سفر قاصد وهتف صبية الفريق باسم من حضر، تهرع تلك الجدة ا سمنة العمياء من دارها تسابق الريح إلى المحطة لتعانقني وتمطرقني بوابل من هستيريا اللحس والاحتضان، و هي تصحبني من هناك وهي تتلمس علامات دربها بعكازة، يقودها قلب الوالد و تسير بنور البصيرة عوضاً عن بصرها الذي فقد. . عجبت من شأن جدتي لما سافرت البندر و أهديتها ذات مرة صابونة معطرة ( أم ريحة) فلم تستخدمها قط ؛ فقط تشمها و تلمها و تقول: إني لأجد فيها ريح ولدي فلان. ياخي دي لدرجة مرة مشتري لي شبشب بلون شاذ (عنابي) من أكشاك جيهة الأوقاف دي في مدني و بعدين يوم جيت مسافر، غيرت ملصتو خليتو مجدوع في سدر البيت فقامت ست الحبايب شالتو نففضتو زيييييين ولمممتعو طيب مليح ولمتو ليك عارف وين! أصلكم ما ح تصدقوا لو قلت ليكم بعد رجوعي من السفر لقيتو مختوت في بطن السحارة.
أذكر يوم أبرمت عقدي مهاجراً للعمل في بلاد الله الواسعة حيث عشت حيناً من الدهر طافشاً من وطني ، هائماً على وجهي و خائفاً من ظلي . و بينما كنت منهمكاً في تخليص إجراءات الاغتراب، حمل إلي فاسق نبأ تلك الشجرة التي ماتت واقفة. حينها قطعت كل شيء على عجل فسافرت إلى قريتها النائية في أقاصي البطاح لتلقي واجب العزاء..هناك وجدت الكل يرصدونني: ليخمنوا ما أنا فاعل بفجيعتي في صاحبة الأيادي البيضاء التي منحتنا كل شيئ ؛ و لما جئنا نرد شيئاً من جمائلها علينا كانت قد رحلت في صمت و ودعت صخب عالمنا بهدوء. رأيت الفضولي من أولئك يلحظ في أم عيني و كأنهم يستدرون عطف دموعي فكانت خيبتي بجلاجل: إذ خذلتني عيناي.. فجمدتا و لم تجودا بشيء ..و لو بقطرة دمع فقط لذر رماد العيون ؛ رغم محاولات الاعتصار اليائسة. لكنني بدون شك كنت أبكي من دواخلي بحرقة شديدة وغصة يحبسها في حلقي هول الفجيعة، كنوبة عطاس يكبتها شحيح يعاني من ضيق ذات الشرايين. و كدت أتمزق حزناً و سمعت أحدهم يهمس بجواري قائلاً: " يا أخي من مات فقد روحه". ثم مضيت عائداً ادراجي إلى طاحونة المشاغل، لتلفني من جديد بسيرها الحلزوني.. فلما أوشكت على ختم تأشيرتي و شددت رحلي مغادراً. هنالك فقط، جاءتني العبرة في غير وقتها و لا محلها؛ فجلست على أية حال على حافة رصيف الميناء و أنا أنحب نحيباً مراً و أزرف دمعاً دامياً و جلس معي صديق قديم حميم (له مأساة مشابهة حيث فقد أسرتة مبكراً في حادث حريق) يودعني و يبكي معي مواسياً. ثم رفعت رأسي فإذا جمهرة فراجة من الناس الغلابة ممن كانوا يغبطونني على فرصتي النادرة للسفر و هم يلتفون من حولي، يضربون أكفاً بـأكف والبعض يتساءل بين حاسد و بغران:" أهي دموع الفرح هذه التي تنهمر من مقلتيه ! أم هي دموع التماسيح؟"!
.بوركتم والود عامر بيننابينن[/FONT]ا
المفضلات