في رحلة عائلية امام فندق الهيلتون بالخرطوم وبحدائق ( مارس/ ابريل)( مايو سابقا) علشان ما في حد يزعل ، كانت الفكرة فكرتي وصممت ان اجمع اكبر عدد ممكن من افراد الأسرة لنجلس سويا بعد زمن طويل في جو عائلي تحفه المودة.
كان الطقس باردا بعض الشئ وبينما نحن جلوس اذ بشماسي صغير في السن اسمه جيمس جلس بجواري دون الآخرين وقال لي يا بابا اديني عشاء ، لم اكن متزوجا حينها ولكنني احسست بالأبوة وبكيت لهذه الكلمة المليئة بالدفء والمحنة.
كان جيمس جميلا برغم الغبش الرهيب وبرغم الملابس المتسخة وبرغم الشعر المشبك الملبك.
طلبت عشاءا خصوصيا لجيمس و قربته مني ، كان جائعا وملهوفا ، كان عطشانا وبردانا ، تركته حتي ذهب الظمأ وابتلت العروق وبدأت في التحدث اليه في ود شديد ، تعرفت عليه عن قرب استمتعت بالونسة مع جيمس رغم بعض الألفاظ التي يجدعها يمنة ويسري ، طلبت من اهلي الا يلقوا لها بال فهي هبة الشارع .
اقنعته بالذهاب ليعيش معي ووعدته بشراء ملابس جديدة وبعض اللعب ، قبل الدعوة وطلبت منه ان نذهب سويا لنخبر زملاءه في التشرد حتي لا يقلقوا عليه ، كنت اعرف ان لهم ارتباط قوي ببعضهم البعض ، سمحوا لي علي مضض فتمنيت لو تنتهي جلستنا لأظفر بجيمس .
لم يدري احد بأنني عقدت صفقة مع جيمس الا زوجة خالي التي حبذت الفكرة وخططت معي للشئ الذي يجب عمله مع جيمس .
انتهت النزهة ،ذهبنا الي عربة خالي بغرض العودة ركبت في المقعد الأمامي وبجواري جيمس – حدث هرج ومرج من افراد الأسرة - جراء تلفظ جيمس ببعض العبارات الغير لائقة ، فضلت الصمت ، هدأت الأوضاع قليلا وبدأت في ونسة جانبية عن يوميات جيمس بالشارع .
فور وصولنا ذهبت الي الدكان واشتريت زيت السمسم المتفق عليه – زوجة خالي جزاها الله خيرا هي التي تكفلت بحمام جيمس ابن الستة سنوات .
في صبيحة اليوم التالي اخذته للحلاقة علي الزيرو وارجعته الي البيت لأكمال ما تبقي من الزيت في جتته اليابسة من الجفاف بينما توجهت انا الي السوق لشراء بعض الملابس التي تليق بالأطفال .
ما ان عدت و(قشر) جيمس بالملابس الجديدة الا وتغيرت نظرة الناس اليه ( صدق الشيخ عندما قال كل يا كمي قبل فمي) ولكن لم تتغير الألفاظ لأنها تحتاج الي جهد كبير .
ما زال جيمس يناديني ببابا وكنت اترقب ذلك !!
كلما ذهبنا الي مكان خلف جيمس ذكريات اليمة ، كشح قدرة فول لصاحب الدكان المجاور فدفعت قيمتها خوفا من اللوم .
بجهود كبيرة استطعنا ادخال جيمس المدرسة حضورا مميزا حتي يتأقلم مع الجو الصحي للأطفال .
شكاوي عدة تلقيتها من المدرسة جارتنا التي قبلت ادخاله المدرسة علي مضض ، اقنعتها بأن الحال سينصلح مع الوقت ولكنها عادت الي في اليوم التالي وهي قد فصلته لسؤ السلوك وبحجة انه سيفسد اخلاق التلاميذ.
فضلت ان يتم تغييره تدريجيا حتي يتأهل للمدرسة، بدأت في تغيير لغة الشارع تدريجيا ، بدأ جيمس في الأستجابة .
نكمل في الحلقة القادمة
المفضلات