هدوء يخيم على كل المكان، الناس خلدت إلى النوم بعد ان أرخى الظلام سرابيله على سمائهم وأفرغت تلك السماء كل سحبها عليهم مطرا غدت به الديار ماء يغطي كل الأرجاء، ولكن كانت هناك مساحة معتبرة في وسط القرية لا يفارقها الماء طيلة فصل الخريف، فاتخذتها الضفادع مأوى ومكانا للالتقاء والتغزل فيما بينها خاصة في المساء ...
كان يوما ماطرا ... انتشت له كل الكائنات الموجودة آنذاك، ولكن الضفادع في تلك الليلة بالغت في الانتشاء ...تخرج الأصوات مجتمعة في آن واحد غاغ غاغ غاغ ..والصغار منها يرددون خلف الكبار غيغ غيغ غيغ ... لاتكاد تعطي الوقت ثواني للاسترخاء ... وعندما تقترب منها ترى فقط تلك العيون الدعجاء من تحتها ينطلق ذلك النقيق كما هتافات وحركات مشجعي احدى الكوريتين او كالصينيين في ملعب عش الطائر في مباراة لفريقهم القومي ... عيون تلمع وتأبى إلا ان تعكس لك كل خيوط الضياء ... جو قد يصيب بعض الناس بالجنون من التلوث الضوضائي وقد يلهم الشعراء فيخلقون منه قصيدة تحكي سهر وهيام العشاق في مناجاتهم الأحباب...
لم تكن ليلة عادية، فقد كان الناس في القرية فرحين إذ حضر أبناؤهم في ذلك اليوم قبل المطر بساعة أو ساعتين من احد مشاريع الري لقضاء ثلاثة أيام أو أربعة أيام رفاهية العمال، كان من بينهم صاحبنا، واحد منهم لكنه صاحب مزاج، لا ينام إلا وهو في قمة المزاج ...ولكنه في ذلك اليوم بسبب المطر زاد من الطشمة حتى انفرط العيار و حتى كاد أن ينفجر الدماغ ...
حاول النوم ...فلم يستطع ...حاول مرة أخرى ولم يستطع فقد كانت جماهير العشاق في مجتمع الضفادع زادت هي الأخرى من شد الأوتار فانفرط أيضا العيار ...حاول صاحبنا أن ينام...والصوت يأتيه من كل مكان، الكبار غاغ غاغ والصغار غيغ غيغ والشابات غيغغ غيغ والشباب غوغغ غوغ ...واستمر الوضع على هذا الحال حتى منتصف الليل...
واشتغل المخ المنفلت العيار ...لابد أن امشي إلى شيخ القرية .... وتضطرب الرجلان ويهتز معها جسده مترنحا ذات اليمين وذات الشمال .. فلا يكاد يمشي خطوات حتى يقف ليتكئ على جدار او على ساق إحدى الأشجار في الطريق ...وهكذا حتى وصل إلى باب بيت الشيخ... يضرب على الباب بكل قوته مرة وأخرى ...يصحو الناس مذعورين من هذا الطارق والناس نيام ...ماااالك يااااساتر مااالك في الليل دا جائي ؟؟؟
وين الشيخ ؟؟؟
الشيخ ما نائم هنا ....نائم في البيت الثاني ...في شنو مااالك ؟؟؟
لا إجابة
ويحمل كل جسده بالمتبقي من قواه والى هناك حيث ينام الشيخ
وبنفس القوة يضرب الباب مرة ومرة ...فيخرج الشيخ ...وعليه ملابس النوم متلفحا ثوبه لزوم أي طارئ ...مرحب ...استر يا ساتر ..في شنو...ادخل لا جوة ورينا الحاصل ...
لااا بدخل ولا عاوز حاجة.... عندي بس سؤال واحد...تجاوبني عليهو في الحال!!!
انت مش شيخ البلد؟؟؟
نعم في شنو؟؟؟
انت مش المسئول عن راحة مواطنيك؟؟؟؟
نعم في شنو قووول
انا أجي قاطع 200 كيلو عشان بس ارتاح شوية مع عيالي ...أجي ألقى هذا الإزعاج ....يرضيك يا شيخ؟؟؟
إزعاج شنو والازعجك منو ؟؟؟؟
تعال شوف براك ..ولازم يتوقف الإزعاج دا وبسرعة ...دي ابسط حقوق الإنسان هنا
الشيخ مع انو عارف زولنا طاشم ...لكن حقوق الانسان دي خلتو يراجع أي تردد ولازم يمشي معاهو يشوف الناس العاملين ليهو ازعاج ديل منو ولشنو، وح يورينهم كيف يحترموا المواطنين وحقوق الانسان
طلع معاهو ومشيا سويا ، وعندما وصلا إلى البيت ، لم يجد الشيخ عراكا ولا اناسا يصدرون أي نوع من الصراخ او الضجيج، لم يترك الشيخ يحتار فقال للشيخ ماك سامع الازعاج دا، انا اقدر انوم كيف؟؟؟ ضفادع البلد كلها جاياني هنا جنب البيت وتصيح طول الوقت وانت بيهناك نايم ولا جايب خبر مش انت مسئول من راحة المواطنين وحقوقهم؟؟؟؟
نعم بالحيل مسئول.... وياهم ديل العاملين ليك الازعاج ؟؟؟
نعم،،، وعلى الطلاق لو عندي مسدس كان فرغتو في حلق كل واحدة تفتح خشمها
شيخنا مشهور بالحكمة وطول البال
تناول حجرا كبيرا وقذفه في الماء بقوة طاااااااخ
فجاة...سكتت كل الضفادع ....
صاحبنا انبسط شديد وسلم ليك على يد الشيخ وقبلها ...
خلاص مشكلتك انتهت؟
نعم
وبالراحة انسحب الشيخ وتوارى عن الأنظار إلى بيته لمواصلة النوم
بعد شوية الجماهير قامت غاغ غاغ غيغ غوغ غاغ غاغ
زولك براهو يقوم يمسك ليك حجر وجمبلغ في الموية وتسكت الضفادع وتاني تقوم وجمبلغ حجر تاني ...كلما تفتح خشمها يديها حجر
وهكذا إلى الصباح .....وتشرق الشمس وتسكت الضفادع وتفك الطشمة ويخلد بعدها إلى النوم
وفي المساء تاني يستعدل المزاج وتتجمع الضفادع ويجمع هو الحجار وتبدأ المعركة حتى الصباح
كان ذلك الشيخ الحليم هو المرحوم الخليفة احمد عبدالباسط يرحمه الله ...فقد كان فقدا عظيما على ام تريبات
المفضلات