علي السقيد
 

بقلم : نشأت الامام

 

المصنفات الفنية مسؤولة عن هذه الفوضى

علي السقيد: معظم أغنيات هذه الأيام فقاعات سرعان ما تتلاشى

كلية الموسيقى أحدثت نقلة كبيرة في الموسيقى السودانية

أعترف أن هناك فجوة بين جيلنا والجيل الذي يليه

الفنان علي السقيد منذ (فرحانة بيك كل النجوم لا نام بريقا ولا انطفأ) وحتى : (الليله جيت من وين طريتني بعد غياب.. بكل حنيه، راجع تدق الباب).. رحلة ممتدة من العطاء الفني الشفيف..

قال عن نفسه: «تعاملت مع مدارس مختلفة في الشعر، ودوماً تشدني الكلمات الجميلة التي أحس بها.. بغض النظر عن رمزيتها من عدمها»..

السقيد ابن مدينة ودمدني فنان لكل المواسم.. برغم هجرته منذ أوائل التسعينات، فهو في وجدان كل السودانيين بذات الحضور البهي، استفاد كثيراً من دراسته بمعهد الموسيقى، بعد أن أضاف إليها من روحه كفنان فقدم احساساً باسلوب متفرد.. فقد السقيد دفء منابر الوطن، لكنه اكتسب التجربة العريضة في صقيع الغربة.. التقينا به في هذه المساحة فجاد علينا من نثار كنانته.. وفيما يلي تفاصيل اللقاء..

إلتقاه: نشأت الإمام

- هذه الهجرة الطويلة.. ماذا أفاد منها السقيد..؟

= للغربة سلبيات كثيرة تنعكس على الفنان.. لأنه من الصعب جداً أن يتعايش مع بيئات تختلف في أمزجتها وعاداتها عن البيئة التي نشأ فيها.. وتشرب من معينها القيمي والفني.. وأيضاً ابتعاده عن جمهوره الذي يشكل لديه الدافع الأكبر للانتاج، يعد ذلك خصماً عليه..

لكن في الجانب الآخر نجد الاطلاع على تجارب الآخرين وثقافاتهم.. يضيف كثيراً للأذن الموسيقية وينشط حاسة التذوق الفني.. وأيضاً التقنية الهائلة المستخدمة في المجال الموسيقي.. كل ذلك ينعكس ايجاباً في شكل ما نقدم..

- مشاركاتكم في الاحتفالات هناك.. هل تحظي بتجاوب وتفاعل من الجمهور..؟

- شاركت في عدد كبير جداً من الحفلات بأمريكا، وأذكر أن حفلاً في أحد الأعياد الوطنية ضم عدداً كبيراً من الفنانين السودانيين الموجدين بأمريكا.. قد لاقى تفاعلاً كبيراً من الجمهور.. وأمه عدد كبير من الجاليات العربية الموجودة هناك..

- عدد كبير من الفنانين السودانيين موجود بأمريكا.. أيوجد تعاون فني فيما بينكم ..؟

= نعم.. تعاون وتواصل بيننا.. وإن كانت ظروف تشتتنا في أصقاع تلك القارة تعيقها.. لكن نحاول دوماً أن نجتهد لنتفاكر فيما بيننا.. وهناك علاقات فنية وطيدة تجمعني بالموسيقار الموصلي والفنانة هادية طلسم.. وأسامة الشيخ.. وغيرهم..

- ألم تفكروا في اعداد برامج تقدم موسيقانا بصورة جميلة للعالم..؟

= دوماً هناك أفكار ومشاريع في الخاطر.. لكن ربما تشتتنا وارتباطاتنا المختلفة بظروف العمل عطلت تنفيذها، فالأخ يوسف الموصلي كان لديه مشروع لتقديم موسيقانا لغير السودانيين.. وبدأنا خطوات في هذا الاتجاه لكن الظروف أيضاً لم تيسر ذلك..

وفي مثل هذه المشاريع أعتقد أن التفرغ للفن هو مسألة مهمة وملحة لإنجاز مثل هذه الأعمال الكبيرة، وهذا ما لم يتوافر لنا.

- معهد الموسيقى (كلية الموسيقى والدراما).. برأيك إلى أي مدى أفاد في تطور موسيقانا..؟

= المعهد تطور جداً في الفترة الأخيرة وخاصة بعد تحوله إلى كلية تنتمي لجامعة السودان.. وأنا أؤمن بالعلمية في جميع المجالات.. يجب أن نتتبع مناهج محددة لذلك.. ولا يصح إلا الصحيح.. فالكلية أحدثت نقلة كبيرة جداً في الموسيقى السودانية والتعامل معها بطريقة علمية.. ونتاج ذلك نحسه الآن في عدد من الموسيقيين والفرق الموسيقية التي تؤدي أعمالها بشكل راقٍ للغاية..

-مقاطعة- ولكن في الآونة الأخيرة يمكن حساب الفنانين المتخرجين من المعهد على أصابع اليد..؟

= المعهد لا يخرج فقط فنانين فالفنان يحتاج للموهبة أولاً ثم يصقلها بالدراسة.. الآن وجدت عدداً كبيراً من الزملاء قد قاموا بدراسات ماجستير ودكتوراة هي بالتأكيد تصب في دفع مسيرة الموسيقى قدماً.. وأتمنى ألا تصبح هذه الدراسات حبيسة أضابير المكاتب.. بل يجب طبعها ودراستها وتداولها حتى تستفيد منها الأجيال القادمة.

- السقيد شخصياً.. ماذا أفاد من دراسته في المعهد..؟

= شخصياً تأثرت كثيراً بما اكتسبته في المعهد.. فمثلاً تعلمت منه كيف أتعامل مع صوتي وطبقاته بصورة علمية.. والتوزيع الموسيقى والتعامل مع الأوركسترا.. كل ذلك كان نتاجاً لتلك العلمية المتبعة داخل المعهد.

- وفي مجال التلحين.. أكان للدراسة أثر كبير في ذلك.. أم أن الموهبة هي سيدة الموقف؟

= بدأت التلحين قبل دخولي إلى المعهد.. فالتلحين احساس بالموسيقى وتفاعل معها.. أما الدراسة فإنها تصقل ذلك وتتيح لك فرصة أكبر في توسيع دائرة أفكارك ومداركك.. لكن الدراسة وحدها لا تصنع ملحناً ناجحاً.

- حسناً.. لكن أتساءل.. التجارب اللحنية الضخمة التي خاضها الأستاذ السقيد في الآونة الأخيرة.. هل تعد إعلاناً لانهاء مشروع علي السقيد الفنان.. واتجاهه لوضع الألحان لزملائه الفنانين..؟

= أبداً.. فتلحين الأغنيات هي حالة إبداعية أعايشها.. أغني بعض هذه الأغنيات.. وأعطي البعض الآخر لعدد من الزملاء.. وحتى أنا مازلت أتعامل مع عدد من الملحنين أمثال عبد اللطيف خضر، يوسف الموصلي، عمر الشاعر، وآخر لحن قدمه لي الأستاذ وردي وهي أغنية (شالت عناقيدك) من كلمات الحلنقي.. ولم أفكر في أن ذلك يعد تنازلاً مني عن الغناء..

- وتعاملك مع عدد من الفنانين الشباب.. أهو محاولة تقليل حجم الهوة بين جيلكم والجيل الذي تلاكم.. والذي أسهم بشكل كبير في افراز عدد من الأغنيات ركيكة المستوى؟

= نعم هناك فجوة بين الجيلين.. وأذكر أن الأستاذ أنس العاقب كان يقول لي(إنت من المتهمين بخلق تلك الفجوة) .. وأسبابها هجرة الكثير من جيل الوسط ووفاة البعض كمصطفى وخوجلي والعميري، والأهم من ذلك ايقاف التسجيلات بالاذاعة منذ عام 89 الشيء الذي أدى إلى انحسار الفن الغنائي بصورة كبيرة، إذ تعد الإذاعة من أكثر أدوات ايصال الاغنيات للجمهور.. هذا آحدث فجوة في عملية التتابع بين الاجيال.

وأعتقد أن هناك دوراً يجب علينا أن نلعبه في محاولة تحقيق التواصل بين الأجيال.. وعن نفسي قدمت عدداً من الألحان لخالد الصحافة.. وأسامة الشيخ.. والآن تعرفت على عدد من الفنانين الشباب ذوي الأصوات الجميلة وبإذن الله سوف أتعامل معهم..

- وهذه الفوضى الفنية التي تضرب بأطنابها.. إلى ماذا تعزيها..؟

= نعم هناك فوضى عارمة في سوق الكاسيت، وفي رأيي أن للمصنفات الفنية اليد الطولى في عدم الانضباط المتفشي في الساحة الفنية.. هناك عدد من الأغنيات لا تحمل أي مضامين جميلة.. وبعض الأصوات النشاز نستمع إليها فنستغرب ونندهش من الكيفية التي يؤدون بها الأغنيات..

- وكيف يتبدى لك مستقبل الأغنية في هذا الجو..؟

= معظم الأغنيات المنتشرة هذه الأيام عبارة عن فقاعات سرعان ما تتلاشى، وهي مثل الزبد الذي يذهب جفاء.. وسيبقى ما ينفع الناس.

- مقاطعاً- وما هو دوركم تجاه هذه الظاهرة..؟

= نحن علينا بذل المزيد من الجهد والعطاء، ولكن الدور تكاملي يجب أن تقوم به عدد من الجهات.. المصنفات الفنية التي نعزي قصورها لامكاناتها المحدودة . وصلاحياتها أيضاً محددة بأطر معينة.. وأيضاً شركات الانتاج الفني، التي أعتقد أنها أسهمت إلى حد كبير في تدني الذوق العام، فغالبيتها تنظر للفن كقضية ربحية فقط!!

ـ مصاحبة الموسيقى للمدائح النبوية.. ما رأيك فيها..؟

= أحب المدائح بشكلها التقليدي بايقاعاتها الخاصة بها.. ادخال الموسيقى لربما يؤدي إلى تشتيت فكرة المتلقي عن المعاني الروحية التي تحملها، والهدف الأساسي للمديح هو تركيز المعاني السامية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الميامين..

- إذن ماذا تقول حول ظاهرة تفريغ الأغاني من كلماتها ووضع قصائد أو أشعار مدائح في ألحانها..؟

= تلحين المدائح على نسق الأغنيات يُحدث نوعاً من الخلط المزعج.. لذا يجب الفصل بين الاثنين.. فللغناء طريقته التي يؤدى بها.. وللمديح كذلك..

وأتساءل.. هل نضب معين الألحان كي نجتر هذه الألحان ونصنع منها قوالب جاهزة لنصب عليها المدائح.. لقد كانت تجربة أولاد حاج الماحي.. وتجربة أبونا الشيخ البرعي تجربتين ثريتين علينا الاستفادة منهما في خلق ألحان جديدة وجميلة نستطيع من خلالها توصيل رسالة المدائح النبوية دون احداث أي نوع من الخلط.

- إلى أي مدى تعتقد أن عملية تصوير الأغاني «الفيديو كليب» تسهم في نشر الأغنية..؟

= الأغنية المصورة تتسيد الساحة الآن.. ويلزمك كيما توصل أغنياتك أن تستخدم هذه الطريقة في ايصالها للمتلقي.. لذا فهي مهمة جداً.. ونحن لدينا مناطق طبيعية جميلة للتصوير.. وهي غير مكلفة إذ يخلق التنوع البيئي في السودان صوراً جميلة يمكننا استخدامها.. فقط القليل من الامكانات والكثير من التصميم لإنجاز ذلك..

- نحو (30) أغنية جديدة ظلت حتى الآن بعيدة عن الجمهور..هل يعد ذلك نوع من التكاسل من جانبكم..؟

= هذا اتهام مردود.. فانتاج هذا العدد من الأغنيات ينفي شبهة الكسل.. لكن شركات الانتاج الفني هي التي تتكاسل عن ذلك..

-مقاطعة- لكن على الأقل محاولة الانتاج ربما تحتاج إلى تحرك الفنان..وأنت بأمريكا وكل الامكانات متاحة إلى حد كبير كي تسجل أعمالك..؟

= ذلك أمر يحتاج إلى امكانات ليست بالقليلة.. وهناك تجربة قام بها الدكتور متوكل محمود وكان له طموح في أن يسجل للفنانين المتواجدين هناك.. وبدأ بالفعل بالتسجيل للفنان وردي وسجل أكثر من (17) عملاً.. لكن يبدو أن عدداً من الظروف احاطت بهذا العمل مما أدى لتوقف كل المشاريع التي كان مخططاً لها بعده.. فقد كان هناك مشروع تسجيل للبلابل.. ولشخصي.. والآن لدينا ألبوم قيد العمل يشاركني فيه الموسيقار الموصلي.. بإذن الله سنتجاوز فيه اخفاقات المرحلة السابقة..

- ما بين (فرحانة بيك كل النجوم) ذات الدلالات الواضحة.. ورمزية (البت الحامت في الشريان) هل يمكننا أن نقسم تجربة السقيد إلى مراحل..؟

= لا مطلقاً.. فأنا احاول التنوع.. وتعاملت مع مدارس مختلفة في الشعر.. ودوماً تشدني الكلمات الجميلة التي أحس بها.. بغض النظر عن رمزيتها من عدمها..

- لديك تجربة تكاد تكون (خاصة) مع الشاعر مدني النخلي.. ألا يجعل ذلك تكراراً في (روح) القصائد التي تغنيها له..؟

- الأستاذ مدني النخلي تجمع بيني وبينه الكثير من القواسم المشتركة خلاف "الغناء".. فهو ينتمي لمدينة ودمدني وأنا كذلك.. وتجمعنا صداقة عظيمة وكان من أكثر الشعراء اتصالاً بي وأنا بأمريكا، وذلك أتاح لنا فرصة كبيرة لتفهم بعضنا البعض.. ولكن هذا لا يعد تكراراً.. فكل قصيدة لها (نفسها واحساسها) الخاص..

وهناك أيضاً الشاعر عصام أبكر آدم صاحب أغنية (هواك مداد)، والذي بعث الى بما يقارب الخمسين عملاً أعكف على تلحين البعض منها.. ولم أحس أن هناك تكراراً للتجربة..

- أخيراً.. هل هناك نص يشغل السقيد هذه الأيام..؟

= نعم هذه الأيام لدي أغنية من الأغنيات الخفيفة من كلمات مدني النخلي بدأت تلحينها بأمريكا وانقطعت منها فترة.. لكن الآن أدندن بها وأوشكت على وضع لمساتها الأخيرة.. وهي أغنية ( من وين؟)..

الليله جيت من وين

طريتني بعد غياب

بكل حنيه ..راجع تدق الباب

أنا قلبي كان مشرع.. بلقاك بالترحاب

لكني سديتو قدام قسى الأحباب






 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب