(مصر المأمنة) بين الفن والسياسة

بقلم : نشأت الامام

 


حينما اتجهت عقارب الساعة نحو الحادية عشرة مساءً، بدأ التململ على الكثيرين، بل أن بعضهم همّ بمغادرة قاعة الصداقة، إذ تأخر برنامج تدشين اطلاق مدحة «مصر المؤمنة» أو «المأمنة» كما حدثنا المهندس عز الدين ابراهيم مدير مؤسسة سودانيز ساوند -الجهة المشرفة على العمل- بأن الشيخ البرعي كتبها هكذا «المأمنة» في المخطوطة الأصلية التي يحتفظون بها مكتوبة بخط يده.

التأخير لم يكن مرده سوءاً للتنظيم، أو ما شابه، إذ أن الترتيبات التي بدأت بوصول الفنانين المصريين المشاركين في العمل منذ صبيحة نفس اليوم، متزامنة مع ترتيبات الاعداد الذي تم في قاعة الصداقة..

لكن..

اجتماعات اللجنة العليا السودانية المصرية المشتركة في دورتها الخامسة، كانت لا تزال تبحث في كثير مما يجمع بين هذين الشعبين، في قاعة مجاورة، فكان لابد انتظارهم ليروا هذه اللوحة (غير الاستثنائية) التي تبين تلاحم شعبي وادي النيل.

وليتهم -الوزراء- افتتحوا برنامجهم بهذه المدحة، التي تكفي وحدها لتكون وثيقة توحد وتماهي يبين مدى انصهار السودان ومصر في بوتقة أحاسيس موحدة، لكنها السياسة التي تعلو ولا يعلى عليها..

تجربة «مصر المأمنة» كتبنا، وكتب غيرنا الكثيرون عن جوانبها الفنية المختلفة، لكن ما لمسناه فيها - بعيداً عن الفن- تمثل في هذه الروح الواحدة بين شقي الوادي، في وقت تعالت فيه همسات تشير إلى ثمة تكدير أصاب العلاقات، أثبت للجميع، وأولهم الساسة أن الفن أساس متين للتواصل بين الشعوب، فعبره نستطيع بث الكثير من القيم والمفاهيم، وخلق اتصال وتناغم وانسجام، تعجز كل متون السياسة عن خلقه..

«مصر المأمنة» ، حلت بها بركة شيخنا البرعي -رحمه الله- أمسية الأربعاء الماضي، فالراحل الشيخ البرعي كتب عن مصر مما يضاهي أجمل ما كتب عنها، وحفر بقصيدته هذه حب مصر وتقديرها والاشتياق إليها في وجدان كل سوداني ، فجمعت شعبين شقيقين يلتقيان على قواسم مشتركة من الثقافة والفن والدين، بل والرحم، جمعتهم المدحة جميعاً في صفاء ونقاء سريرة، فانطلق التلاقي من القواعد، واصلاً إلى أعلى هرم السلطة في البلدين.

نتمنى أن نقف ملياً أمام هذه التجربة (الانجاز) التي حملت معها نطفة نجاحها، بل ونجاعتها منذ أن كانت فكرة، فهذا التواصل الحميم، حري به أن يوثق عُرى المودة بيننا والآخرين، ولنستعد -منذ الآن- لتجارب أخرى تنطلق من هذا المعين الذي لا تنضب محبته، ولا ترتوي منه الأفئدة قط..

وها هو الفن يعطي السياسة بعضاً مما عنده، ويمد لها يده بيضاء من غير سوء، فليت الساسة يعطون هذا الفن بعضاً مما عندهم عرفاناً لدوره الذي ظل يلعبه، وتقديراً له..



 

نشأت الامام

21/06/2007

 

راسل الكاتب