المقدر لابد يكون..
بقلم : نشأت الامام

 

المقدر لابد يكون..

الصوفي المعذب بادي محمد الطيب

الخرطوم: نشات الامام
 

خلف رحيل الكروان بادي محمد الطيب لوعة وشجناً لدى الشعب السوداني بصورة عامة, ولدى محبي فن الحقيبة بشكل اكثر تخصيصاً, فكان الرحيل بمثابة انفراط الحبة الأخيرة في عقد الحقيبة النضيد..

رحل بادى ووري الثرى بمسقط رأسه (حلة عباس) بولاية الجزيرة، لكن أغنياته وادائه الاستثنائي، ظلتا عصيتان على الرحيل من وجدان هذا الشعب الذي عشقه..

من "حلة عباس" بالجزيرة خرج الفنان بادي محمد الطيب حيث حفظ القرآن في خلاويها مما كان لها الأثر الواضح لإجادته لفنون الغناء الشعبي والمديح بل الغناء الحديث حيث برع في الغناء بالأوركسترا والرق. ويعتبر بادي من آخر جيل عمالقة الحقيبة وإن جاء ذكر أغنية الحقيبة فذكر الناس من شعرائها العبادى وود الرضي ، الجاغريو ، سيد وعبيد، عتيق ، المساح ، الأمي ، وغيرهم، وذكر من الفنانين سرور وكرومه وزنقار والأمين برهان فإنهم لا شك سيذكرون كروان الحقيبة وبلبلها الصادح بادى محمد الطيب الذي نصحبه في هذه السياحة الفنية عبر معلومات امدنا بها الاخوة في موقع /www.halaween.net

نداوة الصوت

إسمه الحقيقي أحمد المصطفى ويلقب منذ صغره ببادى ، ولد عام 1935 بحلة، درس بالخلوة في صباه وتلقى دراسة القرآن على يد جده لأمه الفكي محمد عبدالله وأكمله مع الفكي محمد مصطفى الحلاوي وكان التعليم آنذاك يركز على الخلوة وبدأ جمال صوته ونداوته يظهر في تلك في الفترة بصورة جذبت اليه الأنظار وكان محمد أحمد شقيق بادى فناناً معروفاً في حلة عباس والقرى المجاورة وكان يغني مع كمال الدين الطيب وسعد سعيد بلال كثلاثي وكان بادى أنذاك يدرس. وفي بداياته كان يردد أغنيات من سبقوه أمثال محمد وردي - إبراهيم عوض - حسن عطية و عثمان الشفيع إضافة الى الأغاني السائدة بالمنطقة وهي مزيج من الأغاني الشعبية وأغنيات الحقيبة.

بادي الى الخرطوم

لم يكن بادى عندما جاء الى الخرطوم يضع في مخيلته الإنطلاقة الواسعة في عالم الغناء والطرب ولكنه جاء مثل ما يأتي أهل القري الى الخرطوم يبحثون عن فرصة عمل بخلاف الزراعة وعمل بادى في عدة مهن قبل أن يستقر به المقام في جامعة الخرطوم حيث عمل فى إحدى كافتيريات الجامعة وكان مدير الجامعة في ذلك الوقت العلامة الراحل البروفيسور عبدالله الطيب وأبرز الفنانين الذين عاصرهم بادى فى تلك الفترة عوض شمبات ، الكابلي وحمد الريح الذي كان يعمل بجامعة الخرطوم وكان بادي يدندن فى أثناء ساعات العمل الشئ الذي استرعى إنتباه الطلبة فأخذوا يلحون عليه في المشاركه عبر المنتديات فاستجاب لرغبتهم وكانت هذه نقطة تحول بالنسبة له

مع الحقيبة

علاقة بادي بأغنية الحقيبة بدأت مع بداياته الفنية في مطلع الستينات حيث كانت مجلة الاذاعة والتلفزيون تنشر كلمات الاغنيات لذلك لم يجد بادى مشقةً في الحصول على نصوص الأغاني. و أخذ يحفظ ما تننشره المجلة واعتمد في معرفة الالحان على الإذاعة والتلفزيون . وفي ذلك الوقت كانت مجموعة من الفنانين تقوم برحلات فنية تجوب خلالها مدن وأرياف السودان فشارك أبوداؤود وسيد خليفة رحلاتهم وغنى معهم.

يبكي ويغني

الذين يستمعون لبادى يرون كيف يكون متفاعلاً مع الأغنية التى يرددها ويستمعون اليه وهو يصرخ بأعلى صوته مردداً ( يا سلام) وفي أوقات كثيره عندما يكون في منزله بالعباسية يغنى ويبكي ويعزي السبب في ذلك الى خوفه من ضياع مثل هذا التراث الخالد دون أن يجد من ينقله على الوجه الأمثل

الحفظ والاستدعاء

ميزتان يمتلكهما صداح الحقيبة بادى محمد الطيب, هما الحفظ التام لكلمات وألحان وتواريخ ومناسبات أغنيات الحقيبة بالإضافة للقدرة الهائلة على الاستدعاء متى أراد ذلك فهو يمكن أن يغنى في أى وقت أى أغنيه تطلب منه ويقول إن الفضل في ذلك يعود الى حفظه المبكر للقرآن الذي نقى ذاكرته وجعلها لها هذه المقدرة الإلتقاطية

من أغنياته

تغني بادي بالعديد من أغاني الحقيبة المعروفه في ذلك الزمان وقام بتلحين الكثير من الأغاني نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أغنية، الواعي ما بوصو، وهي من كلمات بت مسيمس وتتحدث هذه الأغنية عن عبد القادر ودحبوبه بطل ثورة 1908 بمنطقة الحلاوين بالجزيره وكذلك لحن بادي أغنية 'المقدر لا بد يكون، الخدير ، فتاة اليوم ، دابى البركة ، مناى الجدية ، الليلة هوى ياليل ، العديل والزين ، وغيرها من الأغنيات وهناك أغنيات كثيره كان يمكن أن تضيع وتنسى لولا المجهودات التى بذلها بادى في سبيل حفظها مثل - مسونوركم - ومن الأغنيات التى عرف بادى بترديدها؛ 'إنت حكمة، وهي من كلمات محمد على عبدالله الأمى وألحان كرومه ، ليلتنا ليلية وهي من كلمات سيد عبدالعزيز وألحان زنقار ، قمربين الأزهار' وهي أغنية تراث ، قمر العشاء، وهي أغنية تراث ايضاً، السمحة أم عجن، وهي من كلمات سيد عبدالعزيز وألحان كرومه. ومن أغنيات بادي أيضاً، يا مدلل، بكا الخنساء ، أذكريني ياحمامة ، في الفؤاد ترعاه العناية ، صباح النور ، الفى دلالو ، يا سمير ، سيد الروح ، كما غنى بادى أغنية، الهجروك على؛ وهى من كلمات وألحان عبدالحميد يوسف وغنى بادى أيضاً أغنية ،بتريد اللطام، و تمثل الأغنية قيلت فى رثاء عبدالقادر إمام ودحبوبة. والأغنية من كلمات رقية شقيقة البطل عبدالقادر إمام ود حبوبة .

وأخيراً..

رحل بادى ولازال صدى هيامه -وهو يغني- يملأ جنبات الفضاء, وكما وصفه من قبل الأستاذ حسين خوجلي بانه الصوفي المعذب, ارتحل حاملاً معه بعضاً من عذابات الشجن العفيف الى عوالم الخلود.. وترك لنا كل هذا الجمال الذي يتردد صداه معلناً عن ذلك الناسك المتبهل في محراب الفن والغناء..

لك الرحمة استاذنا الراحل بادي محمد الطيب, ولنا فيما تركت العزاء الجميل








 

نشأت الامام

07/06/2007

 

راسل الكاتب