حكايتو حكاية..
بقلم : نشأت الامام

 

حكايتو حكاية..

محمد منير يستمريء التعدي على الأغنيات السودانية

الخرطوم: نشأت الإمام

كتبنا الأسبوع الماضي عن ظاهرة التعدي على الأغنيات السودانية من قبل بعض الفنانين العرب، وذلك دونما الاحتفاظ بالحقوق المادية والأدبية لأصحاب هذه الابداعات وهذه الأغنيات حققت نجاحات كبيرة، وربما هذا مرده لهذه الايقاعات المميزة لنا، فمع بعض التكنيك الموسيقي أصبحت أعمالنا عالمية ونجحت للحد البعيد، ووجد هذا الرأي الكثير من النقاش، وقام بالاتصال بنا الكثير من المهتمين الذين أيدوا ما ذهبنا إليه.. ونلاحظ تواصل اخذ الفنان النوبي محمد منير لكثير من الأغنيات السودانية، ووجد منير في هذه الأغنيات -بل وبعض المدائح- ما يميزه عن غيره من الفنانين العرب، فهو ينافسهم بعيداً عن معايير المنافسة هناك، اذ انه يدهش الناس دوماً بهذا السلم الذي يطوعه ويخرج من لدنه ألحاناً غير مسبوقة، وغير مكررة، فيبدأ بها دورات ودورات في انتهاجه الذي يراه الناس متميزاً لحد ما.. نحن هنا نحاول استجلاء الحقائق بدقة، ووضعها بين يدي قاريء «الرأي العام» والجهات المنوط بها تقويم هذا الاعوجاج.. ونبدأ تحقيقنا بالفنان عز الدين أحمد المصطفى وكيل ورثة الفنان أحمد المصطفى الذي تغنى له محمد منير بـ«القربو يحنن»، وكذلك الفنان عبد اللطيف عبد الغني «وردي الصغير»، وهو الآخر تعدى على حقوقه منير عبر أغنيته «بطاقة شخصية»، التي حولها الآخير لـ«مساكن شعبية»..

إذن دعونا نتابع مع عز الدين وعبد اللطيف أصل الحكاية.

قبل عامين اتصل بي شخص يدعى محمد، سألني عن أغنية «القربو يحنن» ولمن ألحانها؟، فأخبرته أنها من ألحان والدي، ولم يزد عن ذلك شيئاً، فشكرني وأنهى الاتصال..

هكذا ابتدر الفنان عز الدين أحمد المصطفى -وكيل ورثة الفنان احمد المصطفى- حديثه وهو يحكي عن قصة الأغنية بينه ومنير، ويواصل عز الدين: بعد ذلك بيومين، اتصل شخص آخر عرف نفسه بأن اسمه محمد، وهو من طرف الفنان محمد منير، وأخبرني برغبة منير في ترديد أغنية «القربو يحنن»، فكان ردي الأول أن ذلك غير ممكن..

ويشرح عز الدين سبب رفضه قائلاً: هذه الأغنية تظل موثقة باسم أحمد المصطفى، وهذا نتاج لابداع قضى فيه أحمد المصطفى سنين عدداً وهو يهبه وقته وصحته، فلا يمكن التنازل عن أغنية لتعرف باسم مغنٍ آخر..ولم يكن الرفض مقنعاً لمنير، إذ أنه قام بتوسيط عدد من زملاء عز الدين لاثنائه عن ذلك، ويقول عز الدين: اتصل بي د. الفاتح حسين وغيره من الزملاء فسألتهم عنه ولماذا لم يقم بالاتصال المباشر معي؟..

لم يتصل منير، لكن (مندوبه) حضر للقائي مرة أخرى، وأصر على أن منير شدد على هذه الأغنية، وذكر لي أنه -منير- مستعد تماماً ليقوم بكافة الالتزامات المادية والأدبية تجاه هذه الأغنية، فقط حددوا القيمة التي تطلبونها..

مع اصرار منير على ترديد الأغنية تعامل عز الدين هذه المرة بفهم مختلف، إذ يقول: انتبهت إلى أن هذا التعاون بيني وبين محمد منير ربما يصبح مدعاة لمزيد من التعاون بين شعرائنا وملحنينا السودانيين، وبين الفنانين المصريين، حيث بالامكان فتح آفاق جديدة للتعامل الفني بين الجانبين، وهكذا تم التشاور بيني وبين ورثة الفنان أحمد المصطفى، واتفقنا على مبلغ معين نظير السماح لمنير بترديد الأغنية..

عز الدين ينظر للمبلغ أنه معقول بالنسبة لهذا الارث، ويعده قليلاً على فنان مثل محمد منير، ويواصل عز الدين: اقترحت على مندوب منير مبلغ (عشرة آلاف دولار) والاحتفاظ باسم الملحن أحمد المصطفى في أي ألبوم تصدر فيه هذه الأغنية، لكن المندوب أخبرني أن هذا المبلغ كبير، ولن يدفعه منير، وبالفعل اتصل به وأخبره منير أن يخفض هذا المبلغ، فقمت بتخفيض ألف دولار، لكنه أيضاً استكثر هذا المبلغ، وذكر بأنه سيدفع خمسة آلاف فقط..

ويبين عز الدين أنه رفض ذلك، وقال: هددني المندوب تهديداً مبطناً، بأن قال: «أنا شايف انك تديهالو.. لاني أنا اعرفو كويس، هو خلاص كبرت في راسو وحا يغنيها، فاحسن تاخد الخمسة آلاف دول»..

بعد ذلك توقفت الاتصالات بين منير وعز الدين، وتفاجأ عز الدين وهو يستمع للأغنية عبر ألبوم غنائي أنتجته شركة «ميراج»، وهي نفس الأغنية اختار منها منير مقاطع معينة، وعمل عليها «بعض التمويه»، لكنها لم تخرج كثيراً عن أنها نفس الأغنية..

هنا يصعد عز الدين من لهجته ويقول: نحن نسمي ذلك سرقة وتعدياً على حقوقنا، فمن حقنا أن نعطي أو نمنع، لكن أن يستأثر منير بهذا العمل، ويردده رغماً عن أنفنا فإننا نجد في ذلك استفزازاً وعدم اكتراث واضح تجاه قانون الملكية الفكرية، وهي التي ضمنت حقوق المؤلف وألزمت بها غيره ممن يستفيدون من هذه الابداعات الخلاقة..

وحول رأيهم حول ذلك يقول عز الدين: محمد منير لم يستح من فعل ذلك، لكن نتساءل عن المصنفات الفنية والأدبية بمصر وعن دورها، حيث أن منير أورد الأغنية في الألبوم دون أن يذكر اسم شاعر أو ملحن الأغنية، فكيف تسنى له ذلك؟ حيث أنه من المعروف أن أي عمل تتم اجازته يجب أن يعرف اسم كاتبه وملحنه، بل أبعد من ذلك حيث أنه يجب احضار ما يثبت تنازل الشاعر والملحن لهذا الفنان أو ذاك بترديد هذا العمل.. فهل استثنت المصنفات الفنية بمصر منير عن ذلك..؟

وعن دور المصنفات الفنية السودانية تجاه هذا التعدي يرى عز الدين أنه يجب أن يكون هناك تعاون بين المصنفات في البلدين، اذ ان قوانين الملكية الفكرية هي قوانين عالمية ووقعت عليها الكثير من الدول التي من بينها السودان ومصر.. وأبان عز الدين، أن الأغنية موجودة ومسجلة باذاعة وادي النيل باسم احمد المصطفى، وهناك الكثير من البينات الأخرى، لكن يرى أن الأستاذ التيجاني يحاول أن يجد منفذاً آخر بعيداً عن المحاكم لحل الاشكال بطريق ودي، لكن في الآخر لا يصح إلا الصحيح، وسوف يأخذ القانون مجراه، وحتماً سيأخذ كل صاحب حق حقه.وشدد عز الدين على أن هناك قنوات كثيرة يجب عليها ان تعض بالنواجذ على هذه الحقوق، وابان انه اذا اضطر فانه سيذهب إلى مصر ويطالب أمام المحاكم المصرية عن هذا الحق الأصيل للأستاذ الفنان الراحل احمد المصطفى.

في العام 1985م كانت هذه الأغنية ضمن أغنيات الانتفاضة التي عاشت في وجدان الشعب، وبين عامي 86-87 جاء محمد منيرالى السودان، وبدأ «يناوش» في هذا الموضوع لكننا لم نتفق انما اكتفى بابداء رغبته في ترديدها، بهذه الكلمات بدأ الفنان عبد اللطيف عبد الغني «وردي الصغير» قصته مع محمد منير.. وواصل عبد اللطيف:

في العام 88 ذهبت إلى أمريكا، في رحلة فنية ومن ثم استقريت هناك، وحكى لي أحد أصدقائي بأمريكا أنه شاهد محمد منير عبر احدى القنوات الفضائية، وهو يعلن عن أغنية جديدة اسمها «مساكن شعبية».. تفاجأت بذلك.. لكن سرعان ما اتصل بي الفنان محمد منير وأنا مقيم ذلك الوقت بأمريكا وأذكر أن ذلك كان في عام 97، وطلب مني أن يغني هذه الأغنية، حيث أنني صاحب حق أصيل باعتباري ملحن هذه الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر محجوب شريف..

عبد اللطيف لم ينف أنه وافق مبدئياً على أن يغني منير هذه الأغنية، لكنه يستدرك قائلاً: لم يتم الاتفاق على الحقوق المادية والأدبية انما أخبرته أنه لا يوجد ما يمنع تدارس هذه المسألة، ويوضح عبد اللطيف أن موافقته كانت لأنه يحترم محمد منير، ولأجل التواصل الثقافي والفني بين بلدين يعتبرهما أشقاء، لكن هذه الموافقة لم تكن نهائية، إذ يجب اجراء ترتيبات لذلك..

بعد ذلك انقطع منير عن الاتصال وظللت أتابع عبر عدد من الاذاعات والقنوات الفضائية منير وهو يردد الأغنية التي حور اسمها من «بطاقة شخصية» إلى «مساكن شعبية»، وحققت هذه الأغنية نجاحات كبيرة جداً لمحمد منير، وصدرت في ألبوم حمل اسمها، وهذا دلالة على قوتها..

قوة الأغنية يراها عبد اللطيف موجودة بداخلها، اذ أنها حينما سمعت في السودان في وقت الانتفاضة جعلت اسم عبد اللطيف يذكر مع قامات فنية سامقة، فحينما تذكر ملاحم الانتفاضة التي غناها كبار الفنانين كانت «بطاقة شخصية» ضمن هذه الأغنيات التي حفظها الناس وأحبوها، بل كانت بالنسبة لعبد اللطيف شهادة المرور في مجال الفن، إذن -على حد قول عبد اللطيف- منير لم يصنع لها النجاح بل هو استغل نجاحها وأضافت له هذه الأغنية أكثر مما أضاف اليها..

محاولة منير لتجاوز عبد اللطيف تمت عبر اتصاله المباشر بالشاعر محجوب شريف، لكن.. يقول عبد اللطيف: محجوب الرجل العظيم بمواقفه ردعه وقال له: هذه الأغنية سمعتها أنت وغيرك عبر أداء عبد اللطيف عبد الغني، إذن اذهب اليه وخذ اذنه.. لكن منير أيضاً لم يعر الأمر اهتماماً.

عبد اللطيف يلقي باللائمة على الكثير من الجهات التي يفترض ان تكون هناك انتباهات كثيرة لديها تجاه مثل هذه القضايا، إذ يرى أن هذا ليس تعدياً عليه هو فحسب، بل يعتبر تعدياً لموروث أمة، ويقول: يجب على المصنفات الفنية والأدبية، والأجهزة الحكومية التي لها تمثيل سياسي بمصر أن تتابع مثل هذه الأمور فهناك ملحق اعلامي وملحق ثقافي، وأنا أتساءل هنا عن دورهما تجاه موروث هذه الأمة السودانية وعن حمايتهم لابداع أهل السودان من التعدي الجائر الذي يمارسه البعض، أليس هذا من صميم اختصاصهم..؟

زيارة منير الأخيرة للسودان، يرى فيها استفزازاً كبيراً مورس ضد كل الذين تغنى لهم منير، لكنه عاد وذكر:

قابلته وأخبرني أن لدى حقوقاً في نقابة المؤلفين والملحنين بمصر، فاستغربت لذلك، فأنا لا أملك عضوية تلك النقابة، هذا أولاً، وثانياً.. تساءلت عن ماهية تلك الحقوق ومتى اتفقنا عليها؟ ولم يكن عنده سوى الصمت، وهو يوكلني لمدير أعماله الذي حاول تضخيم ذات محمد منير، وأنني يجب أن أسعد بأداء منير لهذه الأغنية!!

كان ذلك مؤسفاً بالنسبة لي لكن منعتني نخوتي من تحريك أي بلاغ ضده في ذلك الوقت، فهو لم يتفق معي وحتى عندما كتب أن الأغنية من ألحان وردي الصغير، لم يكن هذا مرضياً بالنسبة لي، لكنه لم يأبه بذلك كثيراً، واكتفيت حينها بتحريك هذه القضية لدى المصنفات الفنية والأدبية.. ويرى عبد اللطيف أن هناك تباطؤاً في متابعة مثل هذه القضايا لدى المصنفات، ويقول: دائماً نصطدم هنا بتعقيدات وبيروقراطية العمل العقيمة التي تهدر الكثير من الوقت دونما طائل..

ويختتم عبد اللطيف كلامه قائلاً: ما ضاع حق وراءه مطالب، ولا أدري على وجه التحديد الآن كيف سأحرك هذه الاجراءات، لكن في نهاية المطاف، سوف أستعيد كافة حقوقي بواسطة القانون باذن الله، وهذا حق للشعب السوداني كله وليس حقي فحسب.







 

نشأت الامام

22/02/2007

 

راسل الكاتب