متفرد.. في زمن المألوفين
بقلم : نشأت الامام

 


متفرد.. في زمن المألوفين
إذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام

.. لذا كان الأدقّ فيمن حوله، نحيلاً حد التلاشي، تعانده قدماه مراراً وهو يحاول أن يجعلهما تحملان بعضاً منه، لكنهما تصران على خذلانه، فيتهاوى على «عنقريب» متهالك، ويطلق من فمه تنهيدة، ويتبعها بأخرى، ثم يرنو للفضاء، يداعب نجمة، أو يمازح قمراً، ويلقي بروحه غير آبه سوى بوشوشة العبير، أو ما يتراءى له من عناق النسيمات والخصل..

* ديوانا شعر «ناصريٌ أنا» و«سال من شعرها الذهب»، وأغنيات صدحت بها أعذب الحناجر «وردي، أبو اللمين، صلاح بن البادية، الجابري، سيد خليفة، عثمان مصطفى وصالح الضي»، هذا ما تركه لنا.. ودمعة حرى نسكبها.. وفي القلب مستقر لها..

* وكأن العام الماضي لم يكتف بالنجوم الزواهر الذين حاول درسّ لمعانهم، واستمات في إخفاء بريقهم، فأخذ معه الفنان، والتشكيلي، والشاعر، والمسرحي، وقبل أن يسدل ستار آخر ساعات أيامه، أخذ معه أبو آمنة حامد، ليصبح شاعراً راحلاً، امتد ترحاله بين عوالم شتى، من أقصى نواحي الشرق، إلى حدود التعب والرهق، وشظف العيش..

* في آخر أيامه.. ناوشته يد المنون بمخالب المرض، فكان يبدو كشاعر طالع من رماد المراثي، وليٌ في ثوب ثائر، بين الحالة ونقيضها، لكنه في وضع من البراءة التامة، والطفولة الدائمة، ثوري لكنه مكتئب، مضطرب روحاً وقلباً.. وجسداً، يهجس بالحياة بمقدار ما يهجس بالموت..

* وأخيراً.. وقبل ساعات من حلول العام الجديد، أسلم أبو آمنة روحه إلى بارئها، وجعل جسده المتهالك المنهك، يستجم من مجاراة تلك الروح المتمردة..

* لك الرحمة، ولنا العزاء فيما تركت.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».








 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب