الليله جيت من وين؟
بقلم : نشأت الامام

 

الليله جيت من وين؟
علي السقيد وعودة الفن الأصـــــــيل

تقرير فني: نشأت الإمام

على الرغم من زخم الانتاج الفني للألبومات الغنائية قبيل الأعياد، وخاصة عيد الأضحى الفائت، إلا أن ألبوم الفنان علي السقيد الذي انتجه أواخر العام الماضي، حجز مقعداً متقدماً للغاية، وذلك وفقاً لمحال توزيع الألبومات بالعاصمة القومية وولاية الجزيرة -مسقط رأس الفنان-، وأثبت السقيد عبر ألبوم «جيت من وين» أنه فنان لكل المواسم.. فبرغم هجرته منذ أوائل التسعينات، فهو مازال في وجدان كل مستمعيه بذات الحضور البهي، لذا لم يستغرق الأمر وقتاً حتى يعاود السقيد بث اشراقاته، فيتلقفها المستمعون بشوق ولهفة..

تجانس

ألبوم «جيت من وين» ضم سبع أغنيات، وتعامل فيه السقيد مع خمسةشعراء، مثلوا حقباً متقاربة، ولونيات متعددة الأمزجة، فغنى للشاعر مدني النخلي ثلاث أغنيات (جيت من وين، كل النجوم، وخيوط الفجر)، وتجربة السقيد مع النخلي تكاد تكون خاصة، فهناك الكثير الذي يجمع بينهما بخلاف الغناء، فهما من مدينة واحدة، وتوطدت بينهما العلائق خلال غربة كليهما، فأصبح هناك نوعاً من التجانس والتناغم بينهما، وعلى الرغم من ذلك نجد أن أغنياتهما تنأى بنفسها عن التكرار والتشابه، فلكل أغنية نفسها واحساسها الخاص بها، فنلاحظ أن أغنية «كل النجوم» ذات الدلالات الواضحة، وهناك «خيوط الفجر» التي تحمل قدراً من الرمزية، وبين هذه وتلك نجد «جيت من وين»، مما يبين لنا التنوع في مضامين وصيغ الأغنيات التي أنجزها هذا الثنائي، مع الأخذ في الاعتبار أن رصانة الكلمات وجمالها يظل القاسم المشترك لهذه الأغنيات..

استفادة

وجاءت أغنية «سكة ندية» التي صاغ كلماتها عز الدين هلالي ولحنها الموسيقار يوسف الموصلي كواحدة من الأغنيات المسموعة، لكن التوزيع الموسيقي الجديد والذي قام بتنفيذه موسيقيون محترفون أمثال سعد الدين الطيب، ميرغني الزين، عثمان النو، المعز ابراهيم وغيرهم، هذا التوزيع أعطى «سكة ندية» و«المشاوير» لعماد الدين ابراهيم، بعداً جديداً يصب في خانة استفادة السقيد من سنين اغترابه الطويلة، حيث أن الاطلاع على تجارب الآخرين وثقافتهم، يضيف للأذن الموسيقية الكثير، وينشط حاسة التذوق الفني، وكذا استفاد السقيد من التقنية الحديثة المستخدمة في المجال الموسيقي مما انعكس ايجاباً في ما قدمه خلال هذا الألبوم فكان استخدام الطمبور في (المشاوير) اضافة جميلة للموسيقى..

توظيف

تعامل السقيد مع طبقات صوته بصورة علمية، والتوزيع الموسيقي وتفعيل دور الآلات داخل الأوركسترا، بدا جلياً في أغنية الحقيبة «من بعيد» وهي من كلمات محمد بشير عتيق، ولحنها عبد الرحمن الريح، حيث احتفظ السقيد بقالب اللحن الأصلي، لكن حركة الصوت وتنقله أضافت بعداً جديداً للأغنية، وكذلك أغنية «أمر الهوى» لسعد الدين ابراهيم، والتي قام بوضع الألحان لها ضياء الدين ميرغني، أظهرت هذه الأغنية -بشكل كبير- ما يتمتع به السقيد من قدرات تطريبية عالية، وظفها التوظيف الأمثل، فهو استفاد من دراسته بمعهد الموسيقى في صقل موهبته، وأتاحت له فرصة أكبر في توسيع دائرة أفكاره ومداركه الموسيقية..

انتقاء

تلحين الأغنيات بالنسبة للسقيد، حالة ابداعية يعايشها، فهو بدأ العزف على آلة العود قبل إلتحاقه بالمعهد، وكذا التلحين، لكن من الملاحظ في هذا الألبوم، أن السقيد قدم أغنيتين فقط من ألحانه، وذلك ربما مرده إلى أنه أراد شحذ الألبوم ومده بمختلف المدارس اللحنية، لخلق تنوع جميل في المزاج اللحني للمتلقي، لذا انتقى السقيد زهرات من بيادر أصدقائه الملحنين أمثال الموصلي وعبد اللطيف خضر، وأضاف إليها احساسه الموسيقي، فجاءت على هذا النسق المتفرد..

إذن..

على الرغم من سلبيات الغربة التي تنعكس على الفنان، وذلك لصعوبة تعايشه مع بيئات تختلف في أمزجتها وعاداتها عن بيئته التي نشأ فيها وتشرب من معينها القيمي والفني، اضافة لذلك ابتعاده عن جمهوره الذي يشكل لديه الدافع الأكبر للانتاج، رغماً عن كل ذلك جاء السقيد وهو يحمل بين يديه الكثير من الابداع، امثال بعضه في هذا الألبوم الذي أنجزه لدى زيارته للسودان العام الماضي، ولا يزال هناك الكثير الذي لم يقله السقيد بعد..

نعم.. فقد السقيد دفء منابر الوطن، لكنه اكتسب التجربة العريضة في صقيع الغربة، وهو الآن يملك رصيداً تجاوز الخمسين أغنية، لا يخالجنا الشك في أنها ستشكل اضافات حقيقية لمسيرة الأغنية السودانية..







 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب