نانسي عجاج
بقلم : نشأت الامام

 


نانسي عجاج
الصعود بـ «السلالم الخماسية»


مساء الثلاثاء الماضي، اكتسى ليل الشتاء دفئاً ناعماً، فصوتها هدهد لسعات البرد بحميمية، ومنذ إطلالتها على شاشة تلفزيون السودان في العيد، ألفها الكثيرون وعرفها مثلهم وقبل ذلك رأوها عياناً بقاعة الصداقة قبل عام ونيف.. أداؤها المتفرد في تقديم الخماسي بطريقة مبتكرة، حجز لها مكاناً وارفاً لدى معجبيها خارج السودان قبل داخله، لذا كان التدافع ذلك المساء على اشده في المركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم.. الكل جاء ليستمع إلى نانسي عجاج..



بعد أن قدمها مدير المركز الفرنسي بأنهم يعرفون «نانسي» كمدينة جميلة بفرنسا، لكنهم اليوم -الفرنسيون- يودون التعرف إلى هذه الـ «نانسي السودانية»، التي سرعان ما صعدت الى المسرح، بمعيتها الموسيقار محمدية، والفنان عازف العود عوض احمودي، ودوزن ايقاعات الاغنيات الفنان شريف مليجي..

تحية نانسي لجمهورها كانت بطريقتها الخاصة، حين ابتدرت بأغنية مصطفى سيد أحمد «لمحتك»، دونما مصاحبة للموسيقى، فتجلت روعة التطريب في صوتها دون أية رتوش..

بعد أن «لمحت» نانسي تجاوب الجمهور، تغنت برائعة عثمان حسين «شجن»:

لمتين يلازمك في هواك مر الشجن

وللبلابل بـ «في الطيف أو في الصحيان»، ثم عرجت نانسي للحقيبة وهي تغني:

في الضواحي وطرف المدائن

يلا ننظر شفق الصباح

وعندها لم يتمالك احمودي نشوته، فترك العود يرتاح على رجليه، وأخذ يصفق وهو يردد خلفها:

قلبي يا جمجوم أصلو خاين

شوفو كيفن ببرا الملاين

هب شالن كشح المراح

وبعدها أدت أغنية «الشوق والريد» للكاشف، التي قدم لها الموسيقار محمدية بقوله: هذه الأغنية آخر ما تغنى به فناننا الراحل المقيم ابراهيم الكاشف، وهي -الأغنية- درس وامتحان، لكل من يرغب في اكتشاف مدى اجادته لفن الغناء، أقدمها لكم عبر صوت نانسي، واحكموا بأنفسكم..

فتغنت نانسي:

الشوق والريد

الحب البان في لمسة ايد..

فهفت الأكف لتلمس بعضها البعض، معلنة بالتصفيق الداوي نتيجة امتحان الأغنية..

واختتمت نانسي فصلها الأول على خشبة المسرح بأغنية:


فلق الصباح قول لي

أهو نورك لاح خلي

يا خفيف الروح

أهو هذا نداك أم ندى الأزهار

لتغادر خشبة المسرح في استراحة قصيرة، وتترك الفرصة لتكتمل عملية الاستيعاب الكامل من الجمهور لهذا الفن المنثال، وليلتقط بعض أنفاسه.. ثم جاءت واختارت رائعة الفنان سيد خليفة «ولى المساء» لتستهل بها الفاصل الثاني، وأتبعتها بـ «مسامحك يا حبيبي» لعثمان حسين، وعادت مرة أخرى لأبو السيد عبر «صديق مالك مشغول بالك»، وفي تنقلها بين بيادر الغناء السوداني، لم تنس راحلنا ابراهيم عوض، فتغنت له بـ «المصير»، وهنا بلغ سيل النشوة زباه عند أحمودي فقال: لعمري كل ما نسمعه الآن غناء رفيع، وأداء راقٍ، وأحييّ هذا الجمهور على تجاوبه الجميل مع ما نقدم، وأردف: لو كان الجمهور السوداني على هذا النسق، لما تسرب إلينا يوماً غث الغناء وفطير الألحان الذي تشهده ساحتنا الفنية الآن..

وقبيل الختام، قدمت قصيدة للشاعر محجوب شريف:

وروني ما ذنبي

ما لقيت الوالدين جنبي

وروني ما اسمي

في يوم انتحل جسمي

لا بيتي لا رسمي..

وختام الأغنيات كان عبر «ظلموني الناس» للرائع الكاشف، والتي أتبعها الجمهور بتصفيق متواصل تحية لنانسي..

الموسيقار محمدية لم يخف اعجابه، وانحيازه لما تقدمه نانسي فذكر:

ظهور فنان متفرد شيء نادر الحدوث، وفقدنا الكثير من الفنانين لعدة ظروف، ونانسي فنانة تمتاز بقدرة عالية على التطريب، وتنوع في الأداء، وثبات في الحضور المسرحي، والفن هو مسألة تحتاج لضوابط وصبر ومثابرة، والصوت هو البداية، لكن تتبعه مشاق أخرى لذا فعليها شيئان، أولهما انهماكها في تجويد أعمالها الخاصة، والآن هي تعاملت مع شعراء عديدين أمثال يحيي فضل الله ومحجوب شريف وحسن الزبير، وهذا ما ننادي به دوماً، أن يتم التعامل مع ذوي الخبرة والدراية، وثاني الأمرين هو عدم استسهال العملية الفنية، فالفن مسؤولية، لذا فالنأي عن الكسب السريع يجعل خطواتها أكثر رسوخاً وثباتاً، فنانسي لو استغلت خامة صوتها التي تستخدمها بطريقة ملفتة للنظر، بلا شك ستصل إلى مبتغاها.

وفي افادات موجزة حول تجربة نانسي، ذكر عوض احمودي:

نانسي صوت من الزمن الجميل، ولها موهبة تطريبية عالية للغاية، وأرى أنها تختار الأعمال التي يصعب اداؤها بشكل عام، لكنها متمكنة من صوتها، وتستطيع تطويعه بطريقة جديدة وجاذبة، ونانسي تسير بخطوات متئدة، لكنها راسخة..

ومن مقر اقامته بلندن ذكر الأستاذ الشاعر فضيلي جماع أن نانسي: وضحت فيها بصمات الموسيقار عجاج، من حيث صقل صوتها وتوجيه ذبذباته، وأداؤها خضع لتدريب علمي شاق، لذا كان نتاج ذلك تطريباً راقياً، ونانسي لها مقدرة عالية في التعامل مع طبقات صوتها، فأداؤها يقارب الأداء في شرق آسيا، فالخماسي الذي ميز معظم الغناء في السودان -باستثناء بعض الألحان من غرب السودان التي جاءت على ربع التون وسلم البياتي- هذا الخماسي يجمع قسطاً كبيراً من الغناء السوداني مع التطريب في جنوب شرق آسيا، ولعلنا لا نعجب لكون الأساتذة الكوريين الذين قاموا بالتدريس في معهد الموسيقى والمسرح في السبعينات، كانوا معجبين حتى الثمالة بألحان الكاشف وكرومة، بل وجدوا ضالتهم في خماسي التطريب السوداني.





 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب