الفنانون.. ماذا قدموا لقضايا الوطن..؟

بقلم : نشأت الامام

 


البعض دافعوا عن أنفسهم..

الفنانون.. ماذا قدموا لقضايا الوطن..؟

عاشت البلاد أجواء السلام وانتعاشاته بعد توقيع نيفاشا، كما شهدت احداثاً جساماً في دارفور، ولم تكن الساحة الفنية بعيدة عن مشكلات الوطن، تأثيراً وتأثراً، كما هو معروف الدور الرائد لفناني السودان في المنافحة عن البلد وتمجيد تاريخها وسكانها، وهو دور مستمر ومتجدد، لكنا لاحظنا في الفترة الأخيرة عزوفاً من الفنانين عن هذه المعضلات الوطنية.. التقينا بجملة منهم وسألناهم عن دورهم كسفراء شعبيين في حمل هموم الوطن، وطموحات أجياله، وجاءت أسئلتنا بشئ من العتاب، بعضهم دافع بشدة، وبعضهم رمى باللائمة على الاعلام.. فيما يلي نص الحديث..

تحقيق: نشأت الإمام

الوضع غير مناسب

ü الفنان محمد وردي لا يرى أن الوضع الآن يسمح بتبيين الاحساس المناسب، ويقول:

تغنيت كثيراً للوطن، لكني الآن أرى أنه عندما تستقر الأحوال يمكن أن نقدم عملاً وطنياً، ولكن كيف نقدمه الآن وعلى أي أساس، فالمسألة غير واضحة، والفن دائماً لا يستعجل في مثل هذه الأمور، فهناك من يرفض وهناك من يعارض، لذا يجب أن يتوافق الجميع على أن هذا الوطن هو وطنهم، حتى لا تصبح المسألة سياسة وتجاذب الخاسر الأكبر فيه هو الوطن.

وأنا مستعد لتقديم أي دعم للاجئين في معسكراتهم لكن هذا الأمر لن يكون عملاً فردياً، بل يجب أن يصبح عملاً جماعياً، ويجب أن يقوم اتحاد الفنانين بتنظيم مثل هذه البرامج التي تهدف إلى مساعدة اخوتنا في دارفور..

أما عن السلام، فقد تغنيت أخيراً بملحمة عن الراحل د. جون قرنق، تهدف في مجملها إلى توحيد رؤى الناس تجاه السلام، والايمان بأن هدفنا هو الوحدة.

أسفت لتقاعس البعض

ü الفنان عمر احساس يقول إن الفنان صوت شعبه اجتماعياً وثقافياً وفنياً، لكنه يستدرك قائلاً:

أنا أتحدث هنا عن الفنان الملتزم سلوكاً وفناً!! ويواصل: يبرز دور الفنان في ملمات الوطن، وما أكثرها، ويجب عليه السمو فوق الجهويات والمسائل الشخصية لتفعيل هذا الدور تجاه وطنه..

وما يحدث الآن من تفتيت للشعب السوداني لا يوجد أكثر من الفن لتجميع هذا الشتات، لكن هذا يتم بتضافر جهود عدد من الجهات التي يجب أن تدعم مثل هذا المنحى.

أنا قمت بدق ناقوس الخطر في بداية التسعينات بأغنية «دارفور بلدنا»، ودعوت الجميع فيها لنبذ بوادر الخلافات، وعندما تفاقم الوضع أنتجت المزيد من الأعمال التي تحاول فك الاشتباك الدائر الآن هناك.

اضافة لذلك زيارتي شبه المنتظمة للمنطقة، ومد جسور التواصل مع المواطنين هناك، فكثيراً ما قمنا بزيارة للمعسكرات، وعملت بالتمريض في أحد المعسكرات، وقدت مبادرة لاتحاد الفنانين وذلك لعمل حفلات يعود ريعها لأطفال دارفور، ولكن لم تنجح هذه المبادرة نسبة لانشغال الكثيرين، وأنا أتأسف بشدة على عدم تفاعل الوسط الفني بالداخل اسوة بالتحرك الخارجي الذي نشهده تجاه دارفور..

الرقابة الذاتية

الفنان سيف الجامعة يرى أن هناك اشكالات تعيق تقديم مثل هذه الأعمال، وتضعف بالتالي تفاعل الفنانين مع قضايا الوطن، ويذكر:

هناك فنانون عبر تاريخ السودان انفعلوا بالهم العام والقضايا الوطنية، وهذا الأمر لديه علاقة بخلفية الفنان الثقافية ومستوى الوعي، وتفاوت اعتراف المجتمع بجميع مؤسساته بدور الفن وأهميته، وبالتالي مساحة الانفعال والانتاج الوطني تتفاوت حسب وضع المؤسسات، وعندما يصبح الاحساس بـ«السودان أولاً» هو ما يحرك الجميع، تأكد من أن الجميع سيغني للسودان.

والفنان في داخله رقابة ذاتية عبر سنين طويلة من الحكم الشمولي لذا يفكر ألف مرة قبل اتخاذ القرار المناسب تجاه قضاياه، فهناك كوابح تقف أمامه، فلاننا نفتقد الوجدان الجمعي لذا هناك تباين في وجهات النظر والمنطلقات..

وأرى الحل يكمن في بلورة فكرة ثقافية جامعة، باعتبار أن الهوية هي «السودانوية» لتوحيد الرؤى التعبيرية عن هذا الوطن.

وقدمت في الفترة القصيرة الماضية عملاً باسم «معزوفة السلام» من كلمات وألحان خليفة محمد كمساهمة في ارساء قواعد السلام، فلا يزال الغناء قادراً على خلق واقع جيد طالما يجد المناخ الملائم لذلك..

الإعلام مقصر

ü الفنان عبد الله البعيو يحمل الاعلام الذنب في عدم ظهور بعض ألاعمال ويقول :

ليس هناك تقصير من ناحيتنا، وأعتقد ان التقصير اعلامي في المقام الأول، فنحن نقوم بنشاطات عديدة في مختلف القضايا الوطنية، وعلى سبيل المثال كنت في دارفور خلال الشهر الماضي وتغنيت هناك في عدد من المعسكرات، وتفاعل النازحون برغم ظروفهم القاسية التي يعايشونها، لكن لم يعكس الاعلام مثل هذه الزيارة..

وكل الفنانين من تشكيليين ودراميين وموسيقيين يعايشون قضايا الوطن وينفعلون معها، فمنذ الحرب العالمية الثانية كان حسن عطية وأحمد المصطفى وعائشة الفلاتية والحاج سرور يشاركون الجنود ويروحون عنهم، ونحن كذلك شاركنا من قبل في حملة العطش بكردفان ودارفور، وعدد من المشاركات الأخرى داخل وخارج العاصمة يعود ريعها للمتأثرين والمكتوين بنار الحرب..

وأؤكد أننا كفنانين متفاعلين للحد البعيد مع كل الأحداث التي تهم الوطن، لكن الاعلام لا يصل الينا، فالذنب ليس ذنبنا..

ولدى الآن مرثية للراحل د. جون قرنق جاهزة الان، لكن أين أقدمها؟ فلا يعقل أن أقدمها في حفل خاص..!!

ظروف صعبة!

أما الفنان عبد الرحيم البركل فيقول:

أولاً الفنان جهاز اعلامي، ولذا فمن باب أولى أن يخدم وطنه، لأن الإعلام هو مرآة الواقع المعاش، والفنان يجب أن يكون رسولاً للسلام وللمحبة.. وحتى أغنيات الغزل تحمل سلاماً في داخلها..

وهناك جهات كثيرة منوط بها تقديم المنبر المناسب للفنان، وحقيقة معظم الظروف التي نعايشها تجعل من الصعوبة بمكان أن يبادر الفنان ويقوم بمثل هذه الأعمال لوحده، لذا فمن واجبات الدولة توفير المناخ المناسب لتقديم مثل هذه الأعمال..

وعن نفسي قمت بجولة فنية مع مهرجان طبول السلام، وقدمنا ليلة فنية بمدينة جوبا، رأينا فيها كيف يجسر الفن الهوة بين أبناء الوطن الواحد، وصهر هذا المزيج المتفرد في بوتقة واحدة، لذا فالفن أراه أقدر من السياسة على جعل مثل هذا الواقع معاشاً..

مهرجان للأغنيات

الفنان الأمين عبد الغفار ينحو منحى آخر ويقول:

الفنان يفترض أن يصبح حادياً في مجتمعه، وهناك مشاركات لكنها ضعيفة، ومشاركة الفنان في هذه القضايا تعاني من اشكالات في النصوص المقدمة، فأغلب النصوص تعبأ على عجل من اجل ادراك مناسبة ما، لذا تأتي مصنوعة، والفنان لا يتفاعل معها بالصورة المطلوبة، وأيضاً هناك دور سلبي لابد أن لا نغفله، وهو ضعف الاجهزة الاعلامية في الترويج لمثل هذا الفن.

وأنا لدى أغنية لدارفور تتحدث عن جمال دارفور وعن سماحة الناس هناك وتعايشهم، وبإذن الله سوف أقدمها في القريب العاجل..

وأقترح أن يكون هناك تنافس يأتي في شكل مهرجان للأغنيات الوطنية، ليقدم كل فنان أفضل ما لديه، وأن تقوم الأجهزة المعنية في المساعدة على ذلك..

ننادي بالوحدة

الفنان أحمد شارف، يرى أن جميع قضايا الوطن تهمهم وليس دارفور فحسب، ويستطرد:

كنت في رحلة إلى دارفور في قافلة فنية طافت بنيالا والجنينة والفاشر، وشاركت في عدد من الاحتفالات بمناسبة السلام، وتغنيت للسلام في جميع أنحاء السودان، فما يهم الشرق يهم الغرب، واذا اشتكى الجنوب تداعى له الشمال بالسهر والحمى، وكل ذلك أعتقد أن للفن اليد الطولى في الكثير من قضايا الوطن ومعالجتها، وفي جميع ما نقدم ننادي بالوحدة وندعو للسلام..

اهتمام خارجي متعاظم

الفنان عبد القادر سالم يرمي باللائمة على الاعلام ويقول:

هناك العديد من الفنانين الذين تحركوا في اطار السلام، وهناك انتاج غنائي ثر حول السلام، فتغنى زكي عبد الكريم، وصديق عباس، وحمد الريح، وعمر احساس وغيرهم، ولكن هذه الأعمال لم يسلط عليها الضوء ولم تجد فرصتها في العرض..

والغريب أن أغنية مثل «يا سلام على السلام» التي أخرجتها في أوروبا بمصاحبة أمانويل جان وجدت احتفاء كبيراً هناك واهتماماً متعاظماً، ولكن هنا لعله لم يسمع بها أحد!!

وتغنينا لدارفور ومن أجلها، وآخر مشاركاتنا كانت حفلات أقمتها ومعي الفنان عبد الله البعيو في سلطنة عمان وحققت نجاحاً جيداً، وقدمناها دعماً لنازحي دارفور.

بل ذهبنا أبعد من ذلك، وقبل أيام سجلنا للاذاعة عملاً جماعياً من كلمات محمد يوسف موسى والحان نجم الدين الفاضل، باسم «ليك الله يا شعبي العربي» وهي أغنية نعدها تضامناً مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، يقوم بأدائها الفنان عثمان مصطفى وسمية حسن وعبد العزيز المبارك ونجم الدين الفاضل، وشخصي.


 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب