المناقل تسهر شعراً وموسيقى

بقلم : نشأت الامام

 

في حضرة القدال والكتيابي والنخلي
المناقل تسهر شعراً وموسيقى

المناقل: نشأت الإمام

الشاعر محمد طه القدال الذي صهر اللهجات السودانية وصبها في قوالب الشعر، فأخرج ذلك الكائن الاستثنائي البديع، وهو يمنح بذلك لهذا الوطن فرصة لكي يكون موحداً ومتحداً، ووصيته دوماً لأبناء شعبه «أختا الرملة ما تقع المكان الهش»، وبمعيته الكتيابي الذي عاد إلى السودان مع «شهرزاد» حاملاً «عصاه» ومتصرفاً بكامل حريته في ترقيع «جبته» أو «تطريزها من اللالوب»، ومدني النخلي شاعر ما زال يقف «براه» في سماحة كلماته وحنيتها، ولا تزال كل يوم تصنع شيئاً جميلاً في دواخلنا..

هكذا ابتدر الأستاذ ضياء الدين بلال ترحيبه بهذه الثلة من الشعراء، والذين شاركوا يوم الجمعة الماضي في احياء ليلة ثقافية كبرى بمؤسسة الموردة التربوية بالمناقل والتي أقامت مهرجان الابداع الخامس، وجاء تحت شعار بين مطرقة اليانكي وعشم الوصول لليل الشتاء الدافئ..

مسجد محمد ادريس بوسط المناقل، لم يصل فيه أحد صلاة مسبوق في وقت التراويح، الجميع حرصوا على الحضور مبكرين، وذلك حتى يتسنى لهم اللحاق ببرنامج نادي الموردة الثقافي، والذي يجاور المسجد في نفس الرقعة من الأرض، تدافع أهل المناقل تجاه النادي، يبدو واضحاً للعيان، في كل الطرق التي تؤدي الى «حي المزاد».. وحينما أعلنت شارة الوقت تمام التاسعة.. بدأت الليلة..

واقف براك

استهل الليلة الفنان اسامة الحوري بأغنية «واقف براك» والتي قدم من خلالها الشاعر مدني النخلي.. مدني الذي حيّا المناقل بطريقته الخاصة حينما قال:

ديما تسطع.. شمس تطلع

نيل يدفق ويبقى منبع

وغيرا حالف ماني قابل

من زمان ليها حانِي

وبيها جاني

إلا حامياني المشاغل

ولو لقيت الحب سحابة

ناس بتقدل في مهابة

عِزّة عنوان للغلابة

والمكارم فاتحة بابا

ابقى داخل.. دي المناقل

بعدها اهدى النخلي ديوانه «واقف براك» لأسرة نادي الموردة، وتنقل في بيادر شعره، منتخباً من كل بستان زهرة فقرأ:

فرحانة بيك كل النجوم

لا نام بريقا ولا انطفأ

ما الريدة يا أم قلباً وفي

زاد القلوب المرهفة

وتابع النخلي قراءاته الشعرية، وقدم:

من جديد جيت تاني كيف

تبني فيني الانهدم

وهي الأغنية التي سطع بها نجم الفنان خالد الصحافة، وقام بتلحينها الراحل مصطفى سيد أحمد، والذي كان قاسماً مشتركاً بين شعراء هذه الأمسية.. ويطرز النخلي عباءة يحاول أن يدثر بها حلم الوطن الذي أضحى نائياً، ويحكي فيها عن واقع صعب عبر قصيدة مطلعها:

أمس والليلة أو باكر

شبه واحد ونفس الشي

وجهين للنقيض والشي

حلمك ما بيمشي معاك

يحنس فيك أكان ترشي

وتعبيراً عن التواصل مع الأمة العربية، كان اهداء النخلي لمقاطع مفعمة بالشجن المؤلم، أهداها للمجاهد حسن نصر الله وهو يرفع رأس العرب بعد أن نكس طويلاً:

مجد الأمة الغابر طلّ

قمر العز العربي إتدلّ

ولم يترك النخلي جمهوره طويلاً مع هذا الشجن، فنحا بهم نحو كتابات ذات أفكار كبيرة، ولكن بألفاظ بسيطة، شعر أشبه بالحلمنتيشي، يحكي فيه على لسان أهلنا الحرفيين، وأصحاب المهن البسيطة، كيف يعشقون، وكيف يعبرون عن هذا العشق..

علي بابك

وفيما كان الفنان اسامة الحوري يتهيأ للترحيب بالشاعر الكتيابي، وذلك عبر غنائه لقصيدة «علي بابك»، قدم شاعر المناقل محمد خليفة نصاً شعرياً ألهب أكف الحاضرين تصفيقاً، ووجد الاشادة من الشعراء المشاركين في الأمسية، مطلعه:

طالب طلب قاسي وصعب

ليت العقول لو تفتكر

كيف القلم مر في سطر

كيف الكلام أصبح شعر

وجاء الكتيابي يحمل عصاه، يتوكأ عليها ويهز بها عندما تعتريه نشوة الشعر، وأهدى أسرة النادي مجموعته الشعرية التي تضم ديواني، «رقصة الهياج»، و«هي عصاي»، بعد أن شكر لهم حسن وفادتهم، وقرأ الكتيابي:

على بابك نهارات

الصبر واقفات

بداية الدنيا هن واقفات..

وعن المسلول والمذهول والمجذوب من الشعراء، حكى الكتيابي عن تساقط قامات الشعراء، والتي يحسبها أدت للوطن حقه، تساقطت وقضت نحبها ولم تجد من الدولة إلا وقفة برهة على قبورها، وقرأ الكتيابي:

مكاني آخر الطابور

والجلاد يرضع

من لسان الصوت شهوته

ويرمقني كما لو كنت.. قهوته

ثم واصل الكتيابي بوحه، موضحاً أنه مازال على كيفه طالما لا ينتمي إلا لهذا الوطن، دونما املاء من جهة أو شخص:

على كيفي

ارقع جبتي أو لا ارقعها

اطرزها من اللالوب

ألبسها على المقلوب

أخلعها.. على كيفي

ثم انتقل الكتيابي إلى نص دارجي، تفاعل معه الجمهور الذي ضاقت به جنبات النادي فبقى معظمهم وقوفاً، يعبرون مع الكتيابي بحراً ويشدون ساعداً على المجداف معه:

لمحتك

قلت بر آمن وبديت أحلم

حليوة

وقبل أغنية «حليوة» التي قدمها الحوري وابتدر بها الشاعر محمد طه القدال قراءاته الشعرية، قدمت المناقل الصوت الشعري ماجدة كرم الله في نصين، أولهما:

مدي ساقيك

كيف أعزف عليهما

أنشودة العشق الوليد

افردي ضفائرك المجعدة

كي ارتمي عليها حينما أتعب

ثم جاء القدال، يضمخ الأرجاء بصوته، ويغتال فينا التوجس والخوف ويمنحنا من لدنه بريقاً لونه لون الجروف، وطعمه طعم الحب البكر، يضوع دعاشاً فنتنسمه ونحن نستمع اليه وهو يقول: يستغرب البعض من تعدد الألسن الذي يرونه في شعري، لكني أكتفي بأن اردد دوماً أني من الجزيرة وكفى، وأنا «العوض» الذي لا غنى له عن أهله، وهم قبائلهم وسحناتهم شتى، ولكن قلبهم واحد.. وقرأ القدال وصفاً في الجزيرة:

خمسين سنة

وإيدينا في طول مدهن

لا فترنا من مد اليدين

لا صبنة جاتك يا رسن

ولم يترك القدال فرصة للأكف حتى تعود لانعقادها مرة أخرى، بل تابع إلقاءه الشعري فجعل الأكف تلتهب تصفيقاً، وقرأ:

بقول غنوات

في البلد البسير جنياتا

لي قدام

وفي الولد

البتل ضرعاتو في العرضة

ويطير في الدارة صقرية..

ولو السمحة مدت ايد

وتلت جيد

يقوم شايلاهو هاشميه

وتلاها بتعريف لليانكي، وذكر أن الفعل (تو يانك ) يعني ينتزع، يغتصب، وغيرها من معاني الغطرسة، وذكر أن ما تقوم به اسرائيل وأمريكا في العالم، وخاصة العربي والمسلم، أنكى وأمر أنواع الاذلال التي تمارس على الشعوب، وقرأ مسدار أبو السرة:

أماتي القبيل بحنهن لجني

كرفة وقلدة كيف..

شوف اللبن رجني

حزنا جاني

في ميع الصبا يلجني

اطلع مني

يا جلدي المنمل جني

واطلع مني

يا حزنا بقى مكجني

وكان ختام الأمسية بالفرقة الموسيقية التي صاحبت الفنان اسامة الحوري في أداء فاصل غنائي، لكن سبقتها كلمة رئيس نادي الموردة الاستاذ حسن ميرغني شريف، والذي شكر الحضور من تنفيذيين ووزراء وتشريعيين بالمناقل، وأوضح أن النشاط الفني سيتواصل بإذن الله لتصبح المناقل منارة سامقة للثقافة والمعرفة..

وتم تكريم الشعراء ثلاثتهم اضـــافة إلى مقدم البرنامج الأستاذ مصعب الصاوي والذي بهر الجميع بحضوره الوسيم، وكذلك الأستاذ طاهر محمد علي، والأستاذ أنور عوض..

وانفض سامر الأمسية والجميع يهنئ الجميع، فشوق أهل المناقل لمعانقة هذه القامات الشعرية السامقة، لا يضاهيه سوى توق هؤلاء الشعراء لتنسم رائحة الجروف البكر والتي كانت المناقل ساحة لها..


 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب