علاج موسيقي لجراح دارفور

بقلم : نشأت الامام

 

علاج موسيقي لجراح دارفور

نيالا تعانق أدروب وتتخطى «حظر التجول»

مع طبول السلام

نشأت الإمام يكتب من نيالا


أمطار السلام

ونحن نهبط في مطار نيالا آمنين وطقس جميل يمسح على وجنات المدينة دهان من تفائل وسلام.. لعلها لم تكن مصادفة، أن تحبل السماء بجنين الامطار والفرح في ذلك الصباح البهي، ولم تكن مصادفة أيضاً أن نجد في صالة كبار الزوار وفداً من حركة تحرير السودان «المنشطر» جاء ليلحق بركب السلام، ومجموعات كبيرة من الفرق الشعبية والفولكلورية لولاية جنوب دارفور، بسحنات متباينة وأعراق مختلفة، لكنها مؤتلفة..

هؤلاء واولئك جميعاً يرحبون بمقدم «طبول السلام».. ويرسمون بألوانهم الزاهية أجمل اللوحات في دنيا الفنون، وعلى رأسهم السيد وزير الشباب والرياضة والثقافة والسياحة بالولاية..

بعثة «طبول السلام» التي سيرتها مؤسسة سودانيز ساوند في اطار سلسلة مهرجانات طبول السلام يوم الجمعة الماضي، شملت عدداً من الفنانين والمطربين والاعلاميين لتقديم فقرات فنية من مختلف ولايات السودان.، يممت وجهها شطر نيالا لتقدم خلاصة فنها لاخوتهم الذين اكتووا بنار الحرب، فشردتهم من قراهم، وسرقت منهم الكثير مما يحبون.

«الربابة» في السريف

محطتنا الأولى كانت معسكر «السريف» شمال شرق نيالا، في البدء الأمر لم يول سكان المعسكر البعثة اهتماماً كبيراً، ربما لكثرة ما تعودوا عليه من مثل هكذا زيارات، لكن ما ان صدح الفنان يحيى أدروب بأغنياته حتى توافد سكان المعسكر زرافات ووحدانا، وجعلتهم «الربابة» يتمايلون طرباً، فرقص الجميع مع «كسلا.. كسلا.. انا قلبي سافرا».. في رسالة جميلة كان مفادها أن الغرب والشرق بينهم من عرى التقارب ما يجعل منهما جسداً واحداً.

رفع الحظر للطبول

في المساء اتجه الجميع نحو مسرح البحير بنيالا، حيث الحفل الرئيسي الذي أعلن خلاله السيد وزير الشباب والرياضة والثقافة والسياحة الولائي، أن حظر التجول قد رفع للساعة الثانية عشر مساءً احتفاءاً بطبول السلام، لذا امتلأ المسرح على سعته من جمهور نيالا الذي يعشق الفن، بل يعيشه في كل تفاصيل يومه..

الهوسا يرقصون

ابتدرت فرقة «الهوسا» الشعبية الليلة بأدائها لعدد من الأغنيات والرقصات الفولكلورية التي تعكس ثقافة الهوسا التي تعد احد مكونات النسيج الاجتماعي بدارفور..

وتلاهم المهندس عز الدين ابراهيم المدير العام لسودانيز ساوند منظمة المهرجان، ومعه ممثل السفارة البريطانية بالخرطوم، حيث تحدثا عن أثر الثقافة في صياغة واقع السلام الجديد..

تراتيل وأناشيد



فرقة «khartoum ymca» جاءت لتغني بالسلام والمحبة وتؤكد أن الفنون والثقافة تخاطب الجميع ولا تفرق بين انتماءتهم العقائدية والعرقية، وقدمت الفرقة عدداً من أناشيدها، التي ابتدرتها بـ «مبروك.. مبروك.. الرب اختارنا.. عشان نعيش أفراح السلام».. وتواصلت ابداعاتهم الرصينة التي تجاوبت معها كل الفرق المشاركة بالرقص والغناء.. وتسلل الفرح إلى نفوس أهل نيالا مزيلاً الكثير مما علق بها من جراحات الحرب..

أدروب في الغرب

وعلى الاتجاه الآخر من غرب السودان، يقبع الشرق بجماله وجمال دواخل انسانه.. «أدروب» الطيب الجميل بقفزته العالية، وسيفه الذي يومض، فكان الفنان يحيى أدروب «ضيف شرف الليلة الذي كرمته ولاية جنوب دارفور»، ومعه فرقته التي قدمت فواصلاً من الفرح المشبع بعنفوان القاش، وشموخ توتيل، فانسابت ألحانه تروي ظمأ وديان دارفور التي غاب عنها الفرح كثيراً..

كانت دارفور برغم الجراح، تتسامى وتمد يدها كريمة لضيوفها، لذا لم نستغرب ونحن نرى وزير الثقافة وهو يكرم ضيف الشرف الفنان يحيى أدروب، بل ويتعدى ذلك ليكرم كل أعضاء البعثة في احتفاء جميل بهذه الطبول التي تنادي للسلام..

وبادلته البعثة أيضاً التكريم فتم تكريمه وهو يمثل أصالة ونبل أهل الغرب جميعاً..

جبال النوبة

واصل بعد ذلك أدروب -ممثل الشرق- وبصحبته الفنان صلاح براون وفرقته التي تمثل ثقافات جبال النوبة، ومعهم عازف الساكس الأوبرالي ناجي، وقدموا فواصل من الغناء العذب، الذي ألهب أكف أهل نيالا بالتصفيق وقلوبهم بالحب والود الجميل..كيف لا وتقاطع الثقافات يعمق كثيراً من أواصر الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.. فكانت فرق الحكامات والأمبررو والفور كلها تغني وترقص على خشبة مسرح البحير بنيالا في تمازج جميل يرسم صوراً لوحدة هذا الوطن..

طيور السلام

كان ختام الليلة مسك، بصوت شاب أعاد إلى وجداننا وأسماعنا صوت سفير الأغنية السودانية الراحل سيد خليفة، الذي ظل يغني للسلام، وللسودان، لطيوره ونيله.. وجاءت أغنياته عبر صوت الفنان الشاب ياسر عبد الوهاب. أشفقت على «ياسر» بعد كل ذلك الزخم من الايقاعات الحارة أن يكون التجاوب دون ما سبق.. لكن ما بدأ ياسر يغني «رفرفي رفرفي.. يا طيور السلام.. في روابينا» حتى تدافع الجمهور إلى خشبة المسرح ومضوا يعانقون ياسر ويعانقون بعضهم البعض في احساس صادق تجاه هذه الأغنية، وتابع ياسر أغنياته وحرارة الاحتفال لم تنخفض، إلى أن وصل إلى «أودعكم.. أفارقكم.. دموعي بتغطي عينيا» حتى إنهمر الدمع والحب والوئام بين الجمهور.. واختلط الرسمي بالشعبي، في تدافع جميل نحو صفحة جديدة من تاريخ دارفور بعيداً عن الحرب.. صفحة ينعم فيها الجميع بالسلام ويغنون للسلام، ويمشون بين الناس

فيها..أيضاً بالسلام....














 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب