اسحق الحلنقي2

بقلم : نشأت الامام

 

الحلنقي:
اغنياتي صنعت نجوماً ولم تسقط في وحل الركاكة والنسيان
حصاد غربتي مثل صفعة من كف خادم على وجه سيد أصيل..!

اسحق الحلنقي..رديف الاغنيات العذبة ومحرر الشجن العذاب، كفاه ان كتب يوماً:
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
عاد من غربته بوعد جميل، هو تحرير الاغنية من أسر الكآبة، وتخليص أحبائه من (لبلاب) الحزن الدامي الذي يتسلق اشجار الغناء في دوحة المحبين..
وزع الحلنقي شعره بالقسطاط بين اساطين الغناء في السودان من لدن الموسيقار محمد وردي مروراً الى جيل جمال مصطفى فرفور .. كتب للاطفال: ''انا بدري صحيت من نومي'' ففازت بجائزة مهرجان اغنية الاطفال بالاردن واجترح لوردي مقابلة من نوع فريد:
'' أقابلك في زمن ماضي ..
وزمن جاي وزمن لسه
أشوف الماضي فيك باكر
أريت باكر يكون حسه..!
هو الحلنقي وكفي...

 

حوار: نشـأت الإمـام


* من أنت؟

ـ أنا المحلق في زمن لم يعد يؤمن بوجود تاجوج..!

مغرم بالبحث عن حدائق كسلا المعلقة بين خيط من ضياء وخيوط من خيال..انتظر اللحظة التي ينهزم فيها الخنجر امام حنية الوردة...

ابحث عن نفسي الشاعرة بين نفوس لا لون لها, فالنفس السوداء يمكن ان تتحول في لحظة غفران الى بياض, اما البيضاء, فهي لا تحتمل الا ان تكون ابيضاً.!

* لماذا وكيف يكتب الحلنقي القصيدة؟

ـ كيف تلون الفراشة اجنحتها, وكيف تبرق اللؤلؤة, وكيف تيمم زهرة العباد وجنتيها الى الشمس بحس عفوي؟

هكذا انا..قدري ان اكون شاعرا اكتب في الوقت الذي اريد دون حاجة الى مخاض او يجتاحني فيضان عاطفي..!

فقط احتاج ان تمدني حبيبتي التي تسكن دواخلي زهرة حمراء..!

* لماذا اختار الحلنقي كتابة القصيدة؟

ـ لم اختر كتابة القصيدة..القصيدة هي التي اختارتني.

* من المؤدي الذي اعطى اغنياتك طعما ولونا ورائحة؟

ـ هو الفنان الراحل العاقب محمد حسن في اغنية ''جابتني الظروف'', فقد منحها العاقب تكريماً حقيقياً وأعلى من كعب الروح فيها.

* ومن الفنانين الشباب؟

ـ منذ ان تعاطيت الشعر في صغري لم اتعامل مع اسماء او نجوم, فقط أهتم بمن يغوص في لجة البحار لينتخب لؤلؤاً يضيئ ظلمة الانفس والظنون.

* بين ''عصافير الخريف'' و''تتعلم من الايام'' وكل رائعات الزمن الجميل وما ينتجه الحلنقي الآن بون شاسع، هل توافق؟

ـ كتبت 180 اغنية تمشي بيننا ولم تسقط في وحل النسيان والركاكة بشهادة مدير الاذاعة, واغنياتي صنعت نجوماً, لذا انفي الاتهام لان الذي كتب عصافير الخريف في عمر ربيعي يمكنه ان يكتب الاجمل.

* ـ ما مشكلة.. قصيدة ركيكة، فمن اي باب في مدينة الشعر دخلت؟

ـ احيانا اتعمد ان اصنع اغنية اداعب بها اصدقائي حتى اضمن لهم خلاصا من حائط المبكى التي تعودت ان تنام عليه اغنيات هذا الزمن الجارح الذي لم يعد صالحاً لزراعة الورد, فكانت : ''ما مشكلة''.!

* اذن اين تكمن ''المشكلة''.. في الملحن ام المؤدي؟

ـ الحلنقي الذي كتب '' اقابلك'' لمحمد وردي, هو الذي كتب ''مشكلة'' فرفور, ولايمكن لفنان ان يغير لون عينيه او ما بنفسه من جمال الى اطلال من خيوط العنكبوت.. شاهدي على ذلك, اغنية ''اعذريني'' التي ما تغنى بها سيف الجامعة في محفل, الا الهبت الاكف وحرقت المشاعر..!

* الا تعتقد ان اغنية ''مشكلة'' موغلة في الذاتية في ظل مشاكل عديدة تحيط بالواقع وانت تزعم بانك لسان الامة؟

ـ انا بمثابة ابتسامة تحاول الوصول الى مطاحن الانين في الاعماق البيضاء لتمسح عنها الالم..لم اكن يوما بعيدا عن جراحات بلدي وآلامه بدليل وقفتي في مسارح نيالا والقضارف والدمازين لأقرأ شعراً لاحبابي, فأنا ابحث عن المفاتيح المغطاة لأضيئها بالكلمة الحلوة لتشع من جديد..!

* هل حدث ان مزق الحلنقي مسودة اغنية؟

ـ نعم.. هي اغنية ''إذا'' التي تقول:

إذا مرت ثواني علي

أحس بي عمري ما موجود

مزقتها لاني كنت لحظتها مثل شجرة السنديان, أخضر من الخارج, أجوف من الداخل..!

* تغزل الحلنقي دررا في مدن الخليج ولم يفعلها في السودان، هل لانها غبراء وتلك صقيلة؟

ـ كتبت قصائدي في مدينة العين الاماراتية, لانها تشبه حبيبتي كسلا.. ولا تسألني عن الاخريات.!

* هل عاد الحلنقي من الغربة يسبقه الاحمال والطنافس؟

ـ حصاد غربتي مثل صفعة من كف خادم على وجه سيد أصيل..!

الحلنقي لم يعد من الغربة الا بعصاة من الذكريات يتوكأ عليها في شوارع بيت المال..الغربة اخذتني ربيعاً ورمت بي تحت حوافر الايام جواداً مكسور الساق يبحث عن رصاصة الرحمة.. قد يجدها أو لا يجدها..!

* هل لك ان تحكي قصة اول نص من الحلنقي وجدت طريقها لفنان ثم المستمع وكانت جوازا لمرورك في دولة الاغنيات؟

ـ لم تكن اغنية واحدة, بل مثلث برمودا عاطفي يتكون من (ساعة الغروب) للمطرب ابراهيم حسين, و(الابيض ضميرك) للطيب عبد الله, و(حبيت عشانك كسلا) للتاج مكي..

*لكنك بالتأكيد تميل لواحدة منها.. اليس كذلك؟

ـ والله ممكن تقول (الابيض ضميرك).. لانها كانت الاكثر تألقاً.

* من هي الاكثر تألقاً.. الاغنية ام صاحبة الضمير الابيض؟

ـ الابيض..!

* كيف؟

ـ تاريخ الشعر كله عندي ابيض.. انا لا احب من يصفون الماضي بالسواد.

* لم تجب على سؤالي بعد يا استاذ؟

ـ انا شعري مثل النسيم.. من حق اي كائن ان يستنشقه ولا احب التخصيص.

* وماذا عن كسلا؟

ـ لو لم تكن كسلا لما كان الحلنقي.. لانها المدينة التي جعلت من دواخلي بساتين نضيرة تسمح للنسور الجارحة ان تتفيأ بظلالها..!




حوار الحلنقي الاول هنا

نشأت الامام

 

راسل الكاتب