التربية النفسية في الإسلام-2-

 بقلم : أمجد شعبان

الجزء الثاني :

5 الرؤية الواضحة :

          من المبادئ التي تجعل شخصية الفرد شخصية متوازنة هو أن يكون للإنسان رؤية واضحة للحياة ، وحتى تكون له هذه الرؤيا لا بد له من غاية ووسيلة ، والغاية تعني ما نريد أن نصل إليه بعد فترة زمنية قريبة كانت أو بعيدة ، والوسيلة هي الفعل أو العمل الذي نقوم به للوصول لتلك الغاية ، وقد تكون هنالك عدة وسائل للغاية الواحده ، لذا فنجد أن ديننا الحنيف قد وضّح للإنسان غايته ووسائله ، فقد اختطّ الله عز وجل للإنسان طريقين ليسلك أيهما أراد ـ طريق الخير وغايته الجنه ، وطريق الشر وغايته جهنم ، فمن أراد أن يسلك طريق الأخيار فهنالك عدة وسائل موصله إلى غاية هذا الطريق وهي كما ذكرنا سلفاً الكسب الشخصي وحسن الظن بالخالق سبحانه وتعالى أو بمعنى آخر الإيمان والعمل الصالح ، لذلك نجد أن القرآن الكريم ما أن يتطرق إلى الايمان إلا ويردفه بالعمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فلا يكفي الإيمان وحده ولكن يجب أن يكون هنالك بيان بالعمل الصالح مصدقاً لهذا الايمان حتى يتمكن الفرد المؤمن من الوصول الى غايته ألا وهي مرضاة الله وجنته . ومن أراد أن يسلك الطريق الآخر وهو طريق الأشرار فإن وسائله أيضاً متاحه ويعينه على ذلك شياطين الإنس والجن وغايته الى جهنم وبئس المصير والعياذ بالله .

 6 ثبات الموقف وعدم التردد :

          التردد صفة توحي بعدم الثقة بالنفس مما ينعكس سلباً على علاقاتنا بالآخرين ، إسأل نفسك مع من تحب أن تتعامل ؟ هل تحب التعامل مع إنسان يثق بنفسه أم إنسان عدبم الثقة بنفسه ومتردد؟ بالطبع التعامل مع الانسان الواثق بنفسه هو الأجدى لأنه إذا وعدك بشئ فإنه حتماً سيوفي بوعده ، لذا فإن الاسلام دعا المؤمن الى أن يكون ثابتاً عند مواقفه وأن يعتد بشخصيته قال صلى الله عليه وسلم ( لا تكن إمّعه تقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم) فمن هذا الحديث نستشف أن الاسلام يدعونا الى ثبات المواقف وأن يكون للمسلم رأيه الذي اتخذه عن قناعة ولا يكن إمعة لا موقف له ولا رأي ، كذلك دعانا الإسلام إلى الوفاء بالعهود وجعل من صفة إخلاف الوعد صفة نفاق وبالطبع من كان يتسم بثبات المواقف فإن وعوده موثوق بها وهذه الصفة أيضاً تدل على الصحة النفسية للفرد .

 7- ضبط النفس :

          إن إمكانية التعامل مع المتغيرات خاصة المتغيرات المفاجئة دون إرباك ودون قلق أو خوف والحفاظ على أكبر قدر من التوازن بين ما يطرأ وما نريد هذه الصفة لا تتوفر إلا عند الإنسان المتوازن نفسياً وحتى نعزز القدره على ضبط النفس علينا أن نتعرف على مشاعر القلق والغضب لأن هذه المشاعر تحد من القدرة على ضبط النفس .

1/ القلق : هو إحساس عام بالرهبة دون التعرف إلى المصدر الحقيقي لهذا الشعور ، الجميع يعاني من ضغط أعصاب المعدة قبل موعد هام أو الرهبة عندما يعلم بأن المعلم غاضب أو خفقان القلب عند مواجهة الخطر هذه كلها عوامل إيجابية عندما تحثنا على العمل ومواجهة المواقف الضاغطة ، فالقلق الإيجابي يدفعك الى المذاكرة قبل الامتحان أو التدرب على إلقاء الخطاب الذي أعددته مثلاً ، لكن هنالك قلق غير محمود وهو القلق من الرزق مثلاً أو القلق الغير مبرر أي الغير معروف المصدر ، وهذا النوع من القلق تجده عند غير المسلمين فهم في خوف دائم ، خوف من ماذا ، أو ممن حتى هم لا يعلمون ، لذا فتجد أن الامراض النفسية وحالات الاكتئاب التي ينجم عنها الكثير من حوادث الانتحار تجدها متفشيه في المجتمعات الغربية بأرقام هائلة ، والاسلام عالج مثل هذا الخوف القلق الغير محمود في كثير من المواضع (إعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لن ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشئ لن يضروك الا بشئ قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف) وبيّنت كثير من الآيات القرآنية أن الرزق هو من عند الله عز وجل لذا فالمؤمن لا تجده مهموما قط برزقه لأنه يعلم أن الله قد قسم له رزقه من قبل أن يولد ، وإذا ما ترسّخ هذا المفهوم عند المسلمين فلن تجد أي حالة من حالات السرقة أو النصب أو الاحتيال أو حتى جرائم القتل التي ترتكب بقصد السرقة ، كما أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن أن القرآن الكريم فيه شفاء لما في الصدور من قلق وهم وغم وغيره ، فمن همّه شئ من أمور الدنيا فليتوضأ وليصلي ركعتين ويقرأ قليلاً من القرآن الكريم وسوف يجد أن الله قد أزال ما بصدره في الحال ، وهذه بالطبع معالجة ربانية لهذا الداء النفسي (القلق) مما يجعل شخصية المسلم متوازنه نفسياً غير مضطربه ولا قلقة .

2/ الغـضـب : الغضب هو إنفعال يعكس رد فعل داخلي غير مبرمج ، يلجأ إليه الفرد بطريقة لا شعورية ، وهو من أسهل الردود للتعبير عن الرفض لأمر ما ـ لذلك يتخذه كثير من الناس لأنه الأسهل . وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمن الحقيقي هي صفة كظم الغيط وعدم التعبير عن هذا الشعور الداخلي بالغضب (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين ) فالإنسان عندما يطلق العنان لنفسه كي تغضب وتثور لا يملك ضبط نفسه أثناء لحظات الغضب فيمكن أن يرتكب من الحماقات ما لا يحمد عقباه ، لذا فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا جميعاً لم يعرف عنه الغضب أبداً إلا عندما تنتهك حرمات الله ، وطبعاً حتى غضبه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة يكون منضبطاً ويليق بمكانته عليه الصلاة والسلام ، وقد نهى المسلمين عن الغضب (لا تغضب لا تغضب لا تغضب) كررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في دلالة واضحه على أن الغضب تصرف غير محمود ولا يليق بالمؤمن ، ولقد حاول الاسلام معالجة مشكلة الغضب عندما فرض على المسلمين صيام شهر كل عام ، وهو شهر رمضان المبارك الذي يعتبر ضبط النفس حكمه من إحدى الحكم في مشروعيته (فمن سآبه أحدٌ أو قاتله فليقل إني صائم) أي أن الصوم فيه تدريب على كظم الغيظ وضبط النفس ، وأيضاً شرع الله سبحانه وتعالى على المسلمين فريضة الحج والذي يعتبر أيضاً فيه تدريب على الالتزام بضبط النفس (الحج أشهر معدودات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) إذن فمسألة الغضب قد أخذت حيزاً كبيراً في اهتمامات الاسلام إذ حاول معالجتها بأكثر من أسلوب و تلك دلاله على أهمية هذا الأمر . إننا لا نولد وفي داخلنا مشاعر الغضب بل هو تصرف نتعلمه ممن حولنا سواء أب ، أم ، أخ، معلم ، وكل من هو أكبر منّا ولأنه سهل نستسيغه ونلجأ إليه للتعبير عن عدم الرضى مما يحصل ، فإذا عرفنا أن الغضب هو تصرف نكتسبه بالمشاهدة والتقليد نعلم علم اليقين بأننا نستطيع أن نتعلم الاقلاع عنه واستبداله بنمط آخر من التصرف الايجابي يساعد على التكيف . يمكن أن يكون الغضب رداً لمخزون من الإحباط المتكرر وفي هذه الحالة يكون عدم التعبير في حد ذاته أمر غير صحي ، لكن التعبير عن هذا الشعور لا يجب أن يكون بالغضب أو التهور لأنه لن يحل الإشكال بل على العكس سيؤدي الى تفاقم المشاكل والى عواقب وخيمه .

          هذه بعض النقاط التي أردت أن أهمس في أذنكم بها لأفتح الباب لكم كي تشاركوا بمواضيع تخص هذا الجانب ، وهو التطرّق لعلوم حياتية حديثة ونجد لها التأصيل في ديننا الحنيف الذي لم يترك شارده ولا وارده في الحياة إلا وتطرق إليها وعالجها ، ولعمري أن هذه العلوم كثيرة لكن يجب على الفرد منا الاجتهاد والبحث حتى يتمكن من أن يستشف من مبادئ وتعاليم الاسلام ما هو موجود في العلوم الحديثة .

وللقضية بقية 0000000

 

راسل الكاتب