لقاء مع وزير الشباب والرياضة بولاية الجزيرة
سعادة البروفيسور احمد حمد النوري

أجرى اللقاء / عمر حسن غلام الله 

 

بمكتبه بشارع النيل بمدينة ود مدني، ألتقيت بأستاذي الجليل الذي درّسني مادة الإحصاء ومادة مناهج البحث في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال الذي نفذته جامعة الجزيرة في جدة، وبهذه الخلفية من المعرفة جاء اللقاء سلساً وصريحاً ومثمراً، وقد بدأته بممازحته قائلاً: هل الوزراء تصيبهم الملاريا؟ (حيث أنني زرت مكتبه في مرة سابقة لإجراء هذا اللقاء فقيل لي أنه مصاب بالملاريا)، فضحك وقال لي نعم تصيبهم، ثم أبديت له ملاحظتي بأنني هذه المرة – وكغير العادة في اجازاتي السابقة- لم أسمع طنين البعوض في بيتنا، وأن الإصابات بهذا المرض اللعين قد خفت في أوساط أهل مدني، فأفادني بأنهم في حكومة الولاية قد نفذوا برنامجاً لمكافحة الملاريا قضى على 80% من البعوض، وقد انخفضت تكاليف علاج هذا المرض بنسبة 90%، ولله الحمد والمنه.
ثم دلفنا الى الموضوع الرئيسي وهو هموم الشباب والرياضة، فوجهت له السؤال التالي:

س: كيف وجدت الشباب والرياضة في الجزيرة؟

ج: ما وجدته اسميه بكل المقاييس تدهوراً مريعاً في جميع المناشط الرياضية والشبابية، وهذا الأمر ينطبق على السودان كافة وليس على الجزيرة فقط.

س: ماذا فعلتم لمعالجة هذا التدهور، وهل استفدتم من علم الإحصاء- بصفتكم أستاذ علم الإحصاء- في المعالجة؟
ج: إزاء هذا الوضع- وأنا قادم من بيئة علمية لا يمكن أن أتخذ قراراً بدون معلومة، لكني لم أجد أي معلومة ولا حتى جهاز كمبيوتر في الوزارة، فأول خطوة قمت بها هي إنشاء قاعدة بيانات للمناشط الشبابية والرياضية، وتطلب الأمر إدخال تقنيات حديثة (حواسيب)، وقد تم إدخال حوالي 25 جهاز حاسوب في الوزارة، ولم يكن يوجد ولا واحد، ثم صممنا استمارة استبيان لحصر المعلومات عن المناشط الشبابية والرياضية في كل المحليات، والآن انتهينا من تحليل بيانات كرة القدم بالولاية، والنتائج التي توصلنا إليها تدعو الى الحزن الشديد..
فأول وأهم هذه النتائج هو أن كرة القدم بالرغم من أنها منشط شعبي؛ إلا أنها تمارس على نطاق ضيق بالولاية، وتلك هي المشكلة الأولى؛ فإذا نظرنا الى الفئة العمرية (7 – 25 سنة) من الذكور نجد أن هذه الفئة في الولاية تشكل ما يوازي 900 ألف نسمة (الذين يفترض أن يمارسوا كرة القدم من الناحية النظرية)، لكن فقط 10 آلاف من هؤلاء يمارسون نشاط كرة القدم، أي بنسبة 1.1%، (في البرازيل تصل النسبة الى 75% )! وهنا يبدو الفرق.
لماذا هذا الفرق؟
لأن الـ 10 آلاف إذا قسمناهم على 30 (عدد أفراد الفريق المعياري Standard الواحد) فإن هذا يعني أن في ولاية الجزيرة 333 فريق، فإذا ضربت النسبة في ولايات السودان الـ 26 يكون الناتج 8658 فريق بحد أقصى لعدد السكان في السودان (37 مليون نسمة)، بينما الرقم في البرازيل 7.5 مليون فريق لعدد سكانها البالغ 42 مليون نسمة. وهذه واحدة من المشاكل التي وضحت من مؤشرات الإحصاء الذي استخدمناه، وهي من المشاكل الأساسية التي نريد إيجاد حل لها، والحل يكمن في الناشئين، أي تكوين جهاز للناشئين لاستيعاب الفئات العمرية المختلفة، وقد وضعنا في الولاية هدف محدد هو تكوين 3 آلاف فريق جديد بنهاية عام 2007م، وقد حققنا حتى الآن حوالي 30% من هذا الهدف، أما في محلية ود مدني الكبرى فقد حققناه بنسبة 100%، وتم تكوين فرق للناشئين الأقل من 10 سنوات، وفرق أخرى للناشئين بين 10 و14 عام، وفرق لمن هم أقل من 19 سنة.
والمشكلة الكبرى الثانية في السودان هي غياب الرياضة في المدارس، وهي مشكلة استعصت علينا، إذ أن بها ثلاث تعقيدات، وإذا لم يتم حلها فلن تكون هناك رياضة في المدارس، فقد قمنا بإحصاء شامل لعدد المعلمين في المدارس بولاية الجزيرة، وعددهم 24,800، والتعقيد الأول هو أن 90% من هذا العدد من النساء، بالتالي العنصر البشري الذي يدير النشاط الرياضي غير موجود، والتعقيد الأكثر إلحاحاً هو أنه على مستوى محلية ود مدني الكبرى- إذا أخذنا مدارس الأساس كمثال- نجد أن هناك 445 مدرسة أساس لا يوجد بها أي ملعب لكرة القدم، ولا حتى مساحة لكي يتم تحويلها الى ملاعب في المستقبل.. وبالنسبة للمدارس الثانوية البالغ عددها 15 مدرسة؛ هناك ثلاث مدارس فقط بها ملاعب مثل مدرسة مدني الثانوية والمجلس الإفريقي، وبقية المدارس الثانوية لا يوجد بها ملاعب، والتعقيد الثالث في الرياضة المدرسية أن المنهج نفسه غير متوازن ويحتاج لتغيير. وسوف تطرح هذه المشاكل بمشيئة الله في المؤتمر الكروي الثاني لولاية الجزيرة (المؤتمر الأول عقد بنادي النيل عام 1980م!!!).
المشكلة الثالثة في السودان هي إدارة الكرة (الإتحاد الرياضي السوداني)، هذا الاتحاد لا يعمل بأي خطة استراتيجية، فهو يدير الكرة عشوائياً، كمثال الدوري الممتاز؛ وأعتقد أنه منافسة فاشلة بكل المقاييس، والسبب هو التباين الكبير بين إمكانات نادي الهلال والمريخ وإمكانات بقية الفرق، لذلك فإن بطل الدوري أو بطل الكأس لا يخلو من هذين الفريقين، أما باقي الفرق فهي كومبارس تتصارع للبقاء، وهذا سببه أن قانون الهيئات الشبابية والرياضية لعام 2003م، واللوائح والقواعد العامة التي تجري على هديها التسجيلات والشطب والانتقال؛ كلها منحازة انحيازاً تاماً لفريقي الهلال والمريخ،
والمشكلة الثانية في هذه المنافسة هو فشل البرمجة؛ ففيها يبدأ اللعب في يناير، ثم يتوقف في يونيو ويوليو، ويستمر من أغسطس حتى ديسمبر، وفي فترتي التوقف هناك تسجيلات وانتقالات. والأندية تعاني، إذ أن اللاعب يكون غير مقيد في كشوفات أي نادي (مفكوك) مرتين؛ مرة في ديسمبر ومرة في يونيو، وفترة تسجيل اللاعب في النادي 3 سنوات، فلو كان اللاعب لم (يفك) تسجيله في ديسمبر فسيفك تسجيله في يوليو، بالتالي اللاعب النابغة سيأخذه الهلال أو المريخ.
وهناك عيب آخر للبرمجة هي أن اللعب في الصيف والخريف، ويتم التوقف في الشتاء، وتتوقف في شهري الصيف- يونيو ويوليو- وتعاود اللعب في أغسطس الى أكتوبر- وهي فترة الخريف- وهذه البرمجة غير سليمة، والرياضة خطة.

س: كيف هو اتحاد كرة القدم بالجزيرة

ج: لازال يسير على نفس أسس اتحاد الكرة بالسودان، وأرى أن الشرط الأساسي لدعم الكرة في العالم الثالث هو دعم الإداري للعمل الرياضي، وليس الانتفاع من ريعه، أي أن يكون الإداري متطوعاً، والشرط الثاني للتنمية في ظل الفقر هو تربية اللاعب وتنمية سلوكه في إطار الوضع الاقتصادي القائم.

س: صلة الوزير بالجامعة

ج: ما زلت على صلة بجامعة الجزيرة، ولدي حالياً 25 طالب دكتوراة أشرف عليهم، و4 رسائل ماجستير بالبحث، وما زالت أقوم بالتدريس بالجامعة.

س: أي رسالة تودون توجيهها للقارئ

ج: سبق وأن وجهت هذه الرسالة عبر ملتقى أبناء ولاية الجزيرة بالمهجر، وأعيد توجيهها الآن، وهي استثمار أبناء الولاية- وغيرهم- في مجال الرياضة، والذي أرى أنه استثمار ناجح بإذن الله، فعلى سبيل المثال لا يوجد مسبح عام واحد في كل الولاية، المسبح الوحيد- وهو ليس عام- هو مسبح نادي الجزيرة بودمدني، لذلك فسيكون المسبح- لو أنشئ- بلا منافس، وهو لا يكلف كثيراً، فحسب التقدير الأولي فهو يكلف حوالي 150 مليون جنيه، كذلك أهيب بهم الاستثمار في مشروع للأدوات الرياضية، وهذا لن تكون فائدته قاصرة على ولاية الجزيرة، بل ستتعداها لكل انحاء السودان.

في حوالي الساعة الرابعة عصراً غادرت مكتبه – ليس بخاطري- وإنما لأن هناك ضيف ينتظر الإذن بالدخول له، يا ترى متى يغادر سعادة الوزير مكتبه الى بيته؟ الله يعينه.

البروف في مكتبه



 

عمر حسن غلام الله 

 

راسل الكاتب