خيرُ خلفٍ لخيرِ سـلفٍ
 

بقلم / عمر سعيد النـور

 

لم يكن غريباً أن تتحاكى ودمدني ويتباهى أهلها بالمآثر العظيمة التي قدمها الأخ عبد العزيز عبد المنعم حافظ ، كما لم يكن بمستغرب أن تكون له بصمات واضحة على كل جدار وفي داخل كل قلب .

والأخ عبد العزيز تربطني به علاقة طفولة وسنوات صبا ومحبة خاصة ، إذ كان قدوة لطلاب مدرستنا جميعاً ( علماً وتأدباً وخلقاً وجدية في المسؤولية ) ، فجمعت بيننــا علاقة قديمـة متجردة ، فهو زميل صبا ورفيق درب ، يجمعنا الحب المتبادل والزمالة القديمة .. وشيخ الأنديـة \" النيـل \" ، وهو ـ كما عرفته ـ رجل ليس ككل الرجال ، رجل مختلف في منهج حياته وتفاصيل أيامه ، وكذا أحلامه وأهدافه .

كان طالباً متفوقاً في دراسته مميزاً في شخصيته ، تتوافر فيه صفات القيادة ، وعلامات الرجولة المبكرة ، انصرف عن اللهو إلى الدرس ، ونأى بنفسه عن التجمعات الشللية غير المفيدة ، واستثمر وقته بما ثقفه وقدمه على غيره من الطلاب لتحمل المسؤوليات نيابة عنهم .

واصل الأخ عبد العزيز طموحه بعد الثانوية العامة فسافر للشقيقة مصر , حيث التحق بكلية الزراعة ، وكان من المبرزين في دراسته .

وبعد تخرجه التحق بالعمل بوزارة الزراعة بود مدني ، كمفتش زراعي ، ثم وزيراً ولائياً ، وكان مشهود له من رؤسائه وزملائه ومرؤوسيه وعارفيه بالنزاهة والاستقامة والتمسك بالقيم والالتزام بأهداب الدين ... وهو قارئ جيد ، ومثقف شمولي ، مع اهتمامات خاصة بالزراعة .

حديثي عن الأخ عبد العزيز عبد المنعم قد يراه البعض معاداً في حروفه ، فكثيرون قبلي سطروا بأقلام الصدق ومداد الحب كلمات ربما تكون هي الأبلغ ، ولكن شيئاً ما حركني اليوم لأكتب الكلمة وأوقعها باسمي واسم كل أهل ودمدني ، كنت التقط عبد العزيز الإنسان في ذاكرتي صورة حية ، كنت أتابع جهوده في بلدية ودمدني عندما كان رئيساً لمحليتها ، في دورة من أنجح الدورات وأعظمها شـأناً ، أقول كنت أتابع تلك الجهود بزهو وارصد عطائاته بفخر كبير بل كنت اسعد كل السعادة وأنا أرى يده المعطاء تمتد لإصلاح ما خربه الدهر ، فعمل جاهداً لتعود ودمدني لسـيرتها الأولى ، مشاهد رأيتها بعيني تستحق ألف كتاب يحكيها وليتها تكفي ، فحُبه وعشقه لسـيدة المدائن بلا حدود ، تطورها ورقيها وازدهارها هاجسه الأول والأخير ، لم يدع في سبيل ذلك طريقاً إلا وسلكه مضحياً بالكثير من وقته وجهده وماله ، ليس هذا مبالغة وإنما حقيقة يعرفها كل من يعرف ابن ودمدني البار عبد العزيز عبد المنعم ، وما إجماع أهل المدينة عليه إلا أكبر دليل على ما يحظى به\"أبا عبد المنعم\" من مكانة ومحبة وتقدير وأن جميع أعماله السابقة لم تذهب سدى ، فمدني تعرف أبناءها البررة المخلصين .

وأنا هنا لا أجامله بهذه السطور ، فهو لمن لا يعرفه عزوف عن الأعلام وزاهد في الأضواء ، وما دفعني لهذا الحديث خروج الأخ عبد العزيز عبد المنعم من التشكيل الوزاري ، ودخول الأخ العزيز البروفسير أحمـد محمد حمد نوري مكانه ، ذلك أن المسيرة مراحل ولكل مرحلة رجالها والإنجازات مراحل أيضاً ، وكل وزير ترتبط به أهداف مرحلة وإنجازاتها ، فلكلٍ فضله ولكلٍٍ جهده ، والقادم يستكمل المسيرة ، ويبني من حيث انتهى السابق ، وهكذا يرتفع البناء ويعلو ، والأخ عبد العزيز صاحب مرحلة أدى واجبه كأحسن ما يكون الأداء ، وبذل فيها جهده ، فتحققت بهذا الجهد أهداف ، وظهرت به إنجازات أيضاً ، وستظل الحركة الرياضيـة على مستوى الولاية تحفظ له في ذاكرتها تلك الجهود الطيبة ، فقد كان أهم ما يميزه بساطته وعدم تكلفه ، بل وتواضعه فهو يشعر كل من يتعامل معه بأنه قريب منه ، وهكذا شأنه مع الجميع ، ونحن نذكر له بكل التقدير جهوده الكبيرة في خدمة الرياضة والرياضيين بالولاية ، ومدينة ودمدني على وجه الخصوص .

وننتهز هذه السـانحة الطيبـة لنتقدم بالتهنئة الخالصـة للأخ البروفسير أحمـد محمـد حمـد نوري ، بثقة الدولة باختياره وزيراً للشباب والرياضـة بالولاية ، وفي تقديري ، وتقدير كل من عرف الأخ البروف عن قرب أن المسئولين بالدولة وبتوفيق من المولى عز وجل قد وفقوا للاختيار الصحيح ، وكلنـا ثقة من أن المقومات الخاصة بالأخ البروفسير أحمـد نوري والمؤهلات والخبرات التي أكتسبها طوال مسيرته في العمل القيادي والعام تجعلنا مطمئنين إلى أنه قادر بإذن الله على قيادة المسيرة الشبابية والرياضيـة بالولاية باقتدارٍ بإذن الله ، ونعلم تمام العلم بأنه لم يغب عن ذهن \" البروف \" ثقل الإرث الذي استلمه ، فضلاً عن التدني الكبير في المستوى الرياضي بحاضرة الولاية ، ونعلم أن في أجندته الكثير من الآمال ، وحوله أعين تترقب وأخرى تنتظر والأيام القادمـة خير دليـل .

وإننا إذ نسعد بهذا الاختيار لنسأل الله العلي القدير أن يمده بأسباب العون والتوفيق ، وأن يقدره على أداء مهامه على الوجه المطلوب ، وأن يحقق به الأهداف المنشودة . إنه ولي ذلك والقادر عليه .


أستاذ الأجيال طه عابدين

أستاذنا الجليل ( طه عابدين ) .. وأنت ترقد على سرير المرض فإنا والله نتألم من سقمك ، وقلوبنـا تئن لمصابك ، عزاؤنا أن في ذلك خيراً للمؤمن كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله : ( عجباً لأمر المؤمن ، أمره كله خير ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له .. ) .

أستاذنا الجليل طه عابدين.. ما أرق قلبك ، وما أطهر نفسك ، وما أوسع أفقك ، وما أدمث خلقك ، لا نملك سوى أن ندعو لك ، اللهم إنا نسالك بقلوب صادقة وبعيون ذارفة أن تسبغ على أستاذنا لباس الصحة والعافية ، وأن تجعل ما أصابه طهوراً وأجراً / اللهم أرجعه لأهله معافى من كل داء وأعده إلى محبيه لتقر أعينهم به ، ولينعموا بفضل الاستماع إليه والأنس بوجوده .

والدنا ومعلمنا أ. طه عابدين سلمت ودمت مكلوءاً برعاية الله وحفظه ، ونسأله تعالى لك الشفاء العاجل ، والجميع يدعو لك .. الأكف مرفوعة ، الألسنة تلهج بالدعاء … اللهم منا الدعاء ومنك الإجابة .. اللهم أمين

 لقد كان أبو حاتم نموذجاً متميزاً بين مديري التعليم وأمضى ردحاً من حياته معلماً ومديراً وموجهاً تربوياً لم يكن خلالها نمطياً في سلوكه الإداري والتربوي ، وكان لأعبأ فذاً بسيد الأتيام ( الأهلي ) صال وجال في الميادين ، وكانت له قذائف مرعبة .


 والأستاذ طه عابدين تستضيفه حالياً شقة ابنه ( محمـد ) بالمجمع السكني بحي الغرابي المتفرع من شـارع الفرزدق بالرياض ـ عند الدوريات الأمنية ـ ( الطابق الأول ، شقة 8 ) ـ ، نأمل أن يتمكن الجميع من أبناء ودمدني بالرياض من زيارته والاطمئنان على صحته .



روماني بزقاق ( الفيوماب )

من هم في سني من أبناء ودمدني يذكرون ولا شك ذلك الشاب المتقد حيويةً ونشاطاً ( خالد عبد الله شمت ) ، فقد كان ملء السمع والبصر ، ونذكر له بالتقدير كله إسهاماته المقدرة في إحداث نقلة نوعية وحضارية بدار رعاية الشباب ، وبالصورة الموجود عليها الآن بميدان المولد القديم بالقسم الأول ، فقد استطاع هو ومجموعة خيرة من الشباب نذكر منهم زعيم الجماعة المرحوم الأستاذ / محجوب عبد المجيد والتيمان وسيف محجوب شطة والفاتح عثمان شطة وبقية العقد الفريد ، وبالجهد الشخصي بناء هذا الصرح العملاق .

وكانت للأخ ( خالد شمت ) إسهامات الثرة أيضاً على مستوى الحي ، إذ تمكن بمجهود شخصي من إنشاء جمعية تعاونية (بدكان منزل المرحوم جيلاني آدم ) ، قدمت خدمات جليلة لأهل الحي ، وكان متعه الله بالصحة والعافية من المؤسسين لنادي النجوم ، وعمل معي نائباً للسكرتير بشيخ الأندية ( النيـل ) فترة ليست بالقصيرة ، كنا نعهد إليه بالمهام الصعبة ، وتلك التي تتطلب حركة واتصالاً ، إذ كان يحمل عدة صفات مفيدة أولها قلة الكلام إلى جانب ما يمتاز به من حنكة وعاطفة جياشة ونشاط دافق ، هذا طبعاً إلى جانب كونه لاعباً متميزاً .

نعود بعد هذه المقدمة لعنوان المقال ، ذلك أن الأخ خالد شمت تخرج في كلية الزراعة بجامعة بودابست برومانيا ، وقد تزوج برومانيـة ، أنجب منها بنيناً وبنات ، وأستقر به الحال هناك ، حيث أسس لنفسه مزرعة مختلطة ( زراعة وتربية حيوان ) ، حصل بعدها على الجنسية الرومانيـة ، وقد ترشح الانتخابات الماضية لمنصب ( حاكم ولاية ) ، وبعد غياب طويل عن الديار والأهل يعود الأخ خالد شمت في زيارة لسيدة المدائن ، ( بجواز سفر روماني ) ، وقد أحاطه الأهل والأصدقاء بمظاهر الفرح والاحتفال ، لمكانتة الكبيرة في نفوسهم وغيابه الطويل .

أخي خالد شـمت نحن من على البعد نرحب بزيارتكم الكريمة لسيدة المدائن ، و يبقى الحديث عنك وعن مكارمك عاجزاً عن الإيفاء بقدرك ، وأقل من مآثرك فقد حملت في صدرك أسمى معاني الإنسانية ، وما تزال تبذل ما في وسعك لترسم ابتسامة الأمل على شفاه الآخرين ، وتمتد أياديك البيضاء لمساعدة ذوي الفاقة ، والمعوزين ، ولم تال جهداً في تأسيس المشاريع الحضارية والخدمات الإنسانية بمديتنا الحبيبة ، ونحن نعلم أنك من العاشقين لترابها ، وكل هذا يترافق مع صورتك التي لا تبرح الخواطر والقلوب مشفوعة على الدوام بصور عطاءاتك وبذلك الذي لا يعرف الكلل ، والذين يتحدثون عن خصالك الكريمة ، وسجاياك النبيلة .. يعلنون لك خالص العرفان مقدرين الجهد والوقت الذي تبذله في سبيل رفعة مدينتنا الحبيبة ودمدني ، ويثمنون ما قدمت .

وأهنئك أخي ( خالد شمت ) على ما تحظى به من حب وتقدير ودعوات صالحات يلهج بها الجميع ، يدعون لك بظهر الغيب أن يطيل الله عمرك وأن يمدك بمزيد من التوفيق ويسدد على طرقات الخير خطاك في جميع أعمالك ومقاصدك .. وأن يجزيك يا أخي خير الجزاء على أياديك البيضاء التي امتدت للكثير من أبناء هذا الوطن الغالي ، وهنيئاً لأهالي ( ودمدني ) الذين يستحقون مثل هذه الوفادة .


الأستاذ السر عطا الجيد في ذمة الله

بالأمس فقط وعبر البريد الالكتروني تسـلمت رسالة من الأخ ( أحمد السر )، من دبي بالأمارات العربية المتحدة، ومن خلال الرسالة علمت بوفاة هذا الأستاذ الجليل ـ عليه الرحمة ـ ، والأستاذ السر أحمـد عطاالجيد عاصر العهد الذهبي لكلية المعلمات بود مدني ، عندما كانت الأستاذة صفية محمد علي مديرة لها ، وضمت الكلية نخبة من العمالقة ، نذكر منهم الأساتذة يحيى وداد ، وهنية عبيد ، وطلعت عفيفي ، والمرحوم يحيى منصور ، عبد الله متوكل والمرحوم طه كرار ، عوض السيد ، عثمان عبد الحميد ، وقتها كان المرحوم أ. السر مديراً للتدريب بالكليـة ، وكان ـ رحمه الله ـ ذا خلق عظيم ، لطيفاً من غير ضعف ، غزير العلم متقد البديهة ، يفرض احترامه وحبه على من يقابله ، ذا ابتسامة هادئة ، طيب الكلام ، عميق المعرفة ، وكنا لا نمل من مجالسته للاستفادة من علمه وتجاربه الثرة في الحياة ، وكان له دور مشهود في تدريب المعلمين على الوان النشاط والوسائل المفيدة في التأثير على الطلاب وكسب قلوبهم وتعديل سلوكهم بعيداً عن الأوامر الإدارية والتعليمات الشديدة والبرامج الجامدة ، فكان له تأثير عجيب في أكثر المدارس التي مر عليها فلله هذا الرجل النبيل الذي عمر حياته بالأعمال التي نحسبها عند الله من الصالحات وألفت نفسه التواقة إلى الجد والاجتهاد ، نسأل الله أن يجعله في عليين مع النبيين والشهداء والصالحين وأن ينزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور .


من البريد

حمل إلينا البريد عدة رسائل من أخوة أفاضل .. نختار منها رسالة الأخ الأستاذ ياسر البدري المحامي ، والذي أقترح تقديم صورة عن ممرضات المدينة في ذلك الوقت ، أسوة بالدايات ، ويتذكر الأخ ياسر في رسالته ذهابه وهو في مقتبل العمر بصحبة جدته ( بخيتة بلال ) ـ بالمناسبة كانت امرأة ذائعة الصيت ، ولها شخصية قوية ، واشتهرت في المستشفى باسم \" بخيته لوك \" وهي من الرعيل الأول من الممرضات بمستشفى ودمدني وهن من قمن بسودنة تلك المهنة ، ومن زميلاتها عائشة مسور ، وهي جعلية ، وقد عملت بخيته لوك لما يناهز الثلاثين عاماً بمستشفى ودمدني إلى أن وصلت لكبيرة الممرضات بالمستشفى ـ ونحن بدورنا نشكر للأخ ياسر هذه المشاركة المقدرة وتلك المعلومات القيمة ، ورسالة أخرى من نيو أورليانز ، بولاية لويزيانا بالولايات المتحدة من الأخ مريود محمـد السني ، والأخ مريود ذكر في رسالته بأنه لم يحظى بمقابلة الشيخ عبد الرحيم أبو قرط ، ولكن أفعاله الخيرة تضع لنا مقياس ومعيار لحياة الرجل المسلم ، وقال : أن والده وأعمامه نقلوا له سيرة طيبة عنه ويعتبرهم مرجع أساسي عن \" الشيخ \" من ناحية كرمه وبساطته ، وأوضح في رسالته بأن والده انتقل للدمازين أواخر الستينات ، ومطلع السبعينات ليفتتح له متجراً هناك ، فتوثقت علاقته بالشيخ ومن بعده بابنه \" عبده أبو قرط \" الذي صار صديقاً حميماً لوالده ، وأختتم الأخ مريود رسالته بالإشارة إلى أنه يسعى لإصدار كتاب يظل مرجعاً في الوقت الحاضر وللأجيال القادمة عن الشيخ ، الذي يعتبر خير مثال للإنسان السوداني ، ونختم الرسائل بالتحية والشكر للأخ علي سيد أحمد بن عوف من الولايات المتحدة وللأخ نادر البوشي والابنة سوسن عباس مدني حميدة ، لكلماتهم الطيبات .
 

عمر سعيد النــور
رئيس جمعية أبناء ودمدني الخيرية
الرياض

 

راسل الكاتب