أعلامٌ ورجال من ودمدني

بقلم / عمر سعيد النـور

 

مدينـة ( ودمدني ) تلك الجوهرة التي توسطت إقليم الجزيرة بمناظرها الجميلة ونيلها الخالد ، وبأهلها الكرام ورحمها الولود برجالات أفاضل خدموا الوطن بالكثير والكثير . لا أظن أن أحداً لا يعرف ودمدني إلا وهو يعلم عنها هذه المزايا شأنها كسائر أرض وطننا المعطاء ، وهنا أحب أن أشير إلى بعض من رجالات هذه المدينة المخلصين الذين افتقدنا بعضهم بالموت ، ولم نفقدهم لخصالهم الحميدة وسيرتهم الطيبة التي سارت سيراً طيباً لدى الجميع ممن عرفهم أو خالطهم . لتبقى براقة وهاجة تضئ بنورها درب السعادة والأمن والأمان لإنسان مدينتنـا الغالية أم المدائن ( ودمدني ) ، فمجتمعنا الفاضل المستقيم على المحجة البيضاء لا يستغني أبداً عن التأسي بالأخيار والاقتداء بهم وإشاعة قبس من سيرتهم حتى يسود منهجهم الصالح ، ويعم مسلكهم القويم .

عند زيارتي الأخيرة لود مدني مررت بالقرب من وزارة الشــؤون الهندسـية ، فتهيجت بداخلي مشاعر متناقضة بين الفرح والحزن ، فرح بأن تولى قيادة هذه الوزارة أحد أبناء هذه المدينة البررة ألاَّ وهو الأخ المهندس / دكتور أحمد محمد آدم ، وتنامت هذه المشاعر إلى الذروة حينما تذكرت وزيرها الأسبق المرحوم المهندس محمد عبد الكريم عساكر .

في تلك اللحظة سبقت دموع الحزن مشاعر الفرح حينما تذكرت المرحوم المهندس محمد عبدالكريم عساكر ، وكأنه أمام ناظري بابتسامته الدائمة ونفسه الطيبة وطبعه المتسامح ، عرفته قبل أن أعمل معه بنادي النيـل فازداد حبي له أكثر ، فكان أخاًً ومعلماً وصديقا وفياً ، ولست بصدد تعداد محاسنه فمن عرف ( عساكر ) رحمه الله لابد أن يحبه وما الجموع التي شيعت جثمانه إلا دليل على طيب سجاياه ونبل مكارمه .. وإن رحل عن دنيانا الفانية فإن صدى سيرته سيبقى حياً في الأذهان وراسخاً في الوجدان ، وعزاؤنا فيمن رحل من هذه الفانية أن قيض الله له أبناءاً بررة صالحين يدعون له لكي لا ينقطع عمله . ومثلما ربى المرحوم الأبناء على الفضيلة والإيمان جازوه بعد مماته بالعرفان والإحسان ، وهذا ما يجعلنا نمسح دمعة حزن فراقه بمسيرة أبنائه وتسابقهم على دروب الخير وفاءً لمربيهم الفاضل ، وهذه إحدى سمات أهالي ودمدني بغرس الفضيلة والإحسان في الأبناء لتبقى طريقاً ممهداً لاعمال الخير ، والتي تميزت بها ودمدني من غيرها من المدن .

وإن كان الحديث رغم إقلالنا فيه قد انتهى عن المرحوم عساكر إلا أنه قد ابتدأ مع شيخ فاضل آخر هو الشيخ أبو زيد أحمد ، فهو جندي مجهول يقف وراء كل المشاريع الخيرية ومهما كتبت الأقلام ولهجت الألسن فلن توفي هذا الرجل حقه ـ رحمه الله ـ فأياديه بيضاء وسعيه مشكور مقبول بمشيئة الله ، ولن نســـتطيع حصر الأعمال والمشـاريع الخيرية والسـعى لمساعدة المحتاجين . ولو كان الشيخ حياً لعاتبني ، فهو ـ رحمه الله ـ لا يقبل الإطراء ، ولا يريد جزاءً ولا شكوراً إلا من رب العزة والجلال ، ولكن لابد أن نجزل له الشكر والثناء ولو بعد مماته فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله .

ومحاسن الشيخ أبو زيد لا تعد ولا تحصى فعلى الرغم من مشاغله العملية في إدارة أملاكه ، إلى جانب رئاسته لمحكمة العُمـد ، إلا أنه قطع عهداً على نفسه أن لا يتوقف عن مساعيه الحثيثة في أعمال البر والإنسانية والأعمال الخيرية وما بصماته في بناء المدارس الابتدائيـة والمتوسطة بمدينة ودمدني والتي تحمل اسمه ، ومشاركته مع نفر كريم من أبناء المدينة في إنشاء مدارس مدني الأهلية ، وتبرعه بالأرض لبناء مدرسة حنتوب الثانوية ، وتبرعه كذلك بأرضٍ شاسعةٍ للخطة الإسكانية بمدينة ودمدني وبناء مسجد ، وأكثر من مركز صحي وشفخانة بأنحاء متفرقة من المدينـة ، هذا إلى جانب تبنيه للعديد من الطلاب لاكمال تعليمهم على نفقته الخاصة .

وقد حدثني أحد عمداء الكليات بجامعة الجزيرة من أنه قد أحرز المركز الأول في امتحان الشهادة الابتدائية ، وكانت ( لجنة القبول ) بمقر المدرسة الأميرية ، حيث فرضت عليه ( اللجنة ) رسوماً دراسـيةً ، وهي رغم قلتها إلاَّ أنه لم يستطع سدادها لضيق ذات اليد ، ولم تفلح كل محاولاته مع أعضاء اللجنة لإعفائه من الرسوم . قال هذا العالم الجليل : " أسودت الدنيا في وجهي ، وخرجت من مقر اللجنة وأنا لا ألوي على شئ ، فلحق بي شيخ أبو زيد ـ وكان أحد أعضاء اللجنة ـ ، طيب خاطري ، ومسح دمعتي ، ولم يكتفي بسدـداد الرسـوم المقررة للدراسـة فحسب ، وإنما تكفل ـ عليه الرحمة ـ بمصاريف دراسـتي ، حتى حنتوب الثانوية ، وكان يعطيني مصاريف أكثر مما كان يعطي أبنه ( محمد ) لما رأه من انصرافي للدراسة والتحصيل " .

ومثلما فعل مع هذا العالم الجليل ، فعلها مع العشرات غيره ، وأمتدت أياديه البيضاء بالمساعدة والعون في إيواء العديد من الأسر الفقيرة في مساكن مملوكة له ، ومما يذكر هنا أن أبناؤه اكتشفوا بعد

مماته أكثر من حالة كانوا فيها يعتقدون أن ســـكان المنزل هم أصحابه ، فيتبين لهم أن المالك شيخ أبو زيد عليه رحمة الله ، أقول ذلك من واقع معايشة لمساعي الخير التي تقلدها شيخ أبو زيد بمدينة ودمدني أجزل الله له المثوبة والأجر .

والشخصية الفذة الثالثة هو : بابكر سالم أبو سنون ...... ماذا أحدث عن أبو سنون ، وقد عرفته منذ ما يقارب العشرين عاماً ، هذا الرجل الفذ كلما حدثت عنه زميلاً أو صديقاً دعا له بحسن الختام ، وذكره بكل خير ، فقلت هذا والله المكسب ، فأبشرك يا أبا مبارك ، وأبشركم يا آل أبو سنون بأن التجارة قد ربحت مع الله ، فقد عرفنا الفقيد وحبه للخير وبذل النفيس ، وما أعلم من قصص بذله وإحسانه كثير لا يسمح المقام ولا المقال به ، فاسأل الله أن يقبل منه صالح أعماله ، هذا الرجل العلم ما يعرفه غيري عنه أكثر مما عرفت عبر عقود مباركة من العمر في العمل المخلص والسريرة النقية .. رحمك الله يا أبا مبارك فأنت اليوم محل الإجماع في كل اجتماع وكلما نقَّبنـا في سيرتك فاحت بأريج العطاء ، وصدق النية ، ودعا لك الناس وهم شهود الله في أرضه .

ونحن نستذكر الرجل وسيرته البيضاء ومسيرته الخيرة ، فإننـا نسأل الله أن يبارك أعمال وحياة أسرة آل أبو سنون ، هذه الأسرة المعطاء التي قدمت للوطن أسماء بارزة في التجارة والاقتصاد ، لينهجوا ذات النهج ويكملوا المسيرة ، وهم والحمد لله على ذلك سائرون ، وهم رواد كل خير ، ودعائم متينة من دعائم العمل التجاري والمصرفي والإنساني في بلادنا .

ومما تسترجعه الذاكرة عن الفقيد في هذه اللحظات أنه كان رحمه الله يحرص على توزيع الزكاة للفقراء والمساكين في أوانها دون تأخير فتجتمع إليه جموع هائلة منهم في كل عام ، هذا طبعاً إلى جانب أن أياديه البيضاء كالريح المرسلة لا تتوقف عن العطاء طوال العام ، وكان ـ رحمه الله ـ يستقبل يومياً العشرات من ذوي الحاجات والمترددين من أبناء القرى ممن يتقدمون له لبناء مســاجد وغيرها من أعمال الخير ، وكان ـ رحمه الله ـ سريعاً إلى الخير ومشجعاً عليه ، وتقف المساجد والمدارس العديدة التي بناءها في أنحاء متفرقة من المدينة دليلاً على ذلك ، هذا طبعاً إلى جانب بصماته الواضحة للعيان بمستشفى ودمدني التعليمي ، أما مساهماته في أعمال الخير العامة في مختلف أوجهها فقد أفاض الناس فيها ، وإن بقيت قصص أخرى عند من لم يتحدثوا عنها فهي عند الله ولوجه الله .

لقد غيبك الثرى عنا ( يا أبا مبارك ) ، ولكنك معنا اسماً ورمزاً لكل خير ، عشنا معك ، ورأينا كيف كنت تتعامل مع الكبير والصغير والحمال والخفير بأسلوب واحد ، طابعه حنان الأب وطيبة الطيبين من الرعيل الأول ، فجزاك الله عنا خير الجزاء . ورحمك الله يا أبا المبارك فلا زال مكتبك ومجلسك يعطران الزمان والمكان .. ولا نقول إلا جبر الله مصابكم وعظم أجركم يا آل أبو سنون ، أما العزاء فنوجهه للوطن والأمة في فقيدنا جميعاً ( بابكر سالم أبو سنون ) ونقول لله ما أعطى ولله ما أخذ ، والحمد لله رب العالمين .

ومن مسيرة الخير والإنسانية في مشوار بابكر أبو سنون إلى سحابة العطاء والإحسان جابر العثرات ومكفف الدمعات و" عشاء البايتات " الشيخ الجيلي الحسن صلاح الحاضر الدائم في المناسبات بإسهامه ودعمه ومواقفه الخيرة التي هي الأخرى لا تعد ، ولا تحصى وما خفي منها كان أجل وأعظم حيث كان يتبرع ـ حفظه الله ـ بمكافآت مالية لحفظة القرآن الكريم والطالبات المثابرات المجتهدات المتفوقات بصورة يومية تقريباً ، " إبان فترة عملي معه بمدارسـه الشهيرة بحي الدباغة بود مدني " ، جامعاً في إسهامه البر بإنشاء المسجد الجامع باسم والده ( الشيخ الحسن صلاح ) ـ رحمه الله ـ وقد تكون هذه المساهمة من الشيخ الفاضل نقطة من بحر أعماله الخيرية والإنسانية المتعددة والتي يعرفها القاصي قبل الداني، ومن يزور الشيخ في مجلسه يلحظ في لقائه البشاشة والتواضع والاحترام والتقدير ونظرة الحنان والعطف التي يضفها على المجلس فترتسم السعادة والابتسـامة وتنفرج الكربات وتزول العثرات ، وإن من نعم الله على الشيخ الجيلي الحسن صـلاح ( نعمة انبساط الوجه ) ، فلا تراه إلا مبتسماً وهذه الخصلة من نعم الله التي يهبها لمن يشاء . فكما ورد في الحديث : " أن من الصدقة أن تلقى أخاك بوجه طلق " ، وعرف عنه إلى جانب ذلك الهدوء والأدب الجم ، فحديثه إليك يكون هامساً ، والحديث الهامس يا حضرات يكون له وقع الصدى في نفس المتلقي ، ويقولون أن النجوى في الحديث إحدى علائم الصدق والتأثير .

وعن نخوة أبا الدرديري لا تسألوا أهل بيته ، فهذا مفروغ منه ، ولكن أسالوا إن شئتم جيرانه بحي الدباغة بمدني .. اسألوا أهل ودمدني .. أسالوا المعلمين والمعلمات ، من الذين سبق لهم التعامل معه ، أسالوا الخالة ( عائشة ) أم البنات ، هذه المرأة المناضلة الصبورة المهذبة كيف تمكنت بفضل الله ثم بفضل دعمه ، وما وفره لها من عمل ، وما أستقطعه لها من وقت لتقيم تجارة بسيطة داخل أسوار مدرسة الجيلي الثانوية بنات تقدم من خلالها احتياجات المعلمين والمعلمات والطالبات من الوجبات الشهية والنظيفة ، والشاي بالنعناع ، الذي برع فيه أهلها الشايقية واشتهروا بحبـه ، إلى جانب بعض الأغراض الأخرى ، فاستطاعت هذه المرأة النموذج عفيفة النفس ، عالية الهمـة أن تربي وتكبر بناتها على أحسن ما يكون ، ( ترى أين أنت أيتها الخالة العزيزة عائشة ؟؟!! ) ،... ثم أسالوا رفقاء الدرب بالمدارس الأهليـة ( عبد الستار ، وشيخ يونس ) .. اسألوا .. واسألوا .. لا أريد أن أطيل فأنى لي أن أحيط بهذا المحيط .. محيط مكارم الأخلاق .

وشخصيتنا التالية سيرته عطرة من أصل كريم ونشأة صالحة وأدب عظيم وأخلاق كريمة ، ونفس طيبة ، وخصال حميــدة ، عرف عنه الحكمة والصدق والنبل والتواضع والكرم والجود والشجاعة والشموخ ونقاء القلب ، ويتمتع بشخصية قوية ، وعلى درجة عالية من الذكاء والثقافة ، والبراعة في الحديث ، ورجاحة العقل ، وصواب الفكرة ، وسـعة الأفق ، صاحب مثل عليا ، وقدوة حسنة ، ومثالية التعامل ، أنه الفارس الخلوق ، وصاحب الفزعات والقلب الرحيم والأيادي البيضاء ، يمين الخير الحاج / صديق محمد طه شقدي ، عمدة جزيرة الفيل ، وزعيم الأنصار بالجزيرة ، ورئيس حزب الأمة بود مدني ، ورجل الأعمال والبر المعروف بمدينـة ودمدني ، وكبير آل شقدي ، وكبير أهل جزيرة الفيل ، لا والله بل كبير أهل ودمدني ، صاحب الإسهامات الكبيرة في خدمة الناس ، وبناء المدارس بحي جزيرة الفيل ، والعديد من المرافق الحيوية بهذا الحي العريق ، هذا طبعاً إلى جانب دعمه المستمر لمسيرة نادي جزيرة الفيل ، وقد أستمر هذا الدعم على امتداد مسيرة هذا النادي الطويلة .

كما أن ( لأبي العمدة ) مساهماته الثرة في العديد من أعمال البر بحي جزيرة الفيل ومدينة ودمدني والتي تأتي امتداداً لمساهماته المتكررة وحرصه الدائم على ما يرفع شأن المدينة وأهلها ، ظهر ذلك جلياً إبان ترأسه مجلس منطقة وسط الجزيرة ، ومحلية مدني شرق ، وغيرها من المواقع ، وقد استطاع هذا الرجل الفذ أن يخرج بنفوذ العمودية إلى أفاق أرحب وأوسـع ، ولا غرو في ذلك فهو رجل مجتمـع من الطراز الأول ، ويعتبر كذلك الشخصية الشعبية الأولى على مستوى مدينـة ودمدني ، إذ استطاع أن يفرض وجوده على الساحة ، لما يتحلى به من رزانة وهدوء وموضوعية مع سعة البال ومكارم الأخلاق ، ولما يحظى به من قبول من كل أهل المدينة ، بكل ألوان طيفها السياسي ، حتى المسئولين وثقوا في إخلاصه ووسطية ما ينادي به ، وركنوا إلى فهمه وخبروا هدفه ونزاهة ما يقول به ويدعو إليه ، وكثيراً ما كان يتجشم مشقة السفر ليكون في مقدمة حضور المناسبات ودعمها ، وهكذا عرفته سابقاً وهكذا هو دائماً مشعل للخير ومنبر للعون والمساعدة لا تفارق الابتسامة وجهه ، ولا يعرف العبوس جبينه ، يبذل للناس ماله وجاهه بل نفسه أحياناً ، إن لم يأتك منه خير فلن تجد منه شراً أبداً ، هو باختصار يبذل الندئ ، ويكف الأذى ، وهذا هو حسن الخلق فهنيئاً له هذا الخلق العظيم الذي يدل على كمال إيمانه وحسن إسلامه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً "

. جزاه الله كل خير وأثابه على إحسانه ، فهو رجل الإنسانية وهو ابن الوطن البار أمد الله في عمره على الخير والبركة .

حبيبنـا وكبيرنا صديق شـقدي إن لساني يعجز أن يحيط بشخصيتك الكريمة ، وأن يصفها بما تستحقه من الاحترام والتقدير ، ولكن أبلغ من ذلك أنني أكاد ألمس مشاعر كل أهل ودمدني ، والذين أشعر أنني أتحدث بلسانهم ، وإن لم يكن لسـاناً فصيحاً . المهم أننـا ندعو لك بالتوفيق ...اللهم نسألك يا أجود الأجودين ، نسألك بجودك وكرمك وإحسانك أن تدم عليه إحسانك وأنزل عليه رحمة من عندك ترفع بها درجاته ، وتلبسه بها ثوب صحة يكون عوناً له على طاعتك يا إله الأولين والآخرين ، ونسألك يا الله يا كريم ويا منان أن تمده بعونك وتوفيقك وأن تبارك له في أهله وعياله .

ونختم حديثنا ( ختامها مسك ) بالمرحوم دكتور عبد الرحيم أبوعيسي الطبيب الشهير بمدينة ودمدني ، والقطب والرئيس الأسبق للحزب الوطني الاتحادي بالمدينة ، والعضو السابق بالبرلمان عن المدينة ، وسليل أسرة من أعرق وأنبل الأسر بمدينـة ودمدني ، هذه الأسرة التي قدمت لنا العديد من الأفذاذ في شــتي المناحي ، يبرز من بينهم أبناء مصطفى أبو عيسي أذكر منهم مدير بنك السودان الأسبق الأستاذ عبد العزيز أبو عيسي ، والمحامي الشهير أ. فاروق أبو عيسي ، وأبناء الحاج الريح عمران أبو عيسي ، والذي أكرمه المولى الكريم بأبناء من خيرة الأبناء ، نهلوا من العلم أعلى مراتبه ، نذكر منهم د. محمد سعيد استشاري النساء والتوليد ، ودكتور بدر الدين أخصائي الأسنان الشهير بالخرطوم بحري ، وعلى نفس الدرب سار أخيه الطاهر تقني الأسنان بجامعة الجزيرة ، والمرحوم / عبد العزيز خريج كلية الصحة ، وباشمفتش صحة وسط الجزيرة الأسبق ، وعمران خريـج تجارة جامعة القاهرة ، ثم أخيهم المرحوم/ مامون ، والذي قطع دراسته الجامعية بالقاهرة عند وفأة والدهم وغفل راجعاً ليخلف والده في رعاية ( أسرة الأخيار) وأخر العنقود عيسى والذي تخرج في كلية آداب جامعة القاهرة قسم اجتماع " يعمل حالياً بالعربية السعودية " .

ومن رجال هذه الأسرة الأفذاذ الحاج ( يوسف عمران أبو عيسي ) ، المهذب اللبـق ، والتاجـر الشهير بالمدينة ، وكذلك أخيه أبا محمـد ( الحاج الجاك عمران أبو عيسي ) ، وهناك خليفة الخلفاء عيسي أبو عيسي ، وأبناؤه الخليفة طه والخليفة مصطفى والخليفة صالح عيسي أبو عيسي ، وخليفة الخلفاء الحالي بالمدينة الحاج محمود عيسي أبو عيسي ، ونذكر كذلك التاجر الشهير بالمدينة الحاج ميرغني حسن أبو عيسي ، وأستاذ الأجيال المرحوم إبراهيم محمود أبو عيسي ، ودكتور فائز أمين السني ، ودكتور عبد المنعم أبو عيسي ( الأسيوطي )،ودكتور محمد عبد الله .. ولو أستمر بنا الحديث عن أفراد هذه الأسرة الكريمة ، فلن يسعنا المقال بكامله ، المهم نعود للحديث عن الطبيب الإنسان عبد الرحيم أبو عيسي ، ولمن لا يعرفه فهو رجل وهبه الله الكثير من المزايا والخصال التي جعلته محبوباً لدى الجميع ، وعيادته بشارع المحطة بود مدني من أكبر وأقدم العيادات بالمدينة ( مجمع طبي ) ، وكان من الرواد في هذا المجال من بين أبناء المدينة . وكانت هذه العيادة قبلة للمرضى من أهل المدينـة وقرى الجزيرة ، تراها على مدار اليوم وقد اكتظت بالمرضى خاصة من كبار السن ، وهؤلاء يعتقدون عن قناعة بأنه ( ألما أتعالج على يد د. أبو عيسى ما أتعالج ؟؟ )، ومراعاةً لظروف الناس جعل رسوم الكشف شبه رمزية ( خمسون قرشاً في ذلك الوقت ) ، وهو لا يكتفي بذلك بل كان ـ رحمه الله ـ كثيراً ما يوجه موظف الاستقبال لإرجاع رسوم الكشف للفقراء من مرضاه ، وهم كُثر ، ليس هذا فحسب بل أن الأمر قد يمتد لسداد قيمة الدواء أيضاً ، حيث يكتب على الروشـتة عبارة : " تصرف مجاناً من صيدلية المحطة " ، المملوكة له والتي كان يديرها أبنه المرحوم د. الفاضل .

دكتور أبو عيسي كان محباً للعلم والثقافة ، وشغوفاً بالقراءة ، وقد ساهم ـ رحمه الله ـ مع نفر كريم من أبناء المدينـة في تأسيس نادي الخريجين بود مدني ، فهو من أوائل الخريجين ( طب كلية غردون ) ، وكان يحرص أشد الحرص على مجلسه بنادي الخريجين بود مدني ( ركن الندوة ) ، تجتمع إليها النخبة المتعلمة والمستنيرة من أبناء المدينـة يتدارسون ويتفاكرون في أحوال البلد والمدينة وأهلها ، وكان ذلك العصر مليئاً بالأحداث ، ويرجع لدكتور أبو عيسي الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في توحيد الحزب الوطني الاتحادي مع حزب الشعب الديمقراطي والذي كان وقتها يمثل طائفة الختميـة ، ساعده في ذلك وبدرجة كبيرة كونه من العيساب ، وهي أسرة لها مكانتها المتميزة لدى آل الميرغني والختميـة .

وللدكتور أبو عيسى القدح المعلى في إنشاء ( جمعية البساتين بود مدني ) ، عاونه في ذلك نفر كريم من أبناء المدينـة ، وقد أهتم أيما اهتمام بهذه الجمعيـة ، وجعل لها معرض سنوي يعتبر من أجمل المعارض ، شجع من خلاله المواطنين على تشجير وتجميـل منازلهم ، ويعتبر منزل دكتور عبد الرحيم أبو عيسي من أجمل بيوت المدينـة ( بالحي السوداني ) ، وكان دائماً ما يحتل المرتبة الأولى في مسابقة تنسيق الحدائق المنزلية ، ويتفوق على منافســيه ( علي الباهي ، وبابكر الخواض أمد الله في أعمارهما .. وعساكر ، ومحمد ســيد أحمد ـ رحمهما الله ـ .. ومكرم مانسي .. ودكتور عمر أبو بكر رجب ، وغيرهم ) ، واستمرت هذه الجمعية بعد وفاته ويترأسها حالياً الأخ والصديق العزيز د. الرشيد يوسف عمران أبو عيسي .

وأبو الفاضل منذ نعومة أظفاره وحتى بلوغه العقد السادس من عمره صاحب وصل للقريب والبعيد من الأقارب والمعارف ، مع أن حق الزيارة في أغلب الأحيان له ، فمع تقدمه في العمر لم يترك هذه السـجية الحميـدة ، فهو رجل واصل للرحم ، وفوق هذا وذاك فقد أغناه الله بحلاله الخالص ، فلم يسع لمنصب ، ولم يزاحم في أي شئ من وجاهات الدنيا ، إنما عاش مكتفياً بما يملك . رحم الله دكتور عبد الرحيم أبو عيسي .. رحمة البررة الأتقياء ، وأبدله سكناً خيراً من سكنه وأهلاً خيراً من أهله .. ونسأل الله أن يقبله في الصديقين وأن ينزله منازل الشهداء والصالحين ، وان يجمعنا به وجميع موتى المسلمين في جنات النعيم .. والحمد لله رب العالمين .

ختاماً وباختصار شـديد فان التسابق على أشده بين أهل الخير والبر والإحسان من أهالي ودمدني في واحدة من أسمى القيم الاجتماعية وما أجمل أن يجتمع في العمل : البر والإحسان مع البذل والعطاء بلا حدود .اجزل الله للجميع الأجر والمثوبة وجزاهم بالإحسان إحساناً .

ومع يوم آخر تشرق فيه شمس أعمال جديدة بزعامة فرسان جدد كما هي عادة أهل ودمدني ، وفق الله الجميع لكل ما يحب ويرضى إنه سميع مجيب .

عمر سعيد النــور
رئيس جمعية أبناء ودمدني الخيرية
الرياض

 

راسل الكاتب