(2)

شخصيات ظريفة من ودمدني

بقلم / عمر حسن غلام الله 

  

          مدني ذاخرة بكل ما هو طريف كما هي ذاخرة بكل ما هو جميل ، فبالإضافة لأهل الفن الطرب والكوره والسياسة والأدب، هناك مجموعة الظرفاء واهل الطرف، شخصيات يعرفها كل اهل مدني في الستينات والسبيعنات وربما الثمانيات (وهذا فقط ما اختزنته ذاكرتي الخربه)، اما شخصيات التسعينات، فلعلي لا أعرف عنها شيئا لبعدي عن مدني في تلك الحقبة، فأرجو منكم اضافتها لهذه الكوكبة.. رحم الله من فارق الدنيا وأمد الله في عمر من بقي منهم على قيد الحياة، واستميح الجميع عذراً ان انحرف قلمي، فلكل جواد كبوة..

 

ابن مدني البار

 

حيدر قطامه

عبد اللطيف حلاوه حلي

عم قسم

عم عبدُ اللهِ حلاه وحمار

 

عبد اللطيف حلاوه حلي

يركب دراجته الدبل المميزة ذات السبت في الأمام، يضع صندوق حلاوه حلي بها، يصنعها بنفسه، لا يوجد من يصنع أو يبيع هذا النوع إلا عبد اللطيف هذا، يجوب ود مدني طولاً وعرضاً ، ينفخ في بوقه وهو أيضا من صنعه لم نر أحدا يصنع مثله أو عنده شبيهه- نسمعه ونحن داخل البيوت فنقف أمام الأم أو الأب نمد أيدينا طلباً للقرش والتعريفه، ثم نجري للزلط لنشتري حلاوه حلي، أما بيضاء أو حمراء، بقرش أو بتعريفه.

وكان في الصيف يبيع الاسكريم، ينادي ببوقه الشهير زبائنه، ويضع إنائين في سبت الدراجة بهما دندرمه حمراء ودندرمه صفراء، فنحمل كبابي الشاي ليضع لنا بالمسطرين- المصنوع من ملعقه- الدندرمة في كبابينا، فلا نصل الى البيت إلا وتكون الكبايه فاضيه.

أما الكبار فكانوا أيضا يعرفونه، لا من اجل حلاوه حلي والايسكريم، بل من اجل السحور، فكان هو المسحراتي ببوقه المشهور ينفخ عليه ثم ينادي: (يا صايم قوم اسحر يا فاطر نوم ادمدم).. يعني بالنهار لحلاوه حلي والدندرمه، وعند السحر لايقاظ الناس للسحور في شهر رمضان المبارك.

عم عبدُ اللهِ حلاه وحمار

حمار من الحمره، وحلاه من حلاوة، (برضو لكن جايين للحمار) ، كان عم عبد الله يركب حماره وفوقه قفتين كبيرتين متدليتين من جانبي الحمار، محملتين بالبطيخ في موسم البطيخ، ينادي من على حماره: البطييييييخ، حلاه وحمار، وفي موسم قصب السكر: قصب السكر قصب السكر، وفي موسم النبق: النبق النبق، النبق والقنقليس.. وفي غير هذه المواسم يبيع الخضار، يلف مدني باكيامها الأربعة، في عز الهجير او في الشتاء او في الخريف، فكرة تسويقية جيدة، فهو لا يكتفي بصنف واحد طوال العام، بل ينوع أصنافه حسب المواسم، وله زبائنه الدائمين الذين يقف عند أبوابهم دائما، كما يبيع للآخرين حسب الحال.

حيدر قطامه

اسمه حيدر حسين ، لم يكن أبدا قطيماً ، ولا أدري لماذا سمي هكذا، كان يشتغل في ورشة 114 ، وكان مفتول العضلات، من أوائل مؤسسي نادي التربية البدنية الجديد في مدني، وكان في المنطقة المحصورة بين جنوب السوق الجديد وشرق الحله الجديدة وغرب النادي الأهلي مدني وشمال بيوت 114، كنا نراهم- عند مرورنا من هناك- وهم  يتمرنون في حمل الأثقال، كان جسمه رياضياً مميزاً ، كان الأطفال عندما يقابلونه يطلبون منه ان (يرقص) صدره، فيفعل وسط دهشة واعجاب الأطفال (ذكرني هذا مسرحية شاهد مشفش حاجة عندما (رقص رجل الأمن صدره) فقال عادل إمام (موتهم، ده مربي خنازير في صدره يا بيه).

حيدر قطامه كان قوياً جداً، ولكنه كان مسالماً جدا جدا، بعد مرحلة نادي التربية البدنية، صار حيدر يظهر في ستاد مدني في المناسبات الكبيرة وهو يجر بأسنانه عربية ، ويمد يده فيتشعلق عشرات الأطفال بها، او يرقد على ظهره ويضع لوحا من الخشب على صدره فتمر السيارة من فوقه، ويكسر الطوب على رأسه.

وفي مرحلة لاحقة كان يحمل معه أفعى ضخمه يضعها حول عنقه، ويلعب العاب السحرة والحواة، فيأمر صبيه ان يذبحه بالسيف، وان يضرب رأسه بالساطور أمام دهشة الحضور، واخذ كرنفاله هذا يتنقل به عبر مدن السودان الأخرى ، وصار له اسم في عالم الألعاب السحرية في كافة أنحاء السودان ، توزع لحفلاته الملصقات والإعلانات.

ويبدو أن العين أصابته أخيرا ، فقد تعرض لحادث سيارة بترت على أثره يده، نسأل الله له العافية..

عم قسم

-         حركه يا عم قسم

يرفع عم قسم رجليه من على بدال العجله ويضعها في الميزان أمامه، حتى إذا اجتاز الصبية أنزلها (خلاص شافوه)، فإذا مر على آخرين نادوه: حركه يا عم قسم، فيرفع رجله واحده عن البدال ويمدها مستقيمة الى الوراء، ثم يعيدها، وكلما مر على صبية نادوه حركة يا عم قسم، فيعمل لهم حركة (ودائماً هي نفس الحركة أو الحركتين)، لا يكل ولا يمل.

كان ساعياً في مدرسة الأهلية الوسطى (ب) بود مدني، ولكنه كان يتهندم ببدله كاملة بكرفتتها، لا يضاهيه في زيه هذا لا ناظر المدرسة ولا حتى مدير التعليم في مديرية النيل الأزرق، أيضا، يسعى شوارع مدني بالطول والعرض، يحضر البريد من البوستة الكبيرة، والجرائد والمجلات من المكتبة، ولا يكتفي بتوزيع هذه الأخيرة على المشتركين في المدرسة، بل لغيرهم من قراء مدني- وما أكثرهم- ولكنه مرة نال علقة ساخنة بسبب نشاطه هذا، فقد كان يحضر مجلة لفتاة، ويبدو ان الفتاة كانت تقرأ هذه المجلة من وراء ظهر والدها، ولكن انكشف أمرها وأمر من يأتيها بالمجلة، فبهدل المسكين عم قسم بعلقة ساخنة.

 

 

راسل الكاتب

الجزء الاول