مسيرة الظرفاء

  بقلم : مبارك محمد المبارك

 

       مسيرة الظرفاء من خلال نوادرهم لها أشكال مختلفة حسب الأزمان والعصور ... ونحتاج لمثل هؤلاء حتى نخرج من روتين الحياة المعيشية اليومية والجري وراءها وما يصاحبها من توتر وتشنج .

       قديماً كان أشعب وجحا من الظرفاء ولهم من النوادر والقصص الكثير ، وما مر أشعب بصانع الأطباق إلا قال له : زد ووسع فيه فربما يهدى إلي فيه شيء ، وحاله مع الأطفال إذا أحاطوا به وتكاثروا عليه قال لهم : إن ذاك المنزل أهله يوزعون الحلوى على الأطفال ، فإذا هرعوا إليه قال لنفسه لربما يكون هذا الكلام صحيحاً ، فيركض نحو المنزل الذي أرسل الأطفال إليه .

       وذات مرة قال لأحد أصدقائه ، إنه ما نظر لأثنين يتسارعان إلا خطر في باله أنهما يأمران له بشيء ، وقصته مع حفلات الزواج فإن أهل الزوج يحسبونه من أهل الزوجة والعكس صحيح .

       أما جحا فنوادره مع السلاطين وعامة الشعب كثيرة ، وفي مجتمعنا تمر الطرائف مرور الكرام وربما ننساها بعد فترة ويتداولها الناس في المناسبات وقد لا نتذكرها نهائياً .

       وفي مدني العديد من الظرفاء اللطفاء خفيفي الدم وقد أفرد الأخ عمر غلام الله جانباً لهذا اللون في موقع آخر عبر هذه الصفحة ، ونحسب أن مثل هؤلاء النفر يحتاجون منا لوقفة ودراسة عميقة  ، حيث يكثر عددهم في كل حي وفريق .

       ومجتمـع كرة القدم به العديد من النوادر ، ذات يوم جمع إستاد مدني مباراة طرفها الأهلي ( سيد الأتيام ) وفريق عاصمي  وشرفها بالحضور حاكم الولاية وقتذاك سليمان محمد سليمان وكان أداء الأهلي فاتراً وخيم السكون على المدرجات وإذا بمشجع الاتحاد المعروف  ( أبو رونجة )  يطلق صيحته المدوية ( الرومان يا سليمان . . الرومان يا سليمان ) بمعنى نطلب الاتحاد بدلاً عن الأهلي ليشرف الولاية يا سعادة الوالي ... ضحك الجميع بما فيهم الوالي ... وهذه سمة البسطاء في المخاطبة .

في الملاكمة جمع النزال الملاكم المعروف خدوري من الجزيرة مدني وخصمه من الخرطوم وبضربة قاضية سقط خدوري أرضاً وحاول جمهور  الجزيرة تشجيعه ومؤازرته بقولهم ( أرفع رأس الجزيرة يا خدوري ) رد عليهم أنا قادر أرفع رأسي حتى أرفع رأس الجزيرة .. وأصبحت مقولته مشهورة حتى الآن يتداولها الناس في مناسبات مماثلة لحشد الهمم.

أحدهم أراد أن يرسل هدايا العيد لأهله بمدني ولم يجد شخص من أبناء مدني مسافر في ذلك الوقت ، لكنه وجد شخص يسكن مدينة أخرى فطلب منه أن يأخذ هذه الهدايا لإيصالها لاهله بحي دردق جوار صيدلية دردق ( طبعاً الوصف كان مهم قبل سوداتل ) صاحبنا أول مرة يمشي مدني قال ليهو يا أخي أعرف منزلكم كيف ؟ أعفيني يا أخوي من هذه المهمة ، رد عليه بسيطة بجوار صيدلية دردق  سوف تجد شخص واقف طويل القامة ومربع يديهو  اسمـه ( جني ) أساله من بيتنا حا يوصلك على طول ( استغرب لذلك ولكنه وجد الوصف كما هو) .

المرحوم الدكتور عوض دكام استضافته إذاعة ودمدني الرائعة ذات مرة في شهر رمضان لسرد أطرف المواقف فقال : كنت اسكن عذابي في غرفة بحي القسم الأول بمدني جوار نادي المصارف ووقتها كنت ممتحن للشهادة السودانية ، وذات يوم حضر إلينا ضيوف ، ولشغفي بالعلم وعدم تأجيل الدروس فكرت في الذهاب لمكان ما حتى أذاكر دروسي وبالفعل توجهت للبحث عن مكان أستذكر فيه دروسي بجوار نادي الاتحاد حيث إضاءة الشارع ممتازة ووجدت لنفسي مكان جيد تحت عامود كهرباء وسرقني الوقت في المذاكرة حتى مرت بي شرطة السواري ( شرطة تركب الخيل ) تم توقيفي والسؤال عن سبب جلوسي في هذا المكان لوقت متأخر من الليل ، أحد العساكر قال لي : الجابك هنا شنو يا ولد ؟ أوضحت له الأمر ...لكنه شك فيني رد العسكري الآخر : لو أنت ساكن القسم الأول بصحيح حا نطلق سراحك إذا ذكرت لينا أسماء ثلاثة أشخاص من سكان الحي وقلت في نفسي بسيطة وذكرت الأسماء ومع ذلك لم يفي بوعده ، قال لي : نمشي معاك نشوف بيتكم لنتأكد من صحة كلامك وبعدها نطلق سراحك .. وذهبوا معي حتى باب المنزل وتأكدوا  من صحة كلامي وبعدها  أصبحت علاقتي بالسواري جيدة  حتى غادرت مدني متوجهاً للجامعة .

       ( زراع ) شخصية نكته له العديد من القفشات والنوادر بعضها حقيقية والبعض الآخر تنسب له ، كما تنسب لحموري الكثير من النوادر والمواقف ، حكى ذات مرة أن لاعب الأهلي السابق ( قاسم سنطة ) عنده كشك سمك في السوق الجديد( السوق الصغير ) يستأجره شخص من ريفي مدني ... وسنطة كل صباح يمر على المحل يفطر ويأخذ سمك لبيته ، وتضايق المستأجر من هذا التصرف المتكرر ونصحه الناس بأن يكلم زراع الساخر حتى يوقف سنطة في حده ، قابل زراع سنطة وقال له : يا سنطة إنت مؤجر للراجل ده الكشك ولا مؤجر ليهو البحر .

       يهوى " زراع " تربية الحمام وشيد قفص جميل لهذا الغرض وجلب حمام أبيض اللون وبعد فترة تكاثر الحمام ، فرغب زراع في أداء العمرة أوصى شقيقه للإهتمام بالحمام فترة غيابه ، ولم يهتم أخوه بذلك ،  فطار الحمام الأبيض بعيداً بلا رجعه ، وحل بالقفص حمام أزرق اللون عجبه المكان وسعته ..... وعندما عاد زراع من سفره قال لأخيه إنت حمامي نزلتوا المنطقة الصناعية ولا شنو ؟

    ذهب زراع لصيدلية (    ) وسأل  الموظف الجديد بالله عندكم صابون سيبتو( بكسر السين ) ؟ رد عليه الموظف : لا عندنا صابون خليتو ؟ كظم غيظه وتوجه بالسؤال لصاحب الصيدلية بالله يا دكتور (   ) إنت ناس عادل أمام ديل جيبتوهم  بتين .

       لاعب دولي سابق تنسب له العديد من المواقف والنكات قابلته إحدى الحسناوات في محطة البص  وأخذ بالحديث معها ومن بعيد رأت والدها قادم   ... قالت سجمي داك أبوي حا يقتلني ...... رد عليها بسيطة حا أقول ليهو دي أختي .

       هذه نماذج مختصرة لنفر قليل من ظرفاء مدينتنا وأمثالهم كثر ولو حاولنا أن نسرد كل مواقفهم نحتاج لصفحات وصفحات .... وهناك من الظرفاء تعدت شهرتهم  حاجز الحي إلي كافة المدينة فتصبح حركاتهم مرصودة وكذلك نكاتهم ومواقفهم مسجلة في الذاكرة وكثير من الناس يحفظون نكات ومواقف الظرفاء كالبطل حيدر قطامة ( شمسون السودان ) , وأبو جقادو  وبيضة بيضة وفوفو طرب والكربة والعنافي وباردبس وفي مجتمع الرياضة  جيرك وجبر الدار وعيش عيش والمرحوم كاروشة و   .... الخ .والسؤال هل نحتاج لمثل هؤلاء لطرد كافة أنواع الرتابة والدبرسة وإدخال الحبور والسعد للجميع ، أم نتجاهل وجودهم برغم تأثيرهم الواضح في حياة مجتمعنا المدني ؟!!! .

مبارك محمد المبارك

 

راسل الكاتب