حي البان

بقلم :  محمد مصطفى العبيد

 

أن من الصعوبة أن تذهب الى شخص ليحكي إليك ماضي الذكريات الطفولية في الحي الذي ترعرع فيه ونشاء فتراه يتكلم وكأنه فقد عزيز لدية رافقة منذ نعومة اظافره اخذت قلمي وذهبت الى ابن حي البان الوفي مدني يوسف النخلي ذلك الشاعر المرهف الذي عطر أسماعنا بالكلمات الندية الجذابة والتي اختار لها منفذ ذلك الصوت الشجي ذلك الفنان الذي رحل وبقى وسيبقى  فينا ما طال الدهر الفنان مصطفى سيد احمد المقبول وغيره من الفنانين العظام فحكي لي بعض من ذكرياته في ذلك الحي الذي نفخر بانه من احسن الاحياء من حيث الاجتماعيات ورغم ان الاخرين يعتبرونا كاننا في منفى لكن لا يدركون ماذا فيه من اجتماعيات وصلة ارحام قل ماتدل في بقية الاحياء ويندر ماتجد انسان تساله عن شخص في ذلك الحي لايعرفه ليس كما في  الاغلبية العظمي من الاحياء الاخرى فنحمد ربنا الذي جعلنا ننشى في هذا الحي الحنين الذي يضم كل الاجناس جعليين شوايقة دناقله كواهلة هوارية …… الخ فعلى العكس مما يتوقع الغير بتشكيل تلك الاصول الا ان الروابط الاجتماعية طغت على كل تلك التنوعات فاصبح الجعلي دنقلاوي في بعض  الاحيان واصبح الشايقى هواري وكواهلي في الاحيان الاخرى فالحياة في حي البان كما ذكرت سابقا تختلف عن بقية الاحياء ذلك الحي الذي يمتاز بحدوده الاربعة التي جعلت منه آل عبدالباسط يعرفون آل كيقة وآل اليمانية يعرفون آل بشرى حشاش رحمه الله عليه فتلك هي الاركان الاربعة لحي البان اضافة لنادي الحي الذي يشكل الركن الشمالي الشرقي  فالحي يحدة من الناحية الغربية والجنوبية شارع الخرطوم مدني ومن الجهة الشمالية امتداد المدنين وحاليا السوق الشعبي ومن الجهة الشرقية ميدان مدرسة المؤتمر الثانوية العليا بنين والان اصبح امتداد المدنيين واصبح يضمن واحد من الاندية العريقة في مدينة ودمدني نادي الرابطة الرياضي الذي يشكل المربع مع نادي الاهلي والاتحاد والنيل ومن انجازاته فوزه بكاس السودان فضماه ذلك الحي الوديع بكل الترحاب وظل فيه حتى يومنا هذا رغم تغير الادارت عليه وتدهوره على كل لا اريد ان أطيل في الكلام عن محاسن حي البان ونترك الاخ مدني يوسف النخلي يقول مايجيش مابدواخلة من ذكريات الطفولة في ذلك الحي البديع الرفيع حيث قال أولاً اشكر الاخ محمد مصطفى كيقة على اختياري للتحدث عن ذلك الحي بحكم اغترابنا عنه حاليا ومكوثنا في دوحة الخير دولة قطر المضيافة واقول:ـ عن ودمدني بصورة عامة ودمدني مدينة حالمة وعشقها يسكنك من أول وهلة وهي بطيبة أهلها تجسد طيبة أهل السودان وكرمهم الفياض فتراها مزدانة بجهاتها الأربعة بضيوف أفريقيا الذين اصبحوا ألان لا يفصلهم عن هذه المدينة وأهلها الا ملامحهم الإفريقية الضاربة في العمق الأفريقي يدخلونها ليلاً ويصيحون في شوارعها وأسواقها ومدارسها ومصحاتها وحاراتها أهلاً.وأحياء ودمدني تترابط بطيب المعشر ووحدة العادة وروعة الانتماء وأهلها هم رموزها الذين زرعوا من التحاب والتعاون والتواصل ما جعل الكل يعيش في بيت واحد هو ودمدني ومسميات الاحياء تعرضها جغرافية المكان وتاريخ التقادم وأهل المدينة لاهل المدينة الدرنية وحي أم سويقو والعشير ود ازرق المدنين والمزاد أهل الشمالية الذين جاءوا مع المشروع واستوطنوا و114 الري والدباغة أهل البحر وعلاقتهم بالصيد التقليدي والأخشاب والصناعات البدائية ودردق ومايو والسنيط والدرجة والحلة الجديدة وحي  البان وجبرونا وبانت والبحوث ومعالمها البارزة كبري حاجة عشه التلفزيون القبة القلعة  وكلهم أهل مدني بسبب حركة العمل وطلب الرزق الا أنهم كونوا وحدة واحدة المكان والناس بتداخلهم وتداخل عاداتهم وحكاياتهم وحركة الأسواق في الدر والخريف المتلهف لعناق الارض السمراء ورياح الصيف اللافحة ونداوة النسمات العصرية ودفء حي البان .

يأخذني لهذه التقديم إضاءة الذكرى حي من أحياء المدينة عشت فيه طفولتي وبعض أيام الشباب قبل أن تدفعني رياح السفر إلى حوالي المجهول وأعيش أزمنة الرحيل كلها ذكرى لذلك الزمان الندي .. قبل أن تكون حي البان مقراً  كان أخر الأحياء هو جبرونا وجاء في الاساطير أن هؤلاء السكان الذين استطونوا في هذه المنطقة جار سلطان الارض عليهم والمدينة جبرت هؤلاء السكان السكن في هذه المنطقة التي سميت فيما بعد بجبرونا ولكن نحن سكان حي البان لم يجبرنا أحد بل تدافع أهل المدينة للحصول على أراض بأسعار كانت اقل ما يمكن وصفها بأنها ولاية في ذلك الزمان وخلال فترة لم تتجاوز العام في بداية 1967 بدا أهل حي البان بالتوافد والبناء المتواضع الذي ( يبدى ونصف حوش يستر الساكن من عين الشارع ) ونفتح أحضان المنزل لزوار الليل الذين يتسارحوا ويتمارحوا بالغرب من المقابر وحي الصقور الذي تحول الان ألى حي الثورة (ولانعرف أي ثورة الان مع توالي الثوارت ) المهم الذي الثورة في مفهومنا كانت هي أخر محطة لبصات سنكات جبرونا في ذلك الوقت …. والمحظوظ الذي يأتي بطريق الدوران الذي كان موقفها أمام منزل عبدالفضيل والجد النخلي وزاوية الختمية حي البان بدأت صغيرة وجميلة ووادعة تتكي على ظلال أشجار البان الواقفة خلفها بالبحوث الزراعية وترخي أسماعها كل ليلة ( لموسيقى الضفادع من ترعة البحوث الكبيرة )وهي اصوات كانت ضمن نسيج البئية الرائع الذي افتقدناه ألان لتتطور الحياة وعناصرها الغريبة وكان كل شي هادي علاقات الناس تكالبهم على لقمة العيش والكل راضي بما قسم الخالق … فترى أعمامنا أهل هذا الحي جميعا يتقاسمون المكان بعد نهاية يوم عمل شاق يبداء من الخامسة صباحا وفي كل يوم يلتقي هؤلاء وتشق ضحكاتهم عنان السماء المرحوم عبدالقادر أدم رحمة الله عليه المرحوم احمد ساتي  عثمان احمد حسين أطال الله عمره وعم بلو وعم بيضاب والامين الجزار ودالبشرى ابوعاقلة طلحة  وسيداحمد محمد بك قرضة (الحكم) أولاد كيقة أولاد محجوب  هولا الناس عندما تسال عنهم ترى فيهم من أتى من الشمالية ومن الجزيرة ومن غرب السودان ومن شرقه ومن البطانة ومن شرق النيل لكنهم في الهم واحد وكانوا في هذا الحي يتقاسموا الحياة بلطف وتاجر الحطب والصائغ وكانت العلاقة تنداح وتنسجم الأرواح والطموحات لذلك الحي واولها المطالبة بوصول البصات الى حي البان وهكذا تستمر الحياة مع كل إشراقة يتحرك الناس من منازلهم لاعمالهم وتتحرك بالحي حياة لتبدأ بالخضرجي والجزار والدكان ونسوة الحي أخوان وأمهات وأولادهم وبناتهم تراهم سواء في الافراح والاتراح  ففي الاتراح تجد الجميع يتمركزون في بيت البكاء من بداية الخبر ممرورا بنقل الجثمان الي المقابر التي بالقرب من الحي حتى انتهاء ايام الحداد الثلاثة التي يتعاون الكل في الاعداد لها وتجد اهل الفقيد ضيوف المكان واهل الحي يتناوبون في خدمة المعزين .. نعم هذه هي شيمة أهل السودان ولكني رايتها في ذلك الحي وكانها توافق البيت الوحيد ربما لان الزمان كان الناس فيه غير الناس الان وان كان مازالت الدنيا بخيرها نماذج أخرى لسكان هذا الحي حسن ساسو واسرته الرائعة ومنزله الفاخر المطل على البحوث والذي يسكنه الان أولاد توتا وكان ساسو من كبار تجار الحديد بالصناعية تتمركز شاحناته التي تعمل موسمية تقف نصف العام أمام المنزل الفاخر وتشكل ضل المرح والتلاقي فكانت اسرته بديعة في تكوينها الكل يمثل فكان افراد الاسرة يتمازون بالاناقة اولاداً وبناتاً وسحر العيون الهادي لاسيما واهل هذا المنزل من  الطبقة الراقية المختلفة عن أهل الحي الأوائل فهم ابناء عز كمال حافظ الشاعر ( كمال دقوشه ) الذي ذاع صيته بعد وصول كهرباء الشوارع فكان عادة ما يتواجد أمام منزل أحمد بابكر تحت العمود الواقع امام دكان محمد الحسن يسعمنا احدث انتاجة الغنائ كنا نطلب منه ان يغني لنا " يابنات بحري "   ولكن نطلبها يابنات مدني وليس بحري شلة الأنس عبدالمنعم حسوبة ومكي احمد  العبيد ومصطفى شارلي والعبدلله وكافي احمد نواي المشهور بكافي احمد حسين لانتسابه لهذه الأسرة الكريمة وذلك الشادي الذي غنى في الظلام لتخيلته ان المغني هو عثمان حسين تيم الكورة اولاد اليمني علي بابوني وعبدالله وحسن قزه واحمد عثمان حسين ايام تيم زمبه وأولاد ركس اول فريق كان نجوم البان ثم البان (أ )والبان( ب) الزبير حاكم واخوه الشايقية ومساكنهم المجاورة ورمضان خادمهم الرائع الذي كان يعطرنا  بحكاويه عن جبال النوبة وأهله وليالي النقارة يذكرني ذلك الرجل بالحبوبات في صبره على إلحاحنا عليه رسم صورة واضحة عن            جبال النوبة وعسل  النحل الذي يحكي عن توفره حتى في غير مواسمه وأمطار تلك المناطق الموسمية وليالي الطرب والنقارة لم نكن نعلم أن زنوبه ورصيفاتها حسناوات الجبال سيغنى لهم عشاق هذا الزمان " مشيت جبال نوبة لمحت لي ظبية سموها زنوبة" .بشرى حشاش سابق بص البحوث الذي يحلمنا من المدينة الى حي البان بعد نهاية يوم دراسي ثم يعرج بنا إلى منازلنا قبل أن يتجه بأولاد وبنات البحوث ذلك الرجل طيب الروح وسمح المعشر رحمه الله أصدقاء الطفولة . وهم ليسوا أصدقائي فقط لان أولاد الحي جميعا أصدقاء بل اخوة كما ذكرت من اب وام محمد بيضاب المحامي واحمد أبو صلعة اخوة وأزهري وكبيرهم الذي كنا نعمل له ألف حساب على عثمان بيضاب ذلك المتمرد الذي اذكر ذات مرة في إحدى ليالي الوطن الاتحادي السياسية في الفسحة حي البان وجبرونا  عندما تحدث ممثل الحزب مستجدياً أصوات أهل الحي رد عليه علي بيضاب بقوله أحزابكم دي كايسه مصلحتها ونحن في هذا الحي أهل يجمعنا حزب واحد هو الاخاء لا اعرف رغم اني تعرفت فيما بعد على العديد من الأصدقاء في أحياء أخرى والتقيت بالكثير من الذين كانوا لكني كنت ومازلت ارى في أخواني الحقيقيين ليسوا أشقائي بل هم أولاد وبنات حي البان ربما لاني كما ذكرت عشت العصر الذهبي لهذا الحي وكانت تلك اجمل ايام السودان وكان هذا الحي الطيب الوادع نموذج لاحياء أخرى كان بها الناس اهل وهذه الأحياء نموذج   لسودان واحد يكون فيه الجنوبي مثل الشمالي والغرباوي أخو الهدندوي وهكذا وقد كان الحي الصغير متكأ لأحلام لم تتحقق وهكذا وقد كان ذلك الحي الصغير متكاء لاستمرار الناس في حبهم وتألفهم  وربما الان تدلت ظروف وتغيرت احول ورحل أناس وعاد آخرين لكن مازال كافي أحمد نواي بملامحه الائلة للشيخوخة يردد " ياطيبة الاخلاق " بنفس صوت الرائع عثمان حسين ومازال مصطفى شارلي يتسكع في شوارع حي البان يستجدي صورة لماضي كان قد ولى ولم يبقى منه الا حي البان بشوارعه وعطر الذكرى المنداح في كل زقاق وشارع مازال المكان هو المكان دكان احمد ساتي بيت قرضه جزارة الامين وكل النواصي التي وقف فيها فقيد الشباب فخر الدين الامين رحمه الله عليه ذلك الدكتور التي حكمت الدنيا عليه قبل التخرج  معلناً لرفضه لقبح الزمن الاغبر … ولازالت عزاري الحي يسمعن عن الأمين الجد وكامل وهو يجازف لعبور جدول امتلاء بماء المطر بعد ليلة عاصفة .. ومازالت وكاني هنا استرق السمع عبر ( شباك الديوان ) لوشوشات نسيم الفجر الندي… وهبايب ماقبل وبعد المطر .. وشقشقان عصافير الجنة الملونة  الشاردة من شبكة أولاد محمد مجذوب والمحتمية باشجار الليمون في بيتنا العتيق بحي البان وتبقي حي البان مدينة صغيرة او ودمدني الصغيرة المترامية في أطراف المدينة تبثك الامان وانت ترقد في امسية هادئة لايشرخ هدوءها إلا أصوات نوبة الحولية في مدني السني .. ومديح الجيران في ليلة من ليالي اولاد شاطوط وتتقاذفك امواج الحلم اينما ذهبت املاً في عودة ذلك الزمان الاخضرنشكر اخونا الشاعر مدني يوسف النخلي عنا كل خير لاسهامه في سرد ذكريات الطفولة وبالتالي التحدث عن حي  البان .

 

الراسل محمد مصطفى العبيد

           قطر الدوحة  

 

راسل الكاتب