•
القصة الكاملة لإختفاء عوض حلاوة عن الإنظار بود مدني
•
يرويها / ياسر ود النعمة
• عزيزي القارئ أرجو أن لا تستغرب لهذه الجرائم التي وقعت بالفعل بمدينة مدني راح ضحيتها ثلاثة رجال وآخر هو (عوض حلاوة) الأكثر شهرة والمعروف لدى كل الناس في مقدمتهم الراحل الرئيس الأسبق / جعفر نميري والذي زامله كلاعب كرة قدم بنادي الإتحاد مدني وهذه حكاية طويلة سنسردها لكم ضمن قصة لغز إختفاء (عوض حلاوة) الذي لا نعرف حتى كتابة هذه القصة أين هو ؟ .. هل مات مقتولاً كما قالت الشائعات في تلك الفترة ؟ .. وما هي حكايته مع الرئيس الأسبق جعفر نميري عليه رحمة الله ... كانت هناك شائعات كثيرة تقول بأن (عوض حلاوة) مات مقتولاً ودفن (بالأنادي) المعروفة زمان بود مدني .. هناك أقاويل كثيرة عن لغز إختفاء (عوض حلاوة) وإن لم نستطع معرفة مصيره تبقى مصيبتنا أكبر .. من تلك الأقاويل إن الحاجة (زُهرة) صاحبة الدكان الشهير بالقسم الأول جوار منزل الفنان / محمد الأمين قالت إنها شاهدت (عوض حلاوة) في الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة ثم أردفت إنه طايبها وسالمها وقالدها وترورقت عيناه في تلك اللحظة وقالت كنت أريد أن أوجه له أسئلةً كثيرةً لكنه وفي عجالةٍ مقصودةٍ طايبني وقال لي حألتقيك يا حاجة (زُهره) إن شاء الله .. وقد وصل هذا الحديث لأولاده من حاجه (زُهره) شخصيا عليها رحمة الله ورضوانه ... ومن تلك الشائعات أن سمعنا بأن الدكتور الراحل / عمر بليل شاهده وقابله بالحرم النبوي الشريف نفسه وعندما أراد أن ينهض من مكانه لمصافحة (عوض حلاوه) باغته عوض بأنه على عجل من أمره فربّت على كتف الدكتور / عمر بليل وهو جالس ووعده بأن يلتقيه في ذات المكان ثم أختفى من أنظاره وتأسف دكتور / عمر بليل على إنه لم يستطع الحديث معه خاصةً والبلد كلها تسأل عنه وعن لغز إختفائه ... هذه أقاويل وغيرها كثير شاع بمدينة مدني آنذاك فالعم (التوم النمر) صديق عمره ورفيق دربه أكد لنا أن آخر مرة شاهد فيها (عوض حلاوه) عندما جاءه بمكان عمله بالسوق الكبير ومعه شخص أقل منه عمراً عرّف عليه التوم النمر بانه من (رفاعة) وطلب عوض حلاوه من زميله التوم النمر (واحد جنيه فقط) وغادر المكان ... عموماً نحن الآن سنزودكم بلغز إختفاء (عوض حلاوه) وجرائم القتل الثلاثة التي شهدتها مدينة مدني في منتصف السبعينات والثمانينات والتسعينات وهي أخطر جرائم قتل حدثت بالمدينة ولم تعرف الشرطة بكل أقسامها وهيئتها وهيبتها من الذي قتل (علي قريش) ومن الذي قتل (بابكر حاج يوسف أبو الروس) بضاحية الكريبة داخل منزله ليلاً ؟ ومن الذي قتل إبن مدني المعروف (سامي صابون) لم يكن هدفنا نبش الماضي بقدر ما إننا ننظر لإستتباب أمننا ولهيبة شرطتنا ومباحثنا وطمأنينة شعبنا السوداني حتى لا يفقد الثقة فيما بينه وبين الجهات المسئولة عن الأمن الداخلي ... أرجو أن يفهم رجال الشرطة والمباحث الذين ستقع بين راحتيهم هذه القصص أو هذه الجرائم التي وقعت سابقاً بود مدني إن المسألة تهمهم وتفيدهم أكثر من غيرهم طالما إنهم المسؤولون عن أمن المواطن داخل المدن وبالولايات والقرى والكنابي والأسواق وغير ذلك .. أتمنى أن تكون هذه المادة للدراسة بأروقة الأقسام أو الإدارات المختصة ... هذه الجرائم التي وقعت في السنين الماضية المذكورة كانت قد هزّت مدينة ود مدني وتم فيها القبض على الكثير من الشباب خاصةً قصة مقتل (علي قريش) الوافد لمدينة مدني من مدينة (بارا) والذي كان يعمل موظفاً بالسكة الحديد بالإضافة إلى إنتمائه (للإتحاد الإشتراكي) أيام حكومة نميري وأيضاً عمله الفعّال بهيئة الناشئين من أوائل السبعينات .. لقد تم القبض على عددٍ كبيرٍ من شباب مدني خاصةً الذين تربطه بهم علاقات وصداقات وبالأخص الشباب الذين كانوا قد أخذوا معه لقطات مصّورة كانت معلّقة بعنايةٍ في غرفته التي قُتل بها وسط حي الدرجة بود مدني .... إن مقتل (علي قريش) كان قد شغل الناس بصورةٍ مدهشةٍ خاصةً عندما غاب عن العمل ليومين أو ثلاثة وهذه ليست من عاداته حيث كان شغوفاً جداً وهميماً بعمله بالثلاث جهات التي ذكرناها ... هذا الغياب عن العمل لفت أنظار زملائه بالعمل الذين بلّغوا الجهات الرسمية والتي سارعت بإقتحام غرفته التي كان يسكن بها بحي الدرجة فوجدته جثةً هامدة ملقي على سريره وفوق جثته (مخدّات) و(بدرة) ومبالغ مالية من فئة (العشر جنيهات) نثروها على جثته في إشارةٍ واضحةٍ بأنهم قتلوه ما محتاجين لأموال أو يستهدفون سرقة مقره أو غرفته ... بالإضافة إلى ذلك بأن الشرطة وعندما دخلت للغرفة كانت تصدر منها رائحة كريهة أي إن عملية قتله وترك جثته إلى أن تحللت قد مّر عليها يومين تقريباً لكنهم دخلوا إلى الغرفة وبصحبتهم طيب الذكر المرحوم (احمد الطيب شيخ العرب) الذي بادر بالدخول وهذه قصة طويلةً عريضةً وجريمة إكتنفها غموض غريب وراح ضحيتها وسيم الطلعة (علي قريش) دون معرفة القاتل !
سنحكي لكم عن الأمطار التي هطلت بعد إرتكاب الجريمة والتي أزالت آثار الجناه وكانت أمطار غزيرة وصلت لـ17ملي
أما قصة مقتل (بابكر حاج يوسف أبو الروس) بضاحية الكريبة فهذه قصة غريبة الأطوار حيث كان الراحل بابكر داخل منزله يغط في نومٍ عميقٍ هو وأسرته وأولاده آمنين فإذا بعدد من الرجال ملثمّين على حد قول مقربين للأسرة أيام الحادثة قفزوا جدار المنزل مقتحمينه وكأنّهم يعرفون الأوضاع داخل المنزل ثم باغتوه بضرباتٍ قاتلةٍ فارق على إثرها الحياة .. ومن يصدق ذلك إن الجناة لازالوا في علم الغيب ولازلنا نتساءل من الذي قتل المرحوم/ بابكر حاج يوسف ابو الروس الذي كان ولفترةٍ طويلةٍ يشغل رئاسة (نادي الرابطة) مدني وهو رجل معروف بمداعباته للناس وليست لديه أي عداوات تصل لحد أن يقتلونه داخل منزله وسط أسرته لكن هذا ما حدث بالفعل أن راح ضحيةً لجناةٍ مجهولين إلى كتابة هذه القصص وبإذن الله نتناول أحداث قتله ضمن هذه السلسلة من جرائم القتل التي كانت أخرها جريمة قتل (سامي صابون) الذي راح هو الآخر قتيل بلا قاتل أو مجني عليه بلا جاني وهي جرائم قتل أشبه بالخيال ولولا ذلك لما فشلت الجهات الأمنية بشرطتها ومباحثها بود مدني بعدم معرفة الجناة لأخطر جرائم قتل كلها حدثت داخل المنازل وفي أكبر الأحياء ..
( نحن في منتدى ود مدنى أردنا أن نحّدث الشرطة بهذه الجرائم التي وقعت بود مدني ونريد منهم إجابة واضحة وصريحة هل يُعقل أن يُقتل عدد من المواطنين داخل غرفهم وتفشل الشرطة بكل أدواتها ورجالها بعدم معرفة من الذي قتل هؤلاء ؟
السلسلة مستمرة ونهدف من خلال سردنا لهذه القصص أن يستفيد الجميع من مثل هذه الحوادث في مقدمة المستفيدين الشرطة بصفةٍ عامةٍ .
وبإذن الله وبعددنا الإسبوعي القادم سنتناول قصة لغز إختفاء (عوض حلاوه) على حلقات متسلسلة ثم نبدأ بمشيئة الله سرد بقية هذه الجرائم التي إهتّزت على إثرها مدينة مدني ليغرف جيل اليوم حوادث الأمس البعيد . فأبقوا معنا لمطالعة قصة لغز إحتفاء (عوض حلاوه) منذ الثمانينات ألى يومنا هذا وسط حيرة الناس ودهشتهم بود مدني .
الحلقة الأولى
• أين المواطن / عوض حلاوه .. هل مات مقتولاً ؟
• أم مازال بالمدينة المنورة مجاوراً بالحرم على حد قولهم ؟
• لغز إختفاء (عوض حلاوه) منذ الثمانينات .. من ورائه وهل هذا يُعقل ؟
يرويها / ياسر ود النعمة
• في ثمانينات القرن المنصرم كانت الحياة هادئة وجميلة وكان بود مدني مجتمعٍ راقٍ ومتماسكٍ يشّكل نسيج إجتماعي تُضرب به الأمثال .. كانت الجرائم محدودة وفي ذات الوقت غريبة على مجتمع المدينة .. كان الناس يدهشهم لصوص الليل وتخضّهم فرامل العربات الشديدة وعندما يخرجون لمشاهدة ما حدث يجدون إن عربة تاكسي فرملت في (عتود) صغير فيعودون إلى منازلهم وهم في حالة (خُلعّة) من تلك الفرامل ... لم يحسبون في حسبانهم بأن مدينة مدني مقبلة على أنواع مختلفة من الجرائم ..إلى أن بلغنا عام 2010م فتصّدرنا الجريمة بأنواعها ... ماذا حدث في هذا المجتمع السوداني المتماسك ...هل قامت الجهات الحكومية المسئولة عن هذه الرعّية بدراسة هذه الجرائم ... ما هي الأسباب التي أدت لإرتكابها .. هل سألوا أنفسهم عن كيفية وقوع هذه الجرائم التي باتت تتحدث عنها الصحافة كل صباح جديد جريمة جديدة وغريبة ... ماذا دهانا وماذا دهى شرطتنا ومباحثنا وأمننا ؟ متى نتدارس هذه الأمور لمعرفة أسباب وقوع الجرائم وبهذه البشاعة نتحدث بصورةٍ عامةٍ عن مثل هذه الحوادث التي كثرت هذه الأيام وهي جرائم غريبة جداً على مجتمعنا السوداني لذا رأينا أن نلفت أنظار الجهات المسئولة من الأمن الداخلي بالبلاد لنتدارس الأمور لمعرفة الأسباب التي تؤدي لمثل هذه الجرائم من إغتيالات وإغتصابات وغيرها .. هل هي تقع في دائرة الظروف الإقتصادية الراهنة أم إن هناك أسباب أخرى تفشت داخل أوساط المجتمعات أم إنها وافدة من خارج البلاد ؟ .. هناك جرائم إغتصاب حدثت بالفعل بين أبناء عمومة من الجنسين وهذه ظاهرة غريبة وخطيرة حيث كنا في السبعينات يأتمنونا على بنات الجيران في حالة سفر ذووهم خارج المدينة وهذا شيء يسألني عنه الله سبحانه وتعالى أن نادتنا إمرأة جارتنا (ومعي إبن خالي وحدثتنا على أنها مسافرة للخرطوم وتريدنا أن نحرس إبنتها ذات الثمانية عشر عام وقد قبلنا هذه المهمة وهذا التحدي وكنّا ننام خارج الديوان وهي نائمة داخل غرفتها ولم نفكر مجرد تفكير أو سبق أن راودتنا أنفسنا على التعدي عليها لإيماننا القاطع بأن من خان الأمانة أودت به الخيانة ..والحمد لله وإلى أن عادت والدتها كنا في قمّة المسؤولية .
هكذا كان حالنا فما الذي دهانا وما هي المستجدات .. أدرسوا المشكلة من كل جوانبها حتى نصل لمكمن الخلل .
• ندخل معكم في الحلقة الأولى لقصة لغز إختفاء (عوض حلاوه) وقبل ذلك كان لابد لنا من أن نحدثكم عن من هو (عوض حلاوه) ... هو رجل وطني في المقام الأول ... ينتمي للحزب الوطني الإتحادي أيام الزعيم الراحل / إسماعيل الأزهري .. قاد المظاهرات كثيراً وإشتهر بإحداث البلبلة في أوساط طلاب المدارس الثانوية خاصةً مدرسة حنتوب الثانوية كان يقصد أن يذهب إلى هناك هو ومجموعته ليحركوا طلاب حنتوب للخروج للشارع العام عندما يستدعي الأمر ذلك .. كان (عوض حلاوة) مشهوراً جداً لدرجة إن الزعيم الأزهري يذكره في خطاباته الرسمية بميدان الحرية .. وعند مؤتمر الخريجين المعروف حَمل (عوض حلاوة) الراحل / أحمد خير المحامي على ظهره وطاف به أرجاء السوق الكبير لساعاتٍ طويلة وشهد له بذلك الكثيرين .. وأذكر ذات مرة حدثني العم إبراهيم سعيد الإتحادي الديمقراطي المعروف بمشاكساته وتصديه لكل ما يمس حزبه .. حدثني عن وطنية (عوض حلاوة) وحدثني عن قوته الخارقة ومناصرته للضعفاء أيام الفتونة ... وحدّثني أيضاً عن ذاك المشهد الذي لايزال بخاطره وعوض حلاوة يحمل (أحمد خير المحامي) على كتفه ويطوف به السوق من أقصاه لأدناه على مرأى الجميع وهذا في حد ذاته دليل واضح يؤكد عظمته وروحه الوطنية الحقة ... وبالرغم من أنه كان يؤرق الشرطة بود مدني كثيراً لكنه وفي ذات الوقت صاحب مواقف مشرفة جداً ... ذات مرة جاء إلى مدينة ود مدني الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وكان يخاطب الناس من ميدان الحرية وكان لابد له من ذكر (عوض حلاوة) متحدثاً عن وطنيته وأدواره التي يلعبها بتحريك الشارع السياسي وعندما ختم الراحل الأزهري خطابه جاءه (عوض حلاوة) وصافحه وحّدثه بأنه يريد أن يعمل بأي وظيفةٍ حكوميةٍ فأصدر الأزهري تعليماته لمسؤول الري آنذاك بأن يلتحق (عوض حلاوة) بوزارة الري فقد كان ذلك وتم تعيينه بالري ونقل إلى الماطوري تقريباً وإستمر في عمله ردحاً من الزمان لكنه لم ينقطع عن مدينة مدني ولا يستطيع الإبتعاد عنها لفتراتٍ طوال .. صديقه ورفيق دربه التوم النمر قال عنه الكثير وعن شهامته فقد حكى لنا بأنهم ذهبوا ذات يوم إلى مدينة أم درمان لمناسبة زواج لعزيزٍ عليهم وبعد أن أدّوا هذا الواجب عادوا من منزل المناسبة في الثالثة صباحاً يقصدون منزل أحد أصدقاء (عوض حلاوة) ليناموا معه ويعودوا اليوم الثاني لود مدني ... فقد جاءوا عن طريق (جامع أم درمان الكبير) وكان خارج سور الجامع عدد من المساكين يغطون في نومٍ عميق وكان البرد قارس فشاهد (عوض حلاوه) أحد هؤلاء قد أتعبه البرد لدرجة أنه (يتراجف ويصيح) فأوقف جماعته بالقرب من هذا المسكين فخلع بدلته وغطاه بها وقال لهم هيّا فقال له التوم النمر : يا عوض فلوسك بالبدلة ... فردّ عليه (عوض حلاوة) قائلا نعم فلوسي بالبدلة لكنني رأيت أن أتركها له حتى يصبح الصباح يشتري بها (شاي ولقيمات ويفطر منها) هكذا كانت طريقة أقوى وأشرس رجل عرفته مدينة مدني منذ الأربعينات حيث كان أشهر من يمشي على المدينة ..
• (عوض حلاوة) متزوج وله أبناء وبنات لازالوا يتمتعون بعلاقاتٍ طيبةٍ وسط سكان مدينة مدني.
ومن مغامراته الكثيرة نحكي لكم هذه القصة الحقيقية التي وقعت أحداثها بقهوة الزئبق بالخرطوم... ذات مرة قادته ظروفه للخرطوم وهو يعرفها تماماً ويعرف فتوّاتها واحداً واحداً وكان هذا عُرفاً سائداً في تلك الفترة أن يعرف الفتّوات بعضهم البعض ، ذهب (عوض حلاوة) ناحية (قهوة الزيبق) وجلس على أحد كراسي القهوة وطلب لنفسه شاي .. أثناء جلوسه عرفه بعض الفتوات وقال لزملائه الذين لا يعرفون عوض حلاوة قال لهم هذا الرجل الذي ترونه يُعد أقوى وأشرس فتّوات ود مدني .. فلم يعجبهم الحديث حيث إنهم يعتقدون بأنهم فتّوات لا بعدهم فتّوة فحاولوا ان يدبروا له مكيدة وقد كان ذلك فاتفقوا على أن يلقنونه درساً في الفتونة والقوة لن ينساه فاجتمع عليه عدد من فتوات (قهوة الزيبق) فاشتبكوا معه وتكالبوا عليه وأبرحوه ضرباً بالرغم من مقاومته لهم وبعنفٍ شديدٍ لكن كما يقول المثل (الكثرة غلبت الشجاعة) .. إنتهت هذه المشكلة وعاد عوض حلاوه لود مدني بعد أن وصل خبر هذه المشكلة لكمندان شرطة مديرية الخرطوم (أبارو) الذي اتصل هاتفياً بكمندان شرطة مديرية النيل الأزرق (حامد الفيل) يداعبه بأن فتّوات الخرطوم (بقهوة الزيبق) أثبتوا جدارتهم فهزموا لكم أكبر فتوة بود مدني تتفاخر به المدينة في إشارةٍ واضحةٍ لـ(عوض حلاوة) ... غضب (حامد الفيل) غضباً شديداً وذهب فوراً إلى (مقهى الإستقلال بود مدني) معقل الفتوات فوجدهم كلهم هناك وقال لهم وصلني هاتف من كمندان شرطة مديرية الخرطوم (أبّارو) ... حّدثني بان أخوكم الشرس والقوي (عوض حلاوة) ضُرب (بقهوة الزيبق) بالخرطوم وبتكالبٍ من فتّوات الخرطوم ... وكان عوض حلاوة جالساً معهم يستمع ... وبغضبةٍ شديدةٍ ولهجةٍ حادةٍ قال لهم الكمندان (حامد الفيل) إن لم تذهبوا للخرطوم وتأخذوا ثأركم وتردون إعتباركم من ذات القهوة فسأحّرم عليكم الجلوس بقهوة الإستقلال وأردف لهم بأنه سوف يرسل سيارة بطريقةٍ سريةٍ لتعود بهم من الخرطوم بعد رد الإعتبار مباشرةً ولا مناص من ذلك .. هاجت القهوة التي كان بها (عبد الجبار جبرة) وهو من الأقوياء و(عوض محمد الحسن) أيضاً أحد فتّوات المدينة وعوض حلاوة زعيم الفتوات و(عوض باصبيص) وعبد الوهاب ود سالم الرجل الشرس ونخبةٌ مميزةٌ من فتوات المدينة ... أعلنوا هذا التحدي وهيأوا أنفسهم وأسقوا رواحلهم وتعاهدوا على أن يلحقوا بفتوات الخرطوم هزيمة نكراء ترضي كمندان شرطة مديرية النيل الأزرق (حامد الفيل) الذي ينام ويصحى على تلك الغضبة التي أحدثها فيه زميله (أبّارو) كمندان شرطة مديرية الخرطوم الذي أعدّه إستفزازاً له ... كانت الغيرة على المديريات وعلى مواطنيها بالرغم من إنها مجرد مداعبة لكنها أغضبت (حامد الفيل) كثيراً .... بدأت الإستعدادات للسفر وكان جميع الفتّوات يجلسون بالقهوة وفجأةً دخل عليهم التوم النمر أحد الفتوات والصديق المقّرب من (عوض حلاوة) .. لم يك (التوم النمر) ملماً بما حدث ولم يك يعرف إن الكمندان (حامد الفيل) قد جاءهم بالقهوة لكنه قرأ في وجوههم أمر غير عادي فسرعان ما قال له (عوض حلاوة) : التوم أخوي نحنا ماشين الخرطوم لمناسبة وكل هذه الشلة مسافرة للخرطوم فهيّا معنا ... سأله التوم النمر عن المناسبة وعن صاحب المناسبة حتى يكون على علم ... فرد عليه عوض حلاوة قائلاً له دعك من المناسبة وصاحبها فلابد من أن تسافر معنا وهناك ستعرف كل شيء ... شمّر التوم النمر سواعده ووافق على السفر معهم فركبوا جميعهم في (البص السريع) وذهبوا إلى العاصمة الخرطوم وفور وصولهم إتجهوا ناحية (قهوة الزيبق) وإقتحموا القهوة وطلبوا الشاي والقهوة في إنتظار أوجه مألوفة يعرفها تماماً (عوض حلاوة) .. هنا عرف (التوم النمر) بأن هناك معركة ستدور بعد قليل هكذا حدّثه قلبه ... ثم سرعان ما قال له عوض حلاوة أريدك أن تنهض ناحية ذاك الرجل وتبدأ معه الوهمة وتصفعه صفعةً شديدة على خده وتنسحب سريعاً وتترك الأمر لنا ... كان عوض حلاوة يقصد أحد فتوات (الزيبق) الذي شارك مع المجموعة في الإعتداء والتكالب عليه .
كان التوم النمر لا يرفض طلباً لصديقه (عوض حلاوة) فنهض ناحية (الفتوه) وقال له : لماذا تناظرني بهذه الطريقة الوقحة ؟ إستغرب الرجل الفتوة على مباغتة التوم النمر له فنهض من مقعده وقال للتوم النمر يا ولد أنا ما ناظرتك ولا أعرفك ولا تعرفني فصفعه (التوم النمر) صفعةً شديدةً وانسحب حسب تعليمات (عوض حلاوة) فطارده الرجل ليصطدم بالفتوه (عبد الجبار جبرة) فنشبت معركة حامية الوطيس بين فتوات (قهوة الزيبق) وفتوات مدني تبادلوا من خلالها اللكمات فتارةً يضرب (عوض حلاوة) وتارةً ثانيةً (عوض محمد الحسن) ثم (عبد الجبار جبرة) ثم (عوض باصبيص) إلى أن ألحقوهم بهزيمةٍ كبيرةٍ ... في هذه الأثناء وصل (كومر البوليس) لمكان المشكلة (بقهوة الزيبق) وكان هناك ضابطاً ضمن قوة الشرطة أجبر عوض حلاوة وفتواته للركوب بالكومر وعندما تأكد من أن الجميع داخل الكومر أمر الشرطي السائق وقال له بالحرف الواحد (مدني طويل) حسب ما أتفق معهم (حامد الفيل) بارسال عربة تقلهم من الخرطوم بعد أخذ الثأر ورد الإعتبار فعادوا إلى مدني وذهبوا لمقهى الإستقلال ووصل الخبر لكمندان شرطة النيل الازرق (حامد الفيل) الذي جاءهم مهنئاً على إسترداد الإعتبار وحفّزهم ثم ذهب إلى مكتبه وإتصل بكمندان مديرية الخرطوم (أبارو) وقال له إذهب (لقهوة الزيبق) لتسعف فتوّات الخرطوم للمستشفى ... إستغرب (أبارو) لحديث (حامد الفيل) لكنه عرف بأن فتوّات مدني قد ألحقوا بفتوات (قهوة الزيبق) هزيمةً نكراء ... هكذا كانت الغيرة على الأوطان الصغيرة حتى من الكمندانات وإن كان فيها نوع من المداعبة . وللأمانة والتاريخ وعلى حد قول الذين عاصروا تلك الفترة إن هناك (فتوّة) من أولاد الجريف غرب ويدعى (النادر) كان هذا النادر قوياً جداً ولا يهاب (الشيطان) ومستعد لمنازلة أكبر عدد من الفتوّات ناهيك عن الرجال العاديين ... ولأن عوض حلاوه قصصه كثيرة ومغامراته مثيرةً ... نشبت بينه وبين (النادر) معركةً خطيرةً في ليلة المولد الأخيرة آنذاك ، هذه المعركة إستمرت لأكثر من ساعتين لكمةً من هنا وأخرى من هناك وصفها (التوم النمر) بمعركة بين (ثورين هاجين) وقال لم يستطع جمعٌ من الناس الحضور أن يفضوا هذه المشكلة خوفاً من أن تصلهم ضربةً قويةً من عوض حلاوه أو من خصمه (النادر) ولما إشتدت المعركة بينهما ولم يتمكن أحدهما من التغّلب على الآخر ولم يتمكن واحداً منهما أن يرمى الثاني على الأرض وبدأ عليهما الإرهاق الشديد فانفضوا لوحدهما وكلٍ ذهب إلى حال سبيله ومن يومها آمن (عوض حلاوه) إيماناً قاطعاً بقوة وشدة فتوّة الجريف (النادر) الذي كان أبيض اللون فارع الطول له بنيةً جثمانيةً قويةً شهد له بها كل فتّوات مدني آنذاك .
• الحقيقة (عوض حلاوه) كان رجلاً وطنياً حقاً ينتمي للحزب الوطني الإتحادي بزعاماته القديمة وكان له دوره في تلك الحقبة لكنه إبتلى بالمشاكسة والشراسة وهكذا كان حال الفتّوات بود مدني ... وأكثر ما أشتهر به (عوض حلاوه) آنذاك تصديه لقيادة المظاهرات بالشارع العام وكان يدخل في تحدٍ مع قوات الشرطة عندما كانت تقذف المتظاهرين بالهراوات وعلب الغاز المسيّل للدموع فكان (عوض حلاوة) ومن شدة قوته يصبّها بيديه ويعيدها مرةً ثانيةً في وجه الشرطة على حد قول من شاهدوه زمان .. وكان متخصصاً في تحريك طلاب مدرسة حنتوب الثانوية أيام كان طلابها (جعفر نميري) والدكتور (حسن الترابي) وزمرةً من خيرة أبناء الوطن ... يذهب إلى هناك حينما يشعر بأن هناك مظاهرات كبيرة تحّرك فيها الشارع فكان (عوض حلاوة) يذهب إلى حنتوب ويناديهم بإستفزازٍ هكذا (أخرجوا للشارع يا بنات حنتوب) !! فيرتّج المكان وتخرج المدرسة عن بكرة أبيها وتخوض المظاهرات مع بقية الشارع ... كان هذا دور عوض حلاوة الأساسي في تحريك الشارع بود مدني .
• أمّا قصته مع الرئيس الراحل / جعفر نميري فقد بدأت من نادي الإتحاد الرياضي لكرة القدم بود مدني حيث كانا يلعبان لنفس النادي بداية الخمسينات وكان نميري وللأمانة يتمتع بفنيات ممتازة عكس عوض حلاوة الذي مضى في كشوفات نادي الإتحاد (رجالةً) وعنوةً وليس له فنيات غير إن طريقة لعبه كانت عنيفة جداً ... أستمرا بهذا النادي لعدد من المواسم ... كان (نميري) لاعباً أساسياً بفرقة الإتحاد هذا ماكان لا يرضي عوض حلاوة ويرى إنه الأحق والأجدر بالتيم الأول الذي كان يضم / التوم السيد / مصطفى كرار / إبراهيم كرار / محمد كرار / أحمد عبد الله / ابرهومه الكبير / الرشيد محمد علي / عبده سانتو وعدد مقدّر من نجوم تلك الفترة ... كان مدرب النادي يضع التيم الأول ويكتب على السبورة كالآتي .... أولاد كرار .. التوم السيد / عبده سانتو / جعفر محمد نميري / ابراهومه الكبير إلى آخر القائمة ... ثم يأتي (عوض حلاوه) وكأنه قد ضمن إسمه بقائمة اللاعبين الذين يشكلون التيم الأول الذي سيخوض المباراة المعلنة فيطالع السبورة جيدّاً وعندما لا يجد إسمه بالقائمة يقوم بمسح إسم (جعفر نميري) (بالبشاورة) ويكتب مكانه (عوض حلاوه) ويرتدي الشعار بالقوة ويلعب تلك المباراة المعلنة .. هكذا بدأ العداء بين (جعفر نميري) و(عوض حلاوه) من داخل أروقة نادي الإتحاد ثم أكمل نميري فترته بحنتوب الثانوية بعد إمتحانات الشهادة السودانية وذهب إلى الخرطوم فالتحق بالكلية الحربية وأيضاً لعب لنادي المريخ العاصمي وبعدها تخرّج ضابطاً بالقوات المسلحة وإنقطعت سيرته عن مدينة مدني نهائياً بالرغم من إن والده ووالدته كانا بود مدني (بحي ود أزرق) ولازال منزلهم بحي دردق كما هو ... ويقال إنه ورثة لأبناء محمد نميري ... بعد هذا الغياب الطويل للضابط جعفر نميري عن مدينة مدني لم تسمع المدينة عن أخباره ومضى مثله مثل أي إنسان عادي إلى أن جاء إنقلاب (25) مايو الذي كان بقيادته فاستلم السلطة وقد سجل زياراته لود مدني والتقى بأصدقائه وزملاء كرة القدم وكان ملّماً بكل صغيرةٍ وكبيرةٍ عن أهالي مدني في مقدمتهم عدوّه اللدود (عوض حلاوه) الذي ظل في ذاكرته منذ فترة لعبه بنادي الإتحاد .... في إحدى زياراته لود مدني يقال والعهدة على القائل بأن نميري إلتقاه بإستاد الكرة بود مدني ومنحه (كُشك) جوار مستشفى مدني ليتعايش منه وقد يكون هذا الحديث صحيحاً جداً .. لكن هناك أقاويل كثيرة متداولة بين الناس أيام حكم نميري بأن (عوض حلاوه) كان ضد حكم نميري وكان يعايره علناً إلى أن وصل هذا الحديث لمسامع نميري عن طريق (جهاز الأمن القومي) لكنه فضّل الصمت ولم يتخذ نميري إي إجراء ضد (عوض حلاوه) وهذه حكاية طويلة عريضة ستطالعونها في الحلقة الثانية .
يتبع ....
المفضلات