الألوان والأرقام والأشباه الأربعون


للأربعين حكاية معروفة مع الصداقة والتآلف مع الناس، فمن عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم. أي أن عليك أن تجالس الآخر أربعين مجلساً حتى تتمكن من معرفته معرفة كاملة ومن ثم الحكم عليه بالكرم والصدق والأمانة أو البخل والكذب والخيانة. ولا يمكن التوصل إلى ذلك إلاّ بعد صحبته وامتحانه أربعين مرة. لِمَ ننتظر أربعين يوماً؟ يبدو أن للأمر علاقة بوصيتين: الأولى التأني في المصاحبة ومعاشرة الناس والثانية الحث عليها بعد استكشاف الآخر وامتحانه ومعرفة سجاياه، وللأربعين حكايات أخرى مع مأثورات التراث الشعبي ففي عزاء الميت، الأربعون يوماً تعني خلاص النفس من فورة الحزن، وفي "النفاس" تعني طهارة المرأة تماماً بعد الولادة، أما عندما تقول تلك الشفاهيات الشعبية: "يخلق من الشبه أربعين" فهذا مالم أجد له تطبيقاً على أرض الواقع.

شخصياً لم أقابل حتى الآن شبيهة لي من الشبيهات الأربعين، فهل قابل أحدكم شبيهاً له من الأشباه الأربعين؟ وإن حدث ذلك فأغلب الظن إنه لن يكون إلا في حدود أصابع اليد الواحدة وليس أكثر من ذلك، فهل المقصود بالشبه هو الشكل الداخلي للإنسان من الطباع والسجايا وليس الشكل الخارجي له من الملامح والتقاطيع؟ أم لعل المقصود أن نفسك تتلون بعدد أربعين مرة خلال عمرك؟ فيكون لك أشباه عديدون داخل هذه النفس. ألم يقسم الله (سبحانه وتعالى) في سورة القيامة بالنفس اللوَامة؟ وما النفس اللوامة غير تلك التي تخطئ وتلوم نفسها على الخطأ؟ فتتغير إلى نفس أخرى أجمل وأكمل، فياله من قسم عظيم.

• أربعينات مقدسة

المعروف أيضاً أن التحنيط عند الفراعنة كانت مدته أربعين يوماً، والخل لا ينضج إلا بالأربعين، عندما تتخلق فيه الديدان وتجعله يختمر، وقديماً كان بيان حمل المرأة لا يتحدد إلا بعد أربعين يوماً، وبعض القوانين تكرّس دستورياً سن المرشح لرئاسة الجمهورية وهو (40 سنة) كحد أدنى. وبعض الجامعات في الماضي كجامعة (السوربون) في باريس كانت تشترط سن الأربعين لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة والرياضيات، وهذه السن تغيرت الآن في الكثير من القوانين لأن العقل أصبح يتطور ويكتمل في سن أبكر مما عليه في أيام خلت كانت لا تعرف عجائب التكنولوجيا وإلزامية التعليم، صيام الفصح عند المسيحيين أربعون يوماً، ولم تكن فترة الصوم قبل الفصح محدّدة حتى القرن الرابع، ولكن مع تنصير الإمبراطوريّة، حُدّدت بـ 40 يوماً فكانت اقتداء بالأربعينيات المقدّسة لموسى وإيليا وخاصّة يسوع.

• بلوغ العقل أشده

الأربعون عند العرب هو عمر النبوة، وقد تلقى الرسول الأعظم (ص) الوحي وعمره أربعون سنة، ففيه بلوغ العقل أشده ووصول الانسان إلى قمة عطائه ونضجه وكماله. وفي سورة الأحقاف يقول الله (تعالى): {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}.


تقول العرب أيضاً إن أقصى أبيات القصيدة العادية أربعون بيتاً، وما زاد على ذلك تسمى مطولة، وكمال العمر في أربعين سنة، وكمال الدعاء في أربعين مرة، ويقولون أيضاً: إن المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض ساعة واحدة، ويتكرر الرقم (أربعون) في الشفاهيات والمرويات والملاحم أيضاً، كما في "ألف ليلة وليلة" وبعض الأعمال الأدبية كرواية "الغرف الأخرى" لجبرا إبراهيم جبرا، حيث هناك أربعون غرفة تتناوب الظهور بشكل سريالي، يبدو أن للأمر علاقة بكون هذا العدد يتسم بالاعتدال والمعقولية، فما هو أدنى منه "قليل جداً" وما هو أعلى منه "كثير" وهو الرقم الذي يتجاوز الشهر قليلاً، فيعتدل دون بخس أو غلواء.

• ألوان وأرقام

أما الرقم سبعة فهو الآخر حكايته حكاية، فاليوم السابع، هو يوم الإستواء على العرش بعد خلق الأرض في ستة أيام، والطواف حول الكعبة يتم في سبعة أشواط، والسعي أيضاً في سبعة أشواط، والقمر يمر بأربع مراحل كل واحد منها تسمى طوراً ومدته سبعة أيام. السماوات سبع. والأرضين سبع. ألوان الطيف الرئيسة للضوء سبعة، حسب تسلسلها في قوس قزح: اللون الأحمر من الخارج، ثم البرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق، فالأزرق الغامق (نيلي) فالبنفسجي من الداخل. وعدد قارات الأرض سبع. والمحيطات سبعة. وأيام الأسبوع سبعة، وأول من قسمها على هذا الشكل هم البابليون، ومن الواضح أن أطوار القمر هي التي دفعتهم إلى هذا التقسيم، فهندسة الكون تتناغم مع حياة الإنسان بشكل يتكامل مع هذه الطبيعة، وفي هذا التناغم ينسب للإمام علي (ع) قوله: "وتحسب أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبرُ."

ويقال إن الشعب البريطاني هم الأكثر إيماناً بيوم الحظ، يليهم الإيطاليون واليونانيون والأسبان، كما أن الكثيرين لاسيما في العالم الغربي يؤمنون أن الرقم 7 هو رقم الحظ، وفي هذا يقول عالم الاجتماع المختص بتاريخ الأديان فريدريك لينوار: "إن الاعتقاد بأن الرقم 7 يجلب الحظ يعود إلى مئات السنين قبل ولادة السيد المسيح وأصله ينبع من علم الفلك، فالكواكب السبعة المعروفة ترمز إلى كمال النظام الكوني، وهذا ما نجده في المعتقدات القديمة في الصين وحضارة بلاد ما بين النهرين التي سبقت الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام."

• تمائم ووجوه وحدوات حصان

ليست الأرقام وحدها هي موضوع للتفاؤل أو التطير أو جلب الحظ، إذ نجد أن البعض يستعين على الحظ بالتمائم والخرز وحدوات الخيول والتعاويذ والبعض يستبشر ببعض الوجوه، ويتشاءم من البعض الآخر، وقد يتلافى ملاقاتها بداية الصباح لئلا تجلب له الحظ السيئ، والنساء خاصة يعتقدن بوجود الحظ في مسائل حياتية كبيرة كالزواج والطلاق والمسكن " فالدنيا حظوظ" برأيهن و"من جاور السعيد يسعد"، ولذلك يدخل الحظ إلى بعض البيوت ليقيم فيها ويخرج من بعضها من دون رجعة، ألم تسمعوا بالمثل القائل "جباه وعتبات"؟ والذي يعني أن بعض الوجوه تجلب الفأل الحسن وبعض العتبات تجلب الحظ والخير الوفير. وهذا المثل، وإن كان يبدو نوعا من خرافات العجائز، له تفسيره العلمي الذي يقول إن الوجوه مرايا للنفوس تنعكس عليها صفات الخير أو الشر، أما العتبات فقد تبين أن الموقع الجغرافي لسكن الإنسان له تأثير كبير على الجسم والروح، وكذلك تفعل منازل القمر ودورة النهار والليل، فضلا عن الإيقاعات الكونية الأخرى. فهل هناك فعلاً وجه منحوس وبيت متعوس؟

• الطاقة وألوان الحديقة

إن كلمة "يوتيبيا" التي ترمز إلى المدينة الفاضلة تعني باللغة الاغريقية "المكان الذي لا يوجد" فأين نجد ذلك البيت الذي يخلو من المشاكل، والوجه الذي يخلو من الأحزان، مما يعني أن وجود الحظ في بعض الوجوه قد لا يعني صفات الفرح والسعادة فقط وإنما تلك الكيمياء التي تجعل أصحابها ينسجمون مع أشخاص معينين دون غيرهم على طريقة الفسيفساء التي تكمل زيادات القطعة الأولى فيها نقصانات الثانية، فتتعشق القطع فيما بينها وتتماسك، أما بالنسبة للبيوت ففضلا عن الموقع الجغرافي من الريح والشمس، يمكن لألوان البيت وجماليته وأناقة أثاثه أن تؤثر على الحالة النفسية للساكنين فيه، وفي الحدائق تفعل ألوان الورود المفعول نفسه فتحفزك ذهنياً وبصريأ وتمدك بالمتعة والطاقة والراحة النفسية.

إن الاستمتاع بتشكيلة كبيرة من ألوان الحديقة الزاهية سينشط عقلك ليصل لمستويات جديدة من النشاط. كلما زادت الألوان في حديقتك، وزاد استغلالك لذلك بقضاء الوقت فيها، زاد معدل التحفيز الذي يتلقاه دماغك، ولعل من أكثر متع العناية بالحدائق فائدة هو منظر تشابك وتناغم الألوان المختلفة للأزهار، كما أن الخبرة الحسية الناشئة عن الاستمتاع بثمرة مجهوداتك من الممكن أن تجعلك تشعر بالنشاط والسعادة.


يقول خبراء الذاكرة إن الألوان الدافئة في الحدائق مثل درجات الاحمر، والبرتقالي، والأصفر الغامق، والقرمزي الفاتح والأحمر الضارب إلى الارجواني (الفوشيه) تحفزك ذهنياً وبصرياً أكثر من الألوان الهادئة. أما اللون الأصفر فيستطيع أن يرفع من روحك المعنوية ويشعرك بالسعادة والتفاؤل، بينما ظهر أن اللون الأحمر يرفع ضغط الدم، ومعدل التنفس، ومعدل ضربات القلب، لذلك يكون من المستحسن أن وضعه مع ألوان أخرى سواء في الحديقة أو المزهرية. وللحصول على أفضل تأثير، يمكن أن تمزج الأحمر والأصفر لعمل توليفة تمدك بالطاقة.

• الوصايا العشر

وهذا العامل النفسي يتحكم بنا بشكل غريب ويملي علينا التمسك ببعض الخيارات دون غيرها، وأذكر أن صديقة لي من أيام الدراسة كانت إذا ارتدت ثوباً معيناً في اليوم الأول من الامتحانات وكانت إجابتها جيدة، واظبت على ارتداء ذلك الثوب طيلة أيام الامتحانات، وأرى أن هذا الجانب إيجابي في نظرتنا إلى الحظ لأن تفاؤل صديقتي بذلك القميص الذي جلب لها الحظ، يندرج ضمن الوضع النفسي المريح الذي يشعر به اللاعب الذي يختار رقماً معيناً لفانيلته، وأشهر تلك الأرقام الرقم 10 الذي يتفوق على الرقم 7 في تفاؤل الناس به، واشتهر بحمله اللاعب (بيليه) كما نجده مطبوعاً على فانيلة اللاعب الذي يحتل أهم موقع بفريقه.

إن هذا العامل النفسي قد يدفع فعلاً باتجاه النجاح، مثله مثل تسجيل الهدف الأول في المباراة، الذي يؤدي إلى رفع معنويات اللاعبين ويقود إلى تسجيل أهداف أخرى وتحقيق الفوز، كما تكرر هذا الرقم، الذي يتفاءل به الكثيرون، في الأثر الكريم فهناك "عشرة" من الصحابة بشرهم الرسول (ص) الجنة وهناك "الوصايا العشر" التي أوصى بها النبي موسى (ع). ويعطي هذا الرقم إيحاءً بالكمال سواء في علامات النجاح أم في لوائح التباري والتنافس، كأن يقال مثلاً أغنى عشرة رجال أو أجمل عشر نساء في العالم. وبسبب إرتباطه بدرجة النجاح أو الكمال فإن الساعات غالباً ما تؤشر عقاربها على الوقت "عشرة وعشرة" في جميع الإعلانات التجارية، وعلى الأرجح يعود السبب لكون عدد أصابع اليدين عشرة وكذلك أصابع القدمين، والأمر نفسه ينطبق على الرقم خمسة الذي هو عدد أصابع الكف الواحدة وعدد الحواس والصلوات التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومثلما يستعمل الرقم عشرة للتفاؤل فإن للخمسة استعمالا خرافيا مختلفا لدرء الحسد "برفع الأصابع الخمسة أمام العين الحاسدة".

أما الرقم ثلاثة فبعض الناس يتفاءل به ويعتبره رمزاً للخير والحظ السعيد وقديماً اعتبره الفراعنة رمزاً للإلوهية متمثلاً فى أوزوريس وإيزيس وحورس وهو مقدس في الثالوث المسيحي أيضاً وكان مقدساً عند الساميين، عموماً، والعبرانيين خصوصاً.

أما في القرآن الكريم فيرد الرقم ثلاثة لأغراضٍ عدة منها التأكيد والتعزير كما في قوله تعالى في سورة يس: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} والقسم بالله ثلاثة تعظيم وتأكيد لليمين وكفارته صيام ثلاثة أيام.

وجاء في الحديث النبوي الشريف أنّ محمدّا صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له".

وأهل الكنانة يقولون "الثالثة ثابتة" لعلهم يقصدون أن الطلقة الثالثة بين الأزواج لارجعة فيها. وأحب الأبناء إلى الوالدين ثلاثة: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يشفى، وغائبهم حتى يعود. أما في الأمثال الشعبية فعندما تجتمع ثلاثة مصائب في وقت واحد يقال عن الأخيرة ثالثة الأثافي، والأثافي هي المساند التي يستند عليها القدر أثناء طبخ الطعام. كما إن المستحيلات، في التراث العربي، ثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي.

• حمامة أم غراب؟

وكلنا يعرف الذين يتفاءلون بأيام معينة من الأسبوع كيومي الاثنين والخميس لعقد القران أو الصفقات التجارية أو السفر، لانها أيام مباركة، وفي المقابل هناك من يعتبر أياما أخرى في الأسبوع أياما ثقيلة أو منحوسة، لا يقصد فيها أحدا من أجل طلب حاجة لأنه يعتقد أن مصيرها الفشل الذريع.


من الجهة نفسها يقال إن بعض الفنادق الراقية من ذوات الطوابق التي يتجاوز عددها الثلاثة عشر طابقا، تعمد إلى ترقيم طوابقها بحيث تقفز مباشرة من الطابق الثاني عشر إلى الرابع عشر دون المرور بالطابق الثالث عشر، وذلك لكي تتفادى إزعاج الزبون إذا ما أعطته مفتاح غرفة يحمل الرقم 13. والرواية الأكثر شيوعا عن سبب تشاؤم الناس من الرقم 13 هو أن عدد الحواريين الذين كانوا يحيطون بالسيد المسيح (ع) في العشاء الأخير هو إثنا عشر حواريا فإذا أضفنا إليهم السيد المسيح يكون عددهم، ليلة مقتله، ثلاثة عشر، شأن هذا الرقم في الحظ، هو شأن خرافة أخرى تتمثل ببعض المناظر المنحوسة التي يتطير منها الناس مثل تطيرهم من القط الأسود أو البوم أو الغراب، وعلى الأغلب يكون لشكل الحيوان أو صوته أو لونه دور في هذا التطير، كما ويعزى التشاؤم من الغراب إلى الرواية التي تقول إن نوحاً (ع) حين بقي في اللجة أياماً، بعث الغراب فلم يرجع وبعث الحمامة فعادت إليه بالخبر السعيد، لذلك أصبحت كل خيبة يصاب بها الرسول تسمى بالغراب وكل توفيق يصادفه بالحمامة، وبعض الناس يستفسر من أي قادم عن نتيجة عمله بسؤاله "حمامة أم غراب؟" وهي لازمة شعبية يستعملها العراقيون، تقابلها عند أهل الشام لازمة مماثلة تقول "قمحة أم شعيرة؟" وعند أهل الكنانة لازمة تقول "سبع ولاّ ضبع ؟!".


قلم: ميسلون هادي

ميدل ايست أونلاين