يا إلهي !! كم هي طويلة ليالي الكلاكلة
ولا تسمح للصبح أن يليها
فقلت لها متذمراً:
" وليل كموج البحر ارخى سدوله
علي بانواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
واردف اعجازا وناء بكلكل
ألا ايها الليل الطويل الا انجلي
بصبح وما الاصباح منك بامثل
فيا لك من ليل كان نجومه
بامراس كتان الى صم جندل "
وخاطبتها تارة أخرى بنبرة أخف وطأة:
" طويل يا ليل وفيك الطول مآسينا
ونسكب فيك دموع الشوق
وما نلقى البواسينا
حبيبنا هناك..
بعيد وسعيد وناسينا..
متي ياليــل ظروفنا تروق..
علي الأفراح ترسينا.. "
وناجيت الليل شاكياً وباكياً:
" اشكو ليك من جور زماني ..
كيف رماني ..شوف براك ..شوف الزمن
كيفن بسو..
حتى باقي الزاد كمل
والليل ..طويل طولاً غريب مافيه ضو
والريح تنوح فوق الدروب
وآخوفي من صوت الرياح
وكتين تنوح وتسوي هو"
وصدحت وقد مللت طول ليل الكلاكلة:
"قولن ليهو ليلو طويل .. طويل.. طولا يجنّن
لا قمرا ظهر في سماهو ، لا نجمات يضوّن
وكل ماليهو يتصبّر يقول أيام يعدن
يمنّي لنفسو بي لقياك ولاّ بترد"
فثمة كراهية طويلة قد نمت بيني وبين الكلاكلة بالليل وأرست جذورها
في الأعماق السحيقة ولا أدري يقيناً سر ذلك الود المفقود بيننا
ومن ذا الذي تجرأ وقطع حبائل الود من دواخلي وأغواري السحيقة
لتلك البقعة الجاثمة في أطراف المدائن
هل هم الوشاة الذين أوقعوا بيننا أم تراني ألقى باللائمة
على قوافل حشرات الرتيلاء
التي تتربص في ثنايا جدران المنازل ومجاري الخريف
التي تزين الأزقة العرجاء التي تلتوي كالحية الرقطاء بين بيوت الطين
المتراصة التي تم تشييدها على طراز واحد وما أن يسدل الليل أستاره
حتى يستهلون بشن غاراتهم على عباد الله المعذبون في الأرض
من قاطني الكلاكلات المتحدة السودانية ولعل رهاب الحرامية
وأساطيرهم التي ترتبط دائماً بالليل كانت وراء ذلك،،
ولو أن حوادث السرقات قد أخذت تتفشى مؤخراً
عياناً بياناً في رائعة النهار وحدث ولا حرج....
ولا أود في هذا المجال أن أوجه يد الإتهام جزافاً إلى غياب الكهرباء
المنتظم الذي وطد صداقة وحميمية متعمقة بيننا وبين الظلام الدامس
الذي كم ألفناه وعشقناه ولكنا تعبنا إذ عشقناه .....
كل هذه الدوافع مجتمعة (وأسباب تانية حامياني)،
قد إنتزعت مشاعر الحب والوداد من قلوبنا تجاه الكلاكلة بالليل.
أم أن الصدود كان مرده هوهوات الكلاب الضالة ونباحها التي تدوي
آناء الليل وتصم الآذان وهي تتجول وتتراقص بذيولها وتحوم قبالة
أسوار البيوت التي زينتها شظايا الزجاج المكسور وأبواب الحديد المزركشة
وأكوام القمامة التي عاث الذاب فيها فساداً وأصبحت مترعاً خصباً
لكافة الهوام ؟
ترى ما سر هذا الجفاء الذي بات سداً منيعاً بيني وبينك أيتها الكلاكلة؟
ففي ذات ليلة من تلكم الليالي الكلاكلية البغيضة كنت مستلقياً
فوق العنقريب بمنزلنا في الوحدة قبالة عربة التاكسي المركونة
في وسط الراكوبة والمغطاة بقماش عتيق وكنت أتأمل ملياً
قطة كانت منهكمة في عالمها الخاص والسعادة لا تسعها
وهي تلعب بذيلها وتحشر جسمها الضئيل تحت عربة التاكسي تارة
وتهرول مزهوة إلى المطبخ تارة أخرى وتعود ثانية غير آبهة بمن ألقى
جسمه المتعب فوق حبال العنقريب وتعيد الكرة بلا هوادة وتؤدة ......
وبينما كنا كذلك أنا وقطتي التعيسة تناهي إلى مسامعي
صوت أمي وهي تناديني بصوت عال:" حسن! حسن!
ألا تسمع؟ هل بك صمم؟" فأجبتها وأنا أنهض متثاقلاً:
" نعم أماه،،، ماذا تريدين مني؟" فقالت" قم يا رجل وأذهب
إلى الفوال لكي تجلب لنا العشاء فقد تأخر الوقت"
فأخذت منها البستلة وإنتعلت سفنجتي وخرجت إلى
ناصية الشارع في طريقي إلى الدكان .....
إنتظروني هنا قليلاً ريثما أعود من الدكان،،،،،
المفضلات