جريدة الصحافة
عمود بشفافية للصحفي حيدر المكاشفي
( من يشتري جهنم ؟!)
مهلاً لا تستغربوا ولا تستصعبوا شراء جهنم، فحين يختلط حابل الأمور بنابلها يصبح أي شيء ممكنا، واللا معقول يغدو في غاية المعقولية، وعندها يمكنكم ليس شراء جهنم فقط بل ومعها لظى وسقر والحطمة والسعير والجحيم والهاوية وكل أسماء النار، بالإمكان أن تصبح حكراً لأحد، ففي عهود الظلم والظلام والظلمة والظلاميين لا تعجبوا من شيء ولا تندهشوا لغريب، وفي التاريخ سابقة عن شراء جهنم نحكيها لكم..
يقال ان أحد اليهود الدهاة الماكرين على أيام ذيوع وانتشار صكوك الغفران التي سكتها الكنيسة البابوية وجعلت لها ثمناً يدفعه صاغراً كل مريد يريد ان يتطهر من ذنوبه وآثامه ليدخل الجنة، فكّر هذا اليهودي وقدّر في حيلة مضادة تغرقه في الثراء كما اغتنت الكنيسة من بيعها لهذه الصكوك بأسعار مرتفعة جداً وكانت رغم هذا الغلاء الفاحش تجد إقبالاً وتدافعاً كبيرين جداً، يظل الواحد يزحف طوال يومه في صف طويل وحين يبلغ «شباك الدفع» بعد معاناة ومشقة ويدفع «الشيء الفلاني» يستلم مقابل ذلك عقداً يُكتب عليه اسمه وما يفيد بأنه أصبح مالكاً لأرض بالجنة، كانت تلك هي ما عرف في التاريخ بصكوك الغفران، فكّر اليهودي في أمر هذه العقود وقدّر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر وغذَّ السير الى الكنيسة والتقى البابا، وبعد أداء واجب التحية وموجبات التقديس والاحترام، قال بصوت ملؤه التهذيب والخشوع، أريد شراء النار كاملة قداستك، تعجب البابا من الأمر ونادى على بقية رفاقه البابوات وانتحى الجمع جانباً يتداولون الأمر وما هي إلا برهة حتى اتفقوا على أن يبيعوا أراضي النار الكاسدة الخاسرة التي لن يشتري منها أحد ولو شبرا لهذا الغبي، وقد كان، استلم اليهودي عقد بيع أراضي النار موثقاً وممهوراً برسم الكنيسة بعد ان دفع السعر الذي حددوه، وعندما خطا أولى خطواته خارج الكنيسة نزع عن وجهه كل الوقار الذي اصطنعه وبدأ يتقافز كقرد رشيق ويلوح بالعقد الكنز وهو يصيح في الناس أيها الناس ها انا قد اشتريت النار كاملة وأصبحت ملكي بالكامل وقد قررت أن أغلقها ولن يدخلها أحد فما حاجتكم بعد اليوم لشراء أراضٍ في الجنة بعد ان ضمنتم عدم دخول النار، وهكذا بارت وكسدت صكوك الغفران الأمر الذي اضطر الكنيسة لاستعادة عقد النار من اليهودي بعد مفاوضات ماراثونية ومساومة مرهقة كسب منها اليهودي أضعاف أضعاف السعر الذي كان اشترى به.. فتأملوا.....
الآن ربما يعيد التاريخ نفسه بصكوك غفران جديدة قد تختلف عن التليدة اختلاف مقدار ولكن لن يكون اختلاف نوع بأية حال من حيث إن الاثنين يمنحان وثائق الطهارة والبراءة، فالصكوك الجديدة أو «شهادات البراءة» التي تنوي وزارة الرعاية والضمان الإجتماعي بالاشتراك مع آخرين إصدارها وحصر منحها فقط لـ»ستات الشاي» اللائي يجتزن اختبارات الأخلاق كإجازة أخلاقية لا تتم ممارسة المهنة إلا بعد الحصول عليها، أليست هي بشكل أو آخر صكوك غفران تعيد الى الذاكرة تلك الصكوك التي كانت تبيعها الكنيسة، ثم من هو هذا «المكمل البراءة والكامل الأوصاف والأخلاق» الذي سيصبح مرجعية يمنح هذه صكاً وربما يمنح تلك صفعة، هل هو بابا اسلامي جديد؟، لا بأس بل من المستحسن الذي يجد الاشادة أن يهتم بعض المعنيين ـ رسميين وغير رسميين ـ بهموم المعيشة التي تكابدها ستات الشاي فيلتقوا ليتدارسوا أنجع وأشرف السبل لمساعدتهن في الحصول على لقمة العيش الشريفة والكريمة، وكل هذا جهد مشكور ومأجور ستنسفه من جذوره وتشكك في مقاصده حكاية «شهادات البراءة» التي ستنحرف بالموضوع من قضية خاصة بستات الشاي إلى كونه قضية «الجماعة» مع النساء أجمعين...
المفضلات