الامير نقدالله شجاعه تتحدى الانحناءة
اعداد حسن بركيه
من أسرة لم تعرف الخوف عقدت صفقة أبدية مع الكرم والشجاعة جاء الأمير عبد الرحمن عبد الله عبد الرحمن نقد الله القيادي بحزب الأمة, وتعود جذور الأسرة إلى شمال السودان في قرية أوربي بمحلية دنقلا, ومن هناك هاجرت الأسرة إلى أم درمان وودمدنى بخيرها في قطار التضحيات محملة بهدايا قيمها ومواقفها الأصيلة لكل السودان.
...وسار الأمير عبد الله عبد الرحمن نقد الله على درب والده نقد الله الكبير وعرف بالشجاعة والكرم والوضوح.. أقعده المرض قبل سنوات وهو في قمة عطائه السياسي والفكري, وتقول شقيقته الأستاذة سارة نقد الله عن أسرة نقد الله: جذور الأسرة من جزيرة (أُوربي) إحدى الجزر على النيل، و(أُوربي) جزيرة على مقربة من جزيرة (لبب) التي عُرف بها الإمام المهدي عليه السلام وأسرته، ثم حدثت هجرات. الأب المؤسس لأسرة نقد الله هو الحاج عبد الرحمن الكبير المعروف بعبد الرحمن نقد الله، ونقد الله تعني عبد الله، أجدادنا استشهد غالبيتهم في المهدية، مثلاً حبوبتنا صفية بت مزمل استشهد لها أربعة من إخوتها وسمُّوها (الخنساء).. الأسرة كلها مجاهدون «مسبلين الروح في شان اللّه»، حبوبتنا زوجة الأمير عبد الرحمن الكبير اسمها أم الحسن بت إبراهيم, وأنجب منها بحمد الله عدداً من البنين والبنات.
وتضيف السيدة نور الشام من أسرة نقد الله في حديث لها مع صحيفة (الرأي العام) مزيداً من الخلفيات التاريخية عن أسرة نقد الله وتقول: أبونا الحاج عبد الرحمن الكبير نقد الله مولود في (أوربي), عاش فيها طرفاً من أول الطفولة وبعض الصبا ثم هاجرت الأسرة إلى الجزيرة المروية رفاعة وجزيرة الفيل التي أتتها الأسرة من قدير، وفي جزيرة الفيل التقى أمنا صفية - وهي بالمناسبة عمة الإمام المهدي - تزوجها وجاء بها إلى رفاعة, وأمنا صفية أنصارية مجاهدة حضرت إلى أم درمان بعد أن أُسر أولاد المهدي والخليفة شريف, وقفت تنظر إلى الوابور الذي رُحِّل فيه الأسرى.. والذي حدث أن الخليفة محمد شريف قال لها: (ما تجي.. نحن إن شاء الله ما بتجينا عوجة وبنجي).. وتضيف السيدة نور الشام: (استقرت بعدها.. والحاج عبد الرحمن أيضاً استقر معها, وكان من الفرسان الصغار الذين يحرسون عوائل المهدية.. استقر وعمل ليهو زراعة وأراضي زراعية، باقي أهلو جو هناك وعمل بيت في مدني بعد فترة.. الأمراء الآخرون مولودون في أم درمان ومعظمهم تقريباً درس القرآن وحفظه في خلوة ود أحمد).
منذ أكثر من 70 عاماً ومنزل أسرة نقد الله بلا أبواب أو أسوار يستقبل الجميع بلا أي تمييز وهو منزل لكل قطاعات الشعب السوداني (نقد الله تركة الطاعة أب باباً بلا شُراعة).
يقول الأستاذ عبد الرسول النور: إن الحديث عن الأمير عبد الرحمن عبد الله عبد الرحمن نقد الله حديث ذو شجون وحديث طويل. الأمير عبد الرحمن أخذ من والده قوة الشخصية والوقوف والثبات عند المبدأ والراي في كل الظروف شدة ورخاء, والسياسة عنده تحمل لونين فقط إما أسود وإما أبيض, وهو إما أن يحب حبا صادقا وإما أن يكره كراهية واضحة لا منزلة عنده بين المنزلتين.
وكان الراحل المقيم القيادي الاتحادي الحاج مضوي محمد أحمد على علاقة وثيقة بنقد الله, وقال عشية مرض نقد الله في ندوة محضورة: كان نقد الله صادقاً لا يعادي الاتحاديين وآل نقد الله ركيزة أساسية في الثورة المهدية, وهو رجل بشوش وشجاع في كل الظروف وكان مصادماً لكل الأنظمة الشمولية, وشاهدت الرجل في المعتقل وهو يتعرض لتعذيب قاسي جداً وكاد أن يفقد بصره من شدة التعذيب.. قال الحاج مضوي قولته ورحل عن دنيانا وظلت شهادته عالقة بالأذهان وباقية في الوجدان, والأمير نقد الله لا زال على فراش المرض ولكن سيرته تمشي بين الناس. وعندما عاد الراحل الخاتم عدلان إلي البلاد بعد طول غياب في العام 2004م وسجل زيارة إلي دار نقد الله, وما أن شاهد الأمير نقد الله ممداً في سرير المرض أجهش بالبكاء وأبكى كل الحضور, وتحدث عن نقد الله حديثا عميقا. ورحل الخاتم عنا وما زال الأمير نقد الله عملاقا كبيرا وهو ممدد على فراش المرض بقلب طفل مفطور على المحبة والنقاء.
ضمير أمة
يقول الأستاذ يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي: إن نقد الله شخص مستنير ومتفتح الذهن ولا يتراجع عن مواقفه ويتميز بالصلابة, وفي نفس الوقت هو إنسان ودود جدا وله علاقات ممتدة مع كل الناس ولا يرضى الظلم ومناضل شرس ضد الاستبداد, ودفع ضريبة النضال في بيوت الأشباح والترحيل إلى خارج العاصمة في مناطق نائية والاعتقالات المتكررة, ونحن في اليسار كنا نحرص على استمرار العلاقة معه ونحترمه وهو أيضاً كان يحترم اليسار ويقدره, ولهذا كان قريبا منا وكنا قريبين منه. محمد ساتي القيادي بحزب الأمة يسلط الضوء على معالم وتاريخ أسرة نقد الله: الحاج نقد الله الكبير كان من أمراء المهدية وعهد إليه الإمام عبد الرحمن إعادة تنظيم الأنصار بعد معركة كرري. ابنه الأمير عبد الرحمن شأنه شأن كل أسرة نقد الله كان كريما وشجاعا وله صولات وجولات مع الأنظمة العسكرية خاصة نظام الإنقاذ, حيث حكمت عليه إحدى المحاكم بالإعدام وكان يتميز داخل حزب الأمة بأنه أنصاري (قح) وهو حاد في أفكاره ولا يعرف أنصاف الحلول ورغم ذلك فهو ديموقراطي يؤمن بتعدد الآراء. وكان الأمير نقد الله قد قدم لمحاكمة وحكمت عليه المحكمة بالإعدام ثم خفف الحكم وأطلق سراحه لاحقاً, المهم هي مسيرة طويلة من الاعتقالات, وذات مرة قدم بنفسه مرافعة رصينة كانت مثار إعجاب وتقدير الكثيرين ونقتطف منها الجزئية التالية: (فان النظام العسكري الحالي قد اعتقلني لمدة عامين إلا شهرين من دون وجه حق أو إبداء أي سبب أو حتى مجرد تحقيق, وهي اطول مدة قضاها مسؤول سياسي في الاعتقال, وقد ظل وما زال يحجر على حسابي المتواضع جدا في احد البنوك, كما رفض السماح لي بالخروج من العاصمة للاشراف على مشروعنا الزراعي بمنطقة الكاملين, كما حظر سفري إلى الخارج للبحث عن وسيلة عيش كريم). وختم نقد الله مرافعته: (مرحباً بالموت.) ويقول: (فأنا يا مولاي سليل عائلة مجاهدين اشتهرت في أرض السودان برفع راية الدين وحماية الدولة وحب الوطن والدفاع عن حقوق مواطنيه, وأنا ـ وأعوذ بالله من الأنا ـ يحفل تاريخي القصير والحمد لله على ذلك بالمواقف الوطنية وحب أهل السودان والتفاني في خدمتهم, لم أفرق أبدا بينهم لمواقف سياسية أو عرقية أو دينية بل عاملتهم بالعدل والإحسان حيثما كنت مسؤولا عنهم, وعرفت بين الجميع بالترفع عن النظرات الحزبية والذاتية الضيقة, وأحببت أهل السودان بل وأفخر وأعتز بالانتماء إليهم, وفي سبيل ذلك حياتي فداء وروحي هبة ودمي قربان فمرحباً بالموت في سبيل الله وهو شرف عظيم في سبيل السودان وأهله الطيبين الأوفياء). ويمضي عبد الرسول النور في الحديث عن جوانب أخرى من شخصية نقد الله: (درس الأمير نقد الله في أوربا الشرقية وتحديدا في رومانيا حينما كانت الشيوعية تسيطر على نصف الكرة الأرضية, وعندما سافر الأمير إلى رومانيا كانت صور شاوسيسكو تملأ كل مكان, وكان الجميع يتحدث عن إنجازات الرجل, وجاء الأمير في هذا الظرف إلي السودان وكانت مايو وقتها بوجهها الأحمر, أتى من لون أحمر قاني إلي لون أحمر قاني بالسودان ـ والحديث ما زال لعبد الرسول النور ـ ووجدنا وكنا طلاباً بجامعة الخرطوم نعمل في معارضة نظام مايو بشدة, وكان الأمير الراحل الكبير عبد الله عبد الرحمن نقد الله يرعانا من على البعد, وعندما جاء ابنه الأمير عبد الرحمن دعانا وعرفنا به، فأوجسنا في أنفسنا خيفة من هذا القادم من البلاد الحمراء الذي درس في رومانيا ورأى الشيوعية في عزها وفي عقر دارها، ولكننا وجدناه أنصارياً قحاً وأقوى من الأنصار الذين لم يغادروا السودان (الضد يظهر حسنه الضد). ويستطرد عبد الرسول النور: كان أنصارياً مصادماً وكان لنا نعم الأخ ونعم المعين وهو باختصار شديد (قلبه في لسانه), لا يؤمن بالدبلوماسية وأساليبها ولايؤمن بالعمل من خلف جدر أو ستر, ولهذا كان هدفاً للاعتقالات في مايو والإنقاذ, وكان يجهر برأيه حتى في السجون)
ومن المواقف التي لا زالت عالقة بالأذهان وتوثق مواقف نقد الله العظيمة.. أنه طلب منه القيادي بالشعبي آنذاك محمد الحسن الأمين العفو والصفح عن ما ارتكب في حقه من تعذيب، وكان ذلك أثناء اجتماع لتحالف المعارضة بدار حزب الأمة, وقال نقد الله لمحمد الحسن الأمين وبحضور عدد مقدر من قيادات المعارضة: في ما يتعلق بشخصي عفوت لكم كل جرمكم في حقي ولكن عليك طلب العفو من الشعب السوداني لأنه صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في ذلك.. ودارت الأيام وعاد محمد الحسن الأمين إلى الوطني واستعصم بظل ذات السلطة التي كان يبرأ من أفعالها ويطلب العفو, وتمدد نقد الله في فراش المرض ويا لها من مفارقات تحفل بها السياسة السودانية.
يقول الكاتب الصحفي الختمي أحمد سر الختم الذي أفنى زهرة شبابه في خدمة كيان الأنصار, واستظل مع النهايات بشجرة الختمية: (نقد الله كان حاضراً في كل فعاليات المعارضة في فترة التسعينيات أمينا عاما للتجمع الوطني الديموقراطي بالداخل وسندا قوياً للحركة الطلابية, وبمرضه مرضت الحركة السياسية السودانية والتف حوله الشباب والطلاب عندما شاهدوا بوادر التراجع والانكسار لدى قيادات الصف الأول في أحزاب المعارضة). يقول الدكتور مصطفى محمود الأمين العام للحزب العربي الاشتراكي الناصري: (نقد الله لم يكن جزءاً من هذا الوسط السياسي السيئ, كان شيئا آخراً مختلفا تماما عن القيادات السياسية الموجودة الآن, وكان قريباً لكل الناس وكان عدواً للمتخاذلين في حزب الأمة وفي غير حزب الأمة, هو أمة في رجل.. كنت قريباً منه وأقول كان فوق الوصف وكان يحب الخير حتى لأعدائه, ورغم أنصاريته كان يعبر عن كل السودان والدنيا علمتنا أن الأتقياء يذهبون ويبقى من هم دون ذلك، كان واضحاً ولا يعرف الأساليب الملتوية. كان نقد الله من أشد المعارضين لخط التفاوض مع المؤتمر الوطني داخل حزب الأمة. وعندما كلف برئاسة لجنة لتقييم الحوار مع النظام عقب العودة قدم تقريرا ضافيا عرف بتقرير لجنة نقد الله, يقال إن رئيس الحزب تجاوز التقرير بورقة قدمها للمكتب السياسي وبعدها بفترة قليلة داهمه المرض وأقعده عن أداء مهامه في الحزب وفي كيان الأنصار. وكان محل ثقة قيادات الأنصار والطلاب. ومنذ مرضه والجميع يذكر مواقفه في كل المنعطفات التي مرت بالوطن وبحزب الأمة. وكان من الأنقياء الذين يمشون إلى موتهم دون وجل ولتحيا أوطانهم
المفضلات