تعكس زيارة فخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة تقدير الحكومة الفرنسية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله -، ومكانة المملكة السياسية والاقتصادية وثقلها ودورها المحوري على المستوى الدولي، وحرص قيادات الدول الكبرى على التشاور مع القيادة الرشيدة حول مستجدات الأحداث إقليمياً ودولياً.
تشهد العلاقات السعودية الفرنسية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ويسعى البلدان لرفع مستوى هذه العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية، ويتطلعان لأن تسهم زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة في تحقيق ذلك وتطوير العلاقات بين البلدين الصديقين ودفعها نحو آفاق أرحب، بما يعزز ويحقق المصالح المشتركة، حيث تعد هذه الزيارة هي الثالثة للرئيس الفرنسي إلى المملكة منذ العام 2017م، إلا أنها الأولى كزيارة دولة، التي تتزايد أهميتها، وفقاً للأحداث التي يشهدها العالم، وتحظى باهتمام البلدين. ويتابع العالم هذه الزيارة بكثير من الاهتمام، خاصة لما تملكه الدولتان من قوة سياسية واقتصادية، إضافة إلى الدبلوماسية الفاعلة والحكيمة للعاصمتين الرياض وباريس.
وتتزايد أهميتها كونها "زيارة دولة"، تزامناً مع ما تشهده المنطقة من تطورات للأوضاع في قطاع غزة، ولبنان، مما يستوجب التشاور وتنسيق الجهود بين قيادتي البلدين، بما يعزز أمن واستقرار المنطقة، حيث تحرص الدولتان على تحقيق الأمن والاستقرار والسلام إقليمياً ودولياً، وتأكيد الجمهورية الفرنسية على شراكتها مع المملكة، واعتبارها حليفاً قوياً، يلعب دوراً رئيساً في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة، لذا يحرص فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية على التشاور مع سمو ولي العهد -حفظه الله- بشأن القضايا والأزمات الراهنة وسبل معالجتها.
وتأتي زيارة فخامة الرئيس الفرنسي للمملكة،*تعزيزاً للنتائج الإيجابية التي حققتها زيارتا سمو ولي العهد -حفظه الله- للجمهورية الفرنسية في شهر يوليو 2022م، وشهر يونيو 2023م، وزيارة فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية للمملكة في شهر ديسمبر 2021م، وامتداداً للجهود الرامية لتوسيع نطاق التعاون وتنمية العلاقات بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي في المنطقة والتوافق بين القيادتين، والتشارك في القلق البالغ حيال الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وما يشهده القطاع من حرب وحشية راح ضحيتها أكثر من (150) ألفاً من الشهداء والمصابين من المدنيين الأبرياء؛ نتيجة للاعتداءات الشنيعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يدعم البلدان الجهود الرامية للوصول إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة في حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
توافق في الملفات السياسية
ويحظى الشأن اللبناني باهتمام كبير من المملكة والجمهورية الفرنسية، ويؤكد البلدان حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، والمحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية، حيث يتفق البلدان على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1701)، مع تأكيدهما أهمية الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في الحد من مخاطر التصعيد، في الوقت الذي تشدد المملكة وفرنسا على أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اللبناني، وتأييدهما لجهود (المجموعة الخماسية لدعم لبنان)، بما في ذلك تأكيدها الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية إلى التعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية من أجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، واستعادة سلطة الحكومة اللبنانية في جميع أنحاء البلاد، كما أشادت الحكومة الفرنسية بجهود المملكة في إيجاد حل سياسي للأزمة السودانية، إلى جانب دعمها الإنساني والإغاثي للمتضررين من الأزمة، إضافة إلى التعاون في ملف جهود مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره.
وتقدر الجمهورية الفرنسية استضافة المملكة للقمة العربية الإسلامية غير العادية، وقيادتها الجهود المبذولة لخفض التصعيد في فلسطين، وترؤسها اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن التطورات في غزة، وجهودها المبذولة لإطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة، وإطلاق (التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين)، الذي استضافت المملكة اجتماعه الأول، بهدف تعزيز العمل الدولي المشترك لتحقيق السلام في المنطقة.
يحرص البلدان على القيام بأدوار فاعلة لدعم وتعزيز أمنهما واستقرارهما، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، من خلال تطوير التعاون وبناء شراكات استراتيجية مستدامة في المجال الدفاعي، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين، إلى جانب تعزيز مستوى التعاون والتنسيق الأمني القائم بينهما، خاصة في مجالات مكافحة الجرائم بجميع أشكالها، ومكافحة المخدرات، وجرائم الإرهاب والتطرف وتمويلهما، والأمن السيبراني.
العلاقات الاقتصادية
تشهد العلاقات الاقتصادية بين المملكة وفرنسا تطورًا ملحوظًا، مدعومًا بالروابط السياسية القوية بين قيادتي البلدين، حيث لعبت زيارات ولي العهد لفرنسا في عامي 2022 و2023 دورًا جوهريًا في تعزيز التعاون بين الرياض وباريس، حيث جرى التركيز خلال هذه الزيارات على رفع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستثماري، مع اهتمام خاص بمجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، ما يعكس الرؤية المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة، فقد أسهمت اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية بشأن التنمية الثقافية، والبيئية، والسياحية، والبشرية، والاقتصادية، والتراثية، في محافظة العلا، بدور فاعل في تعزيز التعاون بين البلدين في عدد من المجالات، خاصة الثقافية والسياحية، حيث تعد فرنسا أحد أهم شركاء المملكة في المجالات الثقافية والسياحية من خلال تطوير مشروع واحة العلا شمال غرب المدينة المنورة الذي تصل استثماراته إلى 20 مليار دولار. ونجم عن هذا التعاون تنفيذ عدد من الشركات الفرنسية مشروعات في هذين المجالين، منها مشروع شركة (ألستوم) لإنشاء (ترام العلا)، ومشروع شركة (بويغ) لتنفيذ مشروع (منتجع شرعان)، ومشروع شركة (أكور) لتشغيل (9800) غرفة فندقية في المدن الرئيسة بالمملكة.
الاستثمار والسياحة والثقافة
ويسعى البلدان لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وتنمية التبادل التجاري بينهما، من خلال العمل المشترك على تذليل أي تحديات قد تواجه تنمية العلاقات التجارية، وانتظام عقد اجتماعات مجلس الأعمال المشترك، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية والوفود التجارية والاستثمارية، وتشجيع إقامة المشروعات المشتركة، وعقد الفعاليات التجارية والاستثمارية، وقد أثمرت هذه الجهود في بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 نحو 10.75 مليارات دولار، مع فائض في الميزان التجاري لصالح المملكة قدره 1.9 مليار دولار، فيما صدّرت السعودية إلى فرنسا سلعًا بقيمة 6.3 مليارات دولار، بينما استوردت منتجات فرنسية بقيمة 4.4 مليارات دولار، تشمل المنتجات الصناعية والتقنية.
في الوقت الذي تتنامى فيه العلاقات الاستثمارية بين المملكة والجمهورية الفرنسية، وتشهد تطوراً ملحوظاً، حيث بلغ عدد الشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة (473) شركة، ونمت استثمارات الشركات والصناديق السعودية في فرنسا في إطار فرص الشراكة التي توفرها (رؤية المملكة 2030) و(رؤية فرنسا 2030) في عدد من القطاعات المستهدفة، بما فيها الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والخدمات المالية، وتقنية المعلومات، والكيماويات، والنقل والطيران، والصناعات المتقدمة والتحويلية، وصناعة الأغذية، والتعليم، وريادة الأعمال، والسياحة، والثقافة.
ويقوم الرئيس الفرنسي ماكرون يوم الأربعاء القادم بزيارة إلى موقع العلا الأثري مع مسؤولين ثقافيين فرنسيين منهم وزيرة الثقافة رشيدة داتي ورئيس مركز جورج بومبيدو للفن المعاصر في باريس، الذي سيشرف على مشروع إقامة متحف للفن المعاصر هناك مخصص لفنانين العالم العربي، كما أعلن الإليزيه أن الزعيمين سيعملان على تعزيز العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، مذكّرا بأن آخر زيارة دولة لرئيس فرنسي إلى المملكة تعود إلى عهد الرئيس الفرنس جاك شيراك في 2006.
تضم العلاقات الاقتصادية بين البلدين مشروعات بارزة في قطاع الطاقة، مثل مجمعي "ساتورب" و"أميرال" للبتروكيماويات، بالإضافة إلى التعاون مع شركة "توتال" الفرنسية لتطوير محطات الوقود، كما يشمل التعاون بين البلدين قطاع الصناعات العسكرية، حيث توجد مشروعات مشتركة لتوطين الصناعات العسكرية. وفي مجال تعزيز العلاقات التجارية والشراكة شهدت باريس انعقاد النسخة الأولى من منتدى الاستثمار السعودي-الفرنسي بالتزامن مع زيارة ولي العهد، حيث أسفر المنتدى عن توقيع 24 اتفاقية بين شركات البلدين بقيمة تجاوزت 18 مليار دولار، تضمنت اتفاقيات بارزة مثل صفقة شراء 325 طائرة من شركة "إيرباص".
استقرار أسواق النفط
وتثمن الجمهورية الفرنسية دور المملكة في دعم توازن أسواق النفط العالمية واستقرارها، وفي موثوقية الإمدادات بصفتها مُصدراً رئيساً للنفط الخام، ويحرص البلدان الصديقان على تعزيز تعاونهما الاستراتيجي في مختلف مجالات الطاقة، بما في ذلك مشروعات الهيدروجين النظيف ونقله وتصديره إلى مراكز الطلب في أوروبا والعالم، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والطاقة المتجددة، بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطوير مشروعاتها. وتتوافق رؤية البلدين حيال أهمية الالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، واتفاقية باريس، وضرورة تطوير الاتفاقيات المناخية وتنفيذها بالتركيز على الانبعاثات وليس على المصادر، ويحظى دور المملكة الريادي في العمل المناخي بإشادة الجانب الفرنسي، بما في ذلك إطلاق (مبادرة السعودية الخضراء) على المستوى الوطني، و(مبادرة الشرق الأوسط الأخضر) على المستوى الإقليمي والعالمي، ويؤكد البلدان أهمية التعاون الدولي والعمل المشترك في المنصات الدولية، ومن ذلك (المنتدى الوزاري للطاقة النظيفة)، و(مبادرة مهمة الابتكار)، و(مجموعة صناديق الثروة السيادية، الكوكب الواحد). يذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت في عام 1936 عندما افتتحت فرنسا أول بعثة دبلوماسية لها في مدينة جدة، ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات لتشمل شراكات استراتيجية في مختلف القطاعات، أبرزها التعاون الاقتصادي والاستثماري.


---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2107240]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]