و الله لا أخجل ، بل حق لي الفخر لأذيع سراي مرة و إلى الأبد، بأنني واحد من مخرجات حنتوب,ذاك الفردوس المفقود و الأم الودود الولود التي أنجبت من قبلي أجيالاً ذائعة الصيت كما طرحت (طيشاً) دانت له أعناق الأوائل والعباقرة في (قارة) مثل بلادي؛ ثم علمت بعد حين بأنها ماتت واقفة؛ كشجرة ظلت تطرح الثمار كلما حذفهاالصغار بالحجارة! و يبقى العزاء في أن أصولها ثابتةمحفورة في ذاكرة العراقة.
تلك شجون جئت أخي / عادل سيد أحمد تثيرها لدي، كما سبق و أثارها لدي ضيف عزيز على (ظلال الأصيل) ظهر ذات يوم على شاشة الشروق، هو إبراهيمالبزعي. كان لقاءً و لاااااااااا أمتع. وأما عن مؤلف (حنتوب الجميلة) استاذي الموسوعة/ الطيب علي عبد الرحمن ، فأدين له بأنه ليس فقط ممن علموني حرفاً، وإنما كان تيوتر داخليتي جماع و هذا يكفيني فخراً. حيث كان نعم الأب الرؤوف و المربي الشديد. أذكر أننا إذا نسي أحدنا شد ملاءة سريره أو ترتيب أشيائه ، فكأنما ارتكب جنحة نكراء لا تغتفر، إلا بالذهاب مباشرة للمثول أمام أستاذ الطيب بشعبة الجغرافيا ليتسلم معروضاته لقاء دفعه غرامة مالية لا تقل عن ( شلن) وقد تصل إلى (طرادة)؛ و من لم يستطع فصيام وجبتين متتالين من سفرة ناس عمك هباني و أبو عاقلة حمد انيل (والدحيش) ، أو الحرمان من رفاس عمك عبدو. هذا فضلاً عن علقة ساخنة على يد عمنا الصول محمد محمود ، و يجوز الجمع بين كافة تلك العقوبات معاً.
من أبناء دفعتي والتي سبقتها كان النابقة الدكتور/ عبد الباقي الطيب( شكينيبة) صاحب أعلى نمرة في تاريخ طب الخرطوم، بينما احتفل به التلفزيون القومي لتميزه في علوم و اللغة العربية نحواً و صرفاً و بلاغةً و عروضاً. ومنهم أول السودان الدكتور/ محمد الغزالي سليمان (ود راوة) وثالث السودان / محمد مبارك (الفريجاب)، و لعل الأبرز العلامة/ محسن حسن عبد الله هاشم (نجل مدير مشروع الجزيزة) و الذي كان موسوعياً جامعاً لكل مقومات التميز من علم و فن و دين و دنيا: فكان منافساً على أول السودان عبر مساق رياضيات أدشنل لدخول الهندسة + رئيساً لداخلية المك + قيادياً بارزاً في الاتجاه الإسلامي+ رقماً صعباً في مسابقات النادي العلمي+ مسرحياً ومطرباً بارعاً باسم داخليته في الموسم الثقافي والدورة المدرسية + و فوق كل هذا شايل فرنساوي مادة إضافية لتدعيم بوكسن شهادته، رغم أنه كان شبه كفيف البصر و كان كثير الأسفار للعلج بمصر.
األا ليت الشباب يعود بنا القهقرى لأيام ظرفاء حنتوب: ناس باديرا - ود أب ظن - أحمد منقة - محمد كبير الكتبي. و للأمانة، فكل هؤلاء سبقوني و لكن ظلت تجمعنا بهم سنوياً ليالي الخريجين الملاح ، ما يثير في النفس جذوات الشجن و يشعل قناديل الحنين للزمن القديم! و من من أبنائها لا تحركه تلك الذكريات في محطة لم تكن عابرة بل نقطة تحول تشكلت منها ملامح الهوية و فاح الهوى. و من فاته شيء من زخم حنتوب، فقد ضيع عمراً لا يعوض إلا بضريبة باهظه. هكذا علمتنى السنون اللاحقة. كم أذكر من حكاوي و مواقف و جوقة من أسماء في حياتي هي مفخرة لسيرة ذاتي ، نفر كنت حيث كانوا ثم خرجوا للدنيا يصنعون الأحداث الجسام على نطاق بلادي والعالم .
تحضرني قفشة لود أب ظن (أشهر ظرفاء أبو لكيلك) حين و قف ذات ليلة على خشبة المسرح يمثل مشهداً من مسحرية (عطيل) على ما أذكر، و لما وجد نفسه في مأزذ أن نسي شيئاً من نص الحوار لم يسقط في يده و لم يرتبك، وكان ذا بديهة خاطفة فاتلفت ناحية الجمهور فإذا بعينه تقع على أحمد منقة : إنسان بسيط و عبقري رياضيات ، على درجة من الجدية والوداعة ، غير أنه كان دميماً بعض الشيء و ذو شلاضيم بارزة فوجد ود أب ظن ضالته فيه و ناداه:
- يا أحمد منقة ، جيب سفة!
- : يا ود أب ظن يا خي متين شفتني بسف؟!
- ياخي ما هدي المعطيات كلها عندك و لكن بس ما قادر تبرهن.
المفضلات