COLOR="navy"]"]صحيفة الرائد
أ د. عبد الله عووضة حمور وتحت عنوان
من نماذج الصور الشعرية ..التصوير بالصوت
في يوم السبت 21/8/2010م قرأت كلمة للأستاذ الفاتح جبرة بعموده (ساخر سبيل) بالرأي العام ص 16 تحت عنوان (تصوير سمعي). قال فيها قد كان المألوف أن يورد المتحدث كلمة تشرح الجملة السابقة. كما يشرح المتحدث بالتشبيه. والأستاذ بوسيلة الإيضاح وساق لذلك عدة أمثلة استغرقت العمود بعرضه والورقة بطولها من ذلك (وقع رب) أو (بت) وانكسر (كش) ومرق (فت) بضم الفاء وسكون التاء الآن كما قال: قل المألوف كثيراً. أ.هـ المنقول عنه. إلا أنه لم يذكر لماذا قل المألوف؟
هذا يرجع في تقديري إلى أن التحولات الاقتصادية، والاجتماعية أخذت تؤثر في نمط الحياة. ومن ثم في إنسان السودان لغة وسلوكاً. وقد أثار هذا الموضوع في ذهني عدة أفكار لصلتي العلمية به بفترة الدراسة الجامعية. والعليا بعد الجامعية ثم الحياة العملية بعدهما بفترة الجامعة كان أستاذنا الدكتور إبراهيم أنيس مؤلف كتاب (من أسرار اللغة) وكتاب (في اللهجات العربية). وقد أفادنا جدا في مادة اللغويات لتمكنه من مادته وقناعته بها لا بالمعلومات المجردة جديدها وقديمها فحسب. ولكن ببذر حرارة الذهن وذاتية التفكير. طيب الله ثراه وثرى أقرانه. آمين.
من جديد النقاط التي جاءت بكتاب (أسرار اللغة) علاقة الصوت بأصل الكلمات. البعض يقول: أي كلمة في اللغة أصلها يرجع إلى الصوت الأول. مثال كلمة. وقع (رب) أو وقع (بب) بب صوت الوقوع على رمال. ورب صوت الوقوع على أرض صلبة أو خشب ثم يبعد الاستعمال الكلمة شيئاً فشيئاً إلى أن تنقطع الصلة نهائياً. ولتأكيد صحة هذا التصور يقولون إن بعض الكلمات ما تزال تحتفظ بهذه الصلة مثال كلمة (طرق الباب) صوت كلمة طرق يماثل صوت الطرق إلى الآن. كذلك (رض) يذكر بصوت الضرب المتواصل لتكسير العظم أو غير العظم.
وبعض العلماء ينفي هذه الصلة والبعض الثالث يقول: توجد في بعض الكلمات ككلمة طرق ورض. ولا توجد في معظم الكلمات. والبعض الرابع يقول: كانت توجد عندما كانت اللغة بالمرحلة البدائية كالطفل يقول: كاك للدجاج وهو للكلب وتوت للباخرة.. الخ
وبالدراسات العليا كان موضوع رسالتي للماجستير (الصورة الشعرية عند المعري) وللدكتوراه (جوهرة الفن وماهية الصورة). معذرة قارئي الكريم إذا اقتضى الحديث استخدام (الأنا) "عافي نفسي من قولت أنا" كما كان يقول السودانيون بجيل الآباء والأجداد وجيلنا إلى ما قبل الاستقلال لنبذ الأنانية. لماذا كان ولم يكن؟ هذا موضوع آخر له أسباب أخرى. وقد تعرضت في الرسالتين لأنماط الصورة الشعرية. منها نمط الصورة الصوتية موضوع هذا المقال. وهي المعروفة بأسماء الأصوات في اصطلاح النجاة.
لهذا وذاك أثار موضوع السبت (21/8) اهتمامي واستدعى عدة أفكار منها السابقة أعني الدراسة الجامعية. وقد فرغنا منها واللاحقة أعني الصور الصوتية التي لفتت نظر في الحياة اليومية. نذكر بعضاً منها للترويح المفيد على الصائم في نهار رمضان. وهي تماثل التعليم عن طريق اللعب في المناهج الدراسية. وإليك هي في أرقام:
(1) كانت الباخرة النيلية تسير من كريمة إلى كرمة. والقطار من كريمة إلى الخرطوم. نظم أحد الشعراء الموهوبين قصيدة سرد فيها المحطات من كرمة إلى الخرطوم شعراً. كان يحفظها محمد ود علي طه بُلُلَة. إلا أنها دخلت القبر معه بكل أسف كما دخل تاريخ أولاد شايق (الشايقية) وتراثهم مع عمدة منصوركتي وقنتي محمد ود أحمد شوق البديري القبر.
فقد كان مكتبة بل دائرة معارف متحركة. وقد عض الكابلي في مقال له قبل شهرين تقريباً أصابع الحسرة والندم لعدم تسجيله هذا التراث لاسيما شعر ود حسونة منه. يوم أن كان يعمل بالمحكمة الجزئية لمنطقة مروي بمروي. وما يجدي الندم والحسرة اليوم؟! إنه السودان المشغول بالقشور وفارغ السياسة عن اللب وجوهر السياسة. آمل تدارك ما بقي بالاستفادة من هذه التجربة. فهل من مجيب من أجل السودان الحبيب. ممثلاً في الأحفاد وتراث الأجداد؟!
لم يبق من معلقة محطات الباخرة وقطار كريمة بالذاكرة غير أبيات (الغدار محطة شدر) و(الغابة جميلة المنظر) (سلام يا دبة العسكر) (جينا مروي رصيفه حجر) (وقالوا كريمة فيها قطر) (تلغرافه يضرب كر) (قعد في البنمبر اتحكر) (شربنا الجبنة بالسكر) (قيهوة عافية تطفي الشر).
معاني الكلمات (الغدار) محطة شمال دنقلا العجوز مباشرة.. (شدر) شجر (الغابة) بعد الغدار بالغرب جنوباً (الدبة) المحطة الثالثة من الغابة كانت مركز ثم خفضت إلى نقطة. الآن أصبحت محلية.. (البمبر) مقعد صغير وهو كالأستول (stool) عند الإنجليز. (اتحكر) جلس متمكناً بجمع حكره. (تطفي الشر) كالدواء الناجع. الشاهد في صوت (كَرْ) في البيت (تلغرافه يضرب كَرْ) فهو صورة شعرية صوتية يسمعك صوت إرسال البرقيات كأنك أمامه. للعلم سبق نشر هذه الأبيات بالرائد في مقال من حلقتين لا أتذكر عنوانه. قبل 18 شهر من عمر الرائد المديد.
(2) ثاني الصور الصوتية (كِرِبْ كِرِبْ)
السودانيون في التركية السابقة (1821/1887م) والمهدية بعدها، ما كانوا يعرفون شراب الشاي كانوا يعرفون شراب القهوة (البن) لقرب السودان من الحبشة مصدر إنتاج البن الحبشي عالي الجودة كاليمن. وحتى هذه ما كان يعرف شرابها إلا عليه القوم فلما دخل الإنجليز أدخلوا من الهند أكبر مستعمرات والتاج البريطاني. وأكبر المنتجين للشاي في العالم. عند دخوله قال أحد الإنجليز للشايقية: البلد دخلها حرامي كبير.
يعني الشاي المستهلك بشرائه اليومي بالنقود. فما هو كالكسرة والقراصة المصنوعة من الإنتاج المحلي.
والشايقية أكثر الناس تعلقاً بشرب الشاي بالشمالية. إن لم يكونوا في السودان قاطبة. لذا قالوا قال الشايقي: إن كان سادة كفاني تسع. يعني شراب 9 كبايات من الشاي السادة الأحمر. وإن كان باللبن أسكت كِب (بكسر الكاف بلهجة الشايقية) من أخبارهم أصاب شايقي صداع حاد لانعدام السكر والشاي. ذهب إلى الدكتور فقال له علاجك الشاي لإدمانه لشربه. وبعد جهد جهيد عثروا على السكر والشاي فعمل الشاي وشرب الشاي. وتصبب عرقاً. ثم جف. وبعد جفافه ذهب الصداع. فقال وكان شاعراً شأن معظم الشايقية: (النصاري أولاد الكلب) (جابولنا جِناً ما ليه طب) (تسمع العدة كرب كرب) العدة هي عدة الشاي من كفتيرة وبراد، وكبايات، ومعلقة، وطبقية. الشاهد في صورة صوت العدة الشعرية (كرب كرب) عند إعداد الشاي.
(3) ثالث الصور الصوتية (عيك)
للبلاص أغنية يقول مؤلفها في أحد أبياتها (إن شافوك.. في بطني أبلعك عيك) كلمة عيك بياء مد طويلة كما في (ولا الضالين آمين) يكتبها البعض هكذا (عيييييك). المعنى إذا شاهدت الناس معي سأغيبك عن أنظارهم ببلعي لك في بطني. الشاهد في صوت (عيك) الذي أكد الاختفاء التام الذي لا رؤية ولا عثور على الشيء معه. والصور الصوتية عموماً تؤدي مهمة الصفات في الأسماء للفعل في النحو.
وكل عام والسودان يتجشأ من الشبع باع باع. آمين.
والله من وراء القصد[/COLOR]
المفضلات