إرث سياسي راسخ رغم أن السياسة في العالم كله من خصائصها الديناميكية المستمرة، فلا تستقر على حال، فتتبدل فيها المواقف والأدوار، دون الحفاظ على ما يسمى المبادئ، فمصطلح المبادئ، ليس موجوداً في أدبيات السياسة العالمية، فقط هي البرجماتية التي تحكم العلاقات الدولية، وتتحكم في صنع القرار، ومعظمها يتخذ منهجاً قوامه، إذا لم تجد عدواً فعليك أن تختلق عدواً، لتستمر منهجية السياسة النفعية، ولا يخفى على أحد أن هذا المنهج أثبت نجاعته في العديد من دول العالم، خاصة ما يطلق عليها دول العالم الأول..
حكمة قائد
يعد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أحد أهم القادة العالميين في صناعة السياسة، واستقلالية القرار وحريته، النابعة من قوة شخصيته "والكاريزما" التي منحها الله إياه، التي بدت واضحة جلية منذ توليه أميراً لمنطقة الرياض، وما أحدثه من تغيير وتطوير فيها، طوال فترة تجاوزت نصف قرن من العطاء، وصولاً لليوم الذي نحتفي فيه بذكرى البيعة العاشرة لتوليه مقاليد الحكم، ليصبح واحداً من كبار صناع المملكة وسياستها في عصرها الحاضر، بحكمته وقدرته على اتخاذ القرار الصعب في الوقت المناسب، والحزم في تنفيذه، والثقة في نتائجه، مؤمناً بقوة بلده ومقدراتها ومكانتها، داعماً لمسيرتها، وما حققه المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وإخوانه الملوك والأمراء.
فقد تأسست السياسة السعودية على أسس ومبادئ راسخة وثوابت جغرافية وتاريخية ودينية واقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية، حافظ على مقوماتها خادم الحرمين الشريفين، مضيفاً لها أبعاداً من القوة في اتخاذ القرار وسرعته المحسوبة، المستندة على ركائز وطنية، أهمها المكانة العالمية للمملكة، أولاً على الصعيد الديني، وثانياً قوتها الاقتصادية المتنامية المتسارعة، وثالثاً دبلوماسيتها المسموعة في المنظمات والمحافل العالمية وتأثيرها في صناعة القرار ات السياسية العالمية، رابعاً وحدة الوطن والشعب ومكوناته الثقافية والجيوسياسية، والطبوغرافية مترامية الأطراف، خامساً الثراء الحضاري والتقاليد القائمة على أسس العدالة والمساواة ووحدة الأواصر والمصير، المتخذة من الشريعة الإسلامية حكمتها وسماحتها ورصانة وعمق تفكيرها، تلك المقومات كانت الداعم الأكبر لمسيرة خادم الحرمين الشريفين السياسية في قيادة المملكة.. تلك العناصر الفاعلة والركائز التي تبنى عليها مصائر الأمم، لم يحِد عنها، فأنتجت تلك سياسة ثابتة ومستقرة، تعكس المصالح التي تدافع عنها المملكة، وتدفع بثقلها الإقليمي والعالمي لإنجاحها في جميع المحافل الدولية.. وكان خادم الحرمين شريكاً فاعلاً في المحافل الدولية.
السياسة الخارجية
تعتمد المملكة في سياستها الخارجية على دعم الاستقرار السياسي، والأمن الاقتصادي في المنطقة، وتظل حريصة على وجود علاقات متينة مع محيطها الإقليمي، واحتفاظها -في نفس الوقت- بعلاقاتها الوثيقة مع حلفائها على الصعيد الدولي، ولكن هناك العديد من المتغيرات جعلت المملكة تغير من دبلوماسيتها وأدواتها السياسية، مع التزامها بمقوماتها وحقوقها الأساسية التي لا تتهاون فيها على الإطلاق، وهذه المبادئ الراسخة اتخذها الملك سلمان درعاً يحمي مقدرات الدولة السعودية، ويحفظ لها مكانتها بين جميع القوى العالمية.
من ثوابت السياسة السعودية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورفضها القاطع لأي محاولات للتدخل في شؤونها الداخلية، مع حرصها على تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، ولعب دوراً فاعلاً في إطار المنظمات الدولية والإقليمية، وكذلك تطبيق سياسة متزنة ومتوازنة في إنتاج وتسويق النفط، نظرا لما تمثله الرياض كأحد أكبر المنتجين وصاحب أكبر احتياطي في العالم، وتاسع أكبر احتياطيات في الغاز الطبيعي، إلى جانب الثروات التعدينية المختلفة.
إن المراقب للمشهد السياسي السعودي يجده متطوراً باستمرار، بمقدار الأحداث العالمية وتداعياتها، وبمقدار تطور المجتمع واحتياجاته، ومن حيث المبادئ التي قامت عليها السياسة السعودية، فإنها تسير على مسار واضح وثابت باعتبارها تقوم على مؤسسات حقيقية، وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بقوله بُعد توليه مقاليد حكم البلاد: «سنظل متمسكين بالمنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها، ولن نحيد عنه».
ويمكن للمشاهد القريب من الأحداث والمطلع على أدوات الدبلوماسية السعودية سيجدها تعتمد على القوة الناعمة، ومن خلال هذا المبدأ استطاعت أن تفرض قوتها وقيمتها الإقليمية والعالمية، في الوقت الذي تنتهج دولاً أخرى العنف المفرط لتنفيذ أجندتها السياسية، وربما تستخدم المؤامرات والدسائس، والاختراقات الإعلامية والاستخباراتية، إلا أن المملكة تحافظ على مبادئها بسياسة رصينة متوازنة حيادية، تسمح لها أن تكون وسيطاً نزيهاً وموثوقاً من الأطراف المتنازعة مثلما حدث ويحدث بين روسيا وأوكرانيا، أو فرقاء السياسة في فلسطين ولبنان واليمن والسودان، بل تخطت ذلك للنزاعات الإفريقية، وكانت مساهماً في حل كثير من الإشكالات السياسية، كما دعمت علاقاتها بالشرق الأقصى بالصين وروسيا والهند واليابان، في الوقت الذي تحتفظ فيه بعلاقات قوية مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد قدمت المملكة نفسها كوسيط نزيه في حل الأزمات وتقريب وجهات النظر، فأوكرانيا وروسيا يتوجهان للرياض من أجل الوساطة بينهما، في القمة العربية بالرياض، فقد سمحت لروسيا أن ترسل رسالة مباشرة من الرئيس الروسي، شارحاً موقف بلاده ومطالبا الدول العربية بالحياد الإيجابي، وهذه أول مرة في تاريخ القمم العربية، تتجه الدول إليها من المساعدة في حل أزماتها، وهذه المكانة صنعتها السعودية لأمتها العربية انطلاقاً من إحساسها بدورها وبالتزامها تجاه اقليمها، وممارسة لدورها الريادي.
في الوقت الذي استجابت فيه لوساطة الصين لنزع فتيل الأزمة وتطبيع العلاقات مع دول الإقليم لعودة العلاقات مع إيران، وفتح صفحة جديدة مع تركيا، ودعم عودة سويا للجامعة العربية، ودعم الحق الفلسطيني بإقامة دول كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وعاصمتها القدس.
وتعمل على استثمار علاقاتها لدى الفرقاء في السودان، لحل النزاع أو على الأقل تقليل حدة التوتر، وعقدت من أجل هذا الأمر عدداً من اللقاءات منها منبر جدة، وطرح عدد من المبادرات أثمرت عن عدد من الهدن القصيرة، وفتح ممرات آمنة للمدنيين، وللمساعدات الإنسانية، وتشهد الآونة الأخيرة جهوداً مع شركاء إقليميين وعالميين لحل الأزمة السودانية في وقت عاجل، كما كان لخادم الحرمين دور بارز في عودة سوريا إلى الجامعة العربية عبر بوابة الرياض، رغم وجود معارضة دولية، إلا أنها غلّبت المصلحة العربية العامة والسعي لوحدة الصف العربي، ومساعدة سوريا على استعادة عافيتها، والمحافظة على عروبتها، ووحدة أراضيها، مما يساعد في تحسين حياة المواطنين السوريين الذين شردتهم الحروب والنزاعات السياسية.
وعن البعد الإنساني في السياسة الخارجية السعودية، فهناك العديد من المبادرات الإقليمية، لدعم اليمن والسودان وغزة، في نفس السياق وبإطار مختلف، تقد المملكة نفسها كرائد عالمي في عمليات فصل التوائم، والأوامر الملكية باستقبال الحالات من مختلف دول العالم، وكذلك دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لقادة مجموعة العشرين، بالاجتماع عن بعد من خلال قمة افتراضية لتقديم الحلول الطبية والمساعدات الإنسانية، وغيرها من الخدمات المالية والاقتصادية لتخفيف الأعباء عن الدول الأكثر حاجة والأقل نمواً إبان جائحة كورونا.
إن المملكة دائماً ما تُعلي قيمة الحوار المباشر، من خلال سياسة رصينة مع مختلف زعامات العالم، والتأكيد المستمر على إيمانها بمبدأ الحوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، انطلاقاً من مرتكزات سياسية ثابته لا تتوانى عن خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
خادم الحرمين الشريفين مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
من زيارة الملك سلمان لموسكو


---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2098619]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]