كان (حسن ) الكهل النشيط الذي تجاوز السبعين هو عقدة القرية و أزمتها الدائمة، فكل القرية تقريبا عدا رهط يسير كانت تناصبه العداء وتسعي للتخلص منه كما فعل قسم منها في ماض قريب حين اجبروه علي الرحيل من بقعته التي نشأ فيها بصلح جائر فرضوا فيه شروطهم عليه وخلصوا منه القديم والجديد فيه علي حد تعبيرهم حين حانت لهم الفرصة لما ضبط بتهمة اعتداء بدني ثابتة علي صبيان وجدهم في زرعه، فخيروه بين سجن وشيك أو رحيل قسري فاختار الاخير وخرج منكسرا قبل خمس وعشرين عاما ولم يعد،كان اهل القرية لديه هو كلهم أعداء، لاأحد يتذكر متي ولماذا بدأ ذلك ولكن الأمور ظلت هكذا وازدادت بعد واقعة الترحيل القسري،وظل حسن وزوجته وكلابه في جانب والقرية كلها في جانب آخر ، طرفا نقيض لايلتقيا أبدا، هو ينحدر من عائلةقديمة الجذور في المكان يتميز المنحدرون منها بالذكاء الوقاد ويشكون من العشي الليلي المتوارث ، لذلك لم يبق منهم كثير في القرية وتسربوا واحدا تلو الآخر عبر بوابة التعلم الي مدن بعيدة ومواقع جديدة وبقي (حسن) كما يقول حارسا للعقاب*_ أي البقية_ والرهاب في بلد تشكو التصحر ويشكو فيها من غلظة الجيران،كان (حسن العقاب*) رجلا غريب الاطوار ميالا للشجار اللفظي والشكوي والتقاضي في( الهينة والقاسية) علي حد تعبير الأهالي، فما يكاد أحدهم تطأ قدمه صدفة او عمدا ارض حسن الباقية وسطهم مثل مسمار جحا كما قال عنها أحد الساخرين، الا وكان نصيب ذلك الغاشي الماشي شكوي عاجلة تقوده الي قسم الشرطة ومن بعده المحكمة البعيدة في رحلات مكوكية ذهابا وأيابا مع حسن الذي يدمن التقاضي ومشاويره ومشاقه ولايكل ولايمل منه، بل يدبج القصائد العصماء في وصف رحلاته واخبار غزواته القضائية ولاتجدي معه جلسات الاجاويد وخطبهم الطويلة ولا معاهدات الصلح ولا تثنيه خسارة للقضية والويل للخصم في كل الاحوال :أن هو صالحه فقد فتح علي نفسه ابوابا جديدة وادعاءات لاتنتهي وقصائد تجعل منه مسخرة في البلدة، وان تعنت ناله تعب ونصب من رحلات لاتنتهي وقضايا كموج البحر كل موجة تعقبها اخري أقوي وأشد..كانت أمرأته هي شاهده الوحيد الدائم أذا لم يظفر بشاهد.وكانت لها هي الاخري جولات تقاضي مماثلة تستعين به فيها شاهدا ، خاصة في حوادث قذف الصبية لهما بالحجارة بتحريض اهلهم كما يزعمان أو تأثرا بهم وبمناصبتهم لهما العداء. والغريب ان زوجته لم تسلم منه فكان لها نصيب هي الاخري وحكي الناس قصة مثيرة مفادها أنها ضاقت ذرعا باهتمام حسن العقاب بكلبه(سليم) وبخاصة رحلتهما اليومية لاطعام الكلب الذي اجبر صاحبه علي ابقائه بعيدا في احدي جولاته القضائية مع الاهالي، ضاقت المرأة بالرحلة المنتظمة سيرا علي الاقدام، فعبرت عن تبرمها علنا وكلفت احد اقاربها ان يبلغ حسن رسالة واضحة:يا أنا... يا الكلب يا حسن.) وحين بلغ المرسال الرسالة اليه جاء الرد بلا تردد انه يختار الكلب!! فصار الاطفال يسيرونها في الحلة هاتفين :الكلب الكلب ولا أم قدوم.**). كانت للكلاب مع حسن العقاب حكايات تروي، فهو يطلق عليها اسماء حسب المناسبة التي تصادف التسمية وينادي الكلب باسمه كما ينادي الناس بعضهم بعضا،اطلق اسم (كولن باول) علي أحدهن حيث تزامنت التسمية مع أحداث العراق، لكن كولن باول لم يعمر طويلا وأختفي فجأة كما ظهر. وبرز من بعده (سليم) خليفة لكولن باول ولتسمية سليم قصة ، فقد حاول بعض خصوم حسن العقاب الإيعاز للشرطة بان الكلب مسعور حتي يتم التخلص منه بأعدامه ، ولكن رجال الشرطة خشوا من ردة فعل حسن فرفعوا الامر للقاضي الذي أمر بالتحقق من كون الكلب مسعورا أم لا فجاءت النتيجة بردا وسلاما علي حسن ومفادها انه سليم فجاء الاسم من هنا واكتفي القاضي بالزامه بربط الكلب والسيطرة عليه فقط.. وكانت الحادثة بالنسبة لحسن فتحا مبينا ونصرا كاسحا فعاد مزهوا ودبج قصيدة ساخرة ممن سعوا للتخلص من سليم. لكن فرحة حسن لم تدوم طويلا، فذات صباح جاء هو وزوجته لاطعام سليم فوجداه ممددا علي الارض بلا حراك متورم الوجه والحلق وعيناه جاحظتان جحوظ الموت،فصرخ حسن دون أن يعي بأعلي صوته: يا أولاد الكلب............................................. .......................
وهبت القرية الصامتة مسرعة نحو الرجل والكلب!!.
__________________
صلاح الدين سر الختم علي
دنقلا العجوز
27/ فبراير / 2011
*[size="5"]العقاب في العامية السودانية تعني البقية الباقية ولاتعني العقاب اي العقوبة والاختلاف يكون في نطق القاف فالاولي تنطق مفتوجة ووالاخيرة تميز بكسر العين والقاف.المقصود من اللقب ان حسن هو من تبقي من اهله.[
** القدوم هو الفم في العامية السودانية وتحديدا الفم الصغير الذي يشبه أداة تحمل اسم القدوم تستخدم في اعمال نجر الخشب.
/size]
المفضلات