الدائرة والمهد
قصة قصيرة
صلاح الدين سر الختم علي
تنفتح الذاكرة ليلا عليها دائما بإصرار، تزورني في منامي بإلحاح مطرقة تعمل علي تطويع الحديد، تتحين الليالي المقمرة حين يصفو الذهن وتكثر المسرات فتبدو حصة إضافية لمسرات اليقظة تجعل من النوم مسرة يتمني صاحبها أن تدوم إلي الأبد.لكن لعل كل مسرة تعقبها حسرة، فسرعان ما أفيق وذاكرتي بيضاء كشجرة حراز خاوية من الاوراق في موسم قحطها، تمسي الذاكرة في اليقظة خالية من كل التفاصيل والصور التي تزحم شاشتي ليلا، حتي أنني فكرت ذات مرة في استعارة رادار شرطة المرور لضبط مرورها بذاكرتي واعتقال التفاصيل الهاربة التي لايبقي منها سوي تلك الرائحةوذلك الشعور، فالشئ الوحيد الذي كنت قادرا علي تذكره حين افيق هو أنني كنت سعيدا ومطمئنا طوال وجودها بقربي حتي أكاد أشم رائحة سعادتي وتلاحقني في اليقظة متذكرا أنها لم تقل شئيا أبدا،ولكنها كانت تتدفق أمام ناظرى كنهر نشوان من أقصي الغابة يندلق، كنت أعرف بطريقة ما أنها امرأة اعرفها وأعرف من تكون ولكن ملامحها تتوزع وتختلط عمدا وعنوة بوجوه كثيرة وملامح عديدة حتي لا أعود أعرف من هى، اعرف فقط أنها تريد قول شئ ولكنها تفضل الا تقول أو لاتستطيع ذلك، وأعرف أننى أتوق لتبين هويتها ولا أستطيع فك شيفرتها، وما بين رغبتها في البوح وصمتها وما بين فضولي وغموضها تتلاشي هي وتمسي دائرة صغيرة خلفها سقوط حجر في بحيرة، ورأيت فيما رأيت رجالا يرتدون ثيابا بيضاء يقبلون عليها رويدا رويدا في شكل دائرة تضيق شيئا فشيئا وهي تبتسم في رضا،فصرخت دون تبصر: الحياة بدونك مستحيلة فلم ترحلين؟!
لم يبد عليها انها تسمعني وأبتسمت حتي بانت نواجذها كهلال صغير حط فوق ثغرها وبدت كشئ مستحيل وعسير علي الوصف،قلت بلا وعي ولامعني: بوحى.. بوحى سيدتى فقد تشفي جروحى)
لم يجبنى سوى الصمت، أتسعت عيناهاوأخذ حاجباها شكل الهلال فاكتملت الدائرة ما بين عينيها وأسنانها وبات وجهها دائرة صغيرة والعينان دائرتان صغيرتان داخل الدائرة الكبري، باتت السماء الرحيبة دائرة أكبر تحتويها برقة كأنها تود أن تضمها بأغماض جفنيها عليها، وجدتني أركض وأهوي في دوامة لاقرار لها تجذبنى الى أسفل بينما دائرتى تصعد نحو السماء كبالون أطلقه طفل، وفجأة أمست الهوة من تحتى مهدا مصنوعا من الازهار وجريد نخل أخضر، وجدتني طفلا عاريا راقدا علي ظهره فوق المهد الذي يمشى الهوينا فوق سطح الماء وعينا الطفل شاخصتان نحو السماء... المهد يمشى والسماء تفتح ذراعيها والدائرة تتسع وترقي نحو السماء والمهد يمشى والطفل عيناه شاخصتان نحو السماء.... وحين كاد رمشا السماء أن ينطبقا نبتت للمهد أجنحة وحلق إلي الأعلي...... وغامت الأشياء................
صلاح الدين سر الختم علي
21/ فبراير/2011
21/ فبراير /2011
المفضلات