النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: صفحة من دفتر الاحزان والاحلام(سيرة ذاتية)

     
  1. #1
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    صفحة من دفتر الاحزان والاحلام(سيرة ذاتية)

    نقوش بالدم في ذاكرة صغيرة
    كنت صغيرا... صغيرا وممتلئا بآمال كبيرة... خرجت من بيت صغير في حي عمالي صغيرفي مدني ولكن احلامي كانت بحجم الكرة الارضية وبحجم تأثير القصيدة السحري في القارئ ...كانت ثمة شجرة قرض كبيرة تتوسط بيتنا الصغيرفي 114 ، كانت اجمل الامكنة في الدار ففيها مرجيحة اطفال الفقراء المصنوعة من حبل من التيل وفيها كانت كعاكيل الصمغ التي يشكل انتزاعها من الشجرة متعة لاتجاريها متعة.. كنت اركض مسرعا من المدرسة القريبة لكي اركض صوب شجرتي الاثيرة... ذات الشجرة كان الخروف يعلق فيها للسلخ بعد ذبحه وكنت انفر من ذلك المشهد واختلق الاعذار لكي اغيب مثلما كنت اهرب من لحظة الذبح ومرأي الدماء الراعفة... واتذكر تلك الحالة من الكآبة التي سيطرت علي بعد أول مشاهدة حية لخروفي الجميل ساعة ذبحه... كانت مفاجأة قاسية... كنت قد احببته وتفانيت في خدمته وسقياه وطربت لصوته الذي بدا لي فيما بعد كالاستغاثة... كنت اظنه سيدوم الي الابد معنا وان علاقتي مع وبره الجميل ستدوم طويلا...ولكن حين حانت تلك اللحظة وانفجر الدم كنافورة وجحظت العيون الجميلة وجدتني اركض بعيدا ابعد مدي استطاعت قدماي حملي اليه..لم انم وعافت نفسي اللحم تماما...واختلست النظر الي أبي مرارا متسائلا في سري من اين أتي أبي الشفوق بهذه القدرةالغريبة علي الايذاء ولماذا؟
    حين هجعت الي مرقدي لم انم... كانت عيون الخروف الحزينة في جحوظها الاخير تملأ الفضاء وتخنقني كحبل تيل معلق في شجرتنا صباح العيد في ذات مكان المرجيحةوصوته اصبح عبارة عن صراخ طفل صغير هو أنا ونافورة الدم كانت تتدفق من رقبتي أنا ووجه أبي شاحبا مرتاعاوالسكين تقطر دما وهي تضحك.... صرخت بأعلي صوتي وافقت علي يد امي وهي تمسح علي جبهتي بحنان ومحبة وهي تتمتم بآيات القرآن وتستعيذ بالله بصوت خفيض من الشيطان... قلت لها بلاتفكير:لماذا يذبحونه؟!قالت بارتياع: بسم الله الرحمن الرحيم.. منو هو؟
    قلت لها بصوت خفيض: الخروف!
    ضحكت حتي بانت سنها الذهبية الوحيدة
    وضمتني اليها وهي تمسح علي شعري وهي تقول
    غدا تفهم.. نم ياصغيري... لكنني لم أنم أبدا.
    صلاح الدين سر الختم علي
    نوفمبر 2010


    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-01-2011 الساعة 01:16 AM
  2.  
  3. #2
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    عصام... شرفة مطلة علي البحر (1) (2)

    (1)

    الجزء الاول:الخوف قاسم مشترك
    كان صديقي وكان نافذتي الي عوالم كثيرة جديدة لم تتحها لي الحياة قبل معرفته.. كان عالمي محدودا فانفتح معه علي فضاء فسيح...انتقلت معه من قراءة ميكي والشياطين ال 13 والمغامرين الخمسة الي عوالم اخري...قصائد من نار وسير ثوار ومناشير سرية وقصص مثيرة عن ابطال اليسار وحكايات عن المختفين تحت الارض الغامضين تحاكي في الكثرة كرامات الاولياء الصالحين.. وفي الغموض غموض اللص الظريف ارسين لوبين الذي احتل صدارة صبانا....كان صديقي ينتمي الي اسرة متعلقة باحلام اليسار وكان البيت يضج بكتب الشعر والفلسفة والتاريخ وبالحوار والاغاني والاخبار وكان كالمزار..كنا صغارا في مدينة تتنفس شعرا وتتحرق شوقا الي منشور او مظاهرة.. وكنت خائفا وانا اقترب من حقل الالغام...ففي قاع ذاكرتي كانت صورة ذاك الرجل الاحمر الذي قاسمنا دارا ذات يوم في طفولة باكرة تلتمع، كان دنقلاويا يعمل بالسكة حديد معقل اليسار في ذاك الزمان.. طيبا وبشوشا ضاحكا يتحدث العربية بلكنة من يرفض شئيا هو مكره عليه اما امرأته فكانت تتحدث اغلب وقتها برطانة اهلها.. كان لون الجدار احمرا والستائر حمراء والنوافذ والشبابيك والترابيز جميعها مطلية بالاحمر..وكنت صغيرا جدا في اول سنة دراسة في حياتي حين طوق الجنود تلك الدار التي كنا نسكن نصفها في احداث يوليو 1971 للقبض علي حسن ساتي .كنت مرعوبا وانا انظر الي الجنود الذين تبين احذيتهم وبعض ملامح شراستهم وبنادقهم من خلال ذلك الجزء المتهدم من سور البيت والذي كان مغطي بصورة مؤقتة بالزنك القديم الذي يعلوه صدأ وبه فتحات هنا وهناك..جاءت القوة الكبيرة بالباب ورابطت مجموعة هنا عند فتحة السور خوفا من هروب حسن...كنت خائفا وانا انظر اليهم.. ركضت الي حيث الباب حتي لايفوتني شئ ...خرج الرجل الهادئ الطويل القامة بذات ملامح وجهه الباسمة كالذاهب الي ليلة عرس وسط مجموعة من الجند وكانت هناك مجموعة اخري لاتزال بالداخل تنقب عن شئ ما... انفتح الباب وكان الشارع مكتظا بالجيران والفضوليين الذين جلبهم منظر الجند... خلف ظهر الرجل والجنود كانت زوجته تصرخ بعربيةمكسرة في وجه المتفرجين: (تعايني مالكن؟ما راجل...مالا.. لاكتلت لاسرقت....)... كانت تقصد ان زوجها لم يرتكب جرما تخجل منه ولكن تأنيثها للمذكر كعادة النوبيين حديثي القدوم الي المدينة جعلت فهم المعني عسيرا علي من لم يعتاد علي ذلك، انطلقت العربة والرجل نقطة صغيرةوسط غابة من الجند لكنه وابتسامته كانا الاكبر والأكثر حضورا في ذاكرة تتوهج كلما بعدت الشقة بينها وبين تلك اللحظة.وبقيت المرأةتصرخ في المتفرجين بعربية مكسرة كمن يهش ذبابة ملحاحة. كنت اقترب من صديقي ووكره اليساري وذاكرتي تختزن تلك الصورة الغامضة المشوشة التي تحمل في ثناياها اكثر من اشارةوهاجس ولكن الفضول البشري والدفء الانساني الحميم الذي يبعثه صديقي في نفسي كانا اكبر من المخاوف الكامنة هناك في ذاكرة حائرة في تفسير مشهد وحيد مقتطع من مشاهد اخري لم أرها...
    كنت مفتونا بكرة القدم والسينما الهندية والعربيةوالقراءةلما يعجب مراهق في الثانوية العامة آنذاك :الالغاز وقصص اجاثا كريستي وارسين لوبين المتخصصة في الجريمة الغامضة وميكي وسميروالمغامرين الخمسةوال13 وغيرهم وكتابات جرجي زيدان والمكتبة الخضراء واليس وبلد عجائبها وقصص الاقزام والعمالقة وقصص الانبياءوغيرها وبدايات خجولة مع الانجليزية وقصصها الملونة الانيقة في البرتش كانسل في مدني وكانت اول علاقتي مع القصةوالشعر جدتي وحكاياتها الآسرة المغناة بصوت عذب عن فاطمة السمحة والغول وحكايات البنات الفقيرات والاميرات والسلاطين... ولعل ذلك السرد الرابط بين الغني والفقر وصراع الحطاب والاميرة والبحث عن الكنوز المخبؤة وصراعات الخير والشركان تهئية لاحلام كثيرة فيما بعد وقعت في حبائلها وطاردت فراشها الحائر اينما حط ورحل...حتي انني ايام فتنتي الكبري بالاسقاط كدت اكتب عن جدتي المدركة لصراع الطبقات وحسنا فعلت بعدم الكتابة ففضاء جدتي الفسيح اكبر من كل الاختزالات والعناوين والاحكام المسبقة فهي عصفور طليق تقتله زنازن التصنيفات المسبقة وهرطقة المثقفين الباحثين لكل ظل عن شجرة ينتمي اليها ولو كان ظلالجناح نسر طائر اختطف جيفة وهرب ...وهانذا بعد ان دخلت راضيا اقفاصا عديدة اعود واحاول التحليق مثلها من جديد حرا طليقا مكتويا بنيران عديدة ومثقلا باحزان كثيرة وخيبات بعدد الظلال التي بحثت لها عن اشجار واتخذت منها دليلا فانكر الظل الشجر وشنق الشجر نفسه حين ادرك الي اي ظل يساق وينسب، فوقفت بين الظل المتلون والشجر الواجم حائرا والمرارة في فمي ودمي!!!
    صلاح الدين سرالختم علي
    نوفمبر2010

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 13-11-2010 الساعة 06:21 AM
  4.  
  5. #3
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    الاخ صلاح
    كل عام وانت بخير
    لقد اهجت فينا ذكريات كانت دفينه
    نفضت عنها الغبار وارجعتنا سنين الى الوراء
    فكم كانت مدنى جميله
    وكم كانت حياتنا بسيطه
    وحلوه وشقيه
    لك التحيه

    التعديل الأخير تم بواسطة mahagoub ; 27-11-2010 الساعة 09:19 PM
  6.  
  7. #4
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahagoub مشاهدة المشاركة
    الاخ صلاح
    كل عام وانت بخير
    لقت اهجت فينا ذكريات كانت دفينه
    نفضت عنها الغبار وارجعتنا سنين الى الوراء
    فكم كانت مدنى جميله
    وكم كانت حياتنا بسيطه
    وحلوه وشقيه
    لك التحيه
    اخي محجوب
    هي ذاكرة تتوهج محبة كلما اضاءتها ذكريات مدينتي الاثيرة

  8.  
  9. #5
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الصفحة الثالثة
    دخلت الي عالم صديقي حاملا شكي وخوفي وانطباعاتي وآ ثار ظنون اخرين وافكارهم المسبقة عن الاخرين، لكنني وجدت نفسي
    امام دنيا عادية .. مختلفة ولكنها عادية جدا...كان صديقي بحسب وظيفة والده ينتمي الي طبقة مختلفة عن طبقة العمال التي ينتمي لها ابي،كنا نسكن حيا عماليا صرفا يتشابه اهله في كل شئ...حتي ملاءات الاسرة ونوع حلوي العيد وقطع القماش التي تصنع منها الفساتين للبنات في العيدجميعها واحدة لكون مصدرها واحد هو دكان تعاون حي 114 للعاملين بوزارة الري ومؤسساتها...في اغلب الاحيان تكون وجبة الافطار في كل البيوت هي نفسها ...وكان الحي ينقسم رياضيا الي فريقين(الوحدة والنجمة) في زمن وفي زمن اخر وهو زماننا (المشعل والمجد)كنت العب في فريق المجد واخي الاكبر احمد الشهير باحمد حربة كابتن فريق المشعل .. وكانت الرياضة محبوبة الكباروالصغار في حينا فكنت تراهم عصرا في ميدان الوحدة الواقع بين مدرسة شدو العامةومدرسة النيل الازرق الثانوية العليا التي صارت فيما بعد السني الثانويةواستولت بمسماها الجديد علي الميدان الحبيب لاهل الكمبو الذين كانوا يحضرون بكراسيهم للمشاهدة...
    وكان صديقي يسكن حي الدرجة وهو حي يقطنه كبار التجار والموظفين...كنا عالمين مختلفين...ولكن دائما هناك ثمة اشياء تقرب المسافات بين الغرباء....وكان الشعر والادب هما قنطرة عبور الرياضي العاشق للسينما الهندية الي عالم جديد
    سيضطر فيه الي انكار ذلك العشق وممارسته سرا مع الشلة القديمة التي لاتعرف من الدنيا سوي كرة القدم والضمنةوالافلام الهندية والصعوط..

  10.  
  11. #6
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    الصفحة الرابعة
    كان الشعر في ذلك الزمان بندقية مغموسة في اللهب... وكان دعوة جرئية للثورة والتمرد علي الواقع والقيود.. وكان يعج بسير الابطال والحالمين ... كانت القصيدة مظاهرة كاملة العدد...
    ومع عصام وعبر شرفته قرأت لاول مرة وعود العاصفة التي اطلقها محمود درويش وانفعلت بها:
    و ليكن ..
    لا بدّ لي أن أرفض الموت
    و أن أحرق دمع الأغنيات الراعفه
    و أعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
    فإذا كنت أغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    فلأنّ العاصفة
    وعدتني بنبيذ.. و بأنخاب جديده
    و بأقواس قزح
    و لأن العاصفة
    كنست صوت العصافير البليده
    و الغصون المستعارة
    عن جذوع الشجرات الواقفه.
    و ليكن..
    لا بدّ لي أن أتباهى، بك، يا جرح المدينة
    أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
    يعبس الشارع في وجهي
    فتحميني من الظل و نظرات الضغينة
    سأغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    منذ هبت، في بلادي، العاصفة
    وعدتني بنبيذ،وبأقواس قزح

    وفي بيت عصام سمعت اسم مارسيل خليفة للمرة الاولي وصوته القوي ينبعث من جهاز التسجيل مرددا هذا النشيد
    وذلك النشيد الاخر الرائع الفريد:
    أحنّ إلى خبز أمي
    و قهوة أمي
    و لمسة أمي
    و تكبر في الطفولة
    يوما على صدر يوم
    و أعشق عمري لأني
    إذا متّ،
    أخجل من دمع أمي!
    خذيني ،إذا عدت يوما
    وشاحا لهدبك
    و غطّي عظامي بعشب
    تعمّد من طهر كعبك
    و شدّي وثاقي..
    بخصلة شعر
    بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
    عساي أصير إلها
    إلها أصير..
    إذا ما لمست قرارة قلبك!
    ضعيني، إذا ما رجعت
    وقودا بتنور نارك..
    وحبل غسيل على سطح دارك
    لأني فقدت الوقوف
    بدون صلاة نهارك
    هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
    حتى أشارك
    صغار العصافير
    درب الرجوع..
    لعشّ انتظارك!

    وازدادت الصورة روعة ونحن نشاهد مارسيل بشحمه ولحمه وهو يغني من خلال جهاز الفيديو الساحر وظللت اقطع المسافة من بيتهم الي بيتنا مرددا تلك الاناشيد وصورة مارسيل تملأ الفضاء امامي ثم سمعت شعر محجوب شريف
    بايقاعاته السودانية الخالصة واحزانه الكثيرة وتحديه الظاهر وشوقه الي مريم محمود امه التي كتب عليها ان تدفع كام ثمن خيارات الابن المحبوب المحب الذي يتمزق بين نداءات الطريق الذي اختاره وبره لامه ....كنت منجذبا الي تلك العوالم كصوفي في حلقة ذكر ليلة المولد ... سعيدا وراضيا ومستسلما لمصيري.

  12.  
  13. #7
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اظن ان افتتاني بالقصة بدأ هنالك مع عصام وعوالمه الجديدة فكل شئ كان حكاية مثيرة الفصول لها بداية صاخبة وذروة وسنام وبينهما خيول تصهل بلا انقطاع... محجوب شريف كان حكاية .. رجل غامض يكتب شعرا لامثيل له شعرا يختلط فيه دم الشهيد بالثورة والاحلام بالمشانق والحزب والشعب والام والحبيبةوالحبيبة والوطن والغضب والحب والوعيد والوعد والبندقية والسنابل...
    استمعت بكل دهشة شاب لم يبلغ العشرين الي منشور المحبة الرائع يا والدة يامريم وبقيت بداخلي غصنا لايموت ولايشحب ونهرا خالدا يتدفق من اعماق بعيدة:
    يا والدة يا مريم ... يا عامرة حنية
    أنا عندي زيك كم ... يا طيبة النية
    بشتاق وما بندم ... اتصبري شوية

    يا والدة يا مريم

    ما ني الوليد العاق ... لا خنتّ لا سراق
    والعسكري الفراق ... بين قلبك الساساق
    وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم

    يا والدة يا مريم

    عارف حنانك ليّ راجيك تلوليني
    دايماً تقيليني وفى العين تشيليني
    ألقاه عز الليل قلبك يدفيني
    ضلك عليَّ مشرور قيلت فى سنيني
    أنا لو تعرفيني لو تعرفي الفيني
    أنا كم بحبك كم
    والعسكري الفراق بين قلبك الساساق
    وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم
    يا والدة يا مريم

    طول النهار والليل فى عيني شايلك شيل
    لكني شادّي الحيل لا خوف عليَّ لا هم
    هاك قلبي ليك منديل الدمعة لما تسيل
    قشيها يا مريم
    والعسكري الفراق بين قلبك الساساق
    وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم
    يا والدة يا مريم

    كنت اتصور محجوب شريف بملامح سودانية مميزة داخل القضبان يسهر الليل مخاطبا امه بكل تلك اللوعة معتذرا عن غيابه الاجباري عنها ومعتذرا عما يسببه لها من لوعة والم
    ويخبرها بكل الحب كم هي غالية دموعها عليه ويطلب منها ان تصبر كأنه الطليق وهي السجينة وكنت اتصور امه بشلوخ عريضة وبنية نحيلة ودموع لاتجف... كنت اقرأ القصيدة فتتوجع بين اناملي واجدني غاضبا ومتحفزا وباحثا بنهم عن كل اشعار محجوب شريف
    وكانت والدة عصام حافظة للكثير من تلك الاشعار خاصة الاشعار التي تتحدث عن احداث يوليو 1971 وكان ثمة حكايات اخري عديدة تنداح من بين الاشعار وثمة وجوه وأحزان واسئلةلاتنتهي وفضول يدفعني من السؤال الي السؤال ومن الكتاب الي الكتاب والقصيدة الي القصيدة كان نهرا من اقصي الغابة يندلق وكنت اندفع مع امواجه اينما ذهبت...وحين نعي الناعي مريم محمود ذات يوم كنت ابكي مع الشاعر وانوح:

    مجنون الحزن المسجون
    بارود الحزن المسنون
    جواي أنا شافع محزون
    عن أمو بيفتش فتيش ..
    فتش فتيش هبش هبيش
    دقش دقيش يصرخ يا ناس
    مريم محمود راحت شقيش ؟!
    في زنك اللحمة وفي الزحمة
    مريم محمود راحت شقيش ؟!!
    في منحنيات الأسواق
    مريم محمود راحت شقيش ؟!!
    وأنا أأه يا مريم محمود
    آاااااااااه يا مريم محمود
    يا ذات الضل الممدود
    يا ذات القلب الساساق
    حتلت جواي الأشواق
    حتلت جواكي الأشواك
    وأنا كنت الولد المحبوب
    لا هجرا ليك ولا عاق ..
    حبيتك زي ما حبيت
    الوطن الوارف والبيت
    منك خطفوني تماسيح
    كم مرة وخلو تباريح
    كم جيتك راجع مسحور
    بذاك الوجه المفرور
    البيني وبينك عصفور
    على قلبو منشن صياد!

    ظلموك يا مريم ظلموك حرموك يا مريم حرموك ..
    خلوكي الدمعة تفصد خدك في الأعياد
    والشوق في الشوف على حد السيف
    إتعلمتي الشك في الغربة وكنتي ملاذ الشتاء والصيف
    سرقو أمانك وإطمئنانك
    قلبك كل ما باب الشارع دق يدق
    إيدك ترجف في الصقاطة ووشك شاحب :
    ربنا يستر أمكن هم !!

    تفرحي فرحاً قدر الدنيا
    إذا ما كان الطارق صاحب
    حالاً نارك بالهبابة لهيبا يبق

    بكيت مريم محمود بدموع حقيقية وانا اري عذابها يرتسم بادق تفاصيله بكلمات القصيدة ، بكيتها وانا اراها بالخيال باكية طول عمرها كالخنساء حتي ذهاب البصر
    وسمعت محجوب شريف يبكي وينوح عند قبرها:
    حتلت جواكي الأشواك
    وأنا كنت الولد المحبوب
    لا هجرا ليك ولا عاق ..
    حبيتك زي ما حبيت
    الوطن الوارف والبيت

    ورأيته ينتصب واقفا عند حافة القبر
    وهو يمسح دموعه ويخاطب محبوبة وطنا:
    مشتاق ليك كتير والله

    وللجيران وللحلة

    كمان قطر النضال ولىَّ

    وغالي عليَّ أدلىّ

    محطة محطة بتذكر عيونك ونحن فى المنفى

    بتذكر مناديلك خيوطها الحمرا ما صدفة

    بتذكر سؤالك ليَّ متين جرح البلد يشفى

    متين تضحك سما الخرطوم حبيبتنا ومتين تصفى

    سؤالك كان بيعذبنا ويقربنا ويزيد ما بينا من الفة

    ويزيدني حماس

    وكم فى قلبي دق نحاس

    وطار من عيني باقي نعاس

    ونحن اتنين بنتقاسم هموم الناس

    أعاهدك يا أعز الناس

    أسامحك لو نسيتيني وأهنتيني وبكيتي عليَّ

    لو فى يوم رميت سيفي ورفعت ايديَّ

    وخنت الثورة جيت والذلة فى عينيَّ

    حرام عيونك يناغموني ويرحبو بىَّ

    حرام ايديك ينومن تاني فى ايديَّ

    بس لكن يا ويلي يا ويلي

    أقبل وين وأقول يا منو

    لمن أخون صباح العين وأخون جيلي

    أعاهدك يا قمر ليلي

    وحاة أمنا الخرطوم

    أشيل شيلي وأموت واقف على حيلي

    وأقول ليك يا أعز الناس

    على الوعد القديم جايين

    ما بين الثورة والسكين

    ثوريين حتى الموت ثوريين

    وأقول ليك يا صباح العين

    بنادق وين بتمنعنا العديل والزين

    قنابل وين بنادق وين


    كانت تلك قصيدة بندقية مصوبة نحو صدور الاعداء والطغاة وشكلت وعينا المبكر.

  14.  
  15. #8
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    كانت مدرسة فريني الثانوية العامة محطة مهمة في حياتي... كان الطلاب في مدينتنا في ذلك الزمان عندما يقفون عند اعتاب الثانوي العام يحلمون دائما بمدارس بعينها كان لها صيت ومكانة متميزة وتأتي المدرسة الاميرية الواقعة علي شاطئ النهر في مدني قبالة جامع الحكومة علي رأس قائمة الاحلام وتأتي بعدها مدرسة الأهلية بقسميها أ وب في المرتبة الثانية وهن جميعهن مدارس حكومية وتأتي بعد ذلك بقية المدارس الحكومية والمدارس الخاصة في آخر الترتيب،لم يؤهلني مجموعي المتوسط لدخول الاميرية التي كانت محط الانظار وكان نصيبي مدرسة فريني العامة الحكومية التي كانت تتميز بالقرب الجغرافي لموقع سكن الاسرة فالمدرسة في المزاد وسكن الاسرة 114 .كان الزي المدرسي الجديد بلونه الكاكي قميصا ورداءا حدثا مهما يفتخر به كل من ودع اللون الازرق الذي كان زي الابتدائي آنذاك. واتذكر الرحلة مع ابي الي الاكشاك الواقعة بقرب حديقة سليمان وقيع الله حيث تباع مستلزمات مدرسية من أحذية وشنط وأقمشة وذهبنا الي دكان عبد الواحد الذي اعرفه منذ كنت طفلا حيث قاسمنا لفترة السكني في منزل بحي البيان يملكه باشا جد لاعب الكرة الشهير حموري، وكان أبي حريصا علي الشراء منه دائما بحكم العلاقة القديمة التي لم يقطعها انتقالنا الي منزل حكومي بحي 114، دلفنا الي دكان عبد الواحد المزدحم
    حيث اشتري لي كبكا جميلا من صناعة لاركو وشنطة مدرسيةصناعة محلية تصنع من مشمع يشبه المشمع الذي يستخدم كغطاء للترابيز ولها سستة من اعلي وسستة اخري تسخدم كجيب للشنطة واتذكر لونها الرمادي وكانت نفسي تنازعني للون آخر لكنني لم أنبس بنت شفة.ذهبنا بعد ذلك للترزي لاخذ المقاسات
    وكنت مزهوا وهو يقوم بأخذ القياسات وأراقب طريقته الغريبة في الكتابة للمقاسات علي القماش نفسه. ثم ذهبنا الي مكتبة مضوي ولم تكن تلك زيارتي الاولي لها لكنها الاولي بعد انتقالي الى الثانوية العامة وكانت تلك أول مرة امتلك فيها قلم حبر ومحبرة وأودع قلم الرصاص الى الأبد وابتاع لي ابي علبة الوان وعلبة هندسة جميلة الشكل مرسومة عليها خريطة العالم. وكالعادة صحبتنا الكراسات ومعها الجلاد بلونه المميز. كان اليوم الاول في فريني يوما لاينسي فقد كان اول يوم تقع فيه عيني علي شخصية رافقتنا في سني دراستنا الثلاث بمدرسة فريني وكانت محورا لاحداث عديدة.. تلك هي شخصية (ابو قبورة ) ذلك الرجل الطويل ضخم الجثة أخضر اللون والذي يعمل فراشا بالمدرسة ولم نعرف له أسما خلاف لقبه الذي اطلقه عليه التلامذة، كان الرجل هو الأسرع استجابة في قطع سيطان من الاشجار التي تملأ باحة المدرسة لمعاقبة المهرجلين بها سواء داخل الفصول او في طابور الصباح اليومي وكان يتلذذ بمراقبة عملية الجلد وتغيظ من تقع عليه العقوبة ابتسامة شماتته أكثر من العقوبة نفسها، وكان بعض التلامذة الاشرار ينتظرون الفرصة لكي يصيحوا فيه من مكمن لايتبين منه هويتهم بانه ان لم يكف عن قطع السيطان فسوف تطالهيا اب قبورة احسن ليك... يا اب قبورة
    سوطك برجع ليك....) ثم يولوا هاربين قبل ان يتبينهم فيشكوهم ويرتد الوعيد اليهم.

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 02-01-2011 الساعة 02:10 AM
  16.  
  17. #9
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    مدرسة فريني كانت دنيا باكملها، يجتمع فيها طلاب ينتمون سكنا الي احياء المزاد والحلة الجديدة وشندي فوق والابحاث و114 والدرجة الاولي والثانية والسكة حديد وبيوت الادارة المركزية للكهرباء والمياه، ومن النادر جدا وجود طالب من خارج هذه الاحياء التي تشكل مايعرف بمدني جنوب، ونفس هذا التجمع السكاني كانت روابط الناشئين تقسم علي اساسه فكانت الرابطة الجنوبية تتكون من فرق ناشئ احياء المزاد والحلة الجديدة و114 والادارة بينما تتكون رابطة الدرجة من الدرجة الاولي والثانية والسكة حديد وهناك رابطة ثالثة كانت تضم فرق الابحاث وشندي فوق.لذلك كانت فريني تجمعا لمواهب متعددة من الصعب اجتماعها في مكان واحد، اجتمع اولاد تجار المدينة الاثرياء ممثلين في حي الدرجةالاولي والثانية(واكتشفنا فيما بعد ان الدرجة لم تكن حيا خالصا للاثرياء كما كنا نظن) ولكن يمكن القول ان الاثرياء كانوا يقيمون فيه بكثرة وكانت علامات ثراءهم تظهر في حضور اولادهم المدرسة بالعجلات الرالي والفونيكس الجديدة وتظهر في مواسم الحج حين يستعرض اولادهم هدايا الحج في المدرسة.أما بقية الاحياء فهي احياء الكادحين وجميعها احياء شعبية بحتة.لم تكن الفوارق تشكل مشكلة ابدا فالجميع يرتدون زيا واحدا ويعاملون معاملة واحدة ويتكتلون علي اساس الفصول والاهتمامات المشتركةوليس علي اسس جغرافية او طبقية، كان حوش المدرسة فسيحا يتوسط المباني ، كانت المدرسة مسورة بالكتر والسلك الشائك وهي مقابلة لمدرسة المزاد الابتدائيةالتي تقع شمالها وملاصقة لمدرسة الهوارة الثانوية العامة التي تقع غربها وهي ملاصقة لمدرسة الامير الثانوية العليا التي تقع جنوبها مباشرةوالاخيرة ملاصقة لمدرسة الهوارة الثانوية العليا صاحبة الصيت الكروي في الدورات المدرسية والتي قدمت سامي عزالدين والطاهر هواري وغيرهم من النجوم.كانت مدرسة فريني مبنية في شكل حرفي e متقابلين.
    وعندما تدخل من البوابة الرئيسية يكون مكتب الناظر علي يمينك يفتح شرقا ويقابله مكتب الوكيل يفتح عليه وبينهما ردهة صغيرة بمجرد ان تنتهي يكون علي يمناك فصول وعلي يسراك فصول تفتح جميعها جنوبا وتسمي هذه الفصول الثلاث أولي شمال وثانية شمال وثالثة شمال وامامها مباشرة ميدانين مفصولين بممشي تصطف فيه اشجار خضراء ذات زهور وردية كبيرةعلي اليمين واليسار وفي نهاية الممشي يوجد قسم جنوب المقابل لقسم شمال والذي يفتح شمالا ويحمل تسمية اولي جنوب وثانية جنوب وثالثة جنوب ويتوسطه مكتبان كبيران للمعلمين بذات الوضع الخاص بالمدير والوكيل.وكان بالمدرسة مبنيان اخران مهمان الاول في القسم الشمالي في الجزء الغربي وهو فصل كبير يعرف بفصل اتحاد المعلمين وهو لطلاب قبول خاص بالرسوم. والثاني في القسم الجنوبي مقابل لفصل اتحاد المعلمين وكان يسمي المعمل وهو مخصص للتجارب العلمية وفي وقت ما اصبح مكتظا بالالعاب التي جلبها الاستاذ سيف المسؤول عنه وهو استاذ العلوم. في قسم جنوب هذا قضيت اعوامي الثلاث بصحبة رفقة رائعةوكانت لنا صولات وجولات ضد اولاد شمال في منافسات كرة القدم والرينق والطائرة والجمعية الادبية وكانت لنا حكايات مع استاذ عبدالله ربشة استاذ الانجليزية واستاذ ترنتي(عمر) استاذ الجغرافيا واستاذ شمس الدين (الشايقي) استاذ اللغة العربية والاستاذ عمر الحاج استاذ الادب الانجليزي الذي صار صحفيا مرموقا والاستاذ حسن عوض الله استاذ الجغرافيا والعلوم عند اللزوم والناظر عبد اللطيف بحيري .

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 17-01-2011 الساعة 02:49 AM
  18.  
  19. #10
    فخر المنتديات
    Array
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    مارنجان
    المشاركات
    4,340

    وقفت مرارا عند هذا البوست وفي نيتي عدم قطع هذا التسلسل وهذا السرد الرائع
    هي فقط تسجيل حضور ومتابعة لهذا النوع من الأدب المكتوب
    ادب المذكرات وإن كان في العاده يتناول بالسرد سيرة كاتبها
    إلا انه يوثق لأحداث وأشخاص عاصروا الكاتب
    وتكمن الروعة في طريقة السرد التي تأثرك من اول سطر
    واصل اديبنا الرائع صلاح سر الختم
    ولك كل الود والإحترام

  20.  
  21. #11
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الجزولى مشاهدة المشاركة
    وقفت مرارا عند هذا البوست وفي نيتي عدم قطع هذا التسلسل وهذا السرد الرائع
    هي فقط تسجيل حضور ومتابعة لهذا النوع من الأدب المكتوب
    ادب المذكرات وإن كان في العاده يتناول بالسرد سيرة كاتبها
    إلا انه يوثق لأحداث وأشخاص عاصروا الكاتب
    وتكمن الروعة في طريقة السرد التي تأثرك من اول سطر
    واصل اديبنا الرائع صلاح سر الختم
    ولك كل الود والإحترام
    الشفيف ود الجزولي
    حضورك يملأ منطادي بالهواء فلا تغب

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid