((عيسى الحلو )) .. تواضع العالم .. وصاحب الحجر في بحيرة السكون !!
أن مهمة الناقد ليست ( إشاعة الظلام ) أو إقامة (حاجز نفسي ) بين القارئ والنص !
بقلم / صلاح الدين سر الختم علي
أتابع بشغف شديد واهتمام بالغ كتابات الأستاذ / ((عيسى الحلو )) المختلفة ، فهي كتابات عميقة وغارقة حتى أذنيها في الهم الثقافي المعاصر بكل فصوله وأبوابه ، وهي حافلة بالجديد المتميز دوما .
وقد توقفت طويلا عند المقالة الهامة المنشورة في عدد الخميس 29/مارس/2001م جريدة الصحافة تحت عنوان (( قراءة في الإبداع السوداني الراهن )) ولعل أكثر مايستوقف القارئ لكتابات الأستاذ( عيسى الحلو ) هو تلك البساطة والتلقائية والمباشرة في عرض الأفكار العظيمة بكلمات بسيطة وصادقة ومعبرة دون الإغراق في بحر من المصطلحات او الكلمات الأنيقة التي وقع الكثير من الكتاب في حبائلها وغوايتها الى حد أن المتخصصين أصبحوا يحتاجون الى معاجم وتفاسير للاستعانة بها لرؤية طريقهم في دهاليز أولئك المتظاهرون بالثقافة !!
- أن احد وجوه أزمة النقد في بلادنا هي ((الممارسة النقدية )) نفسها على قلتها – وبوجود استثناءات مضيئة لنقاد مجتهدون حاولوا السباحة عكس التيار- فالممارسة النقدية رسخت صورة ومفاهيم مغلوطة عن (( النقد )) و (( الناقد )) و (( ودور النقد )) و (( دور الناقد )) – الى حد أن البعض صار من المسلمات لديه أن الناقد هو ذلك الذي يقول عن الشئ المفهوم كلاما غير مفهوم دائما !! فكلما أوغل الناقد في الغموض وإشاعة الجهل بما ينتقده ارتفع درجة لدى الجاهلين !
- غاب( النقد الباحث ) وغاب الناقد ( المؤرخ ) وغاب الناقد ( الكاشف ) وغاب الناقد القادر على كشف جوانب مجهولة من الإبداع حتى للمبدع نفسه
- وبغياب النقد الحقيقي والناقد الحقيقي غيبت نصوص مبدعة وباهرة في النسيان – وغيب كتاب ومبدعون في مختلف حقول الابداع في مقبرة الصمت المفروض – وضرب جدار من الجهل والتجاهل على تراث أدبي وفني وثقافي وفكري سوداني عظيم ومتميز – واهيلت رمال النسيان على عبقريات سودانية متعددة في مجالات الابداع المختلفة .. وسادت عقلية تسعى الى (( الإلغاء )) لكل ما تجهله والى كتابة التاريخ من حيث بدأت هي – إن كانت لها بداية أصلا .
لذلك فان المرء يدرك تماما مقدار الصدق الذي يشع من عبارة عيسى الحلو (( في كثير من الأحيان تضيع منا مواهب عبقرية بسبب غياب النقد الحقيقي .. النقد الجديد الذي يمكن أن يقود الحراك الفني بمهارة وحكمة .))
أو قوله في نفس المقال :-
إن تأسيس منهج نقدي سليم على كافة مستويات وأنواع الفنون هو ضرورة حضارية .
- ولعل الذي لم يستطيع قوله قوله كاتبنا المبدع من باب التواضع وعفة النفس وحساسية المبدع ، هو إنه احد ضحايا غياب النقد الحقيقي في بلادنا .. فهو عبقرية سودانية لم يدرك أهل السودان قدرها أو إسهامها في مسيرة الأدب السوداني في مجال القصة والرواية ، ولم تنل إعماله القيمة حظها من الدراسة والتقيم والكشف والذيوع الذي يستحقه
- ولعل اتجاه عيسى الحلو الى الكتابة النقدية مؤخرا يشكل محاولة من مبدع اكتوى بنار غياب النقد الحقيقي لتجنيب الأجيال الجديدة مرارة ما تجرعه هو والأصوات العظيمة من أبناء جيله بسبب غياب النقد والمنهج النقدي
- ويقول (( عيسى الحلو )) بتواضع العالم :- (( كم أتمنى أن يشترك في هذا الذي أقول كل القادرين والممتلكين لأدوات النقد الحقيقي في هذا الوطن الجميل ... وما أنا هنا ألا أنني .. وجدت نفسها بين عيون قادرة على الرؤية – نقاد دارسون – مبدعون قادرون – ومتذوقون على درجة عالية للتذوق .. ولكنهم يحلمون بالأكثر جمالا ..))
- أنها دعوة القابض على الجمر !! وانها دعوة الغارق في أعماق الجب !!
- وانها دعوة المبدع ذو الشفافية العالية – وهل تضيع صرخته سدى ؟ أم أنها الحجر في بحيرة السكون ؟
- وهل أبدو متشائما وقاسيا في محاولتي إلقاء حجر أخر في بحيرة السكون مع الأستاذ الجليل ؟!
- ربما .. وربما لا .. ولكن تبقى هذه المقالة محاولة لمواصلة السجال الذي بدأه الأستاذ / عيسى الحلو في مقاله الهام حول النقد والمنهج النقدي .
- وتبقى أهم القضايا التي طرحها المقال هي قضية محاولة الناقد امتلاك منهج .. فهذه أهم المصاعب التي تواجه النقد والناقد – فالناقد يمر بمرحلة من الوقت يكون فيها أدواته - بقراء مراجع نقدية ويحاول امتلك منهج ، وفي نفيس الوقت يتعين عليه ملاحقة النتاج الولي – أي انه يتعين الجمع بين عملية التثقيف وعملية التملك للمنهج الذي هو معرفة تتراكم عبر هذه العملية المزدوجة المعقدة – فالتثقيف هو النهر الذي يتزود منه الناقد بأدواته المنهجية ، والأدوات المنهجية هي التي تمكن الناقد من النظر في أعماق النهر كل يوم بعيون جديدة ترى بوضوح وغنى أكثر من زى قبل .
- يسعى الناقد دائما الى اكتشاف العام والمتكرر والجوهري والمشترك – أي الى اكتشاف القوانين الداخلية لتطور هذا النوع اوذاك من الأنواع الأدبية أو الفنية – بعبارة أخرى يسعى الناقد الى صيرورة النقد ذاته علما له أسسه وقواعده وقوانين تطوره وحركته الداخلية .
المفضلات