النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: يوميات سميرة/قصة قصيرة/ بقلم صلاح الدين سر الختم علي

     
  1. #1
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    يوميات سميرة/قصة قصيرة/ بقلم صلاح الدين سر الختم علي

    يوميات سميرة
    قصة قصيرة
    بقلم / صلاح الدين سر الختم

    كانت الريح تولول وحجارة الأرصفة تتملل في قلق ، ثمة كلب هزيل ضامر يهرول وحيداً عابراً الشارع المقفر ... إرتفعت أذنا القطة ... انتصب شعرها ... تأهبت للنزال ... وحين كاد ت أن تموء كان الكلب قد عبر الشارع تماماً إلي الجانب الآخر دون أن يعيرها إلتفاتاً فاسترخت وتمطت ، كانت (سميرة ) تراقب المشهد في إهتمام وحين أقعي الكلب في ظل شجرة اللبخ العملاقة وتدلي لسانه وتمطت القطة في كسل وهي لا تزال ترقبه في تحفز عندها أيقنت ( سميرة ) أن ثمة هدنة غير معلنة قد بدأت فتوقفت عيونها الصغيرة عن التنقل بين جانبي الشارع وقد فقدت الأمل في مشاهدة المعركة المعتادة بين الغريمين اللدودين و عادت سميرة إلي الواقع فأكتشفت أن ثمة صراخ طويل في دواخلها و ثمة إمعاء تتلوي في إصرار لا يجدي معه أي تجاهل مصطنع ، وحين تجوع ( سميرة ) فإن العالم يبدو لها حينها قاسياً وتشعر أنها وحيدة وتعيسة فتنتصب واقفة وتجول بعينيها في كل الاتجاهات ، وحين تسمع وقع أقدام تقترب من ناحية الشارع تثبت نظراتها بإتجاه القادم ... كان رجلاً بديناً قصيراً ذو رأس صغير لا يتناسب مع بدانته وكان يمشي متمهلاً وعلي وجهه إمارات الدعة .... تهلل وجه سميرة و هرولت صوبه قبل أن يبلغها ومدت يدها في صمت في البدء وعلي وجهها إنكسار عظيم ... لم يأبه الرجل بها وواصل سيره كأنه لم ير شئيا علي الإطلاق حتي تخطاها تماماً ، لحقت به ثانية وهي تتمتم هذه المرة بصوت خفيض يكاد يكون باكياً ( أنا جائعة جداً يا عمي ... لم آكل شيئاً ) فأنتهرها الرجل بصوت غليظ ودفعها بيده بعيداُ عن طريقه كما يهش المرء ذبابة ملحاحة وواصل سيره ... تعثرت ( سميرة ) وكادت أن تقع علي الأرض لكنها تمالكت نفسها في آخر لحظة وتفادت السقوط .... وحين رفعت وجهها كان ظهر الرجل البدين منتصباً أمامها كجدار عريض وهو يوسع الخطي إلي الأمام – همت باللحاق به من جديد حين لمحت الحجر علي الأرض والتمعت في ذهنها الفكرة فجأة فلم تتردد ... تناولت الحجر وفي اللحظة التالية كان الحجر قد حط علي الظهر العريض أسفل الرقبة تماماً وأنطلقت الصرخة وقبل أن يستدير الرجل كانت ( سميرة ) تركض كأرنب بري وهي تلوذ بالفرار وعلي وجهها الصغير إبتسامة ماكرة .
    عندما ابتعدت عن البدين بما يكفي وغاب عن بصرها وجهه المكتنز المنتفخ الأوداج وهو يهرول خلفها .... عندها توقفت سميرة لتلتقط أنفاسها. كانت جائعة فأمست جائعة ومتعبة وظمآي وفوق ذلك خائفة ، فقد كانت مؤقنة تماماً أن ذلك الرجل لو لحق بها أو وقعت عيناه عليها ثانية سيدهسها دهساً كما تدهس شاحنة قطة او كلبا عابرا ... لكن الشارع كان خالياً تماماً ....فتسللت إليها بعض الطمأنينة وعندها بدأت الامعاء تتلوي ثانية فألتمعت دموع في العيون الصغيرة و هرولت سميرة الي الأماموهي تدير البصر في كل الاتجاهات وعندها لمحت عيناها شئيا فأعادت النظر من جديد ، ثمة طاولة خشبية عتيقة يقف أمامها رجل ما و خلفها رجل آخر و كان النقاش دائراً بين الاثنين عندما تسللت سميرة في سكون نحو هدفها و يدها تقترب في حذر .... تقترب حتي أمسكت أصبع الموز في يدها الصغيرة ولكنها عندما ارادت استعادتها لم تستطع ، شيء يشبه مقبضاً حديدياً كان مطبقا على يدها الان بقوة و قبل ان ترفع الرأس الصغير لترى صاحب القبضه الحديدية هوت على الوجه لطمة قويه و دارت الدنيا بسميرة .... لم تعد تري شيئاً و لكنها سمعت عبارات الاحتجاج الغاضبة من شخص ما و لم تكن العبارات موجهة لها بل كانت موجهة لصاحب القبضة الحديدية واللطمة ... تراخت القبضة رويداً رويداً عن يدها و بغتة عادت اليد حرة تماماً ... لم تكن تفكر في أكثر من القرار والنجاة بجلدها فأستدارت لتركض ولكن اعترضتها يد أخري رقيقة و عندما رفعت البصر لتنظر إلي صاحبها فوجئت بأن أنفها ينزف بغزارة و الدم في كل مكان ... امتدت اليد الرقيقة و شرعت في مسح الدماء و سمعت صوت صاحبها ينتهر البائع من جديد قائلا أسرع بالماء أيها المتوحش ) فوقف البائع كالابله لبرهة يسيرة فاغراً فاهه في تعاسة فإرتفع الصوت الآمر مرة أخري فهرول البائع كالمسوس و باياد مرتجفة تناول كوباً من الماء قدمه لصاحب النيرة الآمرة ، كانت سميرة تبكي ، سميرة صغيرة لكنها لا تحب البكاء خاصة إذا كانت الدماء تسيل منها فأخذت ترتعش و اليد الحانية تروح وتجيء علي وجهها بلطف وهي مستسلمة في سكون و كانت دموعها تتزايد كلما مستها اليد الرقيقة فسميرة لا تتذكر متي حدث لها مثل ذلك من قبل ، تتذكر فقط أنها تجول في الشوارع فتطاردها الشتائم ( ايتها المتشردة القذرة ) ... ( أيتها اللصة ) ... ثم الصفعات .... ثم الركض بأقصي ما تستطيع بعيدا عن الأيدي الفظة وعندما تتوقف تري طفلاً يقوده أبوه و عندما يمسح الأب علي شعره ويقبله ويبتسم الطفل في وداعة تبكي سميرة وتتساءل أن أبي ؟ تحاول أن تتذكرشئيا عنه و لكن الذاكرة الصغيرة ليس فيها سوي الركض والمطاردات ومشاوير التنقيب عن لقمة في أكياس القمامة ... لا شيء آخر ... وعندما ترهقها محاولات تذكر ملامح وجه ابيها وبدون ان تدري السبب تأخذ حجراً و تقذفه بإتجاه الطفل وتركض هاربة ،كانت سميرة تبكي بإصرارالآن فقد كانت تعلم أنها لو كفت علي البكاء فأن اليد الرقيقة ستكف عن العبث شعرها المتسخ وتكف عن ملامسة وجهها برقة ، لم تعد سميرة جائعة الان ، كان كل ما ترجوه إدامة تلك اللحظة الي اطول مدي ممكن، توقفت اليد عن العبث بشعرها وغابت قليلاً ثم عادت ممدودة باصبع من الموز ... هزت سميرة رأسها و عادت للبكاء بصوت أعلي فعادت اليد ملحاحة ممتدة بأصبع الموز و كانت جائعة فالتهمته و عادت اليد ثانية و ثالثة وسميرة تلتهم بشراهة ثم أستدار صاحب اليد .وأعطاها ظهره وبدأ في و سميرة مذهولة ويائسة والخطوات تبتعد ، سميرة تركض وتلحق بالرجل وتصرخ: ( خذني معك... أريد أبا ... )ثم شرعت في البكاء و تعلقت به بقوة فأارتسمت الحيرة علي الوجه ... صمت طويلاً ثم أخذ يدها وأخذ يسير وهي بجانبه ، كانت سميرة سعيدة و كان الرجل غارقاً في أفكار عميقة .... كان الشارع خالياً ... الريح لم تعد تولول ... حجارة الأرصفة كفت عن التململ ....و كان الكلب الضامر غارقاً في نوم عميق .... القطة تتمطي في كسل وعيونها ما تزال مثبتة عليه .
    صلاح الدين سر الختم
    شندي
    1998م

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 04-03-2010 الساعة 12:48 AM
  2.  
  3. #2
    عضو فعال
    Array
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    349

    الاستاذ صلاح
    الله عليـك ...
    ان القصة عندما تحمل هماً تكون اروع لاشك
    انك تضع المطهر على الجرح (هو مؤلم لاكنه شافي )
    والسرد هنا مريح جداً ياخذك بانسيابية نحو الهدف
    دمت بخير

    هـجرة عـصافير الـخريف
    فـى مـوسم الـشوق الحلو
    هـيج رحـيلا مـع الـغروب
    احـساس غـلبنى اتـحملو
  4.  
  5. #3
    فخر المنتديات
    Array
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    مارنجان
    المشاركات
    4,340

    الاستاذ القامه صلاح سر الختم
    حمدت الله كثيرا وانا احس بتلك الايدى تربت على كتف كل محروم
    وكل من فقد الرعاية والاهتمام
    فالدنيا لا زالت بخيرها
    حتى ذلك الكلب احس بتوهان تلك القطه فتركها وشأنها
    علها تاكل من خشاش الارض ما يسد رمقها
    كم هى القلوب الرحيمه التى تنفطر الما وحزنا لمشاهد الحرمان
    وتمتد اياديها دون منأ ولا اذى
    قصه لامست شغاف قلوبنا اديبنا صلاح
    وسلاسه فى السرد جعلتنا نتضامن مع ذلك الشعور الطفولى فى بحثها عن ابيها
    سميره ثمرة افرازات مجتمع غرق فى الخطايا
    فتاهت وسط ذلك المجتمع الذى لا يرحمن
    لك كل ودى الروائى صلاح
    فانت تمتعنا اينما كتبت

  6.  
  7. #4
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يسري الياس مشاهدة المشاركة
    الاستاذ صلاح
    الله عليـك ...
    ان القصة عندما تحمل هماً تكون اروع لاشك
    انك تضع المطهر على الجرح (هو مؤلم لاكنه شافي )
    والسرد هنا مريح جداً ياخذك بانسيابية نحو الهدف
    دمت بخير
    الحبيب يسري ... لك محبتي
    همنا مذ كنا صغارا بلادنا وانسانها الجميل
    خصوصا اولئك الضائعون بين السطور والمنسيون وسط الزحام
    هي طفلة متروكة في الشارع كالقطة والكلب الواردان بالقصة ولا احد يكترث ولايروون فيها الا لصة
    اردت ان اقلق مضاجع من يفكروا هكذا
    وان اضع المرآة امامهم ليروا القبح والجمال
    ويعيدوا النظر
    القصة ليست قصة ان لم تدفعنا لاعادة النظر والمراجعة

  8.  
  9. #5
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الجزولى مشاهدة المشاركة
    الاستاذ القامه صلاح سر الختم
    حمدت الله كثيرا وانا احس بتلك الايدى تربت على كتف كل محروم
    وكل من فقد الرعاية والاهتمام
    فالدنيا لا زالت بخيرها
    حتى ذلك الكلب احس بتوهان تلك القطه فتركها وشأنها
    علها تاكل من خشاش الارض ما يسد رمقها
    كم هى القلوب الرحيمه التى تنفطر الما وحزنا لمشاهد الحرمان
    وتمتد اياديها دون منأ ولا اذى
    قصه لامست شغاف قلوبنا اديبنا صلاح
    وسلاسه فى السرد جعلتنا نتضامن مع ذلك الشعور الطفولى فى بحثها عن ابيها
    سميره ثمرة افرازات مجتمع غرق فى الخطايا
    فتاهت وسط ذلك المجتمع الذى لا يرحمن
    لك كل ودى الروائى صلاح
    فانت تمتعنا اينما كتبت
    انا سعيد اخي محمد بان قصتي لامست روحا شفيفة مثلك
    وسعيد بان مضمون القصة ورسالتها واضحة فانا لا احب الحذلقة والغموض
    فالقصة جسر بين اراوح وافكار وهي جسر يجب ان يكون مرئيا حتي يسهل استخدامه

  10.  
  11. #6
    عضو ذهبي
    Array الصورة الرمزية تغريد
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    حي دردق
    المشاركات
    4,715


    ما أوجع أن تغتال البراءة وهي في قمة النضار

    وما أقسي أن يضحي مجرد اللهو البرئ هو حق غير مشروع

    حين تغدو حجارة الطريق ألين قلبا وأدفئ دواخل

    تبحث هذه الطفلة عن أبيها كل يوم في كل وجوه البشر

    تلتمس الحنان الأبوي والملجأ الامن حين تشتد عواصف الحياة

    لا ذنب لها سوي انها لم تختار ان تولد هكذا

    لا ذنب لها سوي أنها خرجت لتجد الشارع مأواها والكلاب والقطط هم وسيلة لهوها الوحيدة

    ولا أعجب لو اعتبرتها الكلاب والقطط أنها هي من تمنحهم وسيلة متعة

    حين يتفرجون علي سعيها الدوؤب كل يوم من أجل لقمة عيش بوسيلة او بأخري

    لها الله ولكل من هم مثلها

    شكرا أستاذ صلاح سر الختم علي هذه الصرخة

    خرجت من قلبك وأستقرت في أفئدتنا

    تحياتي

    (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
  12.  
  13. #7
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تغريد مشاهدة المشاركة

    ما أوجع أن تغتال البراءة وهي في قمة النضار

    وما أقسي أن يضحي مجرد اللهو البرئ هو حق غير مشروع

    حين تغدو حجارة الطريق ألين قلبا وأدفئ دواخل

    تبحث هذه الطفلة عن أبيها كل يوم في كل وجوه البشر

    تلتمس الحنان الأبوي والملجأ الامن حين تشتد عواصف الحياة

    لا ذنب لها سوي انها لم تختار ان تولد هكذا

    لا ذنب لها سوي أنها خرجت لتجد الشارع مأواها والكلاب والقطط هم وسيلة لهوها الوحيدة

    ولا أعجب لو اعتبرتها الكلاب والقطط أنها هي من تمنحهم وسيلة متعة

    حين يتفرجون علي سعيها الدوؤب كل يوم من أجل لقمة عيش بوسيلة او بأخري

    لها الله ولكل من هم مثلها

    شكرا أستاذ صلاح سر الختم علي هذه الصرخة

    خرجت من قلبك وأستقرت في أفئدتنا

    تحياتي
    ما اروع قراءتك اختي تغريد وكم زينت قصتي وجملتها واعطتها وهجا
    لك شكري

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid