(1)قضايا المرأة في القصة السودانية محوراً
كانت المرأة في بواكير الانتاج القصصي صورة مستلفة ومأخوذة من علي البعد ؟
المرأة في قصة (الطيب صالح) واقعة تحت حصار وقهر مركبين وصوتها الخافت هو سر قوة التعبير عنها
(ود الريس) رمز للقيم السلبية و(حسنة بنت محمود) رمز للمرأة السودانية الجديدةهذه دراسة حول المضمون والشكل في القصة السودانية ننشرها في اجزاء. وقد سبق نشرها بالصحف .
نواصل دراستنا الباحثة الناقدة في القصة السودانية ( حقبةالخمسينات والستينات) وما قبلها نموذجا .. ولقد عنينا في احد اهم محاور البحث بدراسة المضمون في القصة السودانية وذلك عن طريق تصنيف اهم المواضيع التي اهتمت القصة في الفترة موضوع البحث بابرازها وزاوية التناول التي تناولتها منها والقوالب الفنية التي عبر عن طريقها كتاب تلك القصة عن تلك المضامين . وقد كانت اهم ثمار تلك الدراسة وذلك التصنيف اننا تعرفنا علي اهم القضايا التي طرحت نفسها بقوة علي المجتمع السوداني آنذاك وبالتالي فرضت نفسها علي الكتاب والمفكرين فعبروا عنها فنيا . وقد تناولنا في الاجزاء السابقة من هذه الدراسة قضية (الهجره من الريف الي المدينه) باعتبارها احد المضامين المتكررة في نصوص قصصية عديدة ، ونتناول في هذا المقال والذي يليه موضوع قضايا المرأة في القصة السودانية مع تناول بعض النماذج القصصية السودانية التي اقتضي منهج البحث تناولها ومن ثم نوالي نشر دراستنا للمحاور الاخري التي استخلصناها من دراستنا لنصوص قصصية متنوعة لكتاب متعددين في الفترة موضوع الدراسة ونامل ان نسهم بذلك في استجلاء بعض الجوانب الخفية من الابداع السوداني في هذا الجنس الادبي ، آملين كذلك ان تفتح هذه المحاولة المتواضعة لدراسة الابداع السوداني من حيث الكيف الطريق امام دراسات اخري اعمق واكثر دقة وعلمية وان تكون هذه الدراسة بمثابة مواد خام اولية لمن يعقبنا في دراسة هذا الابداع الذي عاني طويلا من التجاهل والجحود والنسيان . ونعتذر مقدما اذا جاءت محاولتنا هذه أقصر من هامة هذا التراث العظيم فقد اردنا فقط القاء حجر في بحيرة السكون !! .
شكلت المرأة وقضاياها حضورا مهما ودائما في القصة العالمية والسودانية ، ونستطيع القول لان طرح قضايا المرأة عبر القصة السودانية قد كان متاثراً بمستويات تطور المجتمع السوداني وطبيعة القضايا التي احتلت موقع الصدارة من الاهتمام في كل مرحلة من مراحل نهوضه وتطوره .
فنجد في النصوص القصصية الاولي قصة الثلاثينات ان المرأة في القصة لا تعدو ان تكون سوي أفق رومانسي حالم ضبابي الملامح لا يعرف القصاصون الا اوصافه الخارجية فقط التي تتركز غالبا في (جمال الشكل) ذلك الجمال الصارخ الذي لا يقاوم والذي تكون صاحبته موضعا للنزاع فتيان القرية او المدينه مثل (فاطمة) بطلة قصة (البرتكان) لحسن احمد يس التي حرموها من الزواج ممن تحب وزوجوها رغما عنها الي كهل ثري له زوجتان عداها ! .
والمرأة في قصة الثلاثينات مستكينة وخاضعه لقدرها ولمشيئة الزوج مثال ذلك (زنوبة) زوجة المامور في قصة (عرفات محمد عبد الله ) التي تحمل اسم (المامور) حيث تقول (زنوبة) في مسكنة ومذلة حين تعرف انه تزوج بامرأة اخري في غيبتها الطارئة (لابأس في ذلك وهذا شئ احلته لك الشريعة) .
ونلاحظ ان المرأة في بواكير الانتاج القصصي السوداني هي عباره عن (مفاهيم) وصور راسخة في الذهن وصور مستلفة من القصص الرومانسي العربي القديم والمترجم وهي بتعبير ادق (صورة مأخوذة من علي البعد) او قل (من الخارج) وليست كائنا واقعيا من لحم ودم ومشاعر واحاسيس و آمال وخيبة أمل .
وهذا امر له تفسيره العلمي الذي يكمن في ان المرأة في مجتمعات اولئك الكتاب كانت (غائبة أو مغيبة) ولم تكن تلك المجتمعات قد عرفت بعد ذلك الخروج الواسع للمرأة الي العمل أو التعليم أو المساهمة الواسعة في مختلف أوجه الحياة ، وكانت المنازل قائمة علي الفصل ما بين (حوش الرجال) الذي لا تطأه اقدام النساء الا في غيبة الرجال ولاغراض تهيئته لاستقبالهم وراحتهم و (حوش النساء) الذي لا تطأه اقدام الرجال الا في حدود ضيقة جدا وفقا لقواعد معينة ، ولعلنا جميعا نذكر القصص التي يرويها بعض المعاصرين لشعراء الحقيبة الاوائل حول اضطرار بعضهم الي التنكر في ثياب النساء حتي يحظوا برؤية وجه جميل يحرض قريحتهم علي ان تجود ببعض الشعر .
وهكذا وكما كانت المرأة في حياة هؤلاء الرواد (صورة علي البعد) جاءت كتاباتهم القصصية عنها (صورا تقريبية) مبنية علي الخيال والاماني وبعيدة كل البعد عن المعايشة لواقع تلك المرأة وعاجزة عن تصويره من الداخل أو الاقتراب منه بصورة صادقة تعبر عن هموم (الاغلبية الصامتة) تعبير واقعي .
ولقد أدي (فرض الصمت) والانزواء علي المرأة السودانية في تلك الفترة وعدم وجود تعليم لها و محدودية فرص العمل لها وعدم خروجها الي العمل والتعليم الي تقليل فرص الاحتكاك بين الجنسين وبالتالي أدي ذلك عمليا الي افقار قصة الثلاثينات فيما يتعلق بالمرأة وهمومها وقضاياها ، فالتجربة الذاتية كما هو معلوم أحد أهم واخصب مصادر الكتاب في مجال القصة والرواية ..
ولقد شهدت الاربعينات تزايد فرص تعليم وعمل المرأة واتساع مشاركتها في الحياة العامة في المجتمع السوداني وواكب ذلك التحول الاجتماعي بروز ظاهرة ادبية جديدة وهامة جدا في مجال القصة السودانية الا وهي بروز الكاتبة القصصية الرائدة (ملكة الدار محمد) كأول كاتبة قصة سودانية وكان فوز قصتها (حكيم القرية) بالمرتبة الاولي في مسابقة الاذاعة السودانية في العام 1947م بمثابة إعلان قوي عن ميلاد هذه الموهبة الجديدة التي اقتحمت عالم كتابة القصة وكانت اعلانا اخر
المفضلات