النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: إمرأة نخلة/ قصة قصيرة

     
  1. #1
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    إمرأة نخلة/ قصة قصيرة

    إمرأة نخلة/ قصة قصيرة

    ضوء خافت ورسالة لم يكمل قراءتها حين داهمه الحزن عاصفا قويا كشلال مندفع من أعلي جبل... تدفقت الدموع من المآقي واخذ الجسد ينتفض بشدة كشجرة داهمتها رياح اواسط الخريف بغتة، تمالك نفسه ومسح الدموع المنهمرة بكمه وأنكب علي الرسالة يقرأها من جديد وهو يتمني وجود خطأ ما... اندفع بحماسة بصيص الأمل الذي لاح وأخذ يلتهم السطور القليلة من جديدبلهفة وعلي عجل،لكن الأمل سرعان ما تبددوانهمرت الدموع من جديد وبللت سطور الرسالة وهو ذاهل عما حوله..... القي الرسالة أرضا ومضي كالمجنون يبحث عن الظرف الفارغ الذي كانت بداخله حتي عثر عليه وتناوله واعاد قراءة العنوان المسطور عليه، ولم يبق ثمة أمل في خطأ... هو الرحيل الغامض إذا... هو وجه حبيب آخرطواه الغياب السرمدي وأنضم الي جوقة الاحبة الراحلين..لم يبق سوي الفراغ... لم يعد احمد منتميا الي شئ في هذا الكون العريض.. يا للهول!! ضاعت احلامك سدي.. ضاع صوتك أنت نخلة.. لا.. أنت جدول يحمل ماء النيل العذب ويرويني ويحمل معه الخصب لجذوري التي أوشكت علي الذبول.) ضحكت وجاء صوتها لذيذا ونديا كالمطر( أحمد ... كفي شعرا.. الرحيل قد حان)) تقول لها كطفل يتشبث بثوب أمه في خوفأنا أخشي هذا الرحيل يا زينب.. اخشاه تماما..أنا بجوارك متصالح مع الأشياء برغم كل شئ...رغم فاقتي المرةوبرغم فقري المدقع...أنا غني بك وحسبي ذلك.) ظلل وجهها حزن عابر... إلتفت يداها حول جذع النخلة العجوز وهي تقول بثقة: ( هكذا الدنيا يا أحمد... رحيل عمن نحب ولقاء من جديد... لا تظن أنني اسعي لهذا الرحيل أو انني لا أتالم له... ولكن.. لا أملك إلا ان اقول ما قاله جدي ذات مرة كنا حينما يرحل المطر وتجوع الأرض وتتشقق شفاهها وتهزل أغنامنا، لا نجد عندئذ بدا من قلع أوتا د الخيام ونوغل في الرحيل بما تبقي من زاد حتي ندرك أرضا لم يبارحها المطر وننصب خيامنا فيها ونبدأ من جديد الزراعة والتكاثر بشرا ونباتا وحيوانا حتي يرحل المطر وتجوع الأرض وتتشقق ، فنرحل من جديد.. وهكذا حتي بلغنا هذه الأرض التي يسكنها النهر ولا تجوع لو رحل عنها المطر.)
    ثم قالت سافر خلف المطر يا أحمد حتي تجد النهر والأرض التي لاتجوع ابدا،سافر وستجدنيهنا مثل نخلة جدي التي غرسها هنا باقية في انتظارك مهما طال الرحيل.. ومهما شح المطر.. سأبقي وأمد جذوري مثلها حتي تبلغ النهر ومن تمتد جذوره في النيل لايموت أبدا)
    ولكن الرسالة يازينب... الرسالة تقول أن نخلتي هوت علي وجهها وقبلت الأرض للمرة الأخيرة.......
    وأندفع في البكاء... كانت الغرفة تفوح الان برائحةالحقول وروث البهائم وهديل القماري....وكانت صورتها تتمدد في الفراغ وتملأه.... وجه إمرأة باسمة وجذع نخلة باسقة تطاول عنان السماء..
    كانت العصافير تغرد في وداعة باعلي النخلة والرطب الأخضر والأصفر يتساقط كحبات المطر
    وكانت دموعه لا تكف عن الانهمار وحروف رسالته الأخيرة اليها تتمدد في الفضاء يكاد يقرأها الآن مكتوبة علي جذع النخلة:هل تذكرين تلك السمكة الصغيرة عند شاطئ النهر؟هل تذكرين كم كانت عيونها حزينة؟ وسؤالي لك: لم هي حزينة؟
    واجابتك السريعة كطلقة: لأنها لاتقوي علي الحياة بعيدا عن النهر، هذا الحزن الكبير في عينيها لانها تعلم أنها ستموت جتما منذ اخرجت من الماء مالم تعدها معجزة ما اليه!
    حملناها سويا يا زينب حتي الشط ثم القيناها في الماء فأنتفضت في سعادة الي الأعلي كأنها تعبر عن امتنانها ثم غاصت عميقا في الماء واختفت كأنها تخشي أن تطالها يد آدمية ثانية. هل تذكرين كل ذلك؟هذا حالي أنا هنا ...هنا لا نهر نعود اليه فننتفض فرحا ولا عاشقين اسكرهما وجد يأخذان بيدي الي شط آمن..اتنفس غربة وأنام لوعة فمن يعيدك الي النهر يا تري؟!
    دارت الغرفة بي ودارت الصور في رأسي سريعة وساخنة ومتواترة كشريط سينمائي زينب هاهي الجامعة قد انطوت سنينها ، فأين المستقر؟)لم تجب علي السؤال بل حملها القطار ذات يوم الي هنالك حيث رائحة الحقول وبيوت الطين وقيزان الرمال وأشجار النخيل والنهروالقمر المنير.. سمكة عادت الي بحرها تنبض بالحياة وبالمعرفة.... اقامت مدرستها في كل مكان يسكنه الحب: في المدرسة وفي ظل النخلة العجوز والبيوت ... صارت ست زينب المهابة وكان الاطفال يتحلقون حولها في محبة ووداعة وأمام كل واحد مجموعة من نوي التمر تعلمهم به الحساب، وكانت المدرسة تمسي عصرا فصلا لمحو الأمية ، كانت حاجة السرة كلما كتبت خطابا لابنها البعيد رفعت ايديها ودعت لزينب التي علمتها الكتابة واراحتها من البحث عمن يكتب لها ويحفظ اسرارها. غافلتتني دمعة وسقطت عند اقدامي بصوت مسموع فانتفضت، لملمت اشيائي الصغيرة وانتصبت واقفا، كان صوتها يأتي من كل المنافذ معبقا برائحة الطمي تجدني هنا .... في انتظارك...)حلقت الطا ئرة عاليا صوب الوطن، لم يحجب ازيز المحركات صوتها وهو يجئ من كل ناحية وصوبفي انتظارك..)بات النيل في الاسفل خطا صغيرا متعرجا كثعبان في قلب صحراء لامجال له للاختباء،حطت الطائرة أخيرا وبعد زمن يسير حل محلها صوت القطار الرتيب وهو يشق الطريق بحزم رسول سيقطع السلطان رأسه لو لم تصل الرسالة في وقت مناسب،كان القطار يتلوي ويصرخ بين الفينة والأخري معلنا القدوم تارة والرحيل تارة أخري ولكنه لم يحجب صوتها الذي كان يعلو كلما اقترب القطار من الوصول...( في انتظارك...)بلغ القطار محطته المنشودة،أخذت حقيبتي الصغيرة توكأت علي حزني ونزلت ومضي القطار وضجيجه ولكن القرية نفسها كانت مملوءة بالضجيج وكان صوت النواح عاليا كهدير مظاهرة غاضبة، مضيت أشق الحقول الصامتةالا من الهسيس ونهيق حمار بعيد وكانت الشمس وقتها كرة شاحبةمن النار تهوي رويدا رويدا نحو النهر، وكان النهر ساكنا وغامضا كعادته لا لهفة يبدي ولا إهتماما... اتجهت صوبه أدليت قدمي في الماء وتركت حقيبتي خلف ظهري ولفني سكون،ساهما في البعيد أخذت أرقب الشمس الغاربةوانتظر سقوطها في النهر كما كنا نفعل سويا، وعندما غابت الشمس تماما نهضت في عزم أكيد وأعطيت ظهري للنخيل والبيوت ومضيت أشق النهر خائضا الي الأمام بثقة وخطوات ثابتة مبتسما اقصي حدود الابتسام كلما توغلت بعيدا خلف صوتها...واخذت أغيب رويدا رويدا... والدنيا يلفها سكون.... سكون شامل وغريب والماء يعلو
    وأنا امشي..........
    الخرطوم يناير 1996

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 21-02-2010 الساعة 03:23 AM
  2.  
  3. #2
    عضو ذهبي
    Array الصورة الرمزية ابراهيم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2003
    الدولة
    مدني الجميلة/جزيرة الفيل
    المشاركات
    4,172

    أنيق الحرف
    صلاح سر الختم
    ما اروعك!

    وأنا هل كنت إلا ألقاً ذاب في عينيك وهجاً أبديا
    او فتوناً فوق خديك إنتشي بهجة عاد بها الحس إليا
  4.  
  5. #3
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم مشاهدة المشاركة
    أنيق الحرف
    صلاح سر الختم
    ما اروعك!
    ما اروعك وانت تعطي كاتبا دافعا للكتابة
    لك شكري

    التعديل الأخير تم بواسطة صلاح سر الختم علي ; 21-02-2010 الساعة 03:25 AM
  6.  
  7. #4
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية بدر الدين احمد الطائف
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    ودمدنى دردق
    المشاركات
    1,351

    استاذنا صلاح
    لك الف تحيه
    ياريت لو تكبر لينا الخط شويه
    الكبر حصل.

    اللهم اعطنا خير هذا اليوم ما قبله وما بعده اللهم اكفنا شر هذا اليوم ما قبله وما بعده

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid