"تـــرويــض الحكمـــة جنــــون العاقــــل"

[سوباوي]

وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة عايره تحتاج لمن يروضها .. أو يتصالح مع نفسه لأقصى درجات الإطلاق

فتكون حواراته السرية بينه وبين ذاته جهراً يترجمها سلوكاً و أفعالاً يمارسها بكل عادية وهو في أعلى حالات

رضائه عن النفس ..

وهل أصاب د / أحمــد عكــاشة حين قال "الــرضا النفسي .. البـاب الملكي للصحـة والسـعادة"؟؟؟

الجنون أفكار الذات السرية علناً .. و أعلى درجات الوضوح وصراحة مطلقة تجاه كل الأشياء .. وأنقى حالات

الإحساس بالتوفيق إزاء رغبات الذات الغريبة ..

[سوباوي]

كان المكان مليء بزبائن "أمونة" بائعة الشاي برغم ضيقه وتعريشته البائسة التي يتخللها رقراق ضل ..

كما كان جسدها المتناسق ملئ بضمير أنقى من كل نوايا المرضى من أمثال ذلك الوغد الذي عرض عليها

بضع دراهم لترافقه آخر الليل فردت عليه بنظرة أفرغت بها عليه كل ما بحوزتها من استياء حيال ظرفها

التعيس الذي جعل مثل هذا المريض يظن ما يظن، كما وازت نظرتها عندي مليون جلدة تصلح كحد لعقوبة

سوء النية، ويتبرع صاحبها المجنون الذي كان يغيب ويعود ليقبع قريباً منها وعينيه تتدفق نحوها غزلاً

لا يحد بالرد عليه بسخط مرير "هي إذا بتسترزق بجنس ألفي نيتك ده الجابرة شنو على مقابلة النيران

والقهامير و العواليق الزيك من دغش الرحمن" وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة عايرة تحتاج لمن

يروضها، كما أن خاطرها كان مليئاً أيضاً بالكثير من الهموم التي لا يحتمل كاهل جمع زبائنها الكرام

تحمل عبئها ، ولا أدري إلى لحظتكم هذه إلحاح مقدمة برنامج "شوارد" كوثر بيومي في زج بائعة

الشاي ببرنامجها فأياً كان المقصد سواءً بدافع التراث أو الفلكلور السوداني أو كجزء من الديكور أو

لترتيب مزاج ضيوف الخيمة صائدي الشوارد فكل هذه الأسباب وسواها غير مقنع بالنسبة لي ويحز في

نفسي كثيراً هذا المشهد وأحس بكسر جزء من خاطر تلك المسكينة "بائعة الشاي" كما كسر مسبقاً جزءه

الآخر من قبل قساوة الزمن .. أفرغتي سبيل الرزق هذا من محتواه يا كوثر بيومي مع احترامي لكل ما تقدمي،

فهذا ليس مكانها السليم فيكفيها الذين يشاهدونها في سوق الله وأكبر وهي تجمع رزقها الحلال من بين خبيث

النوايا وطيبها .. ولا تحتاج لفضائيتك هذه لتؤكدها للعالمين كمنتوج نموذجي لطاحونة الغلاء في بلدي ، كما

كسرتي جزء من خاطري أنا أيضاً تجاه كل بائعات الشاي المكافحات في الأرض .. أيناك يا نجلاء عثمات التوم

لتخرج الأرض أثقالها مما كتبت يداك.. و لألتقيك مجدداً وأسمع منك يا صديقتي ملئ نزفي همسك لبائعة الشاي :

تحت السقوف الوفيرة

(بائعة الشاي )

أترك وجهك

بلا داع مؤكد

بائعة الشاي القاصر …

تلك التي تغلي مياه هذا النيل

القادم من الجنة في نعناعها الطرئ

وتخلط لأجلك بكفها الناحل

بعض اللبن والسكر القومي ..

إهي .. يا صغيرة تحت شمسها الواسعة

تتصببين صبراً قليل

أنت قرنفلة هذا الشارع الأسود

العطن .. الملئ برجال دائمين

يلاحقون بحكمة ثوبك الجريء

ويتذمرون بالتالي تحت السقوف الوفيرة ..

من حر هذا المطر .. بنفسجة مخملية واحتمالات قمر

على شرفة تستفيق ارتدى البحر لونه بارتياح

حيث رحت أنا مثل ضوء بخيل

أسرب أحلامنا إلى الهواء

كنت أرمي إلى البحر أسماءنا

وأكتب سراً تعاويذ أمي على راحتيك

قلت لي : في أي زاوية ينكسر الصدى

أو تلتقي غيمتان في الزرقة الهائلة ؟

وحدها الدائره تستبيح الانحناء ثم لا تنحني

هي فكرة في خاطر الشمس

إسورة العرس في الخبز والقبعات

كنت أرمي إليك بشيء من اللون والسوسنات

كنت أرمي إليك بشيء من الحب لكن صباحاً

فاحت يداك بعطر غريب …

[سوباوي]

يتسلل المجنون من باب راكوبة بائعة الشاي على دفعات وفي حذر مهيب يكتمل وجوده كلياً في المكان ..

وفي المقعد المواجه لبائعة الشاي يجلس أحد سائقي الحافلات يبدو واثقاً ولا يخلو من وسامة ويرتدي

جلباب أنيق بألوان هذه الأيام وطاقية مزركشة وكأنها جزء من صيوانات كزام .. فضحك بعض الحضور

ثم وجه أحدهم حديثه نحوه "المجنون" قائلاً سنسألها أن كانت تحبك أنت أم هو مشيراً لذلك الوسيم

الجالس أمامها .. فعدل المجنون من هيئته الرثة ونفض ما علق من تراب على بقايا بنطاله وتنحنح كمن

يريد أن يلقي خطبة ورد قائلاً لا .. لا .. لا .. أحكموا أنتم بيننا فمن كان منا يحبها أكثر من الآخر فهو

الأحق بها .. ثم جلس متقرفصاً وتعلو محياه نشوة المنتصر، ويغرق كل الحضور بما فيهم بائعة الشاي

في ضحك جماعي .. فنهضت من مكاني وقدمت له شخصي الضعيف وإعجابي بمنطقه، هنأته بحرارة

وتمنيت له حظاً سعيداً ثم انصرفت . . وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة عايرة تحتاج لمن يروضها .

[سوباوي]

أحمد حسين شاب أنيق لفترة كان يتجول في شوارع وزقاقات الحارة ونصفه العلوي عار تماماً

يصنع من فرقعة أصابعه إيقاعاً مميزاً ويغني بصوت رخيم

"أنتو تذاكروا في دروس اليوم

ونحنا نراجع في دروس باكر ..

كل الناس قارين و ما يدخل طب إلا الشاطر ..

أنتو تذاكروا في دروس ..."

ويردد هذه المقاطع بطريقة دائرية وبذات الحماس الذي بدأ به ولا تفتر همته أبداً .. وأحمد حسين

حاد الذكاء وأول دفعته وكان يخطط لأن يلتحق بكلية الطب .. ولم يتمكن من الجلوس لامتحانات

الشهادة السودانية لظروفه البائسة .. فأصبح بدلاً من أحمد الشاطر .. أحمد المجنون ..

[سوباوي]

وبعد سنين ليست بالطويلة توازن أحمد حسين بما يكفيه فقط لامتهان التمريض وعمل

ممرض بمستشفى كبير .. ولكنه كان يواظب على دراسة كل مقررات كلية الطب بطريقته

الخاصة ويبذل الكثير من المال لتصوير كل المحاضرات من طلاب كلية الطب الذين تأتي بهم

الكلية لقضاء فترة التدريب بالمستشفى، وحدث أن أقتلعته الشرطة مرات عديدة من داخل

أروقة كلية الطب وهو يتسلل لحضور بعض المحاضرات أو متسللاً لدخول "اللابات" فيعاود

الولوج لعالمه مرة أخرى ليصبح نصف عاري يغني بصوته الرخيم

"أنتو تذاكروا في دروس اليوم ...

ونحن نراجع في درس باكر" ..

صار أحمد حسين يطلقون عليه الممرض الطبيب .. إلى أن توفي منتحراً بجرعة زائدة من

الأقراص الطبية التي تناولها بنفسه ليقتل فضول من حوله و نظرة القاصرين إليه كمجنون

فاشل قبل أن يقتل نفسه ليغادر عن أنظارهم في هدوء اختار طريقه بيده ..

[سوباوي]

وبالمقابل كان صديقي كمال الشريف طالباً بكلية الطب آخر ما قابلته كان بالسنة الثالثة،

قضينا ليلة جميلة بغرفته بداخلية "حسيب" وكان من الشواذ أكاديمياً أيضاً .. اختفى كمال الشريف

لمدة عام ثم قابلته عن طريق مصادفة جميلة رتبت نفسها أو رتبت لي أقداري لألتقيه شخصاً آخر ..

في وسط السوق العربي .. شخصاً يقلدني بلا مقدمات ودون أن يعطني فرصة أن أتبين ملامحه، نبرة

الصوت ليست بغريبة على أذني ولكن حشرجة بكائه كانت تغيب عني بعض الملامح ..يا لسخرية القدر

كمال الشريف بعد غيبة .. ماذا حل بك يا رجل؟ ثم يريني أثر القيد على يديه ورجليه .. أصحبه معي

إلى المنزل ويحكي لي كيف قضى عام بأكمله حبيس القيود .. في مسيد سيدي الحسن بمدينة كسلا ..

بسبب بساطة أهله والتباس أمر نقاء سريرته عليهم فأجمعوا فيما بينهم على أنه مجنون ولا بد من

الذهاب به لسيدهم الحسن .. وكل ذنب صديقي كمال الشريف .. أنه عندما يسمع القرآن يدخل في حالة

أخرى وكان كمال الشريف بالرغم من دراسته للطب إلا أنه يجزم بأن بجوفه قلبين يتعامل بأحدهم مع

الناس ويتعامل مع الله بالآخر مما يجعله يدخل في تلك الغيبوبة عند سماعه كلام الله .. تم فصل كمال

الشريف من كلية الطب بعد تغيبه من الجامعة لمدة عام بأكمله دون غياب مبرر ودون أن يعرف أحد من

دفعته شيء عنه .. وساءت ظروفه هو الآخر .. وجد فرصة للعمل صباحاً كعامل تقديم وجبات في فندق

سفاري بالسوق العربي، ومساءً مسجل لأسماء المرضى عند أحد الأطباء المشهورين وكلما ذهبت إليه

في الفندق لتناول فنجان من القهوة برفقته في وقت راحته وبعد أن ننهي ما تناولناه من مواضيع

متفرقة أودعه مغادراً وأقول له سلمت يداك يا دكتور أحرف جراح ما يعالج فنجان قهوة يعدل المزاج

زي قهوتك دي، فيضحك ويرد لي بكل ما أؤتي من سخرية والله يا صحبي الدكترة فارقناها فراق

الطريفي لي جملو .. ثم يعقب مستفهماً أنت يا سوباوي أخوي الطريفي ده كان مقيد في مسيد سيدي

الحسن ولا جملو ده فارقو كيف؟؟ .. ثم نضحك كما لم نضحك من قبل .. وأقول له يا كمال الشريف

يا صاحبي أنت مجنون والمجنون حكمته عايرة وتحتاج لمن يروضها .. وسؤالك ده سؤال عاير ويحتاج

لمن يروضه أيضاً .

[سوباوي]

سيظل المرحوم أحمد حسين والمفصول الدكتور كمال الشريف .. كأشرف

رجلين عرفتهم في حياتي وكأجمل رفيقين أنفقت برفقتهم أروع سنين

من عمري، لهم بحوزتي أطنان محبة وكمين فجر يضحك لسيرتهم الندية ..

وحدهم في الوجود المجانين لا غيرهم القادرون على التعبير عن ذواتهم

بوضوح .. وحدهم القادرون على النفاذ لعوالم أنقى لا يحسها سواهم ..

وحدهم العقلاء في هكذا عالم مجنون .

[الفارس البنفسجي]

هل المجانين سعداء؟
وهل يدركون السعادة ؟
قد يعيشون الرضاء النفسي
من خلالهم ولكن هل يدركونه؟
أم يعيشون بين جنبات البشر
كأنهم ليسو ببشر حتى في نظرهم؟
وهل بين الجنون والعقل شعرة ؟

سلمت على هذا الطرح الذي يخاطب العقل

[سوباوي]

الجميل .. الفارس البنفسجي

يا صديقي الرضا النفسي باب سماح مشرع لتلج منه السعادة ويعتلي الرضا شجرة الروح ...

لا أجزم تحديداً أن ما بين العقل والجنون شعره .. ولكن ما يجول بخاطري أن بين العقل

والشعرة جنون نائم إلى أن تبلغ حكمته جموح تخرج به عليه ..

لك كل ودي يا فارس وكم يعجبني انتقائك للون البنفسجي لا أدري ما هو سر ارتباطه

لدي بالأمسيات وتحديد الهوية .. أوا .. يكون لا زال صدى صوت الأستاذ الراحل مصطفى سيد

أحمد يداعب المسامع حين يرتدي اللون البنفسج ويعتلي الشكل الهوية ..

كما يعجبني أيضاً يا فارس نفسك المتزن في كتاباتك ...

شامخ تحياتي وعميم احترامي .. وكن وبحوزتك كل البنفسج ..

[سوباوي]

إنها بنت بقامة نخلة ولون أبونسي طاعم .. وابتسامة بحجم السماء .. ومن

خانة نبوتها نزلت بمسافة أكثر من أن تهبشها غنية .. حين بدأت تصرخ في منتصف

أحد ليالي الصيف .. النار .. الحريق .. الحريق .. والفريق ستأكله النيران ..

واستيقظ كل الفريق على صراخها .. سائلين أين النيران فقالت النيران في روحكم

دي وجوه نفوس كثيرين كان ما لحقوها يا ها الحارقانة ومرقده الفريق رماد ..

وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة عايرة تحتاج لمن يروضها .. وتوالت الأيام

والشهور وربما السنين على هكذا حال ولا زالت حكمتها عايرة .. إلى أن قدم لفريقنا

ضيف يعزه الجميع .. تربطه علاقة صداقة باثنين من الأقرباء الراقين .. فكان الأستاذ

"يحيى فضل الله" ذات ليلة قدومه قد استيقظ مثله مثل أهل الفريق على صوتهاوحكمتها

العايرة .. ولكن هذه المرة وجدت من يروضها .. فما طلت شمس اليوم الثاني إلا وكانت

حكمتها مهرة جميلة تختال في يد سايسها الشاعر يحيى فضل الله ومن ثم في حنجرة مغنيها

الراحل المقيم فينا إلى يومنا هذا مصطفى سيد أحمد ..


ياضلنا المرسوم على رمل المسافة وشاكي من طول الطريق

قول للبنية الخايفة .. من نار الحروب تحرق بيوتات الفريق

قول ليها ما تتخوفي دي البسمة بتجيب الأمل .. والأمل بصبح رفيق ..

والأصلو في الجوف اندفن

لا بتنسي .. لا بتمحي .. لا بنتهي

الفينا من آهات أليمة .. في حكاوينا القديمة ..

لا بيرحل عن عيونا لا بتغشاهو الهزيمة

القبيل راجينو نحنا يوم تمطر بيهو غيمه

لما تمطر يوم علينا الفرح يملا المدينة والبلودات الحزينة

ياضلنا ..


شفتو الحكاية دي كيف . . نعم .. وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة

عايرة تحتاج لمن يروضها ..

واحد من الحرفاء في تنزيل الأغاني يلحقنا بالحكمة المروضة دي .. وينزلها لينا

مسافة تهبشنا في روحنا العايزة تعير دي ..

وله في ذمتي دين بكمين أمنية يشتهيها تأتيه قادلة على أنفاس محبوب/ة أنيقة ..

[سوباوي]

لم يكن ذلك الضابط الممشوق القامة المتقد الذكاء الوسيم الملامح والذي حُكي لي الكثير

عن تاريخه العسكري، سوى "أبو علي" المشهور بـ "سوار" وتضاربت الأقوال حول

أسباب جنونه فمنهم من يقول أنه غدر المحبوبة التي تزوجت بغيره .. ومنهم من يقول أنه

أعتقل في إحدى الإنقلابات العسكرية وقتل كل زملاؤه ونجا هو بأعجوبة ومنهم من يقول

أنها الحرب فخصه أهل القرية باسم سوار وأطلق عليه هذا الاسم نتيجة لسيره السريع

المتواصل في كل الأوقات في أزقة القرية وشوارعها الرئيسية وحواليها .. يقطع "سوار"

هذه المسافات وهو يرتدي جلبابه النظيف دوماً .. ولا يتحدث لأي مخلوق كان .. سوى

بعض الشباب الذين يقفون في أوقات العصر على نواصي الطرق للدردشة مع بعضهم

للترويح عن أنفسهم .. وعندما يمر "سوار" من ناحيتهم فمنهم من يعترض طريقه طالباً

منه "سفة تمباك" أو "سجارة بينسون" والتي كان من المحال أن لا تكون بحوزته .. فما

كان من أبو علي إلا أن يبتسم مشيحاً بوجهه إلى الخلف ويمد كفه في كرم حاتمي لمن

طلب "السفة أو السجارة" ثم يغادر في قلق واضح .. هكذا كان أبو علي منذ أن

رأيته وهكذا كان برنامجه اليومي .. وكان شوقي المشهور بأبو الشوش .. يوقت

"لسوار" يومياً عند الخامسة حيث يمر من أمام منزله ليمد له كفه طالباً منه

"سفة أو سجارة" وذات يوم لم يكن مع أبو علي سوى سيجارة واحدة وكان للتو

قد أشعلها ثم فاجأه أبو الشوش بطلبه المعتاد .. فتوقف "أبو علي" واضعاً السجارة

بين شفتيه وبحركة هادئة من يديه أشار لأبو الشوش بأن ليس لديه سوى هذه

السجارة فقط فما كان من أبو الشوش إلا أن مد يده آخذاً السجارة من بين شفتي

أبو علي الذي ظل يبحلق في أبو الشوش بإندهاش ثم قال له ولأول مرة ينطق

مع مخلوق في الشارع .. "يأخي قالوا خذوا الحكمة من أفواههم وليس السجائر"

وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة عايرة تحتاج لمن يروضها ..

ومن يومها ترك أبو علي ذلك الطريق ولم يشاهده أحد وهو يدخن أبداً ..

"يتبع"

[هشام السماني إبراهيم]

ونحن في الانتظار اخي

سلمت

[سوباوي]

الوقور .. هشام السماني ...

سلمت أنت يا سيدي على مرورك بنواصي هذا البوست .. أنها عوالم

أكثر صراحة .. لأناس تكون حواراتهم السرية بينهم وبين ذواتهم جهراً تترجم

سلوكاً و أفعالاً يمارسونها بكل عادية وهم في أعلى حالات رضائهم عن النفس ..

مرونق تحياتي وكن بخير .. بخير أبداً ..

[مرتضى يوسف العركي]

سوباوي وكفى
فاي من مفردة لاتخرج من سوباوي
يكفى اسمه ليروضنا ويروضها سويا ....
يقال عني حبيبي سوباوي اروش .. ومرة درويش ...لا اجيد كثيرا من الاشياء وتوافقها
بيد انني في حضرتكم دوما اجنح لمدارت قصية ...ما ابعدني وانا في كامل اتزاني مجاراة مسارات الحياة وتامل تفاصيلها التي حتما تهرجلها تقديراتي الجينة الروشاء كما يوقن البعض وبمن فيهم انا فكيف يكون الحال عند مجاراتك ... اخشى على نفسي ان اسرح يوما ولا اعود وصدقني مرة اخرى انني سعيد حينها ...
واصل ايها المتمدد فينا سماوات تهمي غمام ...اتابع بلهف كطفل انتزع لعبة اخيرا ...
ترقبها منذ فترة ليست قصيرة ...قرب تعال ماتبتعد ...
وكفى حتى لا اهرجل اللوحة ام الريشة ام سوباوي ام الحكمة ام جنون حكيم
اسمح لي بالمغادرة ...لاعود مرة اخرى لمزيد من الفهم والتامل فقد حوى البوست اكثر مما اعي ..

[ناصر عمر دبيب]

سوباوي ياوفي

[مثني ودالعيكوره]

الم اقل لك انك مستّف ابداع ايها السوباوي..

انكشح فينا ... دثرنا من لفح الايام ولظاها بكلماتك

حرفوك تخلعني وتقلعني من احساسي المكان ...

فأجثو عند قلمك علي ركبتي كما الحوار مع شيخه..

لعلي افوز بقصاصة و (بخره) يُخرج دخانها جنون العاقل...

دع حكمتهم عايره فينا ... وطيعها كيفما تشاء

مع عاكر مودتي..

[مثني ودالعيكوره]

كان مستلقي علي قفاه في ظل (المظله) التي تقف محازيه لخط الخرطوم مدني ، متوسداً (فزّعه) من حطب السنط ومن فوق الفزعه يضع مخلاه كانه يتحاشي بها غلظ وحِدة شوك حطب السنط عن راسه، وجهه ابنوسي تتناثر عليه بعض اللحيه العشوائيه وعلي جبينه خطوط وبثور تحكي عادات وتقاليد القبائل الاستوائيه... ولكنه كان مربوع القامه غير بائن الطول كما هو حال انسان القبائل الاستوائيه .
ثيابه رثه نصفه الاعلي شبه عاري ونصفه الاسفل يلبس بنطال غير ان احدي رجلي البنطال تظهر حتي فخذه اما رِجل البطال الاخري مسدوله حتي انها تغطي قدمه الحافيه ، وحول خاصرته قارورتين (كرستال) مثبتتين بحبل (زعف) طرفاه قد ضاعا تحت هذا الجسد المدود.
لا أدري ما الذي جعل نجم الدين ومجاهد ان يدنوا من هذا (المجنون) ويُديرا معه دفة الحديث... ولكن علي ما يبدو أن الجلوس علي (المصطبه) قد أعيئّ أستهما وارادا ان (يكسرا الزمن) وأن يصنعا موضوع من الا موضوع
وكما قيل: (عدم الشغله بعلم المُشاط ) .
إبتدره نجم الدين بسؤال : "انت جاي من وين؟ وماشي علي وين؟؟" كان هذا السؤال بعد ( لكده ) رفسه من رِجل نجم الدين التي تنتعل (سفنجه) الي كراع (المجنون) الحافيه المستلقي علي قفاه...
وفي حركه لا إراديه إنجذب جسد (المجنون) علي بعضه (كما الدوده) وأمام إندهاش نجم الدين و مجاهد كان رد (المجنون) : "جايّ من بلاد الله وماشي بلاد الله" ... ولم يكن الاندهاش لتركيب عبارات الاجابه فحسب بل لانها خرجت مستقيمه فصيحه مبرأءه من لكّنة القبائل الاستوائيه وتحمل في طياتها صوره مغايره عن التي يبدو عليها صاحبها (المجنون) ، لكنه اثبت صورة المجنون حين أتبع تلك الاجابه بقهقه هستريه مدويه..
ثم إنزوي (المجنون) الي إحدي أركان المظله ساحباً فرعته التي كان يتوسدها ليغطي بها قدماه الحافيتان كانه خجل من أثار الشقوق و (ابوالضباح) التي تغطي قدماه ولكن أحسست بالعلاقه التي بين هذه الاقدام وبين الارض التي غادرها الفيضان تواً.
أثار حفيظتي هذا (المجنون) واردت ان اشبع فضولي ولعلي لم أجد قاسم مشترك بيننا او لم اجد خيط بدايه غير هذا السؤال.. فدنوت منه وسالته : "أجيب ليك مويه تشرب ؟؟"
رفع (المجنون) بصره نحو ورد : "إذا من النيل بشرب لانو اي مويه غيره غير صالحه للشرب لانه من أنهار الجنه وانا قواريري ما بملأهم الا من النيل ، مش هو قريييب من هنا ؟؟؟"
إتسعت مساحة الزهول داخل نفوس الجميع لتغطي كل الوجوه بل (تطفّر من العيون)..
استجممت بعض من عقلي قلت : " العرفك انها ما صالحه شنو ؟؟ والناس ديل كلهم بيشربوا كان كلامك صحيح كانوا (لحقو القُتُس) وكلهم ماتوا ".
فرد بضحكه مجلجله لا تصدر الا من (مجنون) وفجأه قطع هذا الضحكه .. ثم بعدها عبس وجهه...
ثم حرك يديه اللتين لا تختلفان كثيرا عن رجلاه حركهما نحو خاصرته وهو يرخي ذلك الحبل المربوط حول عنق القارورتين و قال لي : "الماء النقي هو اصل الحياة و وجل الحضارات قامت علي مجاري الانهار إبتداءً من حضارة بابل حول دجله والفرات وحضارة الفاراعنه حول النيل وحضارة اكسوم في الحبشه والحضاره اليونانيه وكل الحضارات ماعدا الحضاره الاسلاميه حيث قال الله (واسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع) فمن اهم معجزات الحضاره الاسلاميه انها انتعشت بعيداً عن مجاري الانهار " ثم توقف عن الحديث وسط وجوم وصمت الجميع (كأن علي رؤوسنا الطير) ولم يكسر هذا الصمت الا ضحكه أطلقها (المجنون) أتبعها بقهقهات متتاليه واحده تلو الاخري وهو ينهض واقفاً يلملم في عيدان (فزعته الحطبيه) وباقي مخلاه .. وينصرف مبتعداً وهو يردد "هم بشربوا لكن ما رويانين" وهم بشربوا لكن ما رويانين...

[فراس]

اخي سوباي

وبعد مرور مايقارب علي العامين علي هذا البوست

لكن له سحر خاص ومن خلال متابعتي لكتاباتك

اخي سوباوي ادركت انها معتقة ولاتبلي

فما زلنا نحن في محطة الانتظار فهل تاتي

وتقلنا حيث الابداع والمتعة ام سيطول الانتظار

دمت بكل الخير

[ابوخالد]

إنها بنت بقامة نخلة ولون أبونسي طاعم ..
وابتسامة بحجم السماء .. ومن
خانة نبوتها نزلت بمسافة أكثر من أن
تهبشها غنية .. حين بدأت تصرخ في منتصف
أحد ليالي الصيف .. النار .. الحريق .. الحريق ..
والفريق ستأكله النيران ..
واستيقظ كل الفريق على صراخها ..
سائلين أين النيران فقالت النيران في روحكم
دي وجوه نفوس كثيرين كان ما لحقوها يا ها
الحارقانة ومرقده الفريق رماد ..
وأياً من مجنون لا تخرج من فمه الحكمة
عايرة تحتاج لمن يروضها

*****************************


أيها السامقُ دومآ فى فضاءات
الحنين ......

أيها الفكرة ....

سوباوى ....

إنها حقآ كما

ذكرت قصةً بقامة نخلة ... ولون أبنوسىٌ طاعم ...
وكلماتٌ بحجم السماء.... وألفاظ تطاول ردفها فحوت فصول هملت ...
وتواشيح الكبرياء ... وروعة تاسعة السيمفونيات لبتهوفن ....

إنها لوحة .... التداخل فيها متعة ... والخيوط بدت متينة...
متماسكة.... رقيقة .....

فلك الشكر بحد الروعة... إمتداد البصر ....

[أشرف صلاح السعيد]

اخى سوباى سلامات..
لى عشق غير خفى لما يسمى بالمجانين..وأحسبهم يرونى حلقة وصل بينهم وبين مايدعون العقل..
كنا بمدرسة الأميرية المتوسطة وكان بفصلى صبى هادئ لا يحب الاختلاط ولا الهرجلة والهطرقات..كثيرا كان يتحدث صمته وكثيرا كانت تتحدث ضوضاء غيره..إتفق الثرثارون على أنه غير طبيعى بل ومجنون..
كنت أرقبه دون أن يرانى حتى لا يحس بأنى أهتك خلواته وأفرض نظراتى على عويلماته التى لا يعرفها إلاه..
ويوما ما نفضت عنى جبنى ومسبق الأحكام عنى وماأسقطه الآخر حكما على شخص محمد وكان هذا اسم الصبى ..جلست بجواره دون إستئذان وباسمته متسائلا لما لا يشاركنا الكلام..وبلحظها أحسست بأن كل رفاق فصلى قد جزعوا لما قد يصيبنى بما سموه مجنون الفصل..وفى أدب غير متكلف وعذرى تبسم لى محمد وعينيه بها إعجاب لإقتحامى عالمه الذى يخشاه الجميع..وبصوت متزن وفكر مستقر رد على سؤالى :لأن الناس تخشى صمتى وتتحاشانى ..
ومن يومها كنا أصدقاء وكنا نتجاذب أطراف أحاديث بلا إبتذال وبلا ثرثرة ولا تكرار..
حيبنها عرفت بأنى مابين الجنون والعقل وأنى وصلة أحب أن أكونها لأنى فشلت أن أكون مجنون كامل مثل جن أؤلئك العقلاء..

[سوباوي]

الراقي .. مثنى ود العيكورة ..

أزيك أيها العكاري الجميل .. هكذا هم يا مثنى يطلقون الحكمة كمهرة جامحة

فنحتاج نحن العقلاء أن نروضها .. فنجد أنهم خرجوا لنا بأجمل المقولات ..

فهكذا نحن العقلاء نسايس ما يخرج عائراً من أفواههم فنكون نحن المجانين

في حضرة أروع العقلاء .

مؤكد تحياتي يا صاحب وكن كما تود،،،

[سوباوي]

الجميل .. فراس ..

شكراً أنيقاً لك يا فراس وأنت تهوم على نواصي هذه الكتابات برغم ما مضت عليها من

أزمان ..

البوست دي بالتحديد يا فراس له مساحة خاصة بداخلي يجوز أن يكون لما ينتابني فيه

من نوبات حنين .. لذكرى أشخاص حقيقيون لا زلت أردد أنهم أجمل من أنفقت برفقتهم

أروع سنين من عمري، لهم بحوزتي ولك يا فراس أطنان محبة وكمين فجر يضحك

لسيرتهم الندية .. وحدهم في الوجود المجانين لا غيرهم القادرون على التعبير

عن ذواتهم بوضوح .. وحدهم القادرون على النفاذ لعوالم أنقى لا يحسها سواهم ..

وحدهم العقلاء في هكذا عالم مجنون.

مؤكد تحياتي يا فراس وكن بخير .. بخير أينما كنت

[سوباوي]

الموقر .. أبو خالد ..

أزيك يا زول كتاب وحريف مفردة .. لسبب من الأسباب يا صاحبي أحس أن بيننا محطات

كثيرة يجب أن لم يكن.. أن نلتقي فيها ..

هكذا هم المجانين يا خالد يؤسسونا أجمل المعطيات وبصراحة مطلقة .. ولهم بصيرتهم

في قراءة الأحداث ..

ياخ حاجة تحير لما كنا في معسكرات الخدمة الإلزامية كنا نقابل وبيننا أسوار المعسكر

أحد مجانين السوق ولا يحلو له إلا أن يأتينا مساء وننتظره نحن حينما يقول (زمن .. أنتوا

محبوسين أحرار .. وأنا حر محبوس) ثم يصفق كفيه ويضحك ويضحك فينصرف ونظل

واقفون إلى آخر خيط سمع يربط بيننا وبين ضحكته المجلجلة..

أو ليس هم هكذا عقلاء في عالم مجنون ..

مرونق تحياتي يا أبو خالد وكن بالجوار .. بالجوار ما أمكن،،

[سوباوي]

الجميل .. أشرف صلاح السعيد ..

أزيك يا صاحبي .. سعيد أنا لأن تلج هذا المكان .. قرأتك في مكان ما وأنت برفقة صاحبك

أوان ذهبت معه إلى السوق ودخلتم أحد المتاجر ثم ظن فيك الظانون ما ظنوا لأجل

مظهرك .. فضحكت ملئ فمي .. وتعجبني على حد قولك محاولاتك الفاشلة أن تكون

صريحاً على الإطلاق تذكرني يا أشرف واحد من أصدقائي الجميلين كان مجنوناً أو مجنتر

كما نطلق عليه فكنا كثيراً ما نخرج سوياً لبعض الزيارات فكان يحاول أن يكون عادياً لدرجة

أن تفهم أنه ليس عادي .. فقلت له يا صاحبي كن مجنوناً كما أنت وستكون أجمل

العقلاء .. لك التحيات السوامق يا أشرف ولك راسخ المعزات

وكن متعافي وبخير ،،،