aborawan
04-02-2006, 09:28 PM
ها نحن في الشهر الثاني. انحسرت موجة الأماني ونحن نقضم هذا العام شهراً شهراً. ولعلّه هو مَن يقضم عمرنا أثناء جلوسنا على مائدة وعوده.
لكأنّ السعادة مطلب مرهون بالأعياد والمناسبات، التي تُذكِّرنا بفداحة خساراتنا السابقة، وتُمنّينا بأوقاتٍ أكثر بهجة.
آن لنا أن نعي أن السعادة اكتشاف متأخِّر، نقع عليه عندما نكون قد خسرناها. إنها الفردوس المفقود حيناً، والموعود غالباً· قَدَر السعادة أن تكون عصفوراً مُعلَّقاً على أغصان الذكرى، أو على شجرة الترقُّب. وذلك الأحمق الذي قال: "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة"، أظنّه كان طبّاخاً أو موظّف بنك، يعمل في رصد هزّات البورصة، فلو كان شاعراً لأدرك أنّ السعادة، هي المسافة الفاصلة بينه وبين الشجرة، لا أكثر. إنها طائر على أهبة الإفلات من يدنا عند أول سهو. لذا، كي نكون أهلاً لها، علينا أن نعيشها كلحظة مهدّدة، وفرحة منهوبة، غافلْنا الزمن لنسرفها من قبضته.
البعض، يتسلّق شجرة المصادفة، ويتعلّق بأغصانها على أمل قطف ثمار البهجة من قبل أن يتأكّد إنْ كانت قد نضجت. وقد يقع أرضاً ويُصاب بكسر ما، أثناء مطاردته طائراً لن يمسك به في جميع الحالات ثم، يحدث يوماً أن يحطّ ذلك الطائر على درابزين شرفته، أو يذهب حدِّ تناول ما تساقط أرضاً من فتات عند أقدام مائدته، وتغدو السعادة عندئذ مرهونة بفطنة المرء، وتنبُّهه إلى وجودها.. عند قدميه!
من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء: "السعادة في بيتك، فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين". ذلك أننا كثيراً ما لا نتنبَّه إلى الأشياء التي تصنع سعادتنا، لمجرّد أنها في متناولنا، وملك يدينا. وننصرف عنها إلى مراقبة وتمنِّي ما هو في حوزة الآخرين، بينما معجزة السعادة، تكمن في مواصلة اشتهاء ما نملك، والحفاظ عليه كأنه مهدَّد بالزوال. بدل هدر العمر في مطاردة ما قد يصنع تعاستنا إن نحن حصلنا عليه.
أمام كلِّ أمنية، يحضرني قول أوسكار وايلد: "ثمَّة مصيبتان في الحياة: الأُولى ألاّ تحصل على ما تريد. والثانية أن تحصل عليه!".
في هذه الحكمة ما يواسي خسارات بعضنا، بمكاسب البعض الآخر، التي إن تعمّقنا فيها وجدناها ضرباً من ضروب الخسارة الباذخة.
الدليل جاءنا مُجدَّداً، في إحدى الدراسات الإنسانية التي تمّ إعدادها في إسبانيا، بعد متابعة متأنية لحياة ثلاثمئة ثريّ إسباني· صعقتنا النتيجة فرحاً، نحن التعساء. ذلك أنّ "الشباب والصحّة والوظيفة والملامح الجميلة والسيارة الفارهة، كلّها لا تجعل الإنسان سعيداً". ولو أُجريت هذه الدراسة في "موناكو" لكان أميرها وأميراتها دليلاً على ذلك.
أكد الأثرياء الثلاثمئة أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان، لعلمهم أن إعجاب الناس بهم يعود لكونهم أغنياء فقط، مؤكدين أنّ المباهج البسيطة للحياة اليومية هي ما يفتقدونه، بسبب الثراء الفاحش الذي يُعرِّضهم لمستويات عالية من القلق، لعلمهم أن الأقارب والأصدقاء لا يفكرون سوى في استغلالهم.
اعتراف يجعلنا، لفظاعته، نُصدّف قول الشاعر:
"كل مَن لاقيت يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟"
وماذا لو كانت الدنيا للذي يملك الأقل؟ إحصائية عالمية أُخرى أُجريت في اثنين وعشرين بلداً، انتهت إلى كون عوامل السعادة التي نالت أكثر النِّسب، انحصرت في عاملي الأُسرة والصداقة، وتساوى فيها تأثير الفقر والغنى.
الْمُفارَقَــة جاءت من وجود الشعب الهندي في المرتبة الثانية بعد الشعب الأميركي، متقدماً على غيره من الشعوب الآسيوية والأوروبية.. ولم أجد تفسيراً لسعادة ملايين الجياع والفقراء في الهند، إلاّ في قول جيمس بروير: "السعادة إحساس تحصل عليه عندما تكون مشغولاً، لدرجة لا تستطيع معها أن تحزن". فانشغلوا.. تسعدوا!!
أحلام مستغانمي
لكأنّ السعادة مطلب مرهون بالأعياد والمناسبات، التي تُذكِّرنا بفداحة خساراتنا السابقة، وتُمنّينا بأوقاتٍ أكثر بهجة.
آن لنا أن نعي أن السعادة اكتشاف متأخِّر، نقع عليه عندما نكون قد خسرناها. إنها الفردوس المفقود حيناً، والموعود غالباً· قَدَر السعادة أن تكون عصفوراً مُعلَّقاً على أغصان الذكرى، أو على شجرة الترقُّب. وذلك الأحمق الذي قال: "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة"، أظنّه كان طبّاخاً أو موظّف بنك، يعمل في رصد هزّات البورصة، فلو كان شاعراً لأدرك أنّ السعادة، هي المسافة الفاصلة بينه وبين الشجرة، لا أكثر. إنها طائر على أهبة الإفلات من يدنا عند أول سهو. لذا، كي نكون أهلاً لها، علينا أن نعيشها كلحظة مهدّدة، وفرحة منهوبة، غافلْنا الزمن لنسرفها من قبضته.
البعض، يتسلّق شجرة المصادفة، ويتعلّق بأغصانها على أمل قطف ثمار البهجة من قبل أن يتأكّد إنْ كانت قد نضجت. وقد يقع أرضاً ويُصاب بكسر ما، أثناء مطاردته طائراً لن يمسك به في جميع الحالات ثم، يحدث يوماً أن يحطّ ذلك الطائر على درابزين شرفته، أو يذهب حدِّ تناول ما تساقط أرضاً من فتات عند أقدام مائدته، وتغدو السعادة عندئذ مرهونة بفطنة المرء، وتنبُّهه إلى وجودها.. عند قدميه!
من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء: "السعادة في بيتك، فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين". ذلك أننا كثيراً ما لا نتنبَّه إلى الأشياء التي تصنع سعادتنا، لمجرّد أنها في متناولنا، وملك يدينا. وننصرف عنها إلى مراقبة وتمنِّي ما هو في حوزة الآخرين، بينما معجزة السعادة، تكمن في مواصلة اشتهاء ما نملك، والحفاظ عليه كأنه مهدَّد بالزوال. بدل هدر العمر في مطاردة ما قد يصنع تعاستنا إن نحن حصلنا عليه.
أمام كلِّ أمنية، يحضرني قول أوسكار وايلد: "ثمَّة مصيبتان في الحياة: الأُولى ألاّ تحصل على ما تريد. والثانية أن تحصل عليه!".
في هذه الحكمة ما يواسي خسارات بعضنا، بمكاسب البعض الآخر، التي إن تعمّقنا فيها وجدناها ضرباً من ضروب الخسارة الباذخة.
الدليل جاءنا مُجدَّداً، في إحدى الدراسات الإنسانية التي تمّ إعدادها في إسبانيا، بعد متابعة متأنية لحياة ثلاثمئة ثريّ إسباني· صعقتنا النتيجة فرحاً، نحن التعساء. ذلك أنّ "الشباب والصحّة والوظيفة والملامح الجميلة والسيارة الفارهة، كلّها لا تجعل الإنسان سعيداً". ولو أُجريت هذه الدراسة في "موناكو" لكان أميرها وأميراتها دليلاً على ذلك.
أكد الأثرياء الثلاثمئة أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان، لعلمهم أن إعجاب الناس بهم يعود لكونهم أغنياء فقط، مؤكدين أنّ المباهج البسيطة للحياة اليومية هي ما يفتقدونه، بسبب الثراء الفاحش الذي يُعرِّضهم لمستويات عالية من القلق، لعلمهم أن الأقارب والأصدقاء لا يفكرون سوى في استغلالهم.
اعتراف يجعلنا، لفظاعته، نُصدّف قول الشاعر:
"كل مَن لاقيت يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟"
وماذا لو كانت الدنيا للذي يملك الأقل؟ إحصائية عالمية أُخرى أُجريت في اثنين وعشرين بلداً، انتهت إلى كون عوامل السعادة التي نالت أكثر النِّسب، انحصرت في عاملي الأُسرة والصداقة، وتساوى فيها تأثير الفقر والغنى.
الْمُفارَقَــة جاءت من وجود الشعب الهندي في المرتبة الثانية بعد الشعب الأميركي، متقدماً على غيره من الشعوب الآسيوية والأوروبية.. ولم أجد تفسيراً لسعادة ملايين الجياع والفقراء في الهند، إلاّ في قول جيمس بروير: "السعادة إحساس تحصل عليه عندما تكون مشغولاً، لدرجة لا تستطيع معها أن تحزن". فانشغلوا.. تسعدوا!!
أحلام مستغانمي