الزبير محمد عبدالفضيل
08-08-2005, 10:42 PM
الحكومة غُيبت تماماً عن الزيارة الغامضة
--------------------------------------------------------------------------------
من هو صاحب المصلحة الحقيقية في سقوط طائرة قرنق ؟
--------------------------------------------------------------------------------
لماذا أهدر الرئيس اليوغندي 26 ســاعة ثمـينــة
على رجـــال الإنقـاذ؟
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
قرنق كــــان يتوجس من مــــوسفيني بشهـادة لام اكـــــــــــول
--------------------------------------------------------------------------------
... لعلنا في هذا المقال رأينا أن نناقش ما حدث في الاثنين الأسود وتداعياته التي عكست كآبة الذين صنعوا الحدث سواء بالتصريحات الموهومة التي لا تستند إلى حقائق علمية أو موضوعية أو أولئك الذين شككوا فيه أو الذين استثمروا الحديث ببث الاشاعات هادفين إلى زلزلة المجتمع والدولة حتى يقطعوا الطريق أمام خط السلام الاجتماعي والسياسي الذي بدأ يسلك في خطوات واضحة نحو الوحدة والالتئام والانسجام في السودان.
ومن المعلوم للسودانيين انه بعد التوقيع على إتفاقية السلام وبروتوكولاتها الستة برزت قوى خارجية واقليمية وداخلية رافضة لمشروع السلام هذا وبالكيفية التي أتت به ورافضة للتغيير الذي يمكن أن يحدثه باسلوبه الثوري ومضمونه التقدمي.. ولقد سجل الفكر القرآني والثقافة الاسلامية مواقف هذه الفرق والاحزاب الرافضة للتغيير والمعادية للتقدم ورصد وادان اساليبها في العمل وحدد ملامحها وصفاتها النفسية والفكرية والتنظيمية.. ولعل أوضح مانعاه القرآن الكريم على هؤلاء هو الاستسلام الآلى لما يتوارثونه من فكر أو سلوك ثم الاحتجاج بهذا الميراث الذي لم تمحصه عقولهم على كل جديد يصطدمون به أو يصطدم بهم وهكذا تبقى حججهم تقليدية واعتذاراً ساذجاً يرفعها الرافضون للتغيير في وجه المجددين وفي مواجهة الساعين اليهم بالحق والحقيقة وبالسلام الاجتماعي وإبراز التوحد وإقامة فواصل الوحدة الوطنية وفي السياسة هناك لعبة قديمة تسمى (خلط الأوراق) يلجأ إليها الرافضون للتغيير للتمويه على الآخرين وخداعهم أو لستر قصورهم الفكري وعجزهم عن مواجهة حقائق العصر الذي تجاوز قناعاتهم وتخطى انتماءاتهم وطموحاتهم الذاتية بحيث تقوم اللعبة على حشد وترتيب نتائج زائفة على مقدمات قد يكون يسيرها صحيح وغالبها خطأ وتشويه بعض الحقائق وإخفاء البعض الآخر وتحريف الكلم عن مواضعه لتكون النتيجة مسخ المعاني المقصودة.. أو أن يتخذوا منهج التناول الجزئي للقضايا متجاوزين المعطيات الاجتماعية القائمة والمصالح المرسلة للعباد وضمانات السلام والسلامة في المجتمع وكلها أمور تتعارض مع انانية المعارضين للتغيير حتى يستروا قبح العقل بأن يختاروا بعض الجزئيات التي لا تتعارض مع مصالحهم ويلهثون وراءها ويثيرون ضجة من حولها يخدعون الناس بها.
ولعل كل القوى الرافضة للتغيير وهي تدافع عن مواقعها لا تتورع عن الافتئات على القوى الصاعدة التي تتقدم في إصرار لتحتل هذه المواقع . وفي حرب الدعاية الضيقة والحاقدة التي تشنها ضد حركة التقدم وضد الارهاصات الثورية وضد السلم والسلام الاجتماعي يكون لكل من الكذب والاختلاف والاشاعات والتشكيك دور رئيسي.
ونحن نؤمن بأنه ليس لنفس أن تموت إلا بإذن الله سبحانه وتعالى كتاباً مؤجلا. ولكن معرفة الحدث وتفسيره والاتعاظ به وتنزيله في حوار ونقاش هو الذي سيثبت دلالاته وهو الذي سيسهل على الناس استنباط دروسه.
وإذا كان المثل الشعبي يقول إن (الحرامي في رأسه ريشه) فلذلك دعونا نبدأ بفرضية خصوصاً بعد أن رأينا وعشنا ما حدث في يوم الاثنين الأسود وماتلاه من تدمير للممتلكات العامة والخاصة وانتهاك للعروض وقتل للنفس التي حرم الله وإنفلات للأمن ونهب الممتلكات.
ونقول إن هذا حدث رغم أن كل الناس كانوا يعلمون أن الشهيد الدكتور جون قرنق النائب الاول لرئيس الجمهورية مات في ظروف غامضة ليس للحكومة السودانية يد فيها وليس لها مصلحة تترتب عليها .. كما انه لم يكن داخل طائرة سودانية ولم تكن الحكومة السودانية على علم بمواعيده وجدول أعماله في تلك الزيارة المشئومة بل أن السفارة السودانية في كمبالا كانت مغيبة تماماً عن تحركات النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول د. جون قرنق ولم تكن حاضرة لا في استقباله أو وداعه .. وكل ما تم في أمر الزيارة الغامضة كان تدبيراً وتخطيطاً بين الدكتور جون قرنق والحكومة اليوغندية وغيبت الحكومة السودانية تماماً عن ذلك رغم أن في ذلك إنتقاصاً لمكانتها ولمسؤولياتها ولهيبتها إلا أن الحكومة السودانية لحرصها على ملف السلام وحرصها على أن يستقر هذا الملف كانت تتعامل مع الدكتور جون قرنق بطريقة إستثنائية وفي ذلك تعزيز لروابط الثقة والتعاون بين الطرفين بداهة والاستثناء في ذلك لأننا نعلم أن الحكومة السودانية رفضت من قبل لمساعد رئيس الجمهورية السيد مبارك الفاضل السفر للولايات المتحدة وأن أزمة سفره تلك أدت إلى الاستغناء عن خدماته وإقالته كمساعد لرئيس الجمهورية.
ولكن في أمر الدكتور الشهيد جون قرنق ولأنه جاء على أعتاب تحول سياسي كبير ما كان يمكن للحكومة أن تصارعه أو تمنعه وتقاومه وإنما كان لها أن تنزل على رأيه عندما صرح أنه ينوي الذهاب إلى يوغندا من أجل وداع أصدقائه فيها ولم يحدد جدول زياراته أو مواعيدها ورغم ذلك تم عرض الطائرة الرئاسية السودانية عليه ولكنه أصر على ركوب طائرته الخاصة.
ودعونا الآن نقلب القضية ونقول ماذا كان سيحدث لو استشهد النائب الأول الشهيد جون قرنق على طائرة رئاسية سودانية بذات الطريقة التي استشهد فيها النائب الأول السابق الشهيد المشير الزبير محمد صالح أو الشهيد ابراهيم شمس الدين أو احمد الرضي جابر وأبو قصيصة وفي سماء السودان؟ من المؤكد أننا يجب أن ننظر إلى ما حدث في يوم الاثنين الأسود ونضربه في مائة حيث كانت ستحترق الخرطوم على بكرة أبيها لأن كل هذه القوى التي ملأها اليساريون بثقافة الحقد والكراهية والهدم كانت ستخرج وستدمر خصوصاً وأن هذه القوى ولمدة عشرين عاماً أدمنت الهدم تحت ستار التحرير وأدمنت التدمير تحت ستار المظلومية ولذلك فإن كثيراً من الجماهير التي خرجت كانت مدربة على القتال وعلى الحريق والتدمير.. ونحن لا نلومهم على ذلك لأننا نعلم أن (تجييش الاطفال والصغار) قضية يعاني منها العالم لأن كثيراً من الذين خرجوا في مواكب الاثنين كانوا جنوداً منذ صغرهم ولم يتعلموا شيئاً غير لغة سفك الدماء والهدم كما أنهم شحنوا من قبل اليساريين واللادينيين بشحنات قوية عن وثبة الجنوب وعن حكم المهمشين وعن أنهم يستطيعون تغيير الدنيا ولعل هذا ما عناه المرحوم عباس محمود العقاد حينما تحدث عن المباديء الهدامة وكيف أنها تمثل أفيون الشعوب في رده على شعر الاشتراكية الماركسية (الدين أفيون الشعوب) لأنها تعبيء الدهماء وتقول لهم إنهم يستطيعون تغيير الواقع بقفزات في الظلام وأنها تعدهم الأماني والسلطة وهم لا يملكون شيئاً لبناء القدرات ولا يعرفون كيف تدار الأمور فلذلك ما حدث بالأمس كان نتيجة منطقية لتربية أمس الأول .
ولكن لنعود ونحاور المجموعة الشمالية التي جاءت لتتفاوض وتتقاسم السلطة باسم كتاب السودان الجديد ونسأل هذه المجموعة :على ماذا تتفاوض ؟ .. وماذا جاءت به في كتابها ؟ وهل هذا هو السودان الجديد الذي جاءت تدعو له ؟
إن ماحدث في الخرطوم يوم الاثنين لا يختلف عن ما حدث في كسلا من قبل وما حدث في شرق السودان وأن ذات الذين شجعوا الناس على حرق آبار البترول وأنبوب البترول وعلى إستباحة طوكر وعلى زرع الألغام وعلى قطع طريق بورتسودان وعلى نسف الاستقرار في بورتسودان هم ذات الذين جاءوا يتفاوضون على تقاسم السلطة بعد التوقيع على اتفاقية السلام .. وهم الذين يتحدثون ويعبئون الناس باسم المباديء الهدامة وباسم الشعارات البراقة الخاوية وباسم السودان الجديد.
ولذلك نسأل هؤلاء ماذا في كتابهم ؟ ولقد أدان بعض الذين وصلوا الخرطوم ماحدث فيها ولكن هل ماحدث في الخرطوم اختلف عن ما حدث في طوكر وكسلا وبورتسودان .. فالمدنيون هم المدنيون والابرياء هم الابرياء.. والذي يدفع الثمن هو السودان.
إن احداث يوم الاثنين الأسود مثلت فاجعة ومثلت (دفنة) لا رجعة فيها لما يسمى بكتاب السودان الجديد الذي يبشر به اليساريون رغم اننا نعتبر انفسنا من دعاة السودان الجديد الذي برزت مفاهيمه في اتفاقية نيفاشا للسلام. ولكن (مفهومية) كتاب السودان الجديد الذي تبشر بها مجموعة الفنادق التي مثلت وهيأت للحدث وهي التي مثلت العقل الذي أنتج الحدث هي ذات المجموعات التي هللت وكبرت لضرب مصنع الشفاء وهللت وكبرت لضرب انابيب البترول التي بشرت بأن كل انجازات السودان الحضارية إبتداء من مرحلة السيدين والزعيم اسماعيل الازهري وعبد الله خليل مروراً بعبود والنميري والبشير مجرد صفحات ضائعة في تاريخ السودان. وهم مَنْ بيدهم خلاص السودان وأن السودان أجهض البداية الحقيقية لمشروعهم الذي بدأ مع هاشم العطا في 19 يوليو ثم مع دعاة السودان الجديد داخل التجمع الديمقراطي.
ولعل هذه المقدمة مهمة لنتعرف على المخطئين ومن هم المجرمون ومن هم الذين غذوا العقول بالحقد الأعمى وثقافة الكراهية والإنعزالية حتى تكون قادرة على التدمير والقتل وحتى يعودوا إلى صفوف الحكم.
إن العناصر القاعدية التي تحركت باسم كتاب السودان الجديد معذورة لأنها لم تمارس غير الهدم والفتك والحرب في العشرين سنة الماضية.. ولذلك نقول ان التحدي الكبير الذي أمام النائب الأول لرئيس الجمهورية الجديد القائد الفريق سلفاكير ميارديت ومجموعته القيادية يدور حول كيف يمكن تحويل هذه النفوس سواء كانت شمالية أو جنوبية من الهدم إلى البناء ومن الحركة إلى الدولة.. وكيف يمكن للنائب الأول سلفاكير وقد علمنا أنه يحترم المؤسسية وأن من شعاراته تحويل النفوس من الهدم إلى البناء ولملمة الصف الجنوبي وفتح آفاق الحوار (الجنوبي- الجنوبي) وبناء المؤسسية والقدرات السياسية واعادة التأهيل الفكري والنفسي والروحي لأتباعه كيف يمكن أن يقود هذه الصفوف بعقلية البناء والعطاء والتمازج والتكاتف وكيف يمكن أن يشيع قيم التسامح والحوار.. وكيف يمكنه إعادة النازحين واعادة الاعتبار للمزرعة والمرعى بدلاً من التسكع في المدن.. وكيف يمكن إعادة الاعتبار للانتاج.. وكيف يمكن محاربة نمط ومنهجية نزلاء الفنادق ومعارضة الفنادق حتى لا يصبحوا النموذج المطلوب وحتى لا يصبح هذا المثال البغيض مثالاً لكل دعاة السودان الجديد.
لا نريد لابناء الجنوب وابناء الشمال أن يكونوا من طبقة متكسبي مرتادي الفنادق الاجنبية والعاطلين عن العطاء والقادرين فقط على التحريض والتشكيك والتدمير.
وهنا لابد من وقفة لنتساءل وبموضوعية وبمنطق مسئول من هو صاحب المصلحة الحقيقية في ذهاب ومقتل الشهيد جون قرنق سواء كان حادث الطائرة طبيعياً أو مدبراً ؟ وماذا يعني ذهابه بالنسبة إلى الحكومة وماذا يعني أيضاً ذهابه بالنسبة إلى معارضي إتفاق السلام سواء كانوا من أبناء الشمال أو الجنوب أو حتى القوى الاقليمية في دول الجوار ؟ إن الاجابة على ذلك واضحة وضوح الشمس للباحث عن الحقيقة ..فالحكومة ليست لها مصلحة في ذهاب رافع شعار السلام والوحدة والموقع على الاتفاق التاريخي الذي أشهد عليه العالم. إذاً من الذين لهم المصلحة الحقيقية في سقوط الطائرة الرئاسية اليوغندية التي كانت تحمل النائب الأول لرئيس الجمهورية قائد الحركة الشعبية الفريق أول الدكتور جون قرنق؟
وهنا لابد لنا من وقفة مع الرئيس اليوغندي (يوري موسفيني) من خلال مابدر عنه في الـ (72 ساعة) الماضية والذي أحدث خلطاً وإرتباكاً في النفوس وفي الصفوف.. فهو أولاً قد ذكر بأن الطائرة قد سقطت نتيجة لإرتطامها بجبال الاماتونج نتيجة لسوء الأحوال الجوية .. ثم يعود ليمحو ذلك ويقول بأن هناك إحتمالاً يشير إلى أن هناك تدبيراً أو مؤامرة وأن سقوط الطائرة ربما لم يكن نتيجة لارتطامها بالجبال؟ وهذه واحدة.
الأمر الثاني لماذا تأخر الرئيس يوري موسفيني عن إعلام الحكومة السودانية وإعلام المجتمع الدولي (26 ساعة) منذ أن انقطع الإتصال بالطائرة ومنذ أن أعلن عن فقدانها في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء السبت .. ولماذا ضيع موسفيني (26 ساعة) ثمينة على رجال الانقاذ كانت كفيلة لإنتشال من كان فيه بقية حياة أو حتى سماع كلماته الأخيرة وهو يلفظ انفاسه؟ .. وكذلك كانت كافية لمعرفة حقيقة أوضاع الطائرة وكانت كافية لمنح المحققين مؤشرات ولكن بعد الـ (26 ساعة) ومع الرياح العاتية والامطار الغزيرة تضيع آثار مهمة وتضيع الحياة.
وحتى إن أحسنا الظن فإن من لا يخطر الآخرين بأن هناك طائرة رئاسية يوغندية قد اختفت أو سقطت وهي تحمل النائب الأول لرئيس جمهورية السودان فلا بد أنه ليس حريصاً على أرواح من في الطائرة ولا حريصاً على مصير الطائرة ولا حريصاً على مراعاة الاجراءات المرعية في مثل هذه الحوادث.
وثالثة الأثافي وقبل أن تندمل الجروح وقبل أن تقوم الحكومة السودانية بترتيب البيت وقبل أن يتشاور مع الحكومة السودانية إذ به يدعو حكومات شرق افريقيا أو حكومات دول الايقاد إلى إجتماع طاريء لمناقشة أمر مستقبل جنوب السودان .. وماذا كان عند الرئيس موسفيني من أمور يمكن مناقشتها في أمر جنوب السودان والبلاد قد خيمت عليها الفاجعة والأحزان؟ .. ولقد أحسن الرئيس البشير باعلانه عن قيام لجنة وطنية مشتركة للتحقيق تضم خبراء من الحكومة السودانية وآخرين من الحركة الشعبية.
ومطالبته لكل من يملك معلومة بأن يسارع بتقديمها ومطالبته أيضاً للحكومة اليوغندية بتقديم ما تعرفه عن ملابسات الحادث. ومن المؤكد أن منهج لجنة التحقيق سيكون ذا إطار فني ولكن نحن نريد في إطار هذا التحقيق أن نقدم (فَرشَة) أو وجبة سياسية داخل إطار معلوماتي حتى تكون وصفة هادية ونبدأ بالتساؤل مرة أخرى عن من هو صاحب المصلحة في سقوط طائرة د. جون قرنق ؟ ولماذا ذهب الدكتور جون قرنق إلى يوغندا؟ .. في تقديرنا أن الزعيم د. جون قرنق ذهب ليوغندا لسببين.
السبب الأول ان هناك جيوباً للجيش اليوغندي داخل أراضي جنوب السودان وهي تعادل جيشاً موازياً لجيش الحركة الشعبية لذلك كان لابد له أن يتحدث مع الرئيس موسفيني في أمر هذه الجيوش وفي أمر سحبها حتى يكون جنوب السودان خالصاً لأبنائه لأن هذه الجيوش لا يمكن أن تكون خاضعة لأوامر القائد الاعلى الموجود وهو رئيس حكومة جنوب السودان الفريق أول د. جون قرنق.
والأمر الثاني أن هناك فئة من المعارضة اليوغندية موجودة ايضاً في جنوب السودان وهي حركة (LORD) أو جيش الرب ومن المؤكد أن النائب الأول للرئيس ما كان يريد أن يستهل وضعه في جنوب السودان باعلان الحرب على الجيش اليوغندي أو ضد جيش الرب.. لأن حركة لورد أو جيش الرب تنتمي إلى قبيلة (الأشولي) . وهي قبيلة مشتركة (سودانية - يوغندية) وأية محاولة للدخول في هذا المأزق تعني أن قطار السلام سينفلت وأن رياح الحرب ستهب وأن الحركة الشعبية ستدخل في مأزق جديد إن لم تتحل قيادتها بالحكمة في حل مسألة جيش الرب فلذلك كان لابد ان يذهب الدكتور جون قرنق ليناقش موسفيني في أمر هاتين القضيتين المهمتين.
ونحن نعلم كذلك أن هناك قضية أخرى وهي أن الرئيس موسفيني لا يريد أن يسحب جنوده من جنوب السودان بل انه كما صرح لكثير من الدوليين الذين زاروه يريد أن يكون جنوب السودان منطقة عازلة (Buffer Zone) بينه وبين شمال السودان.. بل انه صرح للكثيرين أنه قد آن الأوان بعد توقيع اتفاقية السلام لاستبدال قيادة جون قرنق للحركة الشعبية.
بل اننا نمضى اكثر من ذلك لنقول ان الرئيس موسفيني كان يعتقد أنه مجرد أن يتحدث معه القائد جون قرنق في مصير حركة لورد أو جيش الرب وسحب القوات المسلحة اليوغندية من اراضي جنوب السودان يمثل ردة من د. جون قرنق وخيانة لأنه يعتقد أن النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية ما هو إلا واحد من أتباعه وللتدليل على ذلك فلننظر الى ما كتب الدكتور (لام أكول) في كتابة(Inside in Africa Revelution) في صفحة (117 - 121) كيف كان الدكتور قرنق يتوجس من الرئيس موسفيني وعلى حسب ما ذكره صاحب الكتاب فإن الدكتور جون قرنق عندما كان يقيم في يوغندا وبمجرد خروجه من غرفته بالفندق إنفجرت داخلها قنبلة.
كما يجب في قراءتنا هذه أن نستصحب عدم رضا الرئيس اليوغندي عن مجرى سير المفاوضات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وكيف كان يطمح أن يلعب الدور الأساسي في هذه المفاوضات وكيف كان يعد لأن تكون يوغندا الأرض التي تستضيفها ولكن كينيا فازت بهذا الشرف مما أثار حفيظته ومخططاته لعدم بروز الدور اليوغندي في الاعلام العالمي.
إذاً آخذين كل هذه الاعتبارات في الذهن لابد للحكومة السودانية ولابد لقيادات الحركة الشعبية ولابد للنائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت أن يتم وضع استراتيجية للسياسة الخارجية وأن تقوم لجنة التحقيق بإظهار معطياتها وأن يباشر مجلس الامن صلاحياته في هذه القضية الشائكة.
كما أن هناك قراءة أخرى لموقف موسفيني على خلفية المثل السوداني (الحرامي في رأسه ريشة) الشيء الذي دعاه إلى إطلاق التصريحات التي أراد أن يخفي بها (الريشة) برسم كثير من علامات الاستفهام التي تبعد عنه الإتهام ونقرأ ذلك مع الحملة التي قادتها الصحف اليوغندية واتهامها لرواندا ورد الحكومة الرواندية عليها ولكن نقول .. إن الرئيس موسفيني كان يعلم ومنذ وقت بعيد ومنذ أن كان متواجداً في تنزانيا وتعرف على الدكتور جون قرنق وعلى بول كاجيمي وقبل أن يقوم بتأسيس مليشياته ويغزو بها يوغندا بمساعدة القوات التنزانية ويقلب نظام الحكم فيها ويعلن رئاسته ، نقول انه كان يعلم منذ ذلك الوقت ان يوغندا بلد (مغلق) لا يوجد به نفط إذ أن تقديرات الخالق تعالى جعلت منحنى النفط ومساربه في قلب القارة يبدأ من كينيا ثم يدخل على السودان من جنوبه ويمتد داخل كردفان ودارفور واجزاء من الصحراء الكبرى ثم ينحنى نحو دولة تشاد ثم نيجيريا ثم تنتهي مصائده في الكمرون على المحيط الاطلسي وعلى هذا رسمت الاستراتيجيات الأمريكية خططها على الاستحواذ على بترول أفريقيا وتجميعه في أنبوب واحد يصب في ميناء دوالا بالكمرون.
ولذلك ربط موسفيني مصيره منذ وقت بعيد بجنوب السودان. وبالبترول الرخيص فيه. ولذلك كان موسفيني وطوال مسيرته التاريخية دائماً ينظر إلى جنوب السودان كفضاء ليوغندا وساعد على ذلك أن مساحة يوغندا لا تتجاوز (95 ألف ميل) بينما مساحة جنوب السودان تبلغ (250 ألف ميل) أي أن يوغندا تمثل ربع مساحة جنوب السودان وهذه واحدة.
والأمر الثاني أن سكان يوغندا يمثلون ستة أضعاف سكان جنوب السودان إذ يبلغ تعداد اليوغنديين 26 مليون نسمة بينما تجد أن سكان جنوب السودان لا يتجاوزون في أحسن الاحوال 6 ملايين نسمة.
إذاً كان موسفيني ينظر وينتظر اليوم الذي يأتي ويكون هناك إتحاد كونفدرالي بينه وجنوب السودان أو حتى اندماج كلي في دولة واحدة وهكذا كان يرمي في مخططه الاستراتيجي حتى يكون جنوب السودان مصدراً للطاقة ومزرعة للايادي اليوغندية العاطلة وأن تصبح يوغندا التي كان يسميها المستعمر الانجليزي (لؤلؤة أفريقيا) بما فيها من امكانات سياحية وبحيرات كفكتوريا والبرت وغيرهما مناطق جاذبة للسياحة تستفيد من الموارد والامكانات التي سيفجرها بترول جنوب السودان .
وقد سعى الرئيس موسفيني في هذه الاستراتيجية مرة بما سماه تحالف القوى التقدمية الذي ضم اليه زملاءه الذين كانوا يدرسون معه في مدارس دار السلام بتنزانيا مثل الراحل د. جون قرنق وبول كاجيمي ثم إرتبطوا وقتها بداعية الاشتراكية الكبير الرئيس منقستو كما ارتبطوا ببعض الرموز العربية اليسارية وأسسوا لفترة قصيرة زواجاً سياسياً وفكرياً مع قادة اليمن الجنوبي.
وكل هذه التدابير نسقطها الآن لتنكشف السوءة لنبين أن إتفاقية نيفاشا للسلام واجهت الرئيس اليوغندي بانطلاق السودان العملاق والسودان الموحد. وأن الدكتور جون قرنق الذي كان موسفيني ينظر إليه كمجرد قائد لمقاتلي (الغوريلا) أصبح الآن النائب الأول لرئيس جمهورية السودان .. وأن وحدة السودان ستجعل من يوغندا دولة مغلقة وقزماً ضئيلاً ولذلك تبرز المؤامرات والتدابير غير الموفقة ومن هنا يمكن قراءة الموقف اليوغندي وقراءة مَنْ صاحب المصلحة المستفيد من إبعاد القائد التاريخي للحركة الشعبية لتحرير السودان.
والخلاصة .. أن موقف موسفيني وتصريحاته المشككة يمكن قراءتها بالنظر إلى أنه لم يبلغ المجتمع الدولي ولم يمكنه من مباشرة مسؤوليات الانقاذ للطائرة اليوغندية المنكوبة واضاع ساعات ثمينة كان يمكن أن يحدث فيها إسعاف للضحايا .. كما انه تصرف إزاء موقف سقوط طائرته التي حملت النائب الأول لرئيس الجمهورية السودانية كأنها بضاعة يوغندية خالصة.. وجاء بعد هذا السكوت الذي إستمر 26 ساعة ليدخل بتصريحاته غير المسؤولة المنطقة كلها في فوضى عارمة كما فعل من قبل في منطقة البحيرات التي لا تزال تحترق نتيجة لانفجار طائرة رئيسي رواندا وبوروندي بعد إقلاعها بدقائق من مطار (عنتبي) ولا تزال المنطقة تغوص في وحل من الدم.
ومع ذلك ووسط كل هذا الخلط في لعبة تبادل الأوراق والتصريحات ووسط كل المؤامرات المحلية والاقليمية فإن على السفينة التي تحمل الانقاذ ورجالها أن يستفيدوا من الدرس أولاً بتأسيس آلية للانذار المبكر خصوصاً ولقد شعرنا بغيابه فيما حدث في العاصمة ولو كان هناك جهاز انذار مبكر للاجهزة المختلفة لما حدث ما حدث.
والأمر الثاني القراءة الجامعة والقراءة الاستراتيجية اللتان تحتاجان للخيال وللإلمام بالمتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية على سياقها السياسي والاقتصادي.
والأمر الثالث أن هناك حقيقة لابد أن نتعامل معها وأنه للاسف الشديد ونتيجة لما حدث من قتل وسفك للدماء أصبح هناك مزاج إنفصالي مؤقت في الشارع الشمالي.. كما برز مزاج انفصالي ايضا في الشارع الجنوبي وهذه تحتاج ايضا لرؤية عميقة وإلى معالجات عميقة.. ولا تترك الأمور للعناصر القاعدية.. ولابد أن تتحرك النخب وتدرس هذه القضايا حتى تبرز استراتيجية واضحة في كيفية تجاوز المزاج الانفصالي هنا وهناك وكيفية اقامة أمر الوحدة.
والأمر الرابع هو كيفية مساعدة رئيس حكومة الجنوب والنائب الأول لرئيس الجمهورية على قيادة جنوب السودان ومباشرة مهامه كنائب أول للرئيس وكيف يمكن استثمار الفرصة لاعادة بناء الثقة ولتشكيل الحكومة الجديدة وعدم اهدار الوقت في الانتظار. ولا ندخل في تجربة الدكتور الراحل جون قرنق الذي اضاع سبعة أشهر حتى عاد وأدى القسم ونحن نؤمن بمقادير الله سبحانه وتعالى ولكنه لو فعل ذلك وقتها لكان وجه السودان الآن قد تغير.
ولذلك نريد ونرجو من القائد سلفاكير أن لا يضيع الوقت وأن لايهدر الفرص وأن يباشر مسؤولياته بقوة وأن لا يكون مرتهناً لارادة خارجية أو إقليمية أو مزاج انفصالي هنا أو هناك. وأن ينطلق بقوة مع الرئيس البشير ومع نائبه علي عثمان وأن يبرز تلاحم وتمازج بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتى يتم تجاوز القوانين الاستثنائية والمحلية وتجاوز المزاج الانفصالي والمرارات التي حدثت حتى نستطيع أن نبني السودان ونعيد النازحين ونرد الاعتبار للمزرعة وللمدرسة حتى يكون ذلك انطلاقة حقيقية لنهضة السودان.
--------------------------------------------------------------------------------
من هو صاحب المصلحة الحقيقية في سقوط طائرة قرنق ؟
--------------------------------------------------------------------------------
لماذا أهدر الرئيس اليوغندي 26 ســاعة ثمـينــة
على رجـــال الإنقـاذ؟
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
قرنق كــــان يتوجس من مــــوسفيني بشهـادة لام اكـــــــــــول
--------------------------------------------------------------------------------
... لعلنا في هذا المقال رأينا أن نناقش ما حدث في الاثنين الأسود وتداعياته التي عكست كآبة الذين صنعوا الحدث سواء بالتصريحات الموهومة التي لا تستند إلى حقائق علمية أو موضوعية أو أولئك الذين شككوا فيه أو الذين استثمروا الحديث ببث الاشاعات هادفين إلى زلزلة المجتمع والدولة حتى يقطعوا الطريق أمام خط السلام الاجتماعي والسياسي الذي بدأ يسلك في خطوات واضحة نحو الوحدة والالتئام والانسجام في السودان.
ومن المعلوم للسودانيين انه بعد التوقيع على إتفاقية السلام وبروتوكولاتها الستة برزت قوى خارجية واقليمية وداخلية رافضة لمشروع السلام هذا وبالكيفية التي أتت به ورافضة للتغيير الذي يمكن أن يحدثه باسلوبه الثوري ومضمونه التقدمي.. ولقد سجل الفكر القرآني والثقافة الاسلامية مواقف هذه الفرق والاحزاب الرافضة للتغيير والمعادية للتقدم ورصد وادان اساليبها في العمل وحدد ملامحها وصفاتها النفسية والفكرية والتنظيمية.. ولعل أوضح مانعاه القرآن الكريم على هؤلاء هو الاستسلام الآلى لما يتوارثونه من فكر أو سلوك ثم الاحتجاج بهذا الميراث الذي لم تمحصه عقولهم على كل جديد يصطدمون به أو يصطدم بهم وهكذا تبقى حججهم تقليدية واعتذاراً ساذجاً يرفعها الرافضون للتغيير في وجه المجددين وفي مواجهة الساعين اليهم بالحق والحقيقة وبالسلام الاجتماعي وإبراز التوحد وإقامة فواصل الوحدة الوطنية وفي السياسة هناك لعبة قديمة تسمى (خلط الأوراق) يلجأ إليها الرافضون للتغيير للتمويه على الآخرين وخداعهم أو لستر قصورهم الفكري وعجزهم عن مواجهة حقائق العصر الذي تجاوز قناعاتهم وتخطى انتماءاتهم وطموحاتهم الذاتية بحيث تقوم اللعبة على حشد وترتيب نتائج زائفة على مقدمات قد يكون يسيرها صحيح وغالبها خطأ وتشويه بعض الحقائق وإخفاء البعض الآخر وتحريف الكلم عن مواضعه لتكون النتيجة مسخ المعاني المقصودة.. أو أن يتخذوا منهج التناول الجزئي للقضايا متجاوزين المعطيات الاجتماعية القائمة والمصالح المرسلة للعباد وضمانات السلام والسلامة في المجتمع وكلها أمور تتعارض مع انانية المعارضين للتغيير حتى يستروا قبح العقل بأن يختاروا بعض الجزئيات التي لا تتعارض مع مصالحهم ويلهثون وراءها ويثيرون ضجة من حولها يخدعون الناس بها.
ولعل كل القوى الرافضة للتغيير وهي تدافع عن مواقعها لا تتورع عن الافتئات على القوى الصاعدة التي تتقدم في إصرار لتحتل هذه المواقع . وفي حرب الدعاية الضيقة والحاقدة التي تشنها ضد حركة التقدم وضد الارهاصات الثورية وضد السلم والسلام الاجتماعي يكون لكل من الكذب والاختلاف والاشاعات والتشكيك دور رئيسي.
ونحن نؤمن بأنه ليس لنفس أن تموت إلا بإذن الله سبحانه وتعالى كتاباً مؤجلا. ولكن معرفة الحدث وتفسيره والاتعاظ به وتنزيله في حوار ونقاش هو الذي سيثبت دلالاته وهو الذي سيسهل على الناس استنباط دروسه.
وإذا كان المثل الشعبي يقول إن (الحرامي في رأسه ريشه) فلذلك دعونا نبدأ بفرضية خصوصاً بعد أن رأينا وعشنا ما حدث في يوم الاثنين الأسود وماتلاه من تدمير للممتلكات العامة والخاصة وانتهاك للعروض وقتل للنفس التي حرم الله وإنفلات للأمن ونهب الممتلكات.
ونقول إن هذا حدث رغم أن كل الناس كانوا يعلمون أن الشهيد الدكتور جون قرنق النائب الاول لرئيس الجمهورية مات في ظروف غامضة ليس للحكومة السودانية يد فيها وليس لها مصلحة تترتب عليها .. كما انه لم يكن داخل طائرة سودانية ولم تكن الحكومة السودانية على علم بمواعيده وجدول أعماله في تلك الزيارة المشئومة بل أن السفارة السودانية في كمبالا كانت مغيبة تماماً عن تحركات النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول د. جون قرنق ولم تكن حاضرة لا في استقباله أو وداعه .. وكل ما تم في أمر الزيارة الغامضة كان تدبيراً وتخطيطاً بين الدكتور جون قرنق والحكومة اليوغندية وغيبت الحكومة السودانية تماماً عن ذلك رغم أن في ذلك إنتقاصاً لمكانتها ولمسؤولياتها ولهيبتها إلا أن الحكومة السودانية لحرصها على ملف السلام وحرصها على أن يستقر هذا الملف كانت تتعامل مع الدكتور جون قرنق بطريقة إستثنائية وفي ذلك تعزيز لروابط الثقة والتعاون بين الطرفين بداهة والاستثناء في ذلك لأننا نعلم أن الحكومة السودانية رفضت من قبل لمساعد رئيس الجمهورية السيد مبارك الفاضل السفر للولايات المتحدة وأن أزمة سفره تلك أدت إلى الاستغناء عن خدماته وإقالته كمساعد لرئيس الجمهورية.
ولكن في أمر الدكتور الشهيد جون قرنق ولأنه جاء على أعتاب تحول سياسي كبير ما كان يمكن للحكومة أن تصارعه أو تمنعه وتقاومه وإنما كان لها أن تنزل على رأيه عندما صرح أنه ينوي الذهاب إلى يوغندا من أجل وداع أصدقائه فيها ولم يحدد جدول زياراته أو مواعيدها ورغم ذلك تم عرض الطائرة الرئاسية السودانية عليه ولكنه أصر على ركوب طائرته الخاصة.
ودعونا الآن نقلب القضية ونقول ماذا كان سيحدث لو استشهد النائب الأول الشهيد جون قرنق على طائرة رئاسية سودانية بذات الطريقة التي استشهد فيها النائب الأول السابق الشهيد المشير الزبير محمد صالح أو الشهيد ابراهيم شمس الدين أو احمد الرضي جابر وأبو قصيصة وفي سماء السودان؟ من المؤكد أننا يجب أن ننظر إلى ما حدث في يوم الاثنين الأسود ونضربه في مائة حيث كانت ستحترق الخرطوم على بكرة أبيها لأن كل هذه القوى التي ملأها اليساريون بثقافة الحقد والكراهية والهدم كانت ستخرج وستدمر خصوصاً وأن هذه القوى ولمدة عشرين عاماً أدمنت الهدم تحت ستار التحرير وأدمنت التدمير تحت ستار المظلومية ولذلك فإن كثيراً من الجماهير التي خرجت كانت مدربة على القتال وعلى الحريق والتدمير.. ونحن لا نلومهم على ذلك لأننا نعلم أن (تجييش الاطفال والصغار) قضية يعاني منها العالم لأن كثيراً من الذين خرجوا في مواكب الاثنين كانوا جنوداً منذ صغرهم ولم يتعلموا شيئاً غير لغة سفك الدماء والهدم كما أنهم شحنوا من قبل اليساريين واللادينيين بشحنات قوية عن وثبة الجنوب وعن حكم المهمشين وعن أنهم يستطيعون تغيير الدنيا ولعل هذا ما عناه المرحوم عباس محمود العقاد حينما تحدث عن المباديء الهدامة وكيف أنها تمثل أفيون الشعوب في رده على شعر الاشتراكية الماركسية (الدين أفيون الشعوب) لأنها تعبيء الدهماء وتقول لهم إنهم يستطيعون تغيير الواقع بقفزات في الظلام وأنها تعدهم الأماني والسلطة وهم لا يملكون شيئاً لبناء القدرات ولا يعرفون كيف تدار الأمور فلذلك ما حدث بالأمس كان نتيجة منطقية لتربية أمس الأول .
ولكن لنعود ونحاور المجموعة الشمالية التي جاءت لتتفاوض وتتقاسم السلطة باسم كتاب السودان الجديد ونسأل هذه المجموعة :على ماذا تتفاوض ؟ .. وماذا جاءت به في كتابها ؟ وهل هذا هو السودان الجديد الذي جاءت تدعو له ؟
إن ماحدث في الخرطوم يوم الاثنين لا يختلف عن ما حدث في كسلا من قبل وما حدث في شرق السودان وأن ذات الذين شجعوا الناس على حرق آبار البترول وأنبوب البترول وعلى إستباحة طوكر وعلى زرع الألغام وعلى قطع طريق بورتسودان وعلى نسف الاستقرار في بورتسودان هم ذات الذين جاءوا يتفاوضون على تقاسم السلطة بعد التوقيع على اتفاقية السلام .. وهم الذين يتحدثون ويعبئون الناس باسم المباديء الهدامة وباسم الشعارات البراقة الخاوية وباسم السودان الجديد.
ولذلك نسأل هؤلاء ماذا في كتابهم ؟ ولقد أدان بعض الذين وصلوا الخرطوم ماحدث فيها ولكن هل ماحدث في الخرطوم اختلف عن ما حدث في طوكر وكسلا وبورتسودان .. فالمدنيون هم المدنيون والابرياء هم الابرياء.. والذي يدفع الثمن هو السودان.
إن احداث يوم الاثنين الأسود مثلت فاجعة ومثلت (دفنة) لا رجعة فيها لما يسمى بكتاب السودان الجديد الذي يبشر به اليساريون رغم اننا نعتبر انفسنا من دعاة السودان الجديد الذي برزت مفاهيمه في اتفاقية نيفاشا للسلام. ولكن (مفهومية) كتاب السودان الجديد الذي تبشر بها مجموعة الفنادق التي مثلت وهيأت للحدث وهي التي مثلت العقل الذي أنتج الحدث هي ذات المجموعات التي هللت وكبرت لضرب مصنع الشفاء وهللت وكبرت لضرب انابيب البترول التي بشرت بأن كل انجازات السودان الحضارية إبتداء من مرحلة السيدين والزعيم اسماعيل الازهري وعبد الله خليل مروراً بعبود والنميري والبشير مجرد صفحات ضائعة في تاريخ السودان. وهم مَنْ بيدهم خلاص السودان وأن السودان أجهض البداية الحقيقية لمشروعهم الذي بدأ مع هاشم العطا في 19 يوليو ثم مع دعاة السودان الجديد داخل التجمع الديمقراطي.
ولعل هذه المقدمة مهمة لنتعرف على المخطئين ومن هم المجرمون ومن هم الذين غذوا العقول بالحقد الأعمى وثقافة الكراهية والإنعزالية حتى تكون قادرة على التدمير والقتل وحتى يعودوا إلى صفوف الحكم.
إن العناصر القاعدية التي تحركت باسم كتاب السودان الجديد معذورة لأنها لم تمارس غير الهدم والفتك والحرب في العشرين سنة الماضية.. ولذلك نقول ان التحدي الكبير الذي أمام النائب الأول لرئيس الجمهورية الجديد القائد الفريق سلفاكير ميارديت ومجموعته القيادية يدور حول كيف يمكن تحويل هذه النفوس سواء كانت شمالية أو جنوبية من الهدم إلى البناء ومن الحركة إلى الدولة.. وكيف يمكن للنائب الأول سلفاكير وقد علمنا أنه يحترم المؤسسية وأن من شعاراته تحويل النفوس من الهدم إلى البناء ولملمة الصف الجنوبي وفتح آفاق الحوار (الجنوبي- الجنوبي) وبناء المؤسسية والقدرات السياسية واعادة التأهيل الفكري والنفسي والروحي لأتباعه كيف يمكن أن يقود هذه الصفوف بعقلية البناء والعطاء والتمازج والتكاتف وكيف يمكن أن يشيع قيم التسامح والحوار.. وكيف يمكنه إعادة النازحين واعادة الاعتبار للمزرعة والمرعى بدلاً من التسكع في المدن.. وكيف يمكن إعادة الاعتبار للانتاج.. وكيف يمكن محاربة نمط ومنهجية نزلاء الفنادق ومعارضة الفنادق حتى لا يصبحوا النموذج المطلوب وحتى لا يصبح هذا المثال البغيض مثالاً لكل دعاة السودان الجديد.
لا نريد لابناء الجنوب وابناء الشمال أن يكونوا من طبقة متكسبي مرتادي الفنادق الاجنبية والعاطلين عن العطاء والقادرين فقط على التحريض والتشكيك والتدمير.
وهنا لابد من وقفة لنتساءل وبموضوعية وبمنطق مسئول من هو صاحب المصلحة الحقيقية في ذهاب ومقتل الشهيد جون قرنق سواء كان حادث الطائرة طبيعياً أو مدبراً ؟ وماذا يعني ذهابه بالنسبة إلى الحكومة وماذا يعني أيضاً ذهابه بالنسبة إلى معارضي إتفاق السلام سواء كانوا من أبناء الشمال أو الجنوب أو حتى القوى الاقليمية في دول الجوار ؟ إن الاجابة على ذلك واضحة وضوح الشمس للباحث عن الحقيقة ..فالحكومة ليست لها مصلحة في ذهاب رافع شعار السلام والوحدة والموقع على الاتفاق التاريخي الذي أشهد عليه العالم. إذاً من الذين لهم المصلحة الحقيقية في سقوط الطائرة الرئاسية اليوغندية التي كانت تحمل النائب الأول لرئيس الجمهورية قائد الحركة الشعبية الفريق أول الدكتور جون قرنق؟
وهنا لابد لنا من وقفة مع الرئيس اليوغندي (يوري موسفيني) من خلال مابدر عنه في الـ (72 ساعة) الماضية والذي أحدث خلطاً وإرتباكاً في النفوس وفي الصفوف.. فهو أولاً قد ذكر بأن الطائرة قد سقطت نتيجة لإرتطامها بجبال الاماتونج نتيجة لسوء الأحوال الجوية .. ثم يعود ليمحو ذلك ويقول بأن هناك إحتمالاً يشير إلى أن هناك تدبيراً أو مؤامرة وأن سقوط الطائرة ربما لم يكن نتيجة لارتطامها بالجبال؟ وهذه واحدة.
الأمر الثاني لماذا تأخر الرئيس يوري موسفيني عن إعلام الحكومة السودانية وإعلام المجتمع الدولي (26 ساعة) منذ أن انقطع الإتصال بالطائرة ومنذ أن أعلن عن فقدانها في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء السبت .. ولماذا ضيع موسفيني (26 ساعة) ثمينة على رجال الانقاذ كانت كفيلة لإنتشال من كان فيه بقية حياة أو حتى سماع كلماته الأخيرة وهو يلفظ انفاسه؟ .. وكذلك كانت كافية لمعرفة حقيقة أوضاع الطائرة وكانت كافية لمنح المحققين مؤشرات ولكن بعد الـ (26 ساعة) ومع الرياح العاتية والامطار الغزيرة تضيع آثار مهمة وتضيع الحياة.
وحتى إن أحسنا الظن فإن من لا يخطر الآخرين بأن هناك طائرة رئاسية يوغندية قد اختفت أو سقطت وهي تحمل النائب الأول لرئيس جمهورية السودان فلا بد أنه ليس حريصاً على أرواح من في الطائرة ولا حريصاً على مصير الطائرة ولا حريصاً على مراعاة الاجراءات المرعية في مثل هذه الحوادث.
وثالثة الأثافي وقبل أن تندمل الجروح وقبل أن تقوم الحكومة السودانية بترتيب البيت وقبل أن يتشاور مع الحكومة السودانية إذ به يدعو حكومات شرق افريقيا أو حكومات دول الايقاد إلى إجتماع طاريء لمناقشة أمر مستقبل جنوب السودان .. وماذا كان عند الرئيس موسفيني من أمور يمكن مناقشتها في أمر جنوب السودان والبلاد قد خيمت عليها الفاجعة والأحزان؟ .. ولقد أحسن الرئيس البشير باعلانه عن قيام لجنة وطنية مشتركة للتحقيق تضم خبراء من الحكومة السودانية وآخرين من الحركة الشعبية.
ومطالبته لكل من يملك معلومة بأن يسارع بتقديمها ومطالبته أيضاً للحكومة اليوغندية بتقديم ما تعرفه عن ملابسات الحادث. ومن المؤكد أن منهج لجنة التحقيق سيكون ذا إطار فني ولكن نحن نريد في إطار هذا التحقيق أن نقدم (فَرشَة) أو وجبة سياسية داخل إطار معلوماتي حتى تكون وصفة هادية ونبدأ بالتساؤل مرة أخرى عن من هو صاحب المصلحة في سقوط طائرة د. جون قرنق ؟ ولماذا ذهب الدكتور جون قرنق إلى يوغندا؟ .. في تقديرنا أن الزعيم د. جون قرنق ذهب ليوغندا لسببين.
السبب الأول ان هناك جيوباً للجيش اليوغندي داخل أراضي جنوب السودان وهي تعادل جيشاً موازياً لجيش الحركة الشعبية لذلك كان لابد له أن يتحدث مع الرئيس موسفيني في أمر هذه الجيوش وفي أمر سحبها حتى يكون جنوب السودان خالصاً لأبنائه لأن هذه الجيوش لا يمكن أن تكون خاضعة لأوامر القائد الاعلى الموجود وهو رئيس حكومة جنوب السودان الفريق أول د. جون قرنق.
والأمر الثاني أن هناك فئة من المعارضة اليوغندية موجودة ايضاً في جنوب السودان وهي حركة (LORD) أو جيش الرب ومن المؤكد أن النائب الأول للرئيس ما كان يريد أن يستهل وضعه في جنوب السودان باعلان الحرب على الجيش اليوغندي أو ضد جيش الرب.. لأن حركة لورد أو جيش الرب تنتمي إلى قبيلة (الأشولي) . وهي قبيلة مشتركة (سودانية - يوغندية) وأية محاولة للدخول في هذا المأزق تعني أن قطار السلام سينفلت وأن رياح الحرب ستهب وأن الحركة الشعبية ستدخل في مأزق جديد إن لم تتحل قيادتها بالحكمة في حل مسألة جيش الرب فلذلك كان لابد ان يذهب الدكتور جون قرنق ليناقش موسفيني في أمر هاتين القضيتين المهمتين.
ونحن نعلم كذلك أن هناك قضية أخرى وهي أن الرئيس موسفيني لا يريد أن يسحب جنوده من جنوب السودان بل انه كما صرح لكثير من الدوليين الذين زاروه يريد أن يكون جنوب السودان منطقة عازلة (Buffer Zone) بينه وبين شمال السودان.. بل انه صرح للكثيرين أنه قد آن الأوان بعد توقيع اتفاقية السلام لاستبدال قيادة جون قرنق للحركة الشعبية.
بل اننا نمضى اكثر من ذلك لنقول ان الرئيس موسفيني كان يعتقد أنه مجرد أن يتحدث معه القائد جون قرنق في مصير حركة لورد أو جيش الرب وسحب القوات المسلحة اليوغندية من اراضي جنوب السودان يمثل ردة من د. جون قرنق وخيانة لأنه يعتقد أن النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية ما هو إلا واحد من أتباعه وللتدليل على ذلك فلننظر الى ما كتب الدكتور (لام أكول) في كتابة(Inside in Africa Revelution) في صفحة (117 - 121) كيف كان الدكتور قرنق يتوجس من الرئيس موسفيني وعلى حسب ما ذكره صاحب الكتاب فإن الدكتور جون قرنق عندما كان يقيم في يوغندا وبمجرد خروجه من غرفته بالفندق إنفجرت داخلها قنبلة.
كما يجب في قراءتنا هذه أن نستصحب عدم رضا الرئيس اليوغندي عن مجرى سير المفاوضات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وكيف كان يطمح أن يلعب الدور الأساسي في هذه المفاوضات وكيف كان يعد لأن تكون يوغندا الأرض التي تستضيفها ولكن كينيا فازت بهذا الشرف مما أثار حفيظته ومخططاته لعدم بروز الدور اليوغندي في الاعلام العالمي.
إذاً آخذين كل هذه الاعتبارات في الذهن لابد للحكومة السودانية ولابد لقيادات الحركة الشعبية ولابد للنائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت أن يتم وضع استراتيجية للسياسة الخارجية وأن تقوم لجنة التحقيق بإظهار معطياتها وأن يباشر مجلس الامن صلاحياته في هذه القضية الشائكة.
كما أن هناك قراءة أخرى لموقف موسفيني على خلفية المثل السوداني (الحرامي في رأسه ريشة) الشيء الذي دعاه إلى إطلاق التصريحات التي أراد أن يخفي بها (الريشة) برسم كثير من علامات الاستفهام التي تبعد عنه الإتهام ونقرأ ذلك مع الحملة التي قادتها الصحف اليوغندية واتهامها لرواندا ورد الحكومة الرواندية عليها ولكن نقول .. إن الرئيس موسفيني كان يعلم ومنذ وقت بعيد ومنذ أن كان متواجداً في تنزانيا وتعرف على الدكتور جون قرنق وعلى بول كاجيمي وقبل أن يقوم بتأسيس مليشياته ويغزو بها يوغندا بمساعدة القوات التنزانية ويقلب نظام الحكم فيها ويعلن رئاسته ، نقول انه كان يعلم منذ ذلك الوقت ان يوغندا بلد (مغلق) لا يوجد به نفط إذ أن تقديرات الخالق تعالى جعلت منحنى النفط ومساربه في قلب القارة يبدأ من كينيا ثم يدخل على السودان من جنوبه ويمتد داخل كردفان ودارفور واجزاء من الصحراء الكبرى ثم ينحنى نحو دولة تشاد ثم نيجيريا ثم تنتهي مصائده في الكمرون على المحيط الاطلسي وعلى هذا رسمت الاستراتيجيات الأمريكية خططها على الاستحواذ على بترول أفريقيا وتجميعه في أنبوب واحد يصب في ميناء دوالا بالكمرون.
ولذلك ربط موسفيني مصيره منذ وقت بعيد بجنوب السودان. وبالبترول الرخيص فيه. ولذلك كان موسفيني وطوال مسيرته التاريخية دائماً ينظر إلى جنوب السودان كفضاء ليوغندا وساعد على ذلك أن مساحة يوغندا لا تتجاوز (95 ألف ميل) بينما مساحة جنوب السودان تبلغ (250 ألف ميل) أي أن يوغندا تمثل ربع مساحة جنوب السودان وهذه واحدة.
والأمر الثاني أن سكان يوغندا يمثلون ستة أضعاف سكان جنوب السودان إذ يبلغ تعداد اليوغنديين 26 مليون نسمة بينما تجد أن سكان جنوب السودان لا يتجاوزون في أحسن الاحوال 6 ملايين نسمة.
إذاً كان موسفيني ينظر وينتظر اليوم الذي يأتي ويكون هناك إتحاد كونفدرالي بينه وجنوب السودان أو حتى اندماج كلي في دولة واحدة وهكذا كان يرمي في مخططه الاستراتيجي حتى يكون جنوب السودان مصدراً للطاقة ومزرعة للايادي اليوغندية العاطلة وأن تصبح يوغندا التي كان يسميها المستعمر الانجليزي (لؤلؤة أفريقيا) بما فيها من امكانات سياحية وبحيرات كفكتوريا والبرت وغيرهما مناطق جاذبة للسياحة تستفيد من الموارد والامكانات التي سيفجرها بترول جنوب السودان .
وقد سعى الرئيس موسفيني في هذه الاستراتيجية مرة بما سماه تحالف القوى التقدمية الذي ضم اليه زملاءه الذين كانوا يدرسون معه في مدارس دار السلام بتنزانيا مثل الراحل د. جون قرنق وبول كاجيمي ثم إرتبطوا وقتها بداعية الاشتراكية الكبير الرئيس منقستو كما ارتبطوا ببعض الرموز العربية اليسارية وأسسوا لفترة قصيرة زواجاً سياسياً وفكرياً مع قادة اليمن الجنوبي.
وكل هذه التدابير نسقطها الآن لتنكشف السوءة لنبين أن إتفاقية نيفاشا للسلام واجهت الرئيس اليوغندي بانطلاق السودان العملاق والسودان الموحد. وأن الدكتور جون قرنق الذي كان موسفيني ينظر إليه كمجرد قائد لمقاتلي (الغوريلا) أصبح الآن النائب الأول لرئيس جمهورية السودان .. وأن وحدة السودان ستجعل من يوغندا دولة مغلقة وقزماً ضئيلاً ولذلك تبرز المؤامرات والتدابير غير الموفقة ومن هنا يمكن قراءة الموقف اليوغندي وقراءة مَنْ صاحب المصلحة المستفيد من إبعاد القائد التاريخي للحركة الشعبية لتحرير السودان.
والخلاصة .. أن موقف موسفيني وتصريحاته المشككة يمكن قراءتها بالنظر إلى أنه لم يبلغ المجتمع الدولي ولم يمكنه من مباشرة مسؤوليات الانقاذ للطائرة اليوغندية المنكوبة واضاع ساعات ثمينة كان يمكن أن يحدث فيها إسعاف للضحايا .. كما انه تصرف إزاء موقف سقوط طائرته التي حملت النائب الأول لرئيس الجمهورية السودانية كأنها بضاعة يوغندية خالصة.. وجاء بعد هذا السكوت الذي إستمر 26 ساعة ليدخل بتصريحاته غير المسؤولة المنطقة كلها في فوضى عارمة كما فعل من قبل في منطقة البحيرات التي لا تزال تحترق نتيجة لانفجار طائرة رئيسي رواندا وبوروندي بعد إقلاعها بدقائق من مطار (عنتبي) ولا تزال المنطقة تغوص في وحل من الدم.
ومع ذلك ووسط كل هذا الخلط في لعبة تبادل الأوراق والتصريحات ووسط كل المؤامرات المحلية والاقليمية فإن على السفينة التي تحمل الانقاذ ورجالها أن يستفيدوا من الدرس أولاً بتأسيس آلية للانذار المبكر خصوصاً ولقد شعرنا بغيابه فيما حدث في العاصمة ولو كان هناك جهاز انذار مبكر للاجهزة المختلفة لما حدث ما حدث.
والأمر الثاني القراءة الجامعة والقراءة الاستراتيجية اللتان تحتاجان للخيال وللإلمام بالمتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية على سياقها السياسي والاقتصادي.
والأمر الثالث أن هناك حقيقة لابد أن نتعامل معها وأنه للاسف الشديد ونتيجة لما حدث من قتل وسفك للدماء أصبح هناك مزاج إنفصالي مؤقت في الشارع الشمالي.. كما برز مزاج انفصالي ايضا في الشارع الجنوبي وهذه تحتاج ايضا لرؤية عميقة وإلى معالجات عميقة.. ولا تترك الأمور للعناصر القاعدية.. ولابد أن تتحرك النخب وتدرس هذه القضايا حتى تبرز استراتيجية واضحة في كيفية تجاوز المزاج الانفصالي هنا وهناك وكيفية اقامة أمر الوحدة.
والأمر الرابع هو كيفية مساعدة رئيس حكومة الجنوب والنائب الأول لرئيس الجمهورية على قيادة جنوب السودان ومباشرة مهامه كنائب أول للرئيس وكيف يمكن استثمار الفرصة لاعادة بناء الثقة ولتشكيل الحكومة الجديدة وعدم اهدار الوقت في الانتظار. ولا ندخل في تجربة الدكتور الراحل جون قرنق الذي اضاع سبعة أشهر حتى عاد وأدى القسم ونحن نؤمن بمقادير الله سبحانه وتعالى ولكنه لو فعل ذلك وقتها لكان وجه السودان الآن قد تغير.
ولذلك نريد ونرجو من القائد سلفاكير أن لا يضيع الوقت وأن لايهدر الفرص وأن يباشر مسؤولياته بقوة وأن لا يكون مرتهناً لارادة خارجية أو إقليمية أو مزاج انفصالي هنا أو هناك. وأن ينطلق بقوة مع الرئيس البشير ومع نائبه علي عثمان وأن يبرز تلاحم وتمازج بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتى يتم تجاوز القوانين الاستثنائية والمحلية وتجاوز المزاج الانفصالي والمرارات التي حدثت حتى نستطيع أن نبني السودان ونعيد النازحين ونرد الاعتبار للمزرعة وللمدرسة حتى يكون ذلك انطلاقة حقيقية لنهضة السودان.