الزبير محمد عبدالفضيل
12-07-2005, 02:38 AM
·
صحه: علاج السكري بين الواقع والخيال
5-6-1426 هـ
الموضوع: النيلين
لا نحب نحن معشر الأطباء ما تروج له أحيانا بعض الصحف ووسائل الإعلام المختلفة من التهويل والمبالغة ولو عن حسن نية في وصف آخر الصرعات الطبية واحدث الإكتشافات في علاج هذا المرض أو ذاك دون التدقيق العلمي والموضوعي عما ينشر أو بما قد يؤول له الأمر على واقع المريض فيما بعد.
والسبب في ذلك ليس لأننا كأطباء لا نريد أن نزف بشرى الخير والأمل لمرضانا ولكن لأننا على عكس زملائنا في مجال الإعلام نواجه مباشرة خيبة الأمل التي تعتري المريض بعد اطلاعه على الحقيقة كاملة وما يتركه ذلك من مرارة حقيقية لديه كما لو انه قد خسر معركة ما مع المرض. فما الفائدة مثلا أن يكون العلاج المزعوم ناجحا إن لم يكن قابلا للتطبيق العملي في الحاضر أو المستقبل القريب؟ من هنا أرجو أن نوفق في طرح موضوع زراعة خلايا البنكرياس لعلاج داء السكري بأمانة وموضوعية مع التذكير بالنجاحات الباهرة والنقلة النوعية التي تحققت مؤخرا وما قد يعنيه ذلك بالفعل على مرضى السكري بجميع أطيافهم. هناك أيضا حقيقة أخرى لا يدركها الكثير من الناس وهي أن مرض السكري يختلف عن الأمراض المزمنة الأخرى بأنه بالإضافة إلى المضاعفات الطبية الخطيرة التي يسببها مثل الفشل الكلوي وانسداد الشرايين الخ... فهو كذلك يمس مباشرة الحياة اليومية للمريض مما يتطلب مواجهة دائمة بين المريض والمرض لحظة بلحظة ومع كل وجبة يتناولها المريض في صومه وإفطاره وفي سفره وإقامته وفي جميع المناسبات ليبقى الشغل الشاغل بارتفاعه وانخفاضه والهم الدائم للمريض وأقربائه. لذلك فان أي علاج في نظري لا يأخذ في الحسبان إطلاق سراح المريض من معاناته اليومية تلك لا يمكن اعتباره حقا علاجا مثاليا أو ناجحا بكل معنى الكلمة. ومن هذا المنطلق بالذات تكمن أهمية زراعة خلايا البنكرياس لما توفره هذه يوما ما من حل جذري ونهائي للمرض كما تبشر به أحدث الدراسات الطبية التي سنتطرق لها فيما بعد. خلايا البنكرياس: تحتوي غدة البنكرياس والموجودة خلف المعدة على خلايا هرمونية متناثرة يقارب عددها في الإنسان السليم حوالي المليون خلية تعرف طبيا باسم "جزر لانكرهان" Islets of Langerhans وهي الخلايا المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين الضروري والذي بدوره يقوم بالحفاظ على نسبة السكر في الدم بتوازن دقيق ومحكم دون الارتفاع عن معدله الطبيعي بعد الأكل وان تنوع الأكل واختلف. ولكن عندما تصاب خلايا الأنسولين هذه بأي عطب أو تلف كما هي الحال في مرض السكري ترتفع نسبة السكر في الدم دون رادع أو رقيب مما يؤدي إلى حرمان أنسجة الجسم مما تحتاجه من الطاقة لأداء وظائفها العضوية بينما تنساب المواد السكرية والعضوية الأخرى هدرا في البول دون الاستفادة منها. فإذا كان العجز لخلايا الأنسولين كليا كما هو الحال عند المصابين بالنوع الأول من داء السكري من الأطفال والشباب احتاج المريض لحقن الأنسولين يوميا منذ الوهلة الأولى وعلى مدى الحياة في حين يؤدي الخلل الجزئي لخلايا البنكرياس الى افراز كمية محدودة ولكن غير كافية من الأنسولين كما هو الحال مع معظم المصابين الكبار بالمرض حيث يتطلب العلاج أدوية منشطة لخلايا البنكرياس وقد ينتهي الأمر عند البعض بالحاجة إلى إبر الأنسولين خصوصا إن تهاون المريض مثلا في الحفاظ على الوزن والانضباط بالحمية. وكما يقال في المثل المعروف إذا عرف السبب بطل العجب، لذلك فان أية محاولة جادة للقضاء على مرض السكر واستئصاله علاجيا تكون مرهونة بإصلاح العطب في خلايا البنكرياس (والتي للأسف لا يمكن إصلاحها على الإطلاق نظرا لتلفها التام في الكثير من الأحيان) أو باستبدالها بخلايا سليمة يتم زرعها لدى المريض لتؤدي الغرض المطلوب وتزيل عن المريض كابوس المرض نهائيا. وبالفعل فقد راودت هذه الفكرة المعنيين بمرض السكر من علماء وأطباء منذ زمن طويل وتمت بالفعل أول محاولة زراعة جزر البنكرياس في 2 اغسطس 1974 في الولايات المتحدة الأمريكية وتبعها منذ ذلك الحين المئات من المحاولات الأخرى في مراكز متقدمة من مختلف أنحاء العالم. وببساطة تتم عملية الزراعة بعدة خطوات كما هو موضح في الرسم البياني المرفق: أولا الحصول على غدة البنكرياس من شخص متوفى دماغيا حيث تنقل الغدة على وجه السرعة إلى المختبر ليتم عزل خلايا الأنسولين عن بقية الأنسجة في غدة البنكرياس. ثم تحفظ تلك الخلايا في محلول طبي مناسب حتى يتم حقنها في الوريد الكبدي للمريض من خلال عملية بسيطة تستغرق اقل من ساعة والمريض بكامل وعيه ودون الحاجة إلى تخدير كامل. ويبقى على المريض فيما بعد تناول أدوية يومية ضد المناعة حتى لا يرفض الجسم الخلايا الجديدة المزروعة. النتائج الأولية: للأسف ومنذ البداية فقد باءت معظم محاولات زراعة خلايا البنكرياس بالفشل أو على الأقل بالنجاح المحدود جدا إذ لم تنعم غالبية المرضى الذين تمت زراعتهم بالحرية من ابر الأنسولين إلا لفترة وجيزة لا تتجاوز بضعة شهور. والسبب في هذا الإخفاق عاملان رئيسيان: (1): أن أدوية المناعة والتي تستعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة تضر مباشرة بخلايا البنكرياس المزروعة بل وتسبب بحد ذاتها مرض السكر أحيانا حتى لمن ليس هو بالأصل عرضة للمرض (2) تعاني عملية استخلاص خلايا الأنسولين وفرزها عن بقية خلايا البنكرياس في المختبر من مشاكل تقنية مختلفة وكانت دائما مرهونة بعامل العفوية والحظ وبالتالي تكون الخلايا المستخرجة في معظم الأحيان دون المطلوب في النقاوة والعدد لضمان نجاح زراعتها. إذن باختصار كانت الخلايا المزروعة متواضعة في الجودة والعدد وفي نفس الوقت كان العلاج المستعمل ضد المناعة يعرقل عملها وربما يتسبب أيضا في موتها المباشر. لذلك لا غرابة أن تكون نتائج زراعة خلايا البنكرياس إلى حد قريب مخيبة للآمال رغم قناعة الجميع بسلامة المبدأ وحتمية النجاح يوما ما. ألانطلاقة الكبرى عام 2000: في السنوات الأخيرة حصلت تطورات مختبرية هامة في الطرق المتبعة لانتشال اكبر عدد ممكن ومعافى من خلايا الأنسولين من غدة البنكرياس. ومن جهة أخرى حدث تطور هام ومثير حين قام فريق طبي من جامعة ادمنتون بكندا باستبدال أدوية المناعة المستعملة سابقا بأدوية مناعة أخرى جديدة ولكن دون أن تتعرض هذه بالضرر الكبير على الخلايا المزروعة فكانت النتيجة مذهلة حقا إذ أدت إلى استغناء جميع مرضى السكري ممن تمت لهم الزراعة (وعددهم 7 أشخاص) عن حقن ابر الأنسولين تماما بعدما كانت تلك لا تفارقهم ليوم واحد من قبل وبقيت نسبة السكر ثابتة وطبيعية لفترة تناهز السنة. وهكذا وبعد طول انتظار فقد جسدت نتائج هذه الدراسة الانطلاقة الكبرى في عالم زراعة خلايا البنكرياس وانتعش الأمل من جديد وعلى اكثر من صعيد ليكون واقعا ملموسا انتظره الجميع بفارغ الصبر. وانطلقت منذ وقت قصير دراسات في مراكز متقدمة أخرى لتؤكد جدوى الطريقة الجديدة للعلاج ليقتنع الجميع بأنه لم يبق الآن إلا وضع اللمسات الأخيرة ليدخل العلاج فعلا حيز التنفيذ من بابه الأوسع. مزايا الزراعة الناجحة: 1- استئصال مرض السكري بطريقة جذرية أو شبه جذرية ولو لفترة محدودة 2- عملية الزراعة بحد ذاتها بسيطة جدا لا تستغرق أكثر من ساعة وليست "جراحية" بالمعنى المألوف 3- ينعم المريض من حيث المبدأ بالحياة الطبيعية ومثله في ذلك مثل الآخرين من عامة الناس أما أهم العواقب فهي ما يلي: 1- يضطر المريض بعد زراعة الخلايا الانسولينية لأخذ أقراص المناعة بصورة يومية ودائمة. والمعروف عن أدوية المناعة أنها قد تعرض المريض للإصابة بالالتهابات الجرثومية مباشرة وأمراض السرطان بعد فترة من استعمالها. وواقع الأمر أن نسبة الإصابة بمثل تلك المضاعفات محدودة خصوصا إذا امتثل المريض للفحوصات الطبية ومراجعة الطبيب بصورة دورية. من جهة أخرى تبقى أدوية المناعة شرا لا بد منه في عالم زراعة الأعضاء وهي في الوقت نفسه في تطور مستمر وعلاج اليوم اخف وقعا واقل ضررا مما كانت عليه في السابق وهناك الكثير الواعد للمستقبل القريب حسبما نعلم. 2- قد لا يدوم مفعول الخلايا المزروعة طويلا أو أبديا ثم يعود المريض بعدها لحقن الإبر من جديد كما حصل بالفعل مع العديد من المرضى في اقل من سنة أو أكثر. وفي نظري الشخصي لا يكمن اعتبار النتيجة في هذه الحالة سلبية تماما بل يجب اعتبارها على إنها حالة "نصف نجاح" إذ لا يمنع ذلك من أن يتقدم المريض لزراعة ثانية أو بصورة دورية (كل سنتين مثلا) في سبيل بقائه حرا من المرض خصوصا وان عملية زراعة الخلايا بحد ذاتها لا تنطوي على الكثير من المخاطر كما أسلفنا أعلاه. الكلمة الأخيرة: حتى لا يندفع مرضى السكري الموجودون بيننا في آمالهم بعيدا عن الواقع وحتى لا يتلاعب الآخرون في مشاعرهم عن حسن أو سوء نيّة إذا ما تناولت وسائل الإعلام الدعائية يوما ما إنجازا هنا أو هناك أود أن أؤكد أن زراعة خلايا البنكرياس كعلاج نهائي لعامة مرضى السكري لا تزال في فصولها الأولى من الدراسة والإعداد فهي على سبيل المثال محصورة الآن فقط في عدد ضئيل من المرضى المصابين بالنوع الأول من مرضى السكري ممن يتعاطون الأنسولين وحالتهم غير مستقرة إطلاقا بل وأذكر هنا بأن عدد الحالات التي تم إجراؤها في جميع أنحاء العالم لم يتجاوز بعد بضعة مئات من مرضى السكري! أضف إلى ذلك الحاجة لتعاطي أدوية المناعة اليومية حسبما ذكرنا أعلاه. كما أنوه أيضا أن نجاح العلاج بشكل واسع مرهون بعامل لوجستي مهم جدا وهو ما يلي: من أين لنا أن نأتي بغدد البنكرياس الكافية لسد احتياج الأعداد الهائلة من مرضى السكري ممن يستحقون العلاج؟ كما ذكرنا سابقا أن المصدر الرئيسي لغدة البنكرياس هو عن طريق الشخص المتوفى دماغيا عندما يتبرع أقرباؤه بأعضائه ليستفيد منها مرضى آخرون. ولكن وللأسف لا يزال التبرع بالأعضاء في مجتمعنا متواضعا جدا وربما محيرا بعض الشيء رغم ضرورته الطبية الملحة وما يعنيه ذلك من تضحية وإيثار على المستوى الشخصي. وهنا أود أن أوجه دعوة إنسانية للجميع بان الحياة يجب أن تقوم دائما على الأخذ والعطاء (وليس الأخذ فقط) ومن منا من ليس له قريب مصاب بالسكر اليوم ؟. أمّا في المستقبل المنظور فهنالك مصدر هائل للخلايا الانسولينية يتمثل في استخدام الخلايا الجذعية أو ما يسمى أحيانا بخلايا المنشأ. وتتميز هذه الخلايا الموجودة في معظم أنسجة الجسم البشري بميزتين رئيسيتين وهما: (1) القابلية على التكاثر اللامحدود، (2) التحول في ظروف مختبرية مناسبة إلى خلايا تختلف تماما عن الخلايا الأصلية وحسب الطلب: فمثلا تم بالفعل تحويل خلايا جذعية مصدرها الأساسي نخاع العظم مثلا إلى خلايا شبيهة بخلايا البنكرياس بل وتفرز هرمون الأنسولين مباشرة. وتمثل الخلايا الجذعية اليوم ثورة علمية حقيقية وتفتح آفاقا واسعة ليس فقط في علاج داء السكري بل يعول عليها أيضا أن تكون معينا لا ينضب لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية مثل مرض الزهايمر والباركنسون وغيرها. وبدت بالفعل طلائع الخير تلوح اليوم في الأفق.
منقوووووووووووووووول من موقع النيلين
صحه: علاج السكري بين الواقع والخيال
5-6-1426 هـ
الموضوع: النيلين
لا نحب نحن معشر الأطباء ما تروج له أحيانا بعض الصحف ووسائل الإعلام المختلفة من التهويل والمبالغة ولو عن حسن نية في وصف آخر الصرعات الطبية واحدث الإكتشافات في علاج هذا المرض أو ذاك دون التدقيق العلمي والموضوعي عما ينشر أو بما قد يؤول له الأمر على واقع المريض فيما بعد.
والسبب في ذلك ليس لأننا كأطباء لا نريد أن نزف بشرى الخير والأمل لمرضانا ولكن لأننا على عكس زملائنا في مجال الإعلام نواجه مباشرة خيبة الأمل التي تعتري المريض بعد اطلاعه على الحقيقة كاملة وما يتركه ذلك من مرارة حقيقية لديه كما لو انه قد خسر معركة ما مع المرض. فما الفائدة مثلا أن يكون العلاج المزعوم ناجحا إن لم يكن قابلا للتطبيق العملي في الحاضر أو المستقبل القريب؟ من هنا أرجو أن نوفق في طرح موضوع زراعة خلايا البنكرياس لعلاج داء السكري بأمانة وموضوعية مع التذكير بالنجاحات الباهرة والنقلة النوعية التي تحققت مؤخرا وما قد يعنيه ذلك بالفعل على مرضى السكري بجميع أطيافهم. هناك أيضا حقيقة أخرى لا يدركها الكثير من الناس وهي أن مرض السكري يختلف عن الأمراض المزمنة الأخرى بأنه بالإضافة إلى المضاعفات الطبية الخطيرة التي يسببها مثل الفشل الكلوي وانسداد الشرايين الخ... فهو كذلك يمس مباشرة الحياة اليومية للمريض مما يتطلب مواجهة دائمة بين المريض والمرض لحظة بلحظة ومع كل وجبة يتناولها المريض في صومه وإفطاره وفي سفره وإقامته وفي جميع المناسبات ليبقى الشغل الشاغل بارتفاعه وانخفاضه والهم الدائم للمريض وأقربائه. لذلك فان أي علاج في نظري لا يأخذ في الحسبان إطلاق سراح المريض من معاناته اليومية تلك لا يمكن اعتباره حقا علاجا مثاليا أو ناجحا بكل معنى الكلمة. ومن هذا المنطلق بالذات تكمن أهمية زراعة خلايا البنكرياس لما توفره هذه يوما ما من حل جذري ونهائي للمرض كما تبشر به أحدث الدراسات الطبية التي سنتطرق لها فيما بعد. خلايا البنكرياس: تحتوي غدة البنكرياس والموجودة خلف المعدة على خلايا هرمونية متناثرة يقارب عددها في الإنسان السليم حوالي المليون خلية تعرف طبيا باسم "جزر لانكرهان" Islets of Langerhans وهي الخلايا المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين الضروري والذي بدوره يقوم بالحفاظ على نسبة السكر في الدم بتوازن دقيق ومحكم دون الارتفاع عن معدله الطبيعي بعد الأكل وان تنوع الأكل واختلف. ولكن عندما تصاب خلايا الأنسولين هذه بأي عطب أو تلف كما هي الحال في مرض السكري ترتفع نسبة السكر في الدم دون رادع أو رقيب مما يؤدي إلى حرمان أنسجة الجسم مما تحتاجه من الطاقة لأداء وظائفها العضوية بينما تنساب المواد السكرية والعضوية الأخرى هدرا في البول دون الاستفادة منها. فإذا كان العجز لخلايا الأنسولين كليا كما هو الحال عند المصابين بالنوع الأول من داء السكري من الأطفال والشباب احتاج المريض لحقن الأنسولين يوميا منذ الوهلة الأولى وعلى مدى الحياة في حين يؤدي الخلل الجزئي لخلايا البنكرياس الى افراز كمية محدودة ولكن غير كافية من الأنسولين كما هو الحال مع معظم المصابين الكبار بالمرض حيث يتطلب العلاج أدوية منشطة لخلايا البنكرياس وقد ينتهي الأمر عند البعض بالحاجة إلى إبر الأنسولين خصوصا إن تهاون المريض مثلا في الحفاظ على الوزن والانضباط بالحمية. وكما يقال في المثل المعروف إذا عرف السبب بطل العجب، لذلك فان أية محاولة جادة للقضاء على مرض السكر واستئصاله علاجيا تكون مرهونة بإصلاح العطب في خلايا البنكرياس (والتي للأسف لا يمكن إصلاحها على الإطلاق نظرا لتلفها التام في الكثير من الأحيان) أو باستبدالها بخلايا سليمة يتم زرعها لدى المريض لتؤدي الغرض المطلوب وتزيل عن المريض كابوس المرض نهائيا. وبالفعل فقد راودت هذه الفكرة المعنيين بمرض السكر من علماء وأطباء منذ زمن طويل وتمت بالفعل أول محاولة زراعة جزر البنكرياس في 2 اغسطس 1974 في الولايات المتحدة الأمريكية وتبعها منذ ذلك الحين المئات من المحاولات الأخرى في مراكز متقدمة من مختلف أنحاء العالم. وببساطة تتم عملية الزراعة بعدة خطوات كما هو موضح في الرسم البياني المرفق: أولا الحصول على غدة البنكرياس من شخص متوفى دماغيا حيث تنقل الغدة على وجه السرعة إلى المختبر ليتم عزل خلايا الأنسولين عن بقية الأنسجة في غدة البنكرياس. ثم تحفظ تلك الخلايا في محلول طبي مناسب حتى يتم حقنها في الوريد الكبدي للمريض من خلال عملية بسيطة تستغرق اقل من ساعة والمريض بكامل وعيه ودون الحاجة إلى تخدير كامل. ويبقى على المريض فيما بعد تناول أدوية يومية ضد المناعة حتى لا يرفض الجسم الخلايا الجديدة المزروعة. النتائج الأولية: للأسف ومنذ البداية فقد باءت معظم محاولات زراعة خلايا البنكرياس بالفشل أو على الأقل بالنجاح المحدود جدا إذ لم تنعم غالبية المرضى الذين تمت زراعتهم بالحرية من ابر الأنسولين إلا لفترة وجيزة لا تتجاوز بضعة شهور. والسبب في هذا الإخفاق عاملان رئيسيان: (1): أن أدوية المناعة والتي تستعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة تضر مباشرة بخلايا البنكرياس المزروعة بل وتسبب بحد ذاتها مرض السكر أحيانا حتى لمن ليس هو بالأصل عرضة للمرض (2) تعاني عملية استخلاص خلايا الأنسولين وفرزها عن بقية خلايا البنكرياس في المختبر من مشاكل تقنية مختلفة وكانت دائما مرهونة بعامل العفوية والحظ وبالتالي تكون الخلايا المستخرجة في معظم الأحيان دون المطلوب في النقاوة والعدد لضمان نجاح زراعتها. إذن باختصار كانت الخلايا المزروعة متواضعة في الجودة والعدد وفي نفس الوقت كان العلاج المستعمل ضد المناعة يعرقل عملها وربما يتسبب أيضا في موتها المباشر. لذلك لا غرابة أن تكون نتائج زراعة خلايا البنكرياس إلى حد قريب مخيبة للآمال رغم قناعة الجميع بسلامة المبدأ وحتمية النجاح يوما ما. ألانطلاقة الكبرى عام 2000: في السنوات الأخيرة حصلت تطورات مختبرية هامة في الطرق المتبعة لانتشال اكبر عدد ممكن ومعافى من خلايا الأنسولين من غدة البنكرياس. ومن جهة أخرى حدث تطور هام ومثير حين قام فريق طبي من جامعة ادمنتون بكندا باستبدال أدوية المناعة المستعملة سابقا بأدوية مناعة أخرى جديدة ولكن دون أن تتعرض هذه بالضرر الكبير على الخلايا المزروعة فكانت النتيجة مذهلة حقا إذ أدت إلى استغناء جميع مرضى السكري ممن تمت لهم الزراعة (وعددهم 7 أشخاص) عن حقن ابر الأنسولين تماما بعدما كانت تلك لا تفارقهم ليوم واحد من قبل وبقيت نسبة السكر ثابتة وطبيعية لفترة تناهز السنة. وهكذا وبعد طول انتظار فقد جسدت نتائج هذه الدراسة الانطلاقة الكبرى في عالم زراعة خلايا البنكرياس وانتعش الأمل من جديد وعلى اكثر من صعيد ليكون واقعا ملموسا انتظره الجميع بفارغ الصبر. وانطلقت منذ وقت قصير دراسات في مراكز متقدمة أخرى لتؤكد جدوى الطريقة الجديدة للعلاج ليقتنع الجميع بأنه لم يبق الآن إلا وضع اللمسات الأخيرة ليدخل العلاج فعلا حيز التنفيذ من بابه الأوسع. مزايا الزراعة الناجحة: 1- استئصال مرض السكري بطريقة جذرية أو شبه جذرية ولو لفترة محدودة 2- عملية الزراعة بحد ذاتها بسيطة جدا لا تستغرق أكثر من ساعة وليست "جراحية" بالمعنى المألوف 3- ينعم المريض من حيث المبدأ بالحياة الطبيعية ومثله في ذلك مثل الآخرين من عامة الناس أما أهم العواقب فهي ما يلي: 1- يضطر المريض بعد زراعة الخلايا الانسولينية لأخذ أقراص المناعة بصورة يومية ودائمة. والمعروف عن أدوية المناعة أنها قد تعرض المريض للإصابة بالالتهابات الجرثومية مباشرة وأمراض السرطان بعد فترة من استعمالها. وواقع الأمر أن نسبة الإصابة بمثل تلك المضاعفات محدودة خصوصا إذا امتثل المريض للفحوصات الطبية ومراجعة الطبيب بصورة دورية. من جهة أخرى تبقى أدوية المناعة شرا لا بد منه في عالم زراعة الأعضاء وهي في الوقت نفسه في تطور مستمر وعلاج اليوم اخف وقعا واقل ضررا مما كانت عليه في السابق وهناك الكثير الواعد للمستقبل القريب حسبما نعلم. 2- قد لا يدوم مفعول الخلايا المزروعة طويلا أو أبديا ثم يعود المريض بعدها لحقن الإبر من جديد كما حصل بالفعل مع العديد من المرضى في اقل من سنة أو أكثر. وفي نظري الشخصي لا يكمن اعتبار النتيجة في هذه الحالة سلبية تماما بل يجب اعتبارها على إنها حالة "نصف نجاح" إذ لا يمنع ذلك من أن يتقدم المريض لزراعة ثانية أو بصورة دورية (كل سنتين مثلا) في سبيل بقائه حرا من المرض خصوصا وان عملية زراعة الخلايا بحد ذاتها لا تنطوي على الكثير من المخاطر كما أسلفنا أعلاه. الكلمة الأخيرة: حتى لا يندفع مرضى السكري الموجودون بيننا في آمالهم بعيدا عن الواقع وحتى لا يتلاعب الآخرون في مشاعرهم عن حسن أو سوء نيّة إذا ما تناولت وسائل الإعلام الدعائية يوما ما إنجازا هنا أو هناك أود أن أؤكد أن زراعة خلايا البنكرياس كعلاج نهائي لعامة مرضى السكري لا تزال في فصولها الأولى من الدراسة والإعداد فهي على سبيل المثال محصورة الآن فقط في عدد ضئيل من المرضى المصابين بالنوع الأول من مرضى السكري ممن يتعاطون الأنسولين وحالتهم غير مستقرة إطلاقا بل وأذكر هنا بأن عدد الحالات التي تم إجراؤها في جميع أنحاء العالم لم يتجاوز بعد بضعة مئات من مرضى السكري! أضف إلى ذلك الحاجة لتعاطي أدوية المناعة اليومية حسبما ذكرنا أعلاه. كما أنوه أيضا أن نجاح العلاج بشكل واسع مرهون بعامل لوجستي مهم جدا وهو ما يلي: من أين لنا أن نأتي بغدد البنكرياس الكافية لسد احتياج الأعداد الهائلة من مرضى السكري ممن يستحقون العلاج؟ كما ذكرنا سابقا أن المصدر الرئيسي لغدة البنكرياس هو عن طريق الشخص المتوفى دماغيا عندما يتبرع أقرباؤه بأعضائه ليستفيد منها مرضى آخرون. ولكن وللأسف لا يزال التبرع بالأعضاء في مجتمعنا متواضعا جدا وربما محيرا بعض الشيء رغم ضرورته الطبية الملحة وما يعنيه ذلك من تضحية وإيثار على المستوى الشخصي. وهنا أود أن أوجه دعوة إنسانية للجميع بان الحياة يجب أن تقوم دائما على الأخذ والعطاء (وليس الأخذ فقط) ومن منا من ليس له قريب مصاب بالسكر اليوم ؟. أمّا في المستقبل المنظور فهنالك مصدر هائل للخلايا الانسولينية يتمثل في استخدام الخلايا الجذعية أو ما يسمى أحيانا بخلايا المنشأ. وتتميز هذه الخلايا الموجودة في معظم أنسجة الجسم البشري بميزتين رئيسيتين وهما: (1) القابلية على التكاثر اللامحدود، (2) التحول في ظروف مختبرية مناسبة إلى خلايا تختلف تماما عن الخلايا الأصلية وحسب الطلب: فمثلا تم بالفعل تحويل خلايا جذعية مصدرها الأساسي نخاع العظم مثلا إلى خلايا شبيهة بخلايا البنكرياس بل وتفرز هرمون الأنسولين مباشرة. وتمثل الخلايا الجذعية اليوم ثورة علمية حقيقية وتفتح آفاقا واسعة ليس فقط في علاج داء السكري بل يعول عليها أيضا أن تكون معينا لا ينضب لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية مثل مرض الزهايمر والباركنسون وغيرها. وبدت بالفعل طلائع الخير تلوح اليوم في الأفق.
منقوووووووووووووووول من موقع النيلين