الزبير محمد عبدالفضيل
18-04-2005, 01:32 AM
الجنـة
1- خلق الجنة :-
الجنة مخلوقة ، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى(13)عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى(14)عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى(15)﴾النجم:13-15).
وقد رأى النبي r الجنة ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك في قصة الإسراء وفي آخره قال :(ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى(1) فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ قَالَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ(2) اللُّؤْلُؤَ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ)(3) فالجنة مخلوقة موجودة في السماء عند سدرة المنتهى .
زار النبي r الجنة، ورآها ، ودخلها ، ووصف جنابذها وتربتها ، وقد بين الرسول r في موقف آخر أنه رأى كل شيء وعد الناس به في الدار الآخرة ، ورأى قطفاً من الجنة ، فقصرت يده عن تناوله، فدل ذلك على حقيقة وجود الجنة، قال r :(…لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ4))(5) .
فتأمل يا عبدالله سعة الجنة وعظمها ، فقد بين الله تعالى ورسوله r ذلك ، فقال تعالى : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)﴾ آل عمران:133).
قال الشوكاني: ذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة(6) .
وقال r في آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة(…إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ)(7) .
فإذا كان أقلهم منزلة في الجنة من له مثل الدنيا وعشرة أمثالها ، فكيف يكون ملك أعلاهم منزلة ؟! فتصور سعة الجنة وعظمها !!
2- الجنة دار النعيم :
الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا(107)خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا(108)﴾ الكهف:107-108.
وقال تعالى : ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَانُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا(61)﴾ مريم:61 .
وقال تعالى في الحديث القدسي : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ السجدة:17(8).
فدخول الجنة والنجاة من النار هو الفلاح العظيم والفوز الكبير، والنجاة العظمى قال تعالى : ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185)﴾ آل عمران:185) .
وقال تعالى أيضاً : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)﴾ التوبة:72 .
وقال عز من قائل: ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)﴾ النساء:13.
فنعيم الجنة يفوق الوصف ، ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا قال تعالى : ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17 .
وقال r قال الله تعالى :(أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)(9).
3- إنها جنان :
قال تعالى : ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾ الرحمن:46 .
وقال تعالى : ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ(62)﴾ الرحمن:62 .
وعَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ rَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ(10) فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ(11) عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَـارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى(12).
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله r قال: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) (13).
4- التهيئة لدخول الجنة :
بعد أن يجتاز المؤمنون الصراط يُوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ، ثم يهذبون وينقون ، وذلك بأن يقتص بعضهم من بعض إذا كانت بينهم مظالم في الدنيا .
حتى إذا دخلوا الجنة كانوا أطهارا أبرارا ، ليس لأحد عند الآخر مظلمة ، ولا يطلب بعضهم بعضا بشيء .
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) (14) ، وقال تعالى : ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47)﴾ الحجر:47 .
5- دخول الجنة :
أ- سَوق وفد الرحمن إلى الجنة :
قال تعالى : ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ... ﴾ الزمر:73 .
و قال تعالى : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا(85)﴾ مريم:85 .
قال ابن عباس وفدا : ركبانا(15) .
ونقل الطبري في تفسيره عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: (أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم – ولكنهم يأتون بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحال(16) الذهب وأزمتها الَزبَرْجد ويركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة)(17).
ب- ريح الجنة :
ويسير وفد الرحمن إلى الجنة زمرا ، فيجدون رائحة الجنة العبقة الزكية التي تفوح من مسيرة سبعين عاماً ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r وسلم ، قال : (…وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا)(18) .
ج- أبواب الجنة :
ويصل وفد الرحمن إلى أبواب الجنة ، فينتهي ما سلف في الأيام الخالية من تعب ومكابدة وصبر ومصابرة وحساب وعرض ، فيروا أبواب الجنة الثمانية .قال تعالى:﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)﴾( ص:50).وقال تعالى:﴿... وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ(23)سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(24)﴾ (الرعد:23-24) .
وقال r :(فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ)(19) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ(20) الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)(21).
وأبواب الجنة الثمانية لها مصاريع عظيمة ، وقد وصف الرسول r ما بين مصراعيها بقوله: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ(22) أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى (23))(24).
وقال r : (… وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ (25))(26) .
والباب الأيمن من أبواب الجنة خاص بالذين يدخلون الجنة بغير حساب من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال r : (…فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ …)(27) .
4- أول من يدخل الجنة :
ويصل وفد الرحمن إلى أبواب الجنة ، ويحين دخولهم إليها ، فيستفتح سيد الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقرع باب الجنة ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ)(28) .
فتفتح أبواب الجنة لوفد الرحمن، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73) ﴾ الزمر:73 .
فيكون سيدنا محمد r أول الداخلين إلى الجنة وأمته أول الأمم دخولاً، قال r : (نَحْنُ الآخِرُونَ(29) الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ…)(30) .
ويتقدم أمة محمد r السبعون الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قال r : (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)(31) .
وبعد ذِكْرِ السبعين الألف ذكرت رواية أخرى أن معهم ثلاث حثيات من حثيات ربي
قال r : (…وَثَلاثَ حَثَيَاتٍ(32) مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ)(33) أي يدخلون الجنة بغير حساب .
وقد وصف الرسول r صورة أول زمرة تدخل الجنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أَوَّلُ زُمْرَةٍ(34) تَلِجُ(35) الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ(36) الأَلُوَّةُ(37) وَرَشْحُهُمْ(38) الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(39) .
5- استقبال الملائكة :
تستقبل الملائكة وفد الرحمن بعد أن فتحت الأبواب بالتسليم والتبشير لهم بالحياة الطيبة ، والخلود في الجنة ، قال تعالى : ﴿... حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73)﴾ الزمر:73 .
وتتلقاهم الملائكة وتبشرهم وتهنئهم بأنهم قد وجدوا ما كان يعدهم ربهم به في الدنيا من الثواب والنعيم .
قال تعالى: ﴿... وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103)﴾ الأنبياء:103.
6- ما يضيفون به عند دخولهم :
ويكرم الله سبحانه وتعالى وفده بهدية هي زيادة كبد النون ، ثم ينحر لهم ثور الجنة ، ويشربون من عين سلسبيل .
قال r عندما سأله حِبر من أحبار اليهود عن تحفة(40) أهل الجنة إذا دخلوها فقال : (زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ(41) قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا(42)؟ قَالَ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً)(43) .
7- اهتداؤهم إلى منازلهم :
ويهتدي وفد الرحمن إلى بيوتهم ومساكنهم بعد إتحاف الله لهم بزيادة كبد الحوت فلا يخطئون في الوصول إليها ، بل هم أهدى إليها من مساكنهم التي كانت في الدنيا.
قال تعالى ﴿وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)﴾ محمد: 6.
قال مجاهد : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ، لا يخطئون ، كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ، لا يستدلون عليها أحداً(44) .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه أن نبي الله r قال : (…فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا)(45)(46) .
أوصاف الجنة :
ويشاهد أهل الجنة ما أعد الخالق سبحانه لهم مما لم تر أعينهم قبل ذلك ، ولم تسمع آذانهم ، ولم يخطر على قلوبهم ، فنعيم الجنة يفوق الوصف ، ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا ، قال تعالى ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة: 17.
وقال r : قال الله تعالى : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17)(47).
فهيا بنا لنتأمل مع أهل الجنة في:-
1- درجات الجنة :-
فالجنة درجات ، بعضها فوق بعض ، وأهلها متفاوتون فيها بحسب منازلهم فيها، قال تعالى : ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا(75)﴾ طه: 75، وينظرون إلى المائة درجة التي وصفها الرسول r بقوله : (…فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ)(48).
وقال : (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)(49) .
ويمكن لكل أحد أن يرتقي في هذه الدرجات بعمله الصالح وبدعاء واستغفار ولده الصالح له بعد موته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله r : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) وفي رواية : (بدعاء ولدك لك) (50) .
2- أعلى منزلة في الجنة :
هي الوسيلة التي كان يسألها المؤمنون لرسول الله r فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)(51).
وقد سأل الصحابة الرسول r قائلين : وما الوسيلة ؟ (قَالَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ …)(52) .
3- لبنات الجنة :
وينظرون إلى بناء الجنة الذي قال عنه المصطفى r أنه : (لبنة من فضة ولبنة من ذهب …)(53) .
ويشاهدون مِلاَطُها(54) الذي قال عنه r : (وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ …)(55).
4- تربة الجنة وطينتها وحصباؤها :
وإذا نظر أهل الجنة إلى أرض الجنة التي يمشون عليها فإذا هي كما وصفها الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : (أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ)(56) .
وبين الرسول أن تربتها كالدقيق الخالص البياض ، فقال : (دَرْمَكَةٌ(57) بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ)(58) .
وقال r: (… ومِلاَطُها المِسْك الأَذْفَر(59) وحصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ واليَاقُوت …)(60) .
5- مساكن الجنة :
ويطلع أهل الجنة على ما بني لهم في الجنة من مساكن طيبة حسنة كما قال تعالى: ﴿... وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ...)﴾ سورة التوبة:الآية 72)، تحيط بها الحدائق الغدقة والبساتين النضرة التي فيها من كل الثمرات ، وأشجارها دائمة الثمر والظل يحيط بالمساكن التي تجري من تحتها الأنهار ، والتي لا يسمع فيها لغو ولا تأثيم ، وليس فيها نصب ، ولا صخب ، فيشاهد أهل الجنة ما وصف الله ورسوله لهم من:-
أ- غرف الجنة :
قال تعالى : ﴿لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ(20)﴾ سورة الزمر:الآية 20.
وقال تعالى : ﴿... فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(37)﴾ سبأ: 37 وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله r: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)(61).
وقال رسول الله r : (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ …)(62) .
ب- بيوت الجنة :
وتتحقق رؤيتهم لما بني لهم من البيوت بما قدموا في الدنيا من الأعمال الصالحة كبناء المساجد ، وصلاة النوافل بعد أداء الفرائض ، فقد قال تعالى ﴿... رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ...﴾ التحريم: 11.
وقال الرسول r : (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ)(63).
وقال أيضاً r : (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)(64) .
ج- قصور الجنة :
وتظهر قصور الجنة الذهبية التي يذهب رونقها وجمالها كل جمال ورونق لقصور الدنيا التي كان يتباهى بها أهلها .
تلك القصور التي جعلها سبحانه وتعالى لمن أطاعه ، قال تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10)﴾ الفرقان: 10.
القصور التي يراها المؤمنون رأي العين بعد أن كانوا يؤمنون بها بالغيب ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ r وسلم فَدَعَا بِلالا فَقَالَ يَا بِلالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرْتَفِعٍ مُشْرِفٍ...)(65).
د- خيام الجنة :
النفس البشرية تشتهي التنويع والتغيير ، فتشتهي ألا تبقى على مسكن واحد ، بل تريد أن تدخل البيوت والقصور والخيام ، والله سبحانه أشبع رغبات المؤمن في الجنة ، فجعل له أصناف المآكل والمشارب ، وكذلك أصناف البيوت والمساكن، ومن ذلك : الخيام التي وصفها الرسول r بقوله : (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا)(66)
ووصف الرسول r عرضها ، فقال : (…عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً …)(67) .
ولزيادة متعة المؤمن في الجنة جعل الله خيام اللؤلؤ على حافتي النهر ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ)(68) .
هـ- أنهار الجنة :
ولنتجول مع أهل الجنة بين أنهارها ، ونمتع النفس بذلك النعيم الدائم المقيم الذي بشر الله به عباده المتقين، فقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)﴾ البقرة:25.
وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا(31)﴾ الكهف:31، وهذا نهر الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله r ، فقال سبحانه : ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)﴾ الكوثر:1.
وقد رآه الرسول r ، وحدثنا عنه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ)(69).
وهذه أنهار الجنة الأربعة من الماء واللبن والخمر والعسل المصفى، قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ(15)﴾ محمد:15.
وهذه الأنهار تنشق من بحر العسل والخمر والماء واللبن .
ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله r قال : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ)(70) .
و- عيون الجنة :
وانظر أخي المؤمن إلى عيون الجنة الكثيرة النضاخة المختلفة الطعوم والمشارب كعين الكافور والتسنيم والسلسبيل التي يشرب منها المقربون .
قال تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)﴾ الذاريات:15 .
وقال تعالى : ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا(17)عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا(18)﴾ الإنسان:17- 18.
وقال تعالى : ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ(27)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ(28)﴾ المطففين:28:27.
ز- أشجار الجنة وثمارها :
وقد زين الله الجنة بأنواع الأشجار والثمار اليانعة والروضات المتفتحة التي تدخل السرور والحبور ، قال تعالى : ﴿... فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ(15)﴾ الروم:15 وقد أخبرنا الحق أن في الجنة أشجار العنب والنخل والرمان ، كما فيها أشجار السدر(71) والطلح(72) قال تعالى : ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31)حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا(32)﴾ النبأ:32:31 .
وقال تعالى : ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ(27)فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ(28)وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ(29)﴾ الواقعة:27-29.
وقد بين الرسول r أن الله يجعل مكان كل شوكة في شجرة الطلح ثمرة ، فيها سبعون لونا من ألوان الطعام(73) .
وفي الجنة من أنواع الثمارٍ والنعيم كل ما تشتهيه النفوس وتلذ العيون ، قال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)﴾ ص:51 .
وقال تعالى : ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ(20)﴾ الواقعة:20 .
وقال تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ(41)﴾ المرسلات:41.
وأشجار الجنة دائمة العطاء، قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ(35)﴾ الرعد:35.
وقال تعالى : ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ(32)لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ(33)﴾ الواقعة:33:32.
قال r : (مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ)(74) .
وقال r : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا)(75) .
وفي مسند احمد عن أبي سعيد الخدري عندما سأل رجل رسول الله r، ما طوبى، قال: (شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا)(76) .
والمؤمن يكثر من غرس أشجار جنته بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فقد قال رسول الله r : (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)(77) .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (إِنَّ الرجل إذا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الجنَّة عَادَت مَكَانَهَا أُخْرَى)(78).
ومن لطائف ما يجده أهل الجنة عندما تأتيهم ثمارها أنهم يجدونها تتشابه في المظهر، ولكنها تختلف في المخبر، قال تعالى: ﴿... كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)﴾ البقرة:25.
وثمار أشجار الجنة قريبة دانية مُذَلَّلَـهُ ينالها أهل الجنة بيسر وسهوله ، قال تعالى : ﴿... وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ(54)﴾ الرحمن:54 .
وقال تعالى : ﴿... وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا(14)﴾ الإنسان:14.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي r وسلم قال : (فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ أَوْ قَالَ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ)(79) .
ومن أشجار الجنة: أشجار الريحان الفائحة التي قال عنهـا الله تبارك وتعـالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ(88)فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(89)﴾ الواقعة:89:88) وأخبرنا الرسول r أن سيد ريحان الجنة الحناء .
ففي معجم الطبراني الكبير بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبدالله ابن عمرو عن النبي r قال : (سَيِّدُ رَيْحَانِ الجَنَّةِ الحِنَّاءُ)(80) .
ح- سوق الجنة :
يخلق الله سبحانه وتعالى سوقاً يغشاه أهل الجنة إتماماً للإنعام في دار النعيم، فهذا الإمام مسلم يخرج لنا حديث السوق عن أنس بن مالك أن رسول الله r قال : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً)(81) .
سيره إلى ملكه :
بعد أن طفنا مع أهل الجنة في أوصاف الجنة ، آن الأوان أن نسير مع ملك من ملوكها لنرى ما أعده الله له من النعيم الذي قال الله تعالى عنه : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20)﴾ الإنسان:20 .
ويرتقي أهل الجنة في الجنة إلى منازلهم بحسب أعمالهم ، ويقال لصاحب القرآن كما قال النبي r : (اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)(82) .
استقبال الخدم له :
ويصل أهل الجنة كل واحدٍ إلى مملكته الخاصة به والتي لا يشاركه فيها أحد فتستقبله الولدان .
سعة مملكة المؤمن ونعيمها :
أ- سعتها :
فيدخل المؤمن مملكته الواسعة وقد وصف الرسول r سعة مملكة أخر أهل الجنة دخولاً ، فقال r : (إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِوَآَلِهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً)(83) .
وذكر مسلم في رواية لأعلى أهل الجنة منزلة عندما سأل موسى عليه السلام ربه عن أعلى أهل الجنة منزلة ، فقال سبحانه وتعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17 (84) .
ب- نعيمها :
1- صفات أهل الجنة وحليهم ولباسهم :
تتغير هيئة أهل الجنة ، ويصبح طول أحدهم ستين ذراعاً ، قالr: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ... فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ)(85). وتكون صورة أول زمرة تدخل الجنة كالقمر ليلة البدر ، قال r: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ)(86).
وسنهم ثلاثاً وثلاثين سنة ، لا تزيد أبدا ، قال r : (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا(87) مُرْدًا(88) بِيضًا جِعَادًا(89) مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا)(90) .
ويتزين المؤمنون في الجنة بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ ، قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(12)﴾ الإنسان:12.
وقال تعالى ﴿ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23)﴾ الحج:23 ومن حليهم أساور الذهب والفضة واللؤلؤ .
قال تعالى : ﴿... وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21)﴾ الإنسان:21.
ومن ألوان الثياب التي يلبسها المؤمنون في الجنة : الخضر من السندس والإستبرق ، قال تعالى : ﴿﴾ الكهف:31 وقال تعالى ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ (91)خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ (92)وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21)﴾ الإنسان:21 وثياب أهل الجنة لا تبلى ، قال r : (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ)(93) .
ولباس أهل الجنة أرقى من أي ثياب صنعها الإنسان ، فقد أتى الرسول r بثوب من حرير فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه ، فقال r : (…لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا)(94) .
ومن حلي أهل الجنة التيجان ، فقد ذكر الرسول r الخصال التي يعطاها الشهيد ، فقال : (وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا… )(95) .
ووصف الرسول r إضاءة أدنى لؤلؤة في التاج ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (إِنَّ عَلَيْهِمْ التِّيجَانَ إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)(96) .
وأخبر الرسول r: أن لأهل الجنة أمشاطاً من الذهب وأنهم يتبخرون بعود الطيب، فقال : (وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ(97) الأَلُوَّةُ(98)…)(99) .
2- نساء أهل الجنة :
1- خلق الجنة :-
الجنة مخلوقة ، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى(13)عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى(14)عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى(15)﴾النجم:13-15).
وقد رأى النبي r الجنة ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك في قصة الإسراء وفي آخره قال :(ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى(1) فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ قَالَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ(2) اللُّؤْلُؤَ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ)(3) فالجنة مخلوقة موجودة في السماء عند سدرة المنتهى .
زار النبي r الجنة، ورآها ، ودخلها ، ووصف جنابذها وتربتها ، وقد بين الرسول r في موقف آخر أنه رأى كل شيء وعد الناس به في الدار الآخرة ، ورأى قطفاً من الجنة ، فقصرت يده عن تناوله، فدل ذلك على حقيقة وجود الجنة، قال r :(…لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ4))(5) .
فتأمل يا عبدالله سعة الجنة وعظمها ، فقد بين الله تعالى ورسوله r ذلك ، فقال تعالى : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)﴾ آل عمران:133).
قال الشوكاني: ذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة(6) .
وقال r في آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة(…إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ)(7) .
فإذا كان أقلهم منزلة في الجنة من له مثل الدنيا وعشرة أمثالها ، فكيف يكون ملك أعلاهم منزلة ؟! فتصور سعة الجنة وعظمها !!
2- الجنة دار النعيم :
الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا(107)خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا(108)﴾ الكهف:107-108.
وقال تعالى : ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَانُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا(61)﴾ مريم:61 .
وقال تعالى في الحديث القدسي : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ السجدة:17(8).
فدخول الجنة والنجاة من النار هو الفلاح العظيم والفوز الكبير، والنجاة العظمى قال تعالى : ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185)﴾ آل عمران:185) .
وقال تعالى أيضاً : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)﴾ التوبة:72 .
وقال عز من قائل: ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)﴾ النساء:13.
فنعيم الجنة يفوق الوصف ، ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا قال تعالى : ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17 .
وقال r قال الله تعالى :(أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)(9).
3- إنها جنان :
قال تعالى : ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾ الرحمن:46 .
وقال تعالى : ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ(62)﴾ الرحمن:62 .
وعَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ rَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ(10) فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ(11) عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَـارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى(12).
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله r قال: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) (13).
4- التهيئة لدخول الجنة :
بعد أن يجتاز المؤمنون الصراط يُوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ، ثم يهذبون وينقون ، وذلك بأن يقتص بعضهم من بعض إذا كانت بينهم مظالم في الدنيا .
حتى إذا دخلوا الجنة كانوا أطهارا أبرارا ، ليس لأحد عند الآخر مظلمة ، ولا يطلب بعضهم بعضا بشيء .
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) (14) ، وقال تعالى : ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47)﴾ الحجر:47 .
5- دخول الجنة :
أ- سَوق وفد الرحمن إلى الجنة :
قال تعالى : ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ... ﴾ الزمر:73 .
و قال تعالى : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا(85)﴾ مريم:85 .
قال ابن عباس وفدا : ركبانا(15) .
ونقل الطبري في تفسيره عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: (أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم – ولكنهم يأتون بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحال(16) الذهب وأزمتها الَزبَرْجد ويركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة)(17).
ب- ريح الجنة :
ويسير وفد الرحمن إلى الجنة زمرا ، فيجدون رائحة الجنة العبقة الزكية التي تفوح من مسيرة سبعين عاماً ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r وسلم ، قال : (…وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا)(18) .
ج- أبواب الجنة :
ويصل وفد الرحمن إلى أبواب الجنة ، فينتهي ما سلف في الأيام الخالية من تعب ومكابدة وصبر ومصابرة وحساب وعرض ، فيروا أبواب الجنة الثمانية .قال تعالى:﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)﴾( ص:50).وقال تعالى:﴿... وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ(23)سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(24)﴾ (الرعد:23-24) .
وقال r :(فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ)(19) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ(20) الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)(21).
وأبواب الجنة الثمانية لها مصاريع عظيمة ، وقد وصف الرسول r ما بين مصراعيها بقوله: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ(22) أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى (23))(24).
وقال r : (… وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ (25))(26) .
والباب الأيمن من أبواب الجنة خاص بالذين يدخلون الجنة بغير حساب من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال r : (…فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ …)(27) .
4- أول من يدخل الجنة :
ويصل وفد الرحمن إلى أبواب الجنة ، ويحين دخولهم إليها ، فيستفتح سيد الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقرع باب الجنة ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ)(28) .
فتفتح أبواب الجنة لوفد الرحمن، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73) ﴾ الزمر:73 .
فيكون سيدنا محمد r أول الداخلين إلى الجنة وأمته أول الأمم دخولاً، قال r : (نَحْنُ الآخِرُونَ(29) الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ…)(30) .
ويتقدم أمة محمد r السبعون الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قال r : (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)(31) .
وبعد ذِكْرِ السبعين الألف ذكرت رواية أخرى أن معهم ثلاث حثيات من حثيات ربي
قال r : (…وَثَلاثَ حَثَيَاتٍ(32) مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ)(33) أي يدخلون الجنة بغير حساب .
وقد وصف الرسول r صورة أول زمرة تدخل الجنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أَوَّلُ زُمْرَةٍ(34) تَلِجُ(35) الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ(36) الأَلُوَّةُ(37) وَرَشْحُهُمْ(38) الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(39) .
5- استقبال الملائكة :
تستقبل الملائكة وفد الرحمن بعد أن فتحت الأبواب بالتسليم والتبشير لهم بالحياة الطيبة ، والخلود في الجنة ، قال تعالى : ﴿... حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ(73)﴾ الزمر:73 .
وتتلقاهم الملائكة وتبشرهم وتهنئهم بأنهم قد وجدوا ما كان يعدهم ربهم به في الدنيا من الثواب والنعيم .
قال تعالى: ﴿... وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103)﴾ الأنبياء:103.
6- ما يضيفون به عند دخولهم :
ويكرم الله سبحانه وتعالى وفده بهدية هي زيادة كبد النون ، ثم ينحر لهم ثور الجنة ، ويشربون من عين سلسبيل .
قال r عندما سأله حِبر من أحبار اليهود عن تحفة(40) أهل الجنة إذا دخلوها فقال : (زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ(41) قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا(42)؟ قَالَ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً)(43) .
7- اهتداؤهم إلى منازلهم :
ويهتدي وفد الرحمن إلى بيوتهم ومساكنهم بعد إتحاف الله لهم بزيادة كبد الحوت فلا يخطئون في الوصول إليها ، بل هم أهدى إليها من مساكنهم التي كانت في الدنيا.
قال تعالى ﴿وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)﴾ محمد: 6.
قال مجاهد : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ، لا يخطئون ، كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ، لا يستدلون عليها أحداً(44) .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه أن نبي الله r قال : (…فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا)(45)(46) .
أوصاف الجنة :
ويشاهد أهل الجنة ما أعد الخالق سبحانه لهم مما لم تر أعينهم قبل ذلك ، ولم تسمع آذانهم ، ولم يخطر على قلوبهم ، فنعيم الجنة يفوق الوصف ، ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا ، قال تعالى ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة: 17.
وقال r : قال الله تعالى : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17)(47).
فهيا بنا لنتأمل مع أهل الجنة في:-
1- درجات الجنة :-
فالجنة درجات ، بعضها فوق بعض ، وأهلها متفاوتون فيها بحسب منازلهم فيها، قال تعالى : ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا(75)﴾ طه: 75، وينظرون إلى المائة درجة التي وصفها الرسول r بقوله : (…فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ)(48).
وقال : (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)(49) .
ويمكن لكل أحد أن يرتقي في هذه الدرجات بعمله الصالح وبدعاء واستغفار ولده الصالح له بعد موته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله r : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) وفي رواية : (بدعاء ولدك لك) (50) .
2- أعلى منزلة في الجنة :
هي الوسيلة التي كان يسألها المؤمنون لرسول الله r فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)(51).
وقد سأل الصحابة الرسول r قائلين : وما الوسيلة ؟ (قَالَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ …)(52) .
3- لبنات الجنة :
وينظرون إلى بناء الجنة الذي قال عنه المصطفى r أنه : (لبنة من فضة ولبنة من ذهب …)(53) .
ويشاهدون مِلاَطُها(54) الذي قال عنه r : (وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ …)(55).
4- تربة الجنة وطينتها وحصباؤها :
وإذا نظر أهل الجنة إلى أرض الجنة التي يمشون عليها فإذا هي كما وصفها الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : (أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ)(56) .
وبين الرسول أن تربتها كالدقيق الخالص البياض ، فقال : (دَرْمَكَةٌ(57) بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ)(58) .
وقال r: (… ومِلاَطُها المِسْك الأَذْفَر(59) وحصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ واليَاقُوت …)(60) .
5- مساكن الجنة :
ويطلع أهل الجنة على ما بني لهم في الجنة من مساكن طيبة حسنة كما قال تعالى: ﴿... وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ...)﴾ سورة التوبة:الآية 72)، تحيط بها الحدائق الغدقة والبساتين النضرة التي فيها من كل الثمرات ، وأشجارها دائمة الثمر والظل يحيط بالمساكن التي تجري من تحتها الأنهار ، والتي لا يسمع فيها لغو ولا تأثيم ، وليس فيها نصب ، ولا صخب ، فيشاهد أهل الجنة ما وصف الله ورسوله لهم من:-
أ- غرف الجنة :
قال تعالى : ﴿لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ(20)﴾ سورة الزمر:الآية 20.
وقال تعالى : ﴿... فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(37)﴾ سبأ: 37 وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله r: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)(61).
وقال رسول الله r : (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ …)(62) .
ب- بيوت الجنة :
وتتحقق رؤيتهم لما بني لهم من البيوت بما قدموا في الدنيا من الأعمال الصالحة كبناء المساجد ، وصلاة النوافل بعد أداء الفرائض ، فقد قال تعالى ﴿... رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ...﴾ التحريم: 11.
وقال الرسول r : (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ)(63).
وقال أيضاً r : (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)(64) .
ج- قصور الجنة :
وتظهر قصور الجنة الذهبية التي يذهب رونقها وجمالها كل جمال ورونق لقصور الدنيا التي كان يتباهى بها أهلها .
تلك القصور التي جعلها سبحانه وتعالى لمن أطاعه ، قال تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10)﴾ الفرقان: 10.
القصور التي يراها المؤمنون رأي العين بعد أن كانوا يؤمنون بها بالغيب ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ r وسلم فَدَعَا بِلالا فَقَالَ يَا بِلالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرْتَفِعٍ مُشْرِفٍ...)(65).
د- خيام الجنة :
النفس البشرية تشتهي التنويع والتغيير ، فتشتهي ألا تبقى على مسكن واحد ، بل تريد أن تدخل البيوت والقصور والخيام ، والله سبحانه أشبع رغبات المؤمن في الجنة ، فجعل له أصناف المآكل والمشارب ، وكذلك أصناف البيوت والمساكن، ومن ذلك : الخيام التي وصفها الرسول r بقوله : (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا)(66)
ووصف الرسول r عرضها ، فقال : (…عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً …)(67) .
ولزيادة متعة المؤمن في الجنة جعل الله خيام اللؤلؤ على حافتي النهر ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ)(68) .
هـ- أنهار الجنة :
ولنتجول مع أهل الجنة بين أنهارها ، ونمتع النفس بذلك النعيم الدائم المقيم الذي بشر الله به عباده المتقين، فقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)﴾ البقرة:25.
وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا(31)﴾ الكهف:31، وهذا نهر الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله r ، فقال سبحانه : ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)﴾ الكوثر:1.
وقد رآه الرسول r ، وحدثنا عنه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ)(69).
وهذه أنهار الجنة الأربعة من الماء واللبن والخمر والعسل المصفى، قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ(15)﴾ محمد:15.
وهذه الأنهار تنشق من بحر العسل والخمر والماء واللبن .
ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله r قال : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تُشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ)(70) .
و- عيون الجنة :
وانظر أخي المؤمن إلى عيون الجنة الكثيرة النضاخة المختلفة الطعوم والمشارب كعين الكافور والتسنيم والسلسبيل التي يشرب منها المقربون .
قال تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)﴾ الذاريات:15 .
وقال تعالى : ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا(17)عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا(18)﴾ الإنسان:17- 18.
وقال تعالى : ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ(27)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ(28)﴾ المطففين:28:27.
ز- أشجار الجنة وثمارها :
وقد زين الله الجنة بأنواع الأشجار والثمار اليانعة والروضات المتفتحة التي تدخل السرور والحبور ، قال تعالى : ﴿... فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ(15)﴾ الروم:15 وقد أخبرنا الحق أن في الجنة أشجار العنب والنخل والرمان ، كما فيها أشجار السدر(71) والطلح(72) قال تعالى : ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31)حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا(32)﴾ النبأ:32:31 .
وقال تعالى : ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ(27)فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ(28)وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ(29)﴾ الواقعة:27-29.
وقد بين الرسول r أن الله يجعل مكان كل شوكة في شجرة الطلح ثمرة ، فيها سبعون لونا من ألوان الطعام(73) .
وفي الجنة من أنواع الثمارٍ والنعيم كل ما تشتهيه النفوس وتلذ العيون ، قال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)﴾ ص:51 .
وقال تعالى : ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ(20)﴾ الواقعة:20 .
وقال تعالى : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ(41)﴾ المرسلات:41.
وأشجار الجنة دائمة العطاء، قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ(35)﴾ الرعد:35.
وقال تعالى : ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ(32)لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ(33)﴾ الواقعة:33:32.
قال r : (مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ)(74) .
وقال r : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا)(75) .
وفي مسند احمد عن أبي سعيد الخدري عندما سأل رجل رسول الله r، ما طوبى، قال: (شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا)(76) .
والمؤمن يكثر من غرس أشجار جنته بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فقد قال رسول الله r : (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)(77) .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (إِنَّ الرجل إذا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الجنَّة عَادَت مَكَانَهَا أُخْرَى)(78).
ومن لطائف ما يجده أهل الجنة عندما تأتيهم ثمارها أنهم يجدونها تتشابه في المظهر، ولكنها تختلف في المخبر، قال تعالى: ﴿... كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)﴾ البقرة:25.
وثمار أشجار الجنة قريبة دانية مُذَلَّلَـهُ ينالها أهل الجنة بيسر وسهوله ، قال تعالى : ﴿... وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ(54)﴾ الرحمن:54 .
وقال تعالى : ﴿... وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا(14)﴾ الإنسان:14.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي r وسلم قال : (فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ أَوْ قَالَ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ)(79) .
ومن أشجار الجنة: أشجار الريحان الفائحة التي قال عنهـا الله تبارك وتعـالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ(88)فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(89)﴾ الواقعة:89:88) وأخبرنا الرسول r أن سيد ريحان الجنة الحناء .
ففي معجم الطبراني الكبير بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبدالله ابن عمرو عن النبي r قال : (سَيِّدُ رَيْحَانِ الجَنَّةِ الحِنَّاءُ)(80) .
ح- سوق الجنة :
يخلق الله سبحانه وتعالى سوقاً يغشاه أهل الجنة إتماماً للإنعام في دار النعيم، فهذا الإمام مسلم يخرج لنا حديث السوق عن أنس بن مالك أن رسول الله r قال : (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً)(81) .
سيره إلى ملكه :
بعد أن طفنا مع أهل الجنة في أوصاف الجنة ، آن الأوان أن نسير مع ملك من ملوكها لنرى ما أعده الله له من النعيم الذي قال الله تعالى عنه : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20)﴾ الإنسان:20 .
ويرتقي أهل الجنة في الجنة إلى منازلهم بحسب أعمالهم ، ويقال لصاحب القرآن كما قال النبي r : (اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)(82) .
استقبال الخدم له :
ويصل أهل الجنة كل واحدٍ إلى مملكته الخاصة به والتي لا يشاركه فيها أحد فتستقبله الولدان .
سعة مملكة المؤمن ونعيمها :
أ- سعتها :
فيدخل المؤمن مملكته الواسعة وقد وصف الرسول r سعة مملكة أخر أهل الجنة دخولاً ، فقال r : (إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه ِوَآَلِهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً)(83) .
وذكر مسلم في رواية لأعلى أهل الجنة منزلة عندما سأل موسى عليه السلام ربه عن أعلى أهل الجنة منزلة ، فقال سبحانه وتعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)﴾ السجدة:17 (84) .
ب- نعيمها :
1- صفات أهل الجنة وحليهم ولباسهم :
تتغير هيئة أهل الجنة ، ويصبح طول أحدهم ستين ذراعاً ، قالr: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ... فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ)(85). وتكون صورة أول زمرة تدخل الجنة كالقمر ليلة البدر ، قال r: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ)(86).
وسنهم ثلاثاً وثلاثين سنة ، لا تزيد أبدا ، قال r : (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا(87) مُرْدًا(88) بِيضًا جِعَادًا(89) مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا)(90) .
ويتزين المؤمنون في الجنة بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ ، قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(12)﴾ الإنسان:12.
وقال تعالى ﴿ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(23)﴾ الحج:23 ومن حليهم أساور الذهب والفضة واللؤلؤ .
قال تعالى : ﴿... وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21)﴾ الإنسان:21.
ومن ألوان الثياب التي يلبسها المؤمنون في الجنة : الخضر من السندس والإستبرق ، قال تعالى : ﴿﴾ الكهف:31 وقال تعالى ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ (91)خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ (92)وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21)﴾ الإنسان:21 وثياب أهل الجنة لا تبلى ، قال r : (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ)(93) .
ولباس أهل الجنة أرقى من أي ثياب صنعها الإنسان ، فقد أتى الرسول r بثوب من حرير فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه ، فقال r : (…لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا)(94) .
ومن حلي أهل الجنة التيجان ، فقد ذكر الرسول r الخصال التي يعطاها الشهيد ، فقال : (وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا… )(95) .
ووصف الرسول r إضاءة أدنى لؤلؤة في التاج ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (إِنَّ عَلَيْهِمْ التِّيجَانَ إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)(96) .
وأخبر الرسول r: أن لأهل الجنة أمشاطاً من الذهب وأنهم يتبخرون بعود الطيب، فقال : (وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ(97) الأَلُوَّةُ(98)…)(99) .
2- نساء أهل الجنة :