مشاهدة النسخة كاملة : رسالة من الأديب صلاح احمد ابراهيم لأخته...
ياسر عمر الامين
17-09-2014, 01:19 AM
وجدت هذه الرسالة فى حائط المهندسة ماجدة محمد محمود ابنة اخت الراحل صلاح احمد ابراهيم فى الفيسبوك وقد استاذنتها فى نشرها فى المنتدى وهى رسالة "مواساة ومرثية" عظيمة من الأديب الراحل صلاح أحمد ابراهيم لأخته فى وفاة زوجها....والرسالة سفر عظيم فى الحض على الصبر والجلد فى مواجهة الموت والمحن وتناسى الأحزان والانفتاح على الحياة ومرثية عظيمة صيغت بيراع أديب خبر الحروف وخبرته...
ياسر عمر الامين
17-09-2014, 01:24 AM
نيويورك 7/8 /1972
أختي العزيزة التومة
تحياتي وأشواقي ومحبتي راجيا أن تكوني وأولادك والأهل جميعا بخير .. و يؤسفني ان أغادركم وأنتم في مثل هذه الظروف القاسية لولا الحاح العمل.. و ما كنت ﻷبقى هنا لولا تقيدي بديون لا أستطيع منها فكاكا في الوقت الحالي و متى انتهيت منها طلبت العودة. على اية حال، ثقتي في جلدكم و قوتكم ومقدرتكم على الإفاقة من الصدمة تجعلني مطمئنا نوعا ما...
قرأت مرثيتك في الجريدة و مرثية أحمد علي طه، و لقد كان محمود رجلا فاضلا ، كريم النفس عف اللسان رفيع الخلق جم المكارم، والموت كما يقولون من قديم نقاد يختار الأكرمين .. وحياة المرء غير معروف متى تنتهي، فالموت يجتاح الكبير والصغير ، و يأتي بألف منفذ و منفذ ، ولا يستطيع أحد ان يقول لك انني سأفلت من قبضته او اعلم متى تقبض نفسي.. وهو سنة الحياة من قديم الزمان ، وحكم لا مرد له طال الزمن أو قصر ، ونحن جميعا قد نعرف هذه الحقائق البسيطة ولكن متى طرق الموت بابنا ، و فجعنا في عزيز لدينا نتجزع و نتصور أن ما حل بنا لا يمكن تصوره ، ولا مسوغ له ، متناسين ان الموت هو سبيل الاولين والآخرين ، يصيب القريب والبعيد ، ولا يميز بين أحد..
ولكن مما يجعل مصيبتنا أفدح ، أن من فجعنا فيهم من أكرم الناس نفوسا و أعزهم سيرة ، وأرفعهم قيما ، و امتنهم اخلاقا ، و أبعدهم عن الايذاء والتعدي ، وكل واحد منهم لا يمكن أن يعوض .. و مما يجعل مصيبتنا افدح أن الكوارث حلت بنا متلاحقة لا تمهلنا و كأنما قد تقصدتنا الأقدار .. ولكننا يا عزيزتي أندادها.. تصوري أن كثيرا من العائلات تفجع بأكثر ممن فجعنا فيهم بضربة واحدة ، وهذه حقيقة ، ولكن تذكري بأننا نملك من الفهم والتفهم ، من الثقة بالنفس و الاعتزاز بها ، من المقدرة على الصمود و ضرب المثل في رباطة الجأش و التماسك والانصراف الى ما يبرر وجودنا مما نراه واجبا و رسالة ، ما يجعلنا أكبر من المحن والمصائب ، و ما يجعلنا قدوة للآخرين و كثير هم من يروننا قدوة ويستلهمون منا الارادة والوعي ..
الانسان يا أختاه اذن معرض للموت في اية لحظة من حياته .. انه يعيش الخطر و يماشي الموت.. ولا يدري احد ما تخبؤه اللحظة القادمة ..فالحياة بهذا المقياس المحدد عبث و زوال او ظل زائل .. و حين نتصور من كان ملء العين والسمع ثم آل الى التراب تتجسم لنا تفاهتها و قيمتها الفانية ، وعلى وهج هذه الحقائق تتعرى أمامنا تفاهة اولئك الذين ينسون او يتناسون هذه الحقيقة الكبرى فينغمسون في تكالبهم على ما لا يضمنون بقاءه وفي شرههم وفي سعيهم وراء ما لا يدوم فاذا هو أشبه بمدينة يوهمنا بها السراب .. بينما نهاية كل مسعى كفن و كوم تراب ..على اننا نعيش و نعمل و نخطط و نفعل و نتفاعل ﻷن ذلك واجبنا ، و قدرنا ، و دورنا في قصة الكون المسلسلة التي لا يعرف بدايتها أو نهايتها أو مغزاها الا مؤلفها الأعظم ، فلن يكون بامكاننا ﻷننا ندرك حقيقة الموت أن نتعجله أو نستعجله أو نستسلم له قبل أن يحل بنا .. أن ندركها كحقيقة لا بد منها ، ولكن الحياة كذلك حقيقة ، و من أوجب واجباتنا المقدسة أن نعيشها و أن نبذل لها بسخاء حتى نلفظ آخر نفس .. والعاقل يا أختاه ما اوقف حياته على الفضيلة فاذا حياته كوردة نادرة قد تموت ولكن تبقى ذكرى عطرها الى ابد الآبدين .. و هكذا كان عزيزنا محمود ..فذكراه لن تموت أبدا ، و لقد ترك في حياة كل من التقى به جزءا منه لا يموت بموته فهو حي في الآخرين بمقدار تأثيره في حياة الآخرين .. و نحن منهم..
للحزن أن يأخذ عرضته فيها و لكن عليه ان ينتهي..الحزن عاطفة مهلكة تبدد الوقت والحيوية و تلقي ظلها القاتل على الحياة .. و من حق من ذهب منا أن نحزن عليه وقتا ، و لكن الحزن ليس أعظم هدية لذكراه .. لنقف ونتساءل ماذا كانت رسالة عزيزنا الراحل في الحياة حتى نستمر فيها ﻷن الحياة ديمومة واستمرار. ماذا يريد منا العزيز الراحل ان نفعل و قد ذهب عنا فهو يشرف علينا من مقاصير الخلود.. أن نحزن عليه فقط و نستغرق أنفسنا حزنا عليه ؟ لا أظن ذلك ، ﻷن معنى ذلك أن نوقف الحياة في حيث توقفت أنفاس واحد فيها و هذا لا يجوز ..
في نظري أن عائشة العزيزة قد ذهبت عنا جسما فقط، والجسم ينال منه الكبر و يدب فيه الوهن ، وبعد حين يصير عالة على صاحبه و على الآخرين حتى لنتساءل هذا الشخص هو عين ذلك ؟ لذلك يتمنى العقلاء أن يموتوا قبل أن يصيروا عالة على أنفسهم و على الآخرين ، و لقد سمعت والدتي تتمنى ذلك .. انتهت اذن والدتنا كجسد فاني و بقيت فينا خلاصة نبيلة كما يبقى العطر من اوراق الورد .. ثم ما نحن الا حلقة بينها و بين اجيال المستقبل من واجبنا ان ننقل اليهم عنها ، ما نقلته هي لنا بكل امانة واجتهاد وعبقرية وبذل و سخاء في نضال عنيف بينها و بين نفسها الا تتيح للآخرين من نفسها الا كل رفيع و انساني و خير ... فلقد قتلت في وجدانها الشر و كبحت الرغاب الانانية ، ولذلك فهي مقرونة في وعينا دائما بما عرفنا عنها ، وما عرفنا عنها كان اروع ما حاولت الانسانية في أفضل حالاتها ان تعطيه .. ليس ﻷنها أمنا ..و تعلمنا من عائشة الكثير .. في تصرفاتها اليومية البسيطة و عند الأحداث الكبرى .. و صارت عائشة ملهمة لنا ، فهي معنا دائما .. تقول لنا في صمت ما نحن في أشد حاجة لسماعه .. و بذلك فهي لم تمت ، و نحن حين نتذكرها نصير في أفضل حالاتنا ... هذا ما اؤمن به ايمانا عميقا ، و لقد سرني أنك ترين نفس ما أرى .. ولقد قلت لي ذلك حين تحادثت معك و محمود مسجى بلا أمل : لقد تعلمت من عائشة الكثير و سأصبر..
اذن ليأخذ الحزن عرضته و ليذهب.. ولنتدبر شئوننا بما يلزم ذلك من تبصر و تماسك و رفعة مسعى ... و أنا واثق من أنك لا تحتاجين لوصية مني، و أعرف انك تعرفين ان ما تحملته فاطمة بشجاعة وكبرياء اكبر مما تتحمل الجبال ، و في فاطمة الكثير مما عرفنا في عائشة ، و ستجدين فيها نعم المعين و القدوة الرائعة و السند الضخم .. و لكني اكتب اليك لكي لا يتحول بيتك بالحزن الى جحر كالح ، و مأتم مستديم .. من ذهب قد ذهب و سيرته تضوع، و ما كان بمقدورنا ان نستبقيه لحظة ازيد من أجله ، فالحزن لن يأتي به ثانية و لن يعيده. ولكنه معنا بما يريد منا فهو مقيم في احزاننا و في مباهجنا، و حي ما بقيت ذكرياته العزيزة حية معنا ، ما بقينا أحياء. ولكن ينبغي الا نهين تلك الذكرى بالحزن الذي يلجم علينا وجودنا و يعشي رؤانا .. فلتفتحوا المنافذ جميعا للضوء و للهواء ، و ليشب اطفالكم لا يحسون بفقد ولا يتعرضون لاهمال ولا تمسسهم حاجة ، و ليشبوا في البهجة والاقبال على الحياة والتفاؤل العريض بمثلما كانوا عليه في حياة ابيهم ، فلقد رباهم ابوهم فاحسن تربيتهم وان لهم لمستقبلا عظيما يحقق رجاءه فيهم .. و يحيي ذكراه ويعلي اسمه ، و يمنحه الغبطة في مقاصر الخلود. اطردوا الاحزان من البيت .. وابقوا الفضيلة و الذكرى الجليلة المطلة في وقار وشموخ. اطردوا الاحزان من البيت واستقبلوا اشراقة الأمل .. ثم امنحوه لم هم في حاجة اليه يأتونكم لا ليواسوكم ولكن ليستمدوا منكم العزاء .. لا تتقبلوا العطف و الشفقة من القلوب الكريمة و لكن امنحوهما لمن لا يجد عطفا او شفقة .. انهضوا من الارض وارفعوا وجوهكم للشموس لا تقعدكم احزانكم عنها .. اجعلوا صغاركم يفخرون بكم ، وينظرون اليكم في تقدير فالصغار قضاة و هم يدركون .. ثم اذكروا بأن ما بقى من عمر جدير بأن يعاش وان هناك كثيرا مما يجب انجازه ، فلينجز على أفضل وجه و حال .. و في همة واستبشار.
فالحياة قيمة بذاتها ، ولا ينبغي التفريط فيها .. وفي بلد كالسودان لا يقدم الرعاية او العناية الصحية الكاملة ، و في مثل امراضكم ، ينبغي توخي الحذر و التيقظ فالوقاية خير من العلاج والتبكير في العلاج خير من التراخي والاستخفاف والتسويف والتأجيل ..و عليك ان تلاحظي اختيك في هذا و اتوقع منك الا تهملي وصيتي هذه ، فالصحة غالية ولا تعوض بهين.
هذا ولا بد من حين لآخر ان تجدي - او تجدوا - من الوالد ما تعرفين منه فارجو ان تنتبهي الى ذلك وان تعملوا على تجنيبه انفجاراته المعروفة باعطائه من العلاج ما يشير بذلك طبيب فاعصابكم لا تحتمل و اعصابه لا تحتمل. كما ارجو ان تذكري له من الآن اتفاقنا ، والافضل ان تضعي المبلغ في حسابي بواسطة الاخ مرتضى حتى لا يثور او يتخيل شيئا يثيره.. و ان تفعلوا ذلك مبكرا حتى لا يذهب و يفاجأ بعدم وجود أي مبلغ في حسابي..اترك لك هذا الأمر..
كما ارجو ان توصي الأخت فاطمة بعدم الغفلة و بالحذر الكامل والاحتياط و هذه نصيحة تنفع الجميع في كل حين.
اكتبي للهادي مشجعة فلا بد انه في حالة لا تحمد .. اكتبي له مطولا .. سأكتب مع هذا خطاب شكر للقنصل البريطاني ..
و أخيرا أرجو ان تكوني عند حسن ظننا جميعا فيك ، عشت قدوة لأولادك و قائدا لهم ، و لست اول او آخر ام تجد نفسها في ظروف مرة كهذه تفقد فيها زوجها و تواجهها المسئوليات الجسام ، تذكري والدة توفيق العظيمة ، و انظري حولك تجدين عددا ممن فقدن ازواجهن ، و لكنك لا تفتقدين العزيمة او الثبات او يقظة الوجدان .. كما أن لديك اولادا يستحقون ان تفتخري بهم ذكاءا و ادراكا و طباعا و طموحا ، ولا أشك انهم بما تمنحين من اهتمامك سيشبون فخرا لك و لنا و لبلادهم ، و تمثالا حيا خلاقا لأبيهم وما غرس فيهم وهم في المهود ...
أطلت عليك حتى أقول لك جانبا مما يدور في ذهني ، و قلت لك حقائق لم تكوني تجهلينها ولكن لاذكرك بها ، و عشمي بعد ان تنتهي من قراءة هذا ان تزيلي عنك ملامح البؤس والحزن ، و ان تستقبلي الحياة بابتسامة شجاعة تليق بك ، و ان تعرفي بان آلام اناس اخرين قد تفوق آلامك ، و ان مصائب أمهات اخريات قد تكون أكبر من مصيبتك ، و ان ما فقدت عظيم و لكن ما بقى لديك أعظم .. ولئن كانت لديك ذكريات جميلة فان مقبل ايامك أجمل و أروع ، و أنه لن يصيبنا يأس او وهن أبدا .. واننا لا زلنا كما كنا قادرين رغم لطمات الدهر على ان نرفع جباهنا للشموس ، و ان نكون نحن انفسنا الشموس ، واننا ان ذهب منا عظيم خلقنا من هو اعظم منه عوضا عنه ، وان آلامنا و احزاننا هي وقود لما نضرب من اسوة حسنة و قدوة رائعة ، و حافز لنا للعطاء والبذل ، و هي كفارة لانفسنا و زكاة .... فتحملي آلامك بما يليق بها وبك فالحمل ثقيل و الطريق طويل ...
انتهي من خطابي هذا و ابتسمي و اقبلي على الحياة .. على من ذهب منا شكرنا وامتناننا ووفاء سرمدي لذكراه التي لا تغيب ، و رضوان أبدي على ما أسلف من خير و فعل طيب و حسن امثولة ، و تصميمنا على ان نسير في الدرب لا تهن قوانا ولا نكبو من حزن او نتجهم للحياة من ألم ممض .. قلبي معك وثقتي فيك فانهضي و قدمي باكثر ما كنتي تقدمين بسخاء و بشاشة و قوة عزيمة و استبسال لك ولفاطمة و نفيسة و جميعكم محبتي وفيكم ايماني العميق
اخوك صلاح
ود الجعلي
17-09-2014, 08:34 AM
رسالة عميقة الحزن وفي ذات الوقت تلامس الحياة وتستشرفها بقوة
صلاح كان شاعرا"
بل كان رجلا" عظيما
ماردا" جبارا
كان وطنا" لاينحني ابدا "
كان طليعة
وكان مجدنا
صلاح آلف علي المك
وجدانه كان يفيض عشقا"
وكرنفالا" اخضر
وجعه كان طويلا"
وماحصا" ويشف
عن تعبيراته الانيقة
المتناسية لمعاناته
كغريب ومغترب
رحل في ايامه الاولى
هجر ام درمان كان يحبها
كان يبكي
ويفرح لمواسم المطر
والدرت
كان يحب الناس والطير
واصلا" جميل الوصل
واعدا ابنوسيا" الملمح
واداعا مسالما"
كان يتطلع الى باحات والى
جمال آخر
كان شديد المرونة
واسعا
مهندما
تحبه كما تحب صغيرك
تحبه طفلا" يداعب الحروف
فيجيد تكوين
القصيد
ويبعثه حيا
نابضا"
صفيا
واليفا للاذن والحس
انه التدفق
والعشق
انه تراسل ووحي
غاب عنا
نجم هوى
رحل كطيره في غناء
وردي الشجي
انه ترسانه وقلعة حصينة
لا نفهمها
ولن نلتذذ
بشيء من ذلك لان عقولنا
لا تستوعب
طوفان صلاح
لا تستوعب
هذا المد
صلاح كان شيخا غارقا
عارفا
يقينه كان يعدل كل شيء
حياته صاخبة في وقار
موته كان فاجعة
كان نهاية لحقب تاريخية
كان نهاية لفرح لم يستمر طويلا
رحل صلاح
رحل علي المك
وماذا نحن الان ؟؟
شكرا المثقف والشاب الاسمراني ياسر الامين
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir