المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ودمدني مدينة الجمال وعبقرية الكاشف



elfatih
13-03-2014, 06:38 AM
مدينة ود مدني إحدى ثلاث مدن سودانية كانت بوتقة انصهرت فيها قبائل السودان ، وتشكلت على أرضها خميرة المجتمع السوداني الحديث مجتمع المدينة الموازي لمجتمع القبيلة ، فأم درمان عاصمة دولة المهدية ، ومدينة عطبرة المدينة الصناعية ، وود مدني عاصمة الإقليم الزراعي الأكبر هذه المدن الثلاث اجتمعت فيها ملامح المجتمع السوداني الحديث بعاداته وفنونه وآدابه وكانت هذه المدن صورة رائعة لنماذج الثبات والقبائل والثقافات السودانية المختلفة .
تفردت ودمدني العاصمة الجميلة بهذه الاطر الثقافية التى أنعكست ظلالها على مرآة الفن السوداني الجميل !!!
وتميزت ود مدني بأنها نشأت في إقليم عريق الحضارة هو إقليم المملكة السنارية وكانت دولة سنار الإسلامية معلماً حضارياً وثقافياً ظل يرسل إشعاعاته حتى عام 1821م .
وفي هذا الإقليم احتشد العلماء والفقهاء ورواد الصوفية ومشايخ الطرق الصوفية وإلى جوار هؤلاء ازدهرت الأنغام والأناشيد الصوفية والمدايح النبوية ، فقد تمايلت قرى ومدن هذا الإقليم على أنغام أحمد ود سعد ، ود نميم وأبو شريعة ، وطيفور الدقوني ، وسمعت أقوال الشيخ فرح ود تكتوك وتمايلت في حلقات الذكر الصوفية .
في هذا الإقليم وبين هذه المدينة ود مدني ومدينة المسلمية كانت بداية حياة إبراهيم الكاشف ينتقل بسمعه من أناشيد الصوفية والمدائح النبوية إلى دوبيت البطانة والأهازيج الشعبية ... ولم يكن غريباً أن يندمج الكاشف أبن الأسرة القادمة من سيناء في شرق مصر مع هذا الجو الفني الشديد الثراء ... وذلك للتشابه الشديد بين فنون سيناء في الغناء والرقص والفنون السودانية فكلها عميقة الارتباط بالتراث العربي وكلها تنتمي إلي فنون القبائل العربية التي عاشت على جانبي البحر الأحمر واندماج الكاشف مع فنون الجزيرة دليل على صدق الرأي الذي يقول بأن حركة الفنون تسير مع سواحل البحار لا مع شواطيء الأنهار ... ودليل على ارتباط الفنون الشعبية السودانية بأصولها العربية القديمة مع ما حدث لها من تأثير البيئة الأفريقية .
وعندما شب إبراهيم الكاشف وأصبح يرتاد حفلات الغناء والطرب كان الثلاثي سرور وكرومة والاستب برهان ملء السمع والبصر ونشأ في السودان لون جديد من الطرب والغناء وهو الذي أسميناه فيما بعد حقيبة الفن .
وعند بدأ هذا اللون من الفن على يد الحاج محمد أحمد سرور عام 1914 كان الكاشف دون العاشرة ولكن بعد سنة 1924 كان هذا الفن قد أصبح يغطي رقعة واسعة من أقاليم السودان وبرز في الساحة بعد هؤلاء الفنان الخالد خليل فرح ذلك الشاب المستنير الذي جدد في معاني الغناء وفي اساليبه ، وفي البداية اتجه الكاشف إلى ترديد الأغاني المشهورة في عصره وكان ميالاً إلى ترديد أغاني الحاج محمد أحمد سرور وأتاحت له قوة صوته وحسن أدائه شهر كبيرة في إقليم الجزيرة حتى أصبح مطربها المميز ... وأتجه إلى أن يكون لهأغانيه الخاصة .
وشاء القدر أن يكون بمدينة ود مدني أحد شعراء العامية البارعين وهو الشاعر علي المساح وهو ينتمي إلى نفس البيئة التي ينتمي إليها إبراهيم الكاشف وكانت البداية أغنية زمانك والهوى أعوانك وهي مجاراة لأحد قصائد الشاعر سيد عبد العزيز .
ثم أنفرد الكاشف بلحنين صارا فيما بعد من أشهر ألحانه بل من أشهر الألحان السودانية وهما : (الشأغلين فؤادي) ( وأنت بدر السماء ).... وهما أيضاً من كلمات علي المساح .وهكذا أصبح هناك مطرب ذو شخصية هو الفنان إبراهيم الكاشف.!!!
رائد تلحين الأغنية الحديثة
مثلما كان التيجاني يوسف بشير أساس التجديد في القصيدة السودانية ، كما كان محمد بشير عتيق جسراً انتقلت عليه القصيدة الغنائية من عصر إلى عصر فإن إبراهيم الكاشف كان هو الذي انتقل باللحن السوداني من عصر الحقيبة إلى العصر الحديث ... وكان بحق أستاذ التجديد في مجال اللحن الغنائي وأثر الكاشف في الغناء الحديث يعادل أثر كرومه في الغناء القديم .
نواص

ابوالنور
14-03-2014, 11:04 PM
ربنا يخليك يا الفاتح ياخ ومزيدا من الكلام الجميل عن المدينه الجميله بأهلها الحلوين ياخ

elfatih
14-03-2014, 11:15 PM
شكرا اخي ابو النور ست المدائن لانوفيها حقها هذه قطرة من فيض في حقها ارض الاباء والاجداد ومرتع الصبا ودمدني السني .
http://www.youtube.com/watch?v=rOm_6Jg2E1o

elfatih
14-03-2014, 11:29 PM
http://www.youtube.com/watch?v=b53e_Y9UVVo

elfatih
15-03-2014, 10:20 PM
نواصل وننقب في سحارة الكاشف رائد الغناء الحديث في السودان والذي انتقل بالاغنية السودانية من عصر الشيالين الى الالات الموسيقية الحديثة .

وقيمة دور الكاشف في الغناء أنه مزج بين القديم والجديد وحقق بذكاء خارق معادلة الأصالة والتجديد ... فكان أسلوبه في
التجديد نابعاً من أرضية الغناء القديم وليس منفصلاً عنه ... وقد كانت أولى خطوات التجديد عند الكاشف في أغنيتين يؤرخ بهما لتطور الغناء السوداني (( الليل ما بنومه )) لعبيد عبد الرحمن ( وفي الشاطئ ) لسيد عبد العزيز .... وفي الأغنيتين بدأت بوضوح ملامح الأسلوب الجديد للفنان إبراهيم الكاشف .
وهذا الأسلوب يستند على ثلاث ركائز أساسية الأولى أن يعبر اللحن عن الإحساس متجاوزاً مرحلة المعاني المجردة ... وعبر الكاشف عن هذا المعنى عندما قال الشعراء يكتبون المعاني ... ونحن نغني الأحاسيس وبمعنى آخر فإن الكاشف عندما يلحن فإنه يبحث عن الأحاسيس التي دفعت الشاعر لكتابة الأغنية وربما وجد قصوراً في تعبيرالشاعر فأكمله باللحن والتطريب ... وأسلوب الكاشف قبل التلحين أن يفهم بالضبط ما يريد الشاعر ولذلك فقد كان كثير الجدل والإستفهام مع شعراء أغانيه وبطول المعاشرة والصداقة أصبح يدرك وللوهلة الأولى ماذا يريدون في تعابيرهم.
الركيزة الثانية في أسلوب الكاشف الاعتماد أساساً على اللحن الكلاس الميلودي ... فهو يؤمن بأن أساس اللحن الغنائي هو الميلودي الذي يؤديه المطرب ويظهر فيه قدرته الصوتية وقوته في التعبير الصوتي عن الإحساس .
أما الركيزة الثالثة في أسلوب الكاشف فهو اشتراك الحضور في الغناء أي أن يضع اللحن الميلودي بحيث يتيح للحضور مشاركته في الغناء وترك مساحات للجمهور للمشاركة في ما يسمى بين الموسيقيين بغناء الباص ، أي الغناء الذي يشاركه فيه الجميع بدون غناء.
وهذا الأسلوب أتبعه الكاشف في معظم ألحانه التي تلت فترة الحقيبة ففي كل أغنية كان يترك مساحة المشاركة للجمهور مثال ذلك :
في أغنية ( الجمعة في شمبات ) يشارك الجمهور في غناء بيننا أوجه جميلة .. وجلسةما منظور مثيلة ... وترنو عيناكي الكحيلة .... وفي أغنية ( فتنة) ... يشارك الجمهور في غناء يا ملهمي القوافي ولكل معنى وافي وفي ( الزيارة ) يشارك الجمهور في غناء .. قصور في خدود يهفون وخدود بدون أمارة ، وليسه نونو وفي ( رحلة طيارة ) يشارك الجمهور في غناء ... حبيبي عاتبني ، وقالي المس قلبي ذاب ، وفي ( أنت عارف ) يشارك الجمهور في غناء ... يا حبيبي زرني مرة ....
وهذه مجرد أمثال ولكن المستمع الواعي يجد في جميع أغنيات الكاشف مساحة للمشاركة في الغناء وقد تطور هذا الأسلوب عند الكاشف في السنوات الأخيرة وأصبح يعطى مساحة لجمهور المسرح للمشاركة في الغناء .... وكان ذلك في أغنية وين .. شكلك ظريف .. أيوه .. دمك خفيف .. أيوه .
وهذه الركائز الثلاث في أسلوب الكاشف اللحني هي التي جعلت أغانيه حية حتى الآن يرددها شباب الغناء الحديث وليالي الطرب السوداني .
تفردت ودمدني العاصمة الجميلة بهذه الاطر الثقافية التى أنعكست ظلالها على مرآة الفن السوداني الجميل !!!

elfatih
18-03-2014, 09:40 PM
نواصل وننقب في سحارة الكاشف رائد الغناء الحديث في السودان والذي انتقل بالاغنية السودانية من عصر الشيالين الى الالات الموسيقية الحديثة .
رائد الغناء والموسيقى
في عام 1958 أقام الكاشف حفلاً ساهراً في حديقة سينما النصر بشارع الجمهوريةبالقاهرة وكانت الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا عنصراً مهماً في نجاح تلك الحفلة من الناحية التنظيمية والناحية الفنية ، كان اهتمامها بنجاح الحفل دليلاً على علاقة الزمالة القوية بينها وبين إبراهيم الكاشف .. وقال الكاشف عن صلته بالفنانة تحية كاريوكا أنها تعود إلى منتصف الثلاثينات وترتبط بأهم حدث في حياته الفنية ، وذلك عندما تخلى لأول مرة عن الشيالين ( الكورس ) ليغني وصلة كاملة مع الفرقة الموسيقية .
وكان ذلك عندما زارت فرقة منوعات مصرية السودان وكان على رأس الفرقة الفنانالكبير نجيب الريحاني والفنانة تحية كاريوكا ، وذهبت الفرقة بعد برنامج الخرطوم إلى مدينة ود مدني لتقيم حفلاً ساهراً هناك وعندما طلب جمهور المدينة اشتراك نجمه المحبوب إبراهيم الكاشف في الحفل ...... أجرى الكاشف بروفات مع الفرقة المصرية وصعد إلى المسرح وقدم لأول مرة وصلة غنائية بمشاركة الفرقة الموسيقية ... وكان نجاح هذه التجربة هو بداية الطريق الجديد وكان نقطة هامة في تغيير مسار الأغنية السودانية .
والغناء السوداني عرف الآلات الموسيقية الحديثة في فترة مبكرة فكان وهبة يعزف مع مطربي الغناء القديم على الأكورديون وكان السر عبد الله يصاحب سرور بالكمان وكان عبد القادر سليمان زميل خليل فرح يعزف على العود وتتلمذ على يديه شباب الجيل الجديدحسن عطية وأحمد المصطفى وغيرهم ... كانت في الخرطوم فرق موسيقية تتبع الجالياتالأجنبية في الخرطوم مثل الجالية الإيطالية واليونانية والسورية تعزف موسيقاها في الميادين العامة في المناسبات المختلفة .
ومع كل هذا فإن الموسيقى في الغناء كانت قبل الكاشف مجرد لمحات وجلسات ( من العزف المنفرد ) وعلى يد إبراهيم الكاشف دخلت الأغنية السودانية العصر الحديث للموسيقى .
وإذا كانت الموسيقى مجرد ترديد ( للميلودية ) في الغناء القديم فإن الكاشف هو الذي إبتدع الجملة اللحنية المعبرة عن المعنى ، وهو أول من وضع المقدمة الموسيقية لأغانيه أو ما يسمونه ( لونجا ) في الغناء العربي وهو تمهيد للمطرب قبل الغناء وأشهر مقدمات إبراهيم الكاشف هي مقدمة أغنية ( رحلة ) ..