عبدالله علقم
03-06-2013, 04:02 AM
الجد والحفيد .. تاني مرة!!
لا تمثل لي سيرة جعفر محمد علي بخيت، وزير الحكومة المحلية ومنظر نظام انقلاب 25 مايو 1969 لبضع سنوات، أولوية للكتابة في خضم أولويات واهتمامات الحياة الكثيرة المتلاحقة،وهي ليست هدفا في حد ذاتها إلا إذا جاءت في سياق حدث أو طرح ما.لا أذكر أني كتبت عن سيرته، العامة طبعا، خلال الفترة الأخيرة،ولهذا فوجئت عندما تلقيت رسالة على بريدي الالكتروني قبل نحو ثلاثة أشهر يحمل مرسلها اسم "ج.أ.م." وعرف نفسه بأنه "حفيد المرحوم الدكتور جعفر محمد علي بخيت". وكان عنوان الرسالة "ردا على مقالاتك العدائية ضد جدي الراحل المقيم د. جعفر محمد علي بخيت".رسالة الحفيد كانت كومة من السباب الذي آثر به بريدي بدلا من نشره في صحيفة ورقية أو إلكترونية،وهي المكان الطبيعي لعرض الرؤى ووجهات النظر والرأي والرأي الآخر. نموذج لكلماته التي أشك أنه كنبها بيده "أما آن لك أن تترك سيرته العطرة وتبتعد (بتنجيسها) بمقالاتك؟". رأيت أن أهمل الرسالة مثلما أفعل مع هذا النوع من الرسائل، التي لا يكتبها مرسلوها بأيديهم، ويتخذون أسماء وهمية،عملا بقول علي الغراب الصفاقسي:
لو كل كلب عوي ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
وقول الإمام الشافعي:
أشد على السفيه من الجواب متاركة السفيه بلا جواب
ثم قدّرت أن المرسل، ربما كان شخصا حقيقيا من لحم ودم،أمن العقاب فأساء الأدب، ولكني أيضا غلّبت حسن الظن وافترضت أن يكون فعله شأنا فرديا لا تشاركه فيه اسرته، إذ لا يعقل أن تشارك أسرة كاملة في مثل هذا التصرف غير السوي،وإن كان تصرفه يخصم من أسرته وليس من أي شخص آخر.
قال تعالى" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف199).
نشرت الرسالة كاملة في مقال بعنوان "الجد والحفيد" خصصته لمسيرة الجد العامة في السنوات نتشر فيها فوق عدة مناصب في وقت واحد، تستدعي الذاكرة منها مناصب وزير الحكومة المحلية، أمين الفكر والمنهجية في الإتحاد الإشتراكي، رائد مجلس الشعب، ورئيس مجلس جامعة الخرطوم. ولخصت أخطاءه المميتة أثناء شغله مناصبه في:
1- قيامه منفردا بوضع نظام للحكم المحلي أسماه بالشعبي المحلي، وكان ذلك بداية خراب مؤسسة الحكم المحلي وهو الخراب الذي نعيش تداعيته اليوم.
2- إجهازه على الإدارة الأهلية ضاربا عرض الحائط بمبدأ الأمانة الأكاديمية،فقد كان عنوان رسالة الدكتوراة التي كان يحملها هو "تطوير الإدارة الأهلية في السودان"، وليس الإجهاز عليها.
3- ضربه عرض الحائط مرة أخرى بالمباديء الأكاديمية التي كان يرددها في مدرجات الجامعة عن احترام الرأي والرأي الآخر وحياد الخدمة المدنية، وابتداعه شعار "لا حياد مع مايو".
4- ابتداعه نظام "القفز بالعمود" في الترقي في الخدمة المدنية.
5- ترفيعه عددا كبيرا من الكتبة والمحاسبين من الذين تلقوا تعليما متوسطا أو ثانويا ليشغلوا مناصب ضباط حكومة محلية (ضباط إداريين)، بهدف خلق مجموعة من الموالين له شخصيا، مع أن الوظائف تشترط في شاغلها حمل شهادة جامعية، وكانت هناك وقتها وفرة من خريجي جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات داخل وخارج السودان.
5- إفراطه في قطع أرزاق موظفي الدولة بعد أن وضع مظلة عريضة للفصل من الخدمة تشمل مبررات عدم الولاء لمايو، التحجر الفكري، وعدم المواكبة.
6- إسهامه بقدر كبير في صنع الصنم وتمجيده بألقاب (الرئيس القائد) و(جعفر المنصور) و(القائد الملهم)، بل سعيه لإطلاق اسم جعفر نميري على كوبري كوبر- بري لولا أن النميري رد له هديته.
لم يخيب الحفيد ظني، وكان عند الوعد يمارس الكتابة بغير يديه إلى بريدي الإلكتروني، وأورد هنا نماذج لبعض عباراته، التي خصني بها ،مع الإعتذار الشديد لكل من يطالع هذه السطور(إنت إنسان فاشل)،(المنتديات الالكترونية مكانا للجبناء أمثالك)، (لا رد الله غربتك)، وتضمنت رسائله عبارات أخرى غير قابلة للنشر أو الترديد، فكل إنسان يعطي مما عنده، كما قال السيد المسيح عليه السلام.ثم أكد لي من أثق في صدقيته واستقامة خلقه أن الحفيد، الذي أعطاني مما عنده، شخصية حقيقية، لكن تصرفه فردي يتحمل وحده مسؤوليته. وتساءل،بكثير من حسن النية،إن كان في الإمكان،تجنبا لرسائل الحفيد،أن أتناول الفترة المايوية، أو ما يتعلق بدور جعفر بخيت فيها، دون ذكر اسم جعفر بخيت، لأنه كان مجرد منفذ لسياسة دولة لم يشارك هو في رسمها.
أيا كان مفهوم التاريخ،سواء أن كان سردا وتحليلا للأحداث السياسية والأفكار والحركات، أو كان فكرة الدولة ذات القوة الروحية والأخلاقية التي تتجاوز الإهتمامات المادية كما يقول هيجل، أو تحليل وفه للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل، أو وسيلة نقف بها على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ،والأنبياء في سيرهم،والملوك في دولهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقه في أحوال دين والدنيا" كما يقول ابن خلدون، أو أنه في جوهره صراع بين طبقات المجتمع، كما يقول كارل ماركس، أيا كان مفهوم التاريخ فلا بد من قوى بشرية تشكله وتصنعه وتؤثر فيه أو محركة له على الأقل.
مثلا كان القضاء علي سيدنا الحسين بن علي سياسة دولة، ولكن لا يمكن المرور بمجزرة كربلاء مثلا دون الوقوف عند المنفذين عبيدالله بن زياد وعمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن سنان، وتحميلهم مسؤولية أخلاقية شخصية عن المجزرة. لا يمكن المرور على تاريخ النهضة الفنية والعلمية في إيطاليا في بواكير عصر النهضة الأوروبية دون الوقوف طويلا عند مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي. ولا يمكن قراءة واقع الشيشان دون الرجوع لمجازر القوقاز ودون الإشارة لستالين شخصيا. لا يمكن عند التأريخ لنظام الإنقاذ إسقاط اسم الدكتور مجذوب الخليفة الذي كان يتولى ملف "التمكين" في الخدمة المدنية وقام بفصل الآلاف من وظائفهم،وظائف بلا بشر يشغلونها، ليستوطن فيها آخرون، تماما بنفس المفهوم الذي يقوم عليه الاستيطان الإسرائيلي،أرض بلا شعب يسكنها.إسقاط اسم جعفر بخيت من تاريخ مايو بحجة أنه كان مجرد منفذ لسياسة الدولة أمر لا يتفق مع الواقع، فهو لم يكن مجرد منفذ، ولكنه كان منظرا وفيلسوفا للنظام بأكمله. هو الذي ابتدع،مثلا لا حصرا، مفهوم وممارسة ومصطلح "القفز بالعمود" الذي استلب كل الخدمة المدنية وليس الحكم المحلي وحده، وهو الذي أفرط في تقديس الحاكم بما لا يليق بصاحب إرث أكاديمي. وهو الذي يتحمل قدرا كبيرا من مسؤولية الأضرار التي لحقت بالخدمة المدنية والحكم المحلي والإدارة الأهلية والتي تعايش البلاد نتاجها اليوم.
لنقرأ مرة أخرى شهادة أمين وحدة من وحدات الإتحاد الإشتراكي تكرم بنشرها تعقيبا على مقال "الجد والحفيد":
"ولحفيد د.جعفر بخيت أقول ان جدك كان شخصية عامه اثرت بصوره او اخري في تاريخ السودان الحديث، وكي يكتب تاريخ السودان الحديث بصوره صادقه، لابد من ذكر التاريخ وصانعيه بكل صدق. وسؤالي هنا هل كان الاخ علقم صادقا فيما كتب؟ اقول نعم، واود ان اضيف انني كنت أعمل امينا لوحدة الاتحاد الاشتراكي بالسياحه، وكان هنالك مؤتمر لوحدات الإتحاد الإشتراكي في المبني المقابل لمصلحة الجمارك علي شارع الجامعه. كان هذا في منتصف السبعينات، وكانت هنالك حالة من عدم الاستقرار بالبلاد. المهم كانت مايو متخوفه من ثورة الشعب. أتذكر أن المرحوم جعفر بخيت خاطب المؤتمرين قائلا كلاما أصابني بالذهول وقتها، حيث كان يسأل المؤتمرين عن تخصصاتهم، وأبان أنه يريد الجميع أن ينتظموا كل في مجال تخصصه للدفاع عن مايو، حيث ذكر كمثال، في حالة الإنقلاب علي السلطة، أن يقوم المهندسون العاملون في الكهرباء بقطع الكهرباء، وأن تقوم فرق من المايويين بتفجير الكباري، وكلام كثير من هذا الحديث. وقد تعجبت وقتها وحزنت علي مثل هذا النوع من القادة الذين مقابل إحتفاظهم بالسلطه يمكن أن يدمروا بلادهم. وأنا اكتب ذلك كحقيقه للتاريخ، والله علي ما أقول شهيد".
لم أتعرض على الإطلاق لسيرة جعفر محمد علي بخيت أو لغيره من خلق الله، كشخص أو كأسرة، ولا ينبغي لي ذلك فأنا، العبد الخطّاء المثقل بالذنوب، الشاكر دوما لربه جميل ستره، والطامع دوما في كريم عفوه، لا أملك الحق في منح صكوك الغفران لغيري من البشر وحجبها عنهم،ولا يعنيني سوى الشأن العام في الشخصيات العامة، ولهذا لم أتوقف كثيرا أو قليلا مثلا عند محطات عمله قبل أن يتحول إلى شخصية عامة. لقد طرحت في مقالي "الجد والحفيد" قراءة للتاريخ فقط، قابلة للخطأ بمثلما هي قابلة للصواب، وتقبل الرأي والرأي الآخر في وسائل النشر، وغني عن القول أنها قابلة أيضا لدفعها للجهات العدلية سواء كان ذلك في السودان أم في المملكة العربية السعودية، حيث أقيم،وهو حق متاح لي مثلما هو متاح لغيري. وسأواصل،إذا مدّ الله في الآجال، طرح هذه الجوانب العامة متى ما رأيت ما يستدعي ذلك. وليس المقام مقام اكتساب بطولة سهلة على جدث ميت،سبقني لحساب الله، ولكن فصلي من عملي في وزارة الحكومة المحلية في ديسمبر 1971م، سيظل فعلا يشرفني ويشرف أسرتي وعشيرتي إلى ما شاء الله، وهو أيضا ظلم حاق بي رغم أن السنين قد تجاوزته وغسلت بعضا من مرارته، وأختصم فيه إلى خير الحاكمين في يوم الموقف العظيم.
قبل الختام:
كسرة(نقلا عن الأستاذ جبرا)أتمنى ألا تصبح ثابتة:
أخبار جهاز(الساوند سيستم)المصادر من منتدى شروق الثقافي في القضارف، شنووو؟؟؟
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com
لا تمثل لي سيرة جعفر محمد علي بخيت، وزير الحكومة المحلية ومنظر نظام انقلاب 25 مايو 1969 لبضع سنوات، أولوية للكتابة في خضم أولويات واهتمامات الحياة الكثيرة المتلاحقة،وهي ليست هدفا في حد ذاتها إلا إذا جاءت في سياق حدث أو طرح ما.لا أذكر أني كتبت عن سيرته، العامة طبعا، خلال الفترة الأخيرة،ولهذا فوجئت عندما تلقيت رسالة على بريدي الالكتروني قبل نحو ثلاثة أشهر يحمل مرسلها اسم "ج.أ.م." وعرف نفسه بأنه "حفيد المرحوم الدكتور جعفر محمد علي بخيت". وكان عنوان الرسالة "ردا على مقالاتك العدائية ضد جدي الراحل المقيم د. جعفر محمد علي بخيت".رسالة الحفيد كانت كومة من السباب الذي آثر به بريدي بدلا من نشره في صحيفة ورقية أو إلكترونية،وهي المكان الطبيعي لعرض الرؤى ووجهات النظر والرأي والرأي الآخر. نموذج لكلماته التي أشك أنه كنبها بيده "أما آن لك أن تترك سيرته العطرة وتبتعد (بتنجيسها) بمقالاتك؟". رأيت أن أهمل الرسالة مثلما أفعل مع هذا النوع من الرسائل، التي لا يكتبها مرسلوها بأيديهم، ويتخذون أسماء وهمية،عملا بقول علي الغراب الصفاقسي:
لو كل كلب عوي ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
وقول الإمام الشافعي:
أشد على السفيه من الجواب متاركة السفيه بلا جواب
ثم قدّرت أن المرسل، ربما كان شخصا حقيقيا من لحم ودم،أمن العقاب فأساء الأدب، ولكني أيضا غلّبت حسن الظن وافترضت أن يكون فعله شأنا فرديا لا تشاركه فيه اسرته، إذ لا يعقل أن تشارك أسرة كاملة في مثل هذا التصرف غير السوي،وإن كان تصرفه يخصم من أسرته وليس من أي شخص آخر.
قال تعالى" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف199).
نشرت الرسالة كاملة في مقال بعنوان "الجد والحفيد" خصصته لمسيرة الجد العامة في السنوات نتشر فيها فوق عدة مناصب في وقت واحد، تستدعي الذاكرة منها مناصب وزير الحكومة المحلية، أمين الفكر والمنهجية في الإتحاد الإشتراكي، رائد مجلس الشعب، ورئيس مجلس جامعة الخرطوم. ولخصت أخطاءه المميتة أثناء شغله مناصبه في:
1- قيامه منفردا بوضع نظام للحكم المحلي أسماه بالشعبي المحلي، وكان ذلك بداية خراب مؤسسة الحكم المحلي وهو الخراب الذي نعيش تداعيته اليوم.
2- إجهازه على الإدارة الأهلية ضاربا عرض الحائط بمبدأ الأمانة الأكاديمية،فقد كان عنوان رسالة الدكتوراة التي كان يحملها هو "تطوير الإدارة الأهلية في السودان"، وليس الإجهاز عليها.
3- ضربه عرض الحائط مرة أخرى بالمباديء الأكاديمية التي كان يرددها في مدرجات الجامعة عن احترام الرأي والرأي الآخر وحياد الخدمة المدنية، وابتداعه شعار "لا حياد مع مايو".
4- ابتداعه نظام "القفز بالعمود" في الترقي في الخدمة المدنية.
5- ترفيعه عددا كبيرا من الكتبة والمحاسبين من الذين تلقوا تعليما متوسطا أو ثانويا ليشغلوا مناصب ضباط حكومة محلية (ضباط إداريين)، بهدف خلق مجموعة من الموالين له شخصيا، مع أن الوظائف تشترط في شاغلها حمل شهادة جامعية، وكانت هناك وقتها وفرة من خريجي جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات داخل وخارج السودان.
5- إفراطه في قطع أرزاق موظفي الدولة بعد أن وضع مظلة عريضة للفصل من الخدمة تشمل مبررات عدم الولاء لمايو، التحجر الفكري، وعدم المواكبة.
6- إسهامه بقدر كبير في صنع الصنم وتمجيده بألقاب (الرئيس القائد) و(جعفر المنصور) و(القائد الملهم)، بل سعيه لإطلاق اسم جعفر نميري على كوبري كوبر- بري لولا أن النميري رد له هديته.
لم يخيب الحفيد ظني، وكان عند الوعد يمارس الكتابة بغير يديه إلى بريدي الإلكتروني، وأورد هنا نماذج لبعض عباراته، التي خصني بها ،مع الإعتذار الشديد لكل من يطالع هذه السطور(إنت إنسان فاشل)،(المنتديات الالكترونية مكانا للجبناء أمثالك)، (لا رد الله غربتك)، وتضمنت رسائله عبارات أخرى غير قابلة للنشر أو الترديد، فكل إنسان يعطي مما عنده، كما قال السيد المسيح عليه السلام.ثم أكد لي من أثق في صدقيته واستقامة خلقه أن الحفيد، الذي أعطاني مما عنده، شخصية حقيقية، لكن تصرفه فردي يتحمل وحده مسؤوليته. وتساءل،بكثير من حسن النية،إن كان في الإمكان،تجنبا لرسائل الحفيد،أن أتناول الفترة المايوية، أو ما يتعلق بدور جعفر بخيت فيها، دون ذكر اسم جعفر بخيت، لأنه كان مجرد منفذ لسياسة دولة لم يشارك هو في رسمها.
أيا كان مفهوم التاريخ،سواء أن كان سردا وتحليلا للأحداث السياسية والأفكار والحركات، أو كان فكرة الدولة ذات القوة الروحية والأخلاقية التي تتجاوز الإهتمامات المادية كما يقول هيجل، أو تحليل وفه للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل، أو وسيلة نقف بها على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ،والأنبياء في سيرهم،والملوك في دولهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقه في أحوال دين والدنيا" كما يقول ابن خلدون، أو أنه في جوهره صراع بين طبقات المجتمع، كما يقول كارل ماركس، أيا كان مفهوم التاريخ فلا بد من قوى بشرية تشكله وتصنعه وتؤثر فيه أو محركة له على الأقل.
مثلا كان القضاء علي سيدنا الحسين بن علي سياسة دولة، ولكن لا يمكن المرور بمجزرة كربلاء مثلا دون الوقوف عند المنفذين عبيدالله بن زياد وعمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن سنان، وتحميلهم مسؤولية أخلاقية شخصية عن المجزرة. لا يمكن المرور على تاريخ النهضة الفنية والعلمية في إيطاليا في بواكير عصر النهضة الأوروبية دون الوقوف طويلا عند مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي. ولا يمكن قراءة واقع الشيشان دون الرجوع لمجازر القوقاز ودون الإشارة لستالين شخصيا. لا يمكن عند التأريخ لنظام الإنقاذ إسقاط اسم الدكتور مجذوب الخليفة الذي كان يتولى ملف "التمكين" في الخدمة المدنية وقام بفصل الآلاف من وظائفهم،وظائف بلا بشر يشغلونها، ليستوطن فيها آخرون، تماما بنفس المفهوم الذي يقوم عليه الاستيطان الإسرائيلي،أرض بلا شعب يسكنها.إسقاط اسم جعفر بخيت من تاريخ مايو بحجة أنه كان مجرد منفذ لسياسة الدولة أمر لا يتفق مع الواقع، فهو لم يكن مجرد منفذ، ولكنه كان منظرا وفيلسوفا للنظام بأكمله. هو الذي ابتدع،مثلا لا حصرا، مفهوم وممارسة ومصطلح "القفز بالعمود" الذي استلب كل الخدمة المدنية وليس الحكم المحلي وحده، وهو الذي أفرط في تقديس الحاكم بما لا يليق بصاحب إرث أكاديمي. وهو الذي يتحمل قدرا كبيرا من مسؤولية الأضرار التي لحقت بالخدمة المدنية والحكم المحلي والإدارة الأهلية والتي تعايش البلاد نتاجها اليوم.
لنقرأ مرة أخرى شهادة أمين وحدة من وحدات الإتحاد الإشتراكي تكرم بنشرها تعقيبا على مقال "الجد والحفيد":
"ولحفيد د.جعفر بخيت أقول ان جدك كان شخصية عامه اثرت بصوره او اخري في تاريخ السودان الحديث، وكي يكتب تاريخ السودان الحديث بصوره صادقه، لابد من ذكر التاريخ وصانعيه بكل صدق. وسؤالي هنا هل كان الاخ علقم صادقا فيما كتب؟ اقول نعم، واود ان اضيف انني كنت أعمل امينا لوحدة الاتحاد الاشتراكي بالسياحه، وكان هنالك مؤتمر لوحدات الإتحاد الإشتراكي في المبني المقابل لمصلحة الجمارك علي شارع الجامعه. كان هذا في منتصف السبعينات، وكانت هنالك حالة من عدم الاستقرار بالبلاد. المهم كانت مايو متخوفه من ثورة الشعب. أتذكر أن المرحوم جعفر بخيت خاطب المؤتمرين قائلا كلاما أصابني بالذهول وقتها، حيث كان يسأل المؤتمرين عن تخصصاتهم، وأبان أنه يريد الجميع أن ينتظموا كل في مجال تخصصه للدفاع عن مايو، حيث ذكر كمثال، في حالة الإنقلاب علي السلطة، أن يقوم المهندسون العاملون في الكهرباء بقطع الكهرباء، وأن تقوم فرق من المايويين بتفجير الكباري، وكلام كثير من هذا الحديث. وقد تعجبت وقتها وحزنت علي مثل هذا النوع من القادة الذين مقابل إحتفاظهم بالسلطه يمكن أن يدمروا بلادهم. وأنا اكتب ذلك كحقيقه للتاريخ، والله علي ما أقول شهيد".
لم أتعرض على الإطلاق لسيرة جعفر محمد علي بخيت أو لغيره من خلق الله، كشخص أو كأسرة، ولا ينبغي لي ذلك فأنا، العبد الخطّاء المثقل بالذنوب، الشاكر دوما لربه جميل ستره، والطامع دوما في كريم عفوه، لا أملك الحق في منح صكوك الغفران لغيري من البشر وحجبها عنهم،ولا يعنيني سوى الشأن العام في الشخصيات العامة، ولهذا لم أتوقف كثيرا أو قليلا مثلا عند محطات عمله قبل أن يتحول إلى شخصية عامة. لقد طرحت في مقالي "الجد والحفيد" قراءة للتاريخ فقط، قابلة للخطأ بمثلما هي قابلة للصواب، وتقبل الرأي والرأي الآخر في وسائل النشر، وغني عن القول أنها قابلة أيضا لدفعها للجهات العدلية سواء كان ذلك في السودان أم في المملكة العربية السعودية، حيث أقيم،وهو حق متاح لي مثلما هو متاح لغيري. وسأواصل،إذا مدّ الله في الآجال، طرح هذه الجوانب العامة متى ما رأيت ما يستدعي ذلك. وليس المقام مقام اكتساب بطولة سهلة على جدث ميت،سبقني لحساب الله، ولكن فصلي من عملي في وزارة الحكومة المحلية في ديسمبر 1971م، سيظل فعلا يشرفني ويشرف أسرتي وعشيرتي إلى ما شاء الله، وهو أيضا ظلم حاق بي رغم أن السنين قد تجاوزته وغسلت بعضا من مرارته، وأختصم فيه إلى خير الحاكمين في يوم الموقف العظيم.
قبل الختام:
كسرة(نقلا عن الأستاذ جبرا)أتمنى ألا تصبح ثابتة:
أخبار جهاز(الساوند سيستم)المصادر من منتدى شروق الثقافي في القضارف، شنووو؟؟؟
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com