عبدالله علقم
23-05-2013, 09:14 PM
يوم أبكاني محمود عبدالعزيز
http://hh7.an3m1.com/Sep/an3m1.com_13693759561.jpg (http://hh7.an3m1.com/)
منذ صغري أحببت سيد خليفة .. كانت أذناي حكرا على صوته ، لا اسمع أحدا غيره ولا يجوز ،وبلغ ذلك الحب درجة التعصب والهوس.. في المرحلة المتوسطة دخلت في معركة بالأيدي مع زميل لي لمجرد أنه ابدى رأيا سلبيا في سيد خليفة في حضوري، وأخذت ذلك على أنه استفزاز شخصي، ورغم أن الغلبة في النهاية كانت له بما أوتي من بسطة في الجسم ، إلا أنه تحاشي بعد ذلك المساس بسيد خليفة من قريب أو بعيد. جاء سيد خليفة للقضارف عام 1959م وأحيا حفلا غنائيا على مسرح سينما كيكوس (التعليم الأهلي) فتسللت في غفلة من العسكري الحارس إلى خلف مسرح السينما أو خلف (الشرقاني) الساتر لأجرى لقاء صحفيا مع سيد خليفة. كان كريما معي وأجاب بسماحة وتواضع على أسئلتي الساذجة عندما أخبرته أنني أمثل المجلة الحائطية الطلابية التي كنا نصدرها في المدرسة الأميرية المتوسطة، ليس ذلك فحسب بل صرف العسكري الذي كان يلاحقني والذي كان يصيح بغضب "يا ولد .. أمرق من هنا".
وفي صباح اليوم التالي ذهبت مبكرا لموقف "البص السريع" الذي كان يقف في الفضاء الذي يشغله الآن بنك الخرطوم وبنك فيصل الإسلامي، فقد خمنت أن سيد خليفة سيعود مع فرقته للخرطوم صباح ذلك اليوم ، وكان البص السريع هو الوسيلة اليومية الوحيدة للسفر للخرطوم. ودعته ولم يولني اهتماما هذه المرة (ولد صغير) وسط زمرة من المودعين، وغادر البص الموقف في موعده السابعة والنصف (ويصل الخرطوم عادة في الخامسة والنصف) واتخذت طريقي للمدرسة وأنا أفكر في كيفية الإفلات من عقوبة غيابي عن الطابورالصباحي وتأخري في الحضور للحصة الأولى. كنت أعتمد عادة على براءة ووداعة مظهري وصغر حجمي ، مع شيء من التميز الأكاديمي أتميز به ،في الإفلات من العقاب على ما أرتكبه من أخطاء وإخلال بقواعد الإنضباط في المدرسة وأختلق أي عذر أبرر به خطئي وغالبا ما يجد القبول ، ولكن ذلك لم ينجح هذه المرة وتلقيت ثلاث "جلدات" مؤلمة حارقة جاهدت نفسي لتحملها بثبات باعتبارها ثمنا لا بد منه ل"المجد " و"الإبداع". ثم نشرت حصيلة ذلك اللقاء الصحفي في المجلة الحائطية ، وكان رغم سطحيته وسذاجته، إنجازا غير مسبوق لم يخطر على بال أي من زملائي الذين كنت أتنافس معهم في الهيمنة على المجلة،وكفل لي التفوق عليهم لفترة طويلة، وكان ذلك مصدر سعادة لي لا حد لها.
لكن دارت السنين وأصبح سيد خليفة، رحمه الله، يردد كلمات هابطة في مناسبات تماثل الكلمات هبوطا، "أيدناك يا نميري .. بايعناك" و"بالملايين قلناها نعم" و"أبوكم مين.. نميري" إلى آخر ذلك الغث من الكلام الذي آذى مشاعر الناس المغلوبة على أمرها وخدش حياء الذوق العام في ظروف بالغة القسوة والصعوبة، فانصرفت عنه وتحررت أذناي من الإحتكار فأخذت أستمع لغيره من الفنانين وأطرب لهم واكتشفت مدى ماكنت فيه من حرمان اختياري ارتضيته لنفسي بلا مبرر.
وفي مهجري كنت حريصا على تعويد آذان ابنائي على الموسيقى السودانية والغناء السوداني وذهبت لأبعد من ذلك حينما كنت أحظرالاستماع للأغاني العربية المختلفة.. الخليجية واللبنانية والمصرية.. ولم يقتصر الحظر على كاظم الساهر ونبيل شعيل ونوال الزغبي وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد وغيرهم بل شمل كذلك موجة الفنانين السودانيين الجدد ، وقد ساعدني لفترة من الوقت في ذلك المسعى تشرف أسرتي وداري في الدمام عام 1992م باستضافة الأستاذ محمد وردي ليومين ، بحكم علاقات مختلفة تربطه باسرة زوجتي وبشخصي ولكن لم يستمر هذا الزخم لفترة طويلة ، واكتشفت فيما بعد أن كل جهودي "الديكتاتورية" للتحكم في أذواق أبنائي قد ذهبت أدراج الرياح. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه" لا تعلموا أبناءكم عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" .. صدقت يا سيدي يا أبا حفص! فانتقلت لمرحلة الاستهجان بدل الحظر . أصبحت أستهجن سماعهم لمحمود عبدالعزيز ولغيره من ناشئة الفنانين .. مجرد احتجاج لأن "العيال كبرت".
في صباح يوم من أيام عام 1999م كنت جالسا في منزلي في الدمام وكان المكان ساكنا لأن العيال كانوا جميعهم في مدارسهم وأمهم منشغلة بشأن ما في المنزل وأنا أجلس أمام جهاز الكمبيوتر وأمامي أكوام من الأوراق المختلفة التي اتفقت على ترجمتها مقابل مبلغ ضخم من المال (مقياس الضخامة نسبي طبعا). لا أدري ما الذي دفعني ذلك الصباح لمحاولة الإستماع إلى محمود عبدالعزيز. لماذا لا أستمع إليه فقد يكون أولادي على حق. استحسنت الفكرة .. جهزت المسجل والاشرطة الكاسيت وانتقيت أحدها عشوائيا لأستمع إليه ، وابتدأ محمود يغني وأنا منصرف إلى رزق عيالي أصارع في طلاسم الكلمات وشفرات المعاني. توقفت فجأة عن الترجمة حينما بدأ الصوت المنبعث من المسجل يقول:
الكنت قايلو فات زمان
رجعتوا بي طعم الغنا
أحلام صباي والذكريات
هومت بي بالدندنة
وبدأ الطرب يتسلل إلى داخلي .. ويوقظ فيّ "الكنت قايلو فات زمان"
ثم يرتفع الصوت عاليا ويحلق بي في سماوات بعيدة:
أتاري في جواي نغم
جوة القليب يدق هنا
يا إلهي.. إلى أين يأخذني هذا الفتى الذى أوتي مزمارا من مزامير آل داؤد..؟ كيف سيكون منظري العام لو اقتحم عليّ أحدهم الصالون فجأة ورآني أفعل ما نهيت دوما عنه؟
وأتابع الكلمات ويهبط الصوت إلى درجات أقل والتطريب لم يقل ثم يرتفع من جديد بنفس القوة:
ناسي الزمان إتغيروا
لكني ما اتغيرت أنا
غدوت أنا بمعزل تماما عن كيتس وشكسبير ولورد بايرون وإليوت .. أخذني الفتى بعيدا عن ديكنز وهمنجواي وجيمس بولدوين وإدجار الان بو.. تباعدت الشقة بيني وبين كتاب الإنجليزية من غيرالإنجليز.. شيفا نيبول وشقيقه في إس نيبول.. نقوقي وا ثيونقو.. شينوا أ شيبي.. وولي شوينكا. مالي بهم الآن؟ ففي صوت محمود لهفة العاشق ووجعة المشتاق ولوعة الحزين وحسرة الموجوع وأنة الكليم.. جميعهم!
ثم تنساب الكلمات من جديد بصوت ملائكي مترع بالحزن:
يا وجعة الزول اليتيم
يا حسرة القلب الرهيف
عصر يوم من أيام شهر نوفمبر من عام 1997م طرق بابي في الدمام شقيقي عبدالقادر وزوجته مريم بت أبزرد.. كانت دموعهما تغني عن الكلام.. ارتحلت الحاجة صفية بت الفكي محمد أحمد علقم بت السارة بت علي دريشة. ابتلعت دموعي ووجعتي ذلك اليوم ولأيام وشهور طويلة قادمة.الموت في الغربة هو أن تبتلع الفاجعة دائما وحدك.. قلما يشاركك فيها أحد.. سبقها أبي بنحو الثمانية عشر عاما. في الحالين لم أكن في القضارف . قدري أن أفارق القضارف وأنا دون الرابعة عشر ، لسبب الدراسة ثم بعد ذلك لسبب العمل.اعتدت منذ تلك السن أن اتصالح مع بعدي عن القضارف بحمل القضارف كلها في داخلي تلازمني أينما أذهب، تعيش في داخلي وأعيش خارجها. في المرة الأولى استغرقت الرحلة من الخرطوم للقضارف لأتقاسم حزني مع الآخرين أقل من يوم. هذه المرة كانت الرحلة للقضارف طويلة.. سنين طويلة. لكن يظل الموت دائما هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في دنيانا. حزّ في نفسي يومها أني لم ارها منذ سبتمبر 1990م. في عام 1992م كنت أحزم متاعي للسفر إلى السودان فجاء من ينقل لي رسالة من أحد السادة الجدد في الخرطوم يقول فيها إن اسمي من المغضوب عليهم ويستحسن ألا أجيء للوطن لأنه لن يستطيع درء الأذى عني. بعد سنتين تلقيت رسالة أخرى تفيد بأنني أصبحت من غير المغضوب عليهم. تضارب الرسالتين يعني ، من منظور أمني واحترازي أن مصدر الأذى لا يزال قائما. تطورت ظروفي الخاصة والأحداث خلال السنوات الثلاث اللاحقة بما لم يدع لي سبيلا للسفر للوطن، حتى كان عصر ذلك اليوم الذي جاءني فيه شقيقي ليبلغني برحيل والدتنا وبأن يتمي قد بات مؤكدا ، وهاهو محمود ينكأ الجرح ويدميه.كنت أحسب أن مذاق الحزن قد أزالته السنين.
يا وجعة الزول اليتيم
يا حسرة القلب الرهيف
حليلا طلات الصباح
وضي العوينات الشفيف
تذكرت الصباحات الباكرة قبل شروق الشمس ونحن نتحلق حول الحاجة صفية في انتظار الشاي. تتسع الحلقة مع مرور الوقت.. صالح اليماني ينادي علي سلعته وهو يمر بالزقاق الواقع غرب حوشنا ويفصلنا عن جيراننا التوم عبدالله ومصطفى عبدالله وصديق حاج علي والطيب الصديق. أتسلق "الصريف" وأمد يدي بالقرش لصالح اليماني الذي يعمد إلى قفته فيخرج منها رغيفا مستديرا ساخنا ثم يمد يده غير آبه بالشوك أو الطين ليناولني الرغيف . أعود من جديد آخذ مكاني من الحلقة ، ونشرب ما شئنا من أكواب الشاي وكل واحد يطلب أن يكون كوبه بما تشتهي نفسه .. زيادة في السكر أو "جمادة" طافية على الشاي، بارد ، ساخن، متوسط الحرارة، وهي تلبي طلباتنا جميعا ليس بصبر فحسب ولكن بمتعة ورضاء يتدفق من عينيها الوضائتين.
أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا
أجهشت بالبكاء.. أفرغت كل ما ابتلعت من قبل من دموع ..لم تعد دموعي تتمرد عليّ مثلما كانت تفعل كل مرة .. أقمت مأتما في داخلي من جديد..
لعل انحدار الدمع يعقب راحة من الوجد أو يشفي شجى البلابل
أعدت سماع الكلمات مرة ومرتين وثلاث وفي كل مرة لا أعدم ما أسكبه من دموع. تذكرت شهر سبتمبر من عام 1990م.. آخر عهدي بها. تحاملت على سنينها وخرجت إلى باب الحوش لتودعني. دست في يدي "كمشة" من الجنيهات. كانت قد علمت أنني فقدت محفظتي.. قلت لها إنني لم أفقد إلا بطاقة إثبات شخصية وعددا قليلا من الجنيهات أملك أضعافه.. لكنها العادة .. ما زالت تصر على أن تعطينا حتى وهي لم تعد قادرة على العطاء..اقتنعت أخيرا..كان ذلك آخر عهدي بحضنها ونور عينيها.
فيا أمي.. أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر
فكيف ، كيف يا أمي غدوت أبا ولم أكبر؟
ظللت طفلها الذي لم يكبر..قبل عقود خلت جاءتني على عجل في بورتسودان لتراني في حبسي. إطمأن قلبها وقفلت راجعة للقضارف لما رأت علامات السعادة على وجه طفلها الصغير.. كنت قد جاهدت النفس لرسم الفرح على وجهي. غدت سعيدة راضية حينما خالتني سعيدا راضيا. بعدها بسنوات قالتها لي بلا مناسبة معينة وبكلمات بسيطة وواضحة إنها ستكون راضية تماما عني إن حرصت على إرضاء زوجي التي لم يكن آنذاك قد مضى على ارتباطي بها سوى اسابيع قليلة . كان ذلك سرا خاصا بيني وبينها وكانت وصية لا تقبل الأخذ والرد فحفظتها وما زلت حافظا لها رغم ما في الأمر من مشقة ومجاهدة للذات.
في تلك الليلة كانوا فرحين بي في دارنا في القضارف عندما عدت بعد سنوات طويلة من التيه والحلم بالمستقبل في بلاد الآخرين.. تحلقوا حولي في شوق. ستة عشر عاما انضم فيها ساكنون جدد للدار وغادرها آخرون.. صغار السن منهم كانوا يحصون عليّ أنفاسي وهم يتطلعون باهتمام بالغ إلى أدق تفاصيل وجهي .. نظراتهم فيها الفضول والبراءة و فيها أيضا السذاجة. ولكني أخذت أتلفت حولي بحثا عن ساكن في الدار أنا أدري أنه قد هجر الدار إلى الأبد. في أيام مضت كنت أحرص على أن يكون أول وآخر من أعانق ..طال الإنتظار والعيون الفضولية تحاصرني وأنا لم أكف عن التلفت وساكن الدار لم يأت ولن يأت. هتف فيّ هاتف لماذا لا أسألهم: أين هي؟ لماذا لا تأتي وأنا قد طال بي الانتظار؟ إن لم أجد الإجابة فلماذا لا أخرج أسأل عنها دورب الحي والجارات والصاحبات؟ أين هي؟ انتشلني نفس الهاتف من أحلامي بعنف : استغفر الله يا رجل.. وهل من فات يعود؟الإضاءة الخافتة في الدار حجبت عن العيون الفضولية الدموع الحارقة الصامتة التي سالت على خديّ، فاكتويت بنارها وحدي ولم يرها من حولي،ابتلعت دموعي ووجعي وأنيني تلك الليلة.
مع شروق شمس الصباح تناولت كوب شاي .. لم يكن بطعم الشاي الذي كنت أتناوله مع طلات الصباح القديمة وضي العوينات الشفيف.. تعاظم عندي الإحساس بوحشة المكان.. لم يعد المكان نفس ذلك المكان رغم المشاعر الحميمة الصادقة التي أحاطوني بها..حزمت وجعي ووحشتي وغادرت الدار ميمما وجهي صوبها وذهبت إلى حيث كانت.أول زيارة أقوم بها في المدينة بعد ستة عشر عاما من الغياب. مشيت على نفس الدروب التي مشيت فيها طوال عقود خلت .. هذه الأرض أعرفها وتعرفني.. أعرف ذرات ترابها ذرة ذرة ، وتعرفني حبات رمالها حبة حبة.. أشقاني حبها وحب إنسانها على مدى السنين. هنا كان ينتهي فريق البقر الذي اختفى وأصبح ذكرى.. نفس الدروب ونفس الأمكنة رغم البنايات المتطاولة والأثرياء الجدد والمصابيح الكهربائية وأشرطة الأسفلت.. لكأنها هي.. وهنا بداية حي الميدان حيث كنت أقود أحيانا الغنم للراعي في مكان تجمع أغنام الحي قبل نصف قرن من الزمان.. كان المكان آنذاك خاليا من السكان والمساكن..
وصلت أخيرا إلى بغيتي .. إلى حيث ترقد هي.. وصلت متأخرا سنوات طويلة..أنا لم أكن قادرا على المجيء وهي لم يكن بوسعها أن تنتظر رجوعي وتخلف ذلك الموعد. المكان امتدت مساحته عبر السنين وتزايد ساكنوه. ناجيت قرحة القلب والأحشاء والكبد.. تأخر حضوري وتعجلت هي الرحيل.. تراءت لي "طلات الصباح" وتراءى لي "ضي العوينات الشفيف" من وراء حجاب الزمن.أحسست بدفء أحضانها المترعة بالحنان .. دعوت الله كثيرا وقرأت سورة الفاتحة. (إن لم ترض بقضائي فاخرج من تحت سمائي) ..أستغفر الله فما أنا سوى عبد ضعيف طامع في لطف ربه.
الوقت يمضي .. أذن المؤذن في المسجد المجاور لصلاة الظهر.. مسحت دموعي..كانت بمثل مرارة مياه الخليج..الدموع تغسل شيئا من الحزن.. أوقفت المسجل .. توضأت وذهبت للمسجد.. قرأت في الركعة الاولى شيئا من سورة البقرة "يا أيها الذين آمنوا استعينوابالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" ، وفي الركعة الثانية قرأت سورة الضحى. عدت لمنزلي. أحسست أن عبئا ثقيلا قد انزاح عن صدري.. انهمكت في الترجمة من جديد ، لكن أصداء كلمات محمود ما زالت عالقة بالأذن والوجدان والذاكرة. كان لها وقعا خاصا في نفسي في لحظة نادرة توحدت فيها العاطفة مع الحلم والزمان والواقع والمكان .
أصبحت مستمعا جيدا لمحمود.. لايحركني كل ما يقول ولكن ذلك الصوت الجميل الذي أثار الجدل في أكاديمية الموسيقى في موسكو يبقى جميلا يدغدغ المشاعر إلى ما شاء الله.
يا وجعة الزول اليتيم
ياحسرة القلب الرهيف.
وأستغفر الله لي وله ولكم!!
عبدالله علقم
Khamma46@yahoo.com
http://hh7.an3m1.com/Sep/an3m1.com_13693759561.jpg (http://hh7.an3m1.com/)
منذ صغري أحببت سيد خليفة .. كانت أذناي حكرا على صوته ، لا اسمع أحدا غيره ولا يجوز ،وبلغ ذلك الحب درجة التعصب والهوس.. في المرحلة المتوسطة دخلت في معركة بالأيدي مع زميل لي لمجرد أنه ابدى رأيا سلبيا في سيد خليفة في حضوري، وأخذت ذلك على أنه استفزاز شخصي، ورغم أن الغلبة في النهاية كانت له بما أوتي من بسطة في الجسم ، إلا أنه تحاشي بعد ذلك المساس بسيد خليفة من قريب أو بعيد. جاء سيد خليفة للقضارف عام 1959م وأحيا حفلا غنائيا على مسرح سينما كيكوس (التعليم الأهلي) فتسللت في غفلة من العسكري الحارس إلى خلف مسرح السينما أو خلف (الشرقاني) الساتر لأجرى لقاء صحفيا مع سيد خليفة. كان كريما معي وأجاب بسماحة وتواضع على أسئلتي الساذجة عندما أخبرته أنني أمثل المجلة الحائطية الطلابية التي كنا نصدرها في المدرسة الأميرية المتوسطة، ليس ذلك فحسب بل صرف العسكري الذي كان يلاحقني والذي كان يصيح بغضب "يا ولد .. أمرق من هنا".
وفي صباح اليوم التالي ذهبت مبكرا لموقف "البص السريع" الذي كان يقف في الفضاء الذي يشغله الآن بنك الخرطوم وبنك فيصل الإسلامي، فقد خمنت أن سيد خليفة سيعود مع فرقته للخرطوم صباح ذلك اليوم ، وكان البص السريع هو الوسيلة اليومية الوحيدة للسفر للخرطوم. ودعته ولم يولني اهتماما هذه المرة (ولد صغير) وسط زمرة من المودعين، وغادر البص الموقف في موعده السابعة والنصف (ويصل الخرطوم عادة في الخامسة والنصف) واتخذت طريقي للمدرسة وأنا أفكر في كيفية الإفلات من عقوبة غيابي عن الطابورالصباحي وتأخري في الحضور للحصة الأولى. كنت أعتمد عادة على براءة ووداعة مظهري وصغر حجمي ، مع شيء من التميز الأكاديمي أتميز به ،في الإفلات من العقاب على ما أرتكبه من أخطاء وإخلال بقواعد الإنضباط في المدرسة وأختلق أي عذر أبرر به خطئي وغالبا ما يجد القبول ، ولكن ذلك لم ينجح هذه المرة وتلقيت ثلاث "جلدات" مؤلمة حارقة جاهدت نفسي لتحملها بثبات باعتبارها ثمنا لا بد منه ل"المجد " و"الإبداع". ثم نشرت حصيلة ذلك اللقاء الصحفي في المجلة الحائطية ، وكان رغم سطحيته وسذاجته، إنجازا غير مسبوق لم يخطر على بال أي من زملائي الذين كنت أتنافس معهم في الهيمنة على المجلة،وكفل لي التفوق عليهم لفترة طويلة، وكان ذلك مصدر سعادة لي لا حد لها.
لكن دارت السنين وأصبح سيد خليفة، رحمه الله، يردد كلمات هابطة في مناسبات تماثل الكلمات هبوطا، "أيدناك يا نميري .. بايعناك" و"بالملايين قلناها نعم" و"أبوكم مين.. نميري" إلى آخر ذلك الغث من الكلام الذي آذى مشاعر الناس المغلوبة على أمرها وخدش حياء الذوق العام في ظروف بالغة القسوة والصعوبة، فانصرفت عنه وتحررت أذناي من الإحتكار فأخذت أستمع لغيره من الفنانين وأطرب لهم واكتشفت مدى ماكنت فيه من حرمان اختياري ارتضيته لنفسي بلا مبرر.
وفي مهجري كنت حريصا على تعويد آذان ابنائي على الموسيقى السودانية والغناء السوداني وذهبت لأبعد من ذلك حينما كنت أحظرالاستماع للأغاني العربية المختلفة.. الخليجية واللبنانية والمصرية.. ولم يقتصر الحظر على كاظم الساهر ونبيل شعيل ونوال الزغبي وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد وغيرهم بل شمل كذلك موجة الفنانين السودانيين الجدد ، وقد ساعدني لفترة من الوقت في ذلك المسعى تشرف أسرتي وداري في الدمام عام 1992م باستضافة الأستاذ محمد وردي ليومين ، بحكم علاقات مختلفة تربطه باسرة زوجتي وبشخصي ولكن لم يستمر هذا الزخم لفترة طويلة ، واكتشفت فيما بعد أن كل جهودي "الديكتاتورية" للتحكم في أذواق أبنائي قد ذهبت أدراج الرياح. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه" لا تعلموا أبناءكم عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" .. صدقت يا سيدي يا أبا حفص! فانتقلت لمرحلة الاستهجان بدل الحظر . أصبحت أستهجن سماعهم لمحمود عبدالعزيز ولغيره من ناشئة الفنانين .. مجرد احتجاج لأن "العيال كبرت".
في صباح يوم من أيام عام 1999م كنت جالسا في منزلي في الدمام وكان المكان ساكنا لأن العيال كانوا جميعهم في مدارسهم وأمهم منشغلة بشأن ما في المنزل وأنا أجلس أمام جهاز الكمبيوتر وأمامي أكوام من الأوراق المختلفة التي اتفقت على ترجمتها مقابل مبلغ ضخم من المال (مقياس الضخامة نسبي طبعا). لا أدري ما الذي دفعني ذلك الصباح لمحاولة الإستماع إلى محمود عبدالعزيز. لماذا لا أستمع إليه فقد يكون أولادي على حق. استحسنت الفكرة .. جهزت المسجل والاشرطة الكاسيت وانتقيت أحدها عشوائيا لأستمع إليه ، وابتدأ محمود يغني وأنا منصرف إلى رزق عيالي أصارع في طلاسم الكلمات وشفرات المعاني. توقفت فجأة عن الترجمة حينما بدأ الصوت المنبعث من المسجل يقول:
الكنت قايلو فات زمان
رجعتوا بي طعم الغنا
أحلام صباي والذكريات
هومت بي بالدندنة
وبدأ الطرب يتسلل إلى داخلي .. ويوقظ فيّ "الكنت قايلو فات زمان"
ثم يرتفع الصوت عاليا ويحلق بي في سماوات بعيدة:
أتاري في جواي نغم
جوة القليب يدق هنا
يا إلهي.. إلى أين يأخذني هذا الفتى الذى أوتي مزمارا من مزامير آل داؤد..؟ كيف سيكون منظري العام لو اقتحم عليّ أحدهم الصالون فجأة ورآني أفعل ما نهيت دوما عنه؟
وأتابع الكلمات ويهبط الصوت إلى درجات أقل والتطريب لم يقل ثم يرتفع من جديد بنفس القوة:
ناسي الزمان إتغيروا
لكني ما اتغيرت أنا
غدوت أنا بمعزل تماما عن كيتس وشكسبير ولورد بايرون وإليوت .. أخذني الفتى بعيدا عن ديكنز وهمنجواي وجيمس بولدوين وإدجار الان بو.. تباعدت الشقة بيني وبين كتاب الإنجليزية من غيرالإنجليز.. شيفا نيبول وشقيقه في إس نيبول.. نقوقي وا ثيونقو.. شينوا أ شيبي.. وولي شوينكا. مالي بهم الآن؟ ففي صوت محمود لهفة العاشق ووجعة المشتاق ولوعة الحزين وحسرة الموجوع وأنة الكليم.. جميعهم!
ثم تنساب الكلمات من جديد بصوت ملائكي مترع بالحزن:
يا وجعة الزول اليتيم
يا حسرة القلب الرهيف
عصر يوم من أيام شهر نوفمبر من عام 1997م طرق بابي في الدمام شقيقي عبدالقادر وزوجته مريم بت أبزرد.. كانت دموعهما تغني عن الكلام.. ارتحلت الحاجة صفية بت الفكي محمد أحمد علقم بت السارة بت علي دريشة. ابتلعت دموعي ووجعتي ذلك اليوم ولأيام وشهور طويلة قادمة.الموت في الغربة هو أن تبتلع الفاجعة دائما وحدك.. قلما يشاركك فيها أحد.. سبقها أبي بنحو الثمانية عشر عاما. في الحالين لم أكن في القضارف . قدري أن أفارق القضارف وأنا دون الرابعة عشر ، لسبب الدراسة ثم بعد ذلك لسبب العمل.اعتدت منذ تلك السن أن اتصالح مع بعدي عن القضارف بحمل القضارف كلها في داخلي تلازمني أينما أذهب، تعيش في داخلي وأعيش خارجها. في المرة الأولى استغرقت الرحلة من الخرطوم للقضارف لأتقاسم حزني مع الآخرين أقل من يوم. هذه المرة كانت الرحلة للقضارف طويلة.. سنين طويلة. لكن يظل الموت دائما هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في دنيانا. حزّ في نفسي يومها أني لم ارها منذ سبتمبر 1990م. في عام 1992م كنت أحزم متاعي للسفر إلى السودان فجاء من ينقل لي رسالة من أحد السادة الجدد في الخرطوم يقول فيها إن اسمي من المغضوب عليهم ويستحسن ألا أجيء للوطن لأنه لن يستطيع درء الأذى عني. بعد سنتين تلقيت رسالة أخرى تفيد بأنني أصبحت من غير المغضوب عليهم. تضارب الرسالتين يعني ، من منظور أمني واحترازي أن مصدر الأذى لا يزال قائما. تطورت ظروفي الخاصة والأحداث خلال السنوات الثلاث اللاحقة بما لم يدع لي سبيلا للسفر للوطن، حتى كان عصر ذلك اليوم الذي جاءني فيه شقيقي ليبلغني برحيل والدتنا وبأن يتمي قد بات مؤكدا ، وهاهو محمود ينكأ الجرح ويدميه.كنت أحسب أن مذاق الحزن قد أزالته السنين.
يا وجعة الزول اليتيم
يا حسرة القلب الرهيف
حليلا طلات الصباح
وضي العوينات الشفيف
تذكرت الصباحات الباكرة قبل شروق الشمس ونحن نتحلق حول الحاجة صفية في انتظار الشاي. تتسع الحلقة مع مرور الوقت.. صالح اليماني ينادي علي سلعته وهو يمر بالزقاق الواقع غرب حوشنا ويفصلنا عن جيراننا التوم عبدالله ومصطفى عبدالله وصديق حاج علي والطيب الصديق. أتسلق "الصريف" وأمد يدي بالقرش لصالح اليماني الذي يعمد إلى قفته فيخرج منها رغيفا مستديرا ساخنا ثم يمد يده غير آبه بالشوك أو الطين ليناولني الرغيف . أعود من جديد آخذ مكاني من الحلقة ، ونشرب ما شئنا من أكواب الشاي وكل واحد يطلب أن يكون كوبه بما تشتهي نفسه .. زيادة في السكر أو "جمادة" طافية على الشاي، بارد ، ساخن، متوسط الحرارة، وهي تلبي طلباتنا جميعا ليس بصبر فحسب ولكن بمتعة ورضاء يتدفق من عينيها الوضائتين.
أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا
أجهشت بالبكاء.. أفرغت كل ما ابتلعت من قبل من دموع ..لم تعد دموعي تتمرد عليّ مثلما كانت تفعل كل مرة .. أقمت مأتما في داخلي من جديد..
لعل انحدار الدمع يعقب راحة من الوجد أو يشفي شجى البلابل
أعدت سماع الكلمات مرة ومرتين وثلاث وفي كل مرة لا أعدم ما أسكبه من دموع. تذكرت شهر سبتمبر من عام 1990م.. آخر عهدي بها. تحاملت على سنينها وخرجت إلى باب الحوش لتودعني. دست في يدي "كمشة" من الجنيهات. كانت قد علمت أنني فقدت محفظتي.. قلت لها إنني لم أفقد إلا بطاقة إثبات شخصية وعددا قليلا من الجنيهات أملك أضعافه.. لكنها العادة .. ما زالت تصر على أن تعطينا حتى وهي لم تعد قادرة على العطاء..اقتنعت أخيرا..كان ذلك آخر عهدي بحضنها ونور عينيها.
فيا أمي.. أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر
فكيف ، كيف يا أمي غدوت أبا ولم أكبر؟
ظللت طفلها الذي لم يكبر..قبل عقود خلت جاءتني على عجل في بورتسودان لتراني في حبسي. إطمأن قلبها وقفلت راجعة للقضارف لما رأت علامات السعادة على وجه طفلها الصغير.. كنت قد جاهدت النفس لرسم الفرح على وجهي. غدت سعيدة راضية حينما خالتني سعيدا راضيا. بعدها بسنوات قالتها لي بلا مناسبة معينة وبكلمات بسيطة وواضحة إنها ستكون راضية تماما عني إن حرصت على إرضاء زوجي التي لم يكن آنذاك قد مضى على ارتباطي بها سوى اسابيع قليلة . كان ذلك سرا خاصا بيني وبينها وكانت وصية لا تقبل الأخذ والرد فحفظتها وما زلت حافظا لها رغم ما في الأمر من مشقة ومجاهدة للذات.
في تلك الليلة كانوا فرحين بي في دارنا في القضارف عندما عدت بعد سنوات طويلة من التيه والحلم بالمستقبل في بلاد الآخرين.. تحلقوا حولي في شوق. ستة عشر عاما انضم فيها ساكنون جدد للدار وغادرها آخرون.. صغار السن منهم كانوا يحصون عليّ أنفاسي وهم يتطلعون باهتمام بالغ إلى أدق تفاصيل وجهي .. نظراتهم فيها الفضول والبراءة و فيها أيضا السذاجة. ولكني أخذت أتلفت حولي بحثا عن ساكن في الدار أنا أدري أنه قد هجر الدار إلى الأبد. في أيام مضت كنت أحرص على أن يكون أول وآخر من أعانق ..طال الإنتظار والعيون الفضولية تحاصرني وأنا لم أكف عن التلفت وساكن الدار لم يأت ولن يأت. هتف فيّ هاتف لماذا لا أسألهم: أين هي؟ لماذا لا تأتي وأنا قد طال بي الانتظار؟ إن لم أجد الإجابة فلماذا لا أخرج أسأل عنها دورب الحي والجارات والصاحبات؟ أين هي؟ انتشلني نفس الهاتف من أحلامي بعنف : استغفر الله يا رجل.. وهل من فات يعود؟الإضاءة الخافتة في الدار حجبت عن العيون الفضولية الدموع الحارقة الصامتة التي سالت على خديّ، فاكتويت بنارها وحدي ولم يرها من حولي،ابتلعت دموعي ووجعي وأنيني تلك الليلة.
مع شروق شمس الصباح تناولت كوب شاي .. لم يكن بطعم الشاي الذي كنت أتناوله مع طلات الصباح القديمة وضي العوينات الشفيف.. تعاظم عندي الإحساس بوحشة المكان.. لم يعد المكان نفس ذلك المكان رغم المشاعر الحميمة الصادقة التي أحاطوني بها..حزمت وجعي ووحشتي وغادرت الدار ميمما وجهي صوبها وذهبت إلى حيث كانت.أول زيارة أقوم بها في المدينة بعد ستة عشر عاما من الغياب. مشيت على نفس الدروب التي مشيت فيها طوال عقود خلت .. هذه الأرض أعرفها وتعرفني.. أعرف ذرات ترابها ذرة ذرة ، وتعرفني حبات رمالها حبة حبة.. أشقاني حبها وحب إنسانها على مدى السنين. هنا كان ينتهي فريق البقر الذي اختفى وأصبح ذكرى.. نفس الدروب ونفس الأمكنة رغم البنايات المتطاولة والأثرياء الجدد والمصابيح الكهربائية وأشرطة الأسفلت.. لكأنها هي.. وهنا بداية حي الميدان حيث كنت أقود أحيانا الغنم للراعي في مكان تجمع أغنام الحي قبل نصف قرن من الزمان.. كان المكان آنذاك خاليا من السكان والمساكن..
وصلت أخيرا إلى بغيتي .. إلى حيث ترقد هي.. وصلت متأخرا سنوات طويلة..أنا لم أكن قادرا على المجيء وهي لم يكن بوسعها أن تنتظر رجوعي وتخلف ذلك الموعد. المكان امتدت مساحته عبر السنين وتزايد ساكنوه. ناجيت قرحة القلب والأحشاء والكبد.. تأخر حضوري وتعجلت هي الرحيل.. تراءت لي "طلات الصباح" وتراءى لي "ضي العوينات الشفيف" من وراء حجاب الزمن.أحسست بدفء أحضانها المترعة بالحنان .. دعوت الله كثيرا وقرأت سورة الفاتحة. (إن لم ترض بقضائي فاخرج من تحت سمائي) ..أستغفر الله فما أنا سوى عبد ضعيف طامع في لطف ربه.
الوقت يمضي .. أذن المؤذن في المسجد المجاور لصلاة الظهر.. مسحت دموعي..كانت بمثل مرارة مياه الخليج..الدموع تغسل شيئا من الحزن.. أوقفت المسجل .. توضأت وذهبت للمسجد.. قرأت في الركعة الاولى شيئا من سورة البقرة "يا أيها الذين آمنوا استعينوابالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" ، وفي الركعة الثانية قرأت سورة الضحى. عدت لمنزلي. أحسست أن عبئا ثقيلا قد انزاح عن صدري.. انهمكت في الترجمة من جديد ، لكن أصداء كلمات محمود ما زالت عالقة بالأذن والوجدان والذاكرة. كان لها وقعا خاصا في نفسي في لحظة نادرة توحدت فيها العاطفة مع الحلم والزمان والواقع والمكان .
أصبحت مستمعا جيدا لمحمود.. لايحركني كل ما يقول ولكن ذلك الصوت الجميل الذي أثار الجدل في أكاديمية الموسيقى في موسكو يبقى جميلا يدغدغ المشاعر إلى ما شاء الله.
يا وجعة الزول اليتيم
ياحسرة القلب الرهيف.
وأستغفر الله لي وله ولكم!!
عبدالله علقم
Khamma46@yahoo.com