مصطفى احمد على
15-03-2013, 07:51 AM
لم تكن حادثة حرق ضريح الشيخ إدريس ود الأرباب بمنطقة العيلفون، شرق الخرطوم، مطلع هذا العام، ولا حريق كنيسة المسيحيين في منطقة الجريف شرق الخرطوم في الأسبوع الثاني من شهر أبريل الماضي، ولا انتهاك كنيسة نيالا بدارفور خلال الاسبوع الأخير من نفس الشهر، سوى حلقة صغيرة في سلسلة طويلة من الاعتداءات والانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات السلفية في أنحاء متفرقة من البلاد خلال السنوات القليلة الماضية.
بداية القصة
أثناء احتفالات رأس السنة في عام 2008، وبينما كان الدبلوماسي الأمريكي الشاب، جون مايكل غرانفيل، عائدا بسيارته من حفل إلى بيته، كمنت له مجموعة من الشباب الملتحين في أحد الأزقة وأفرغت في جسده عشرات الرصاصات هو وسائقه السوداني، ليموت الاثنان بعد ساعاتٍ قليلة من نقلهما إلى المستوصف الطبي.
تحول الفكر السلفي المتنامي إلى مستوى أكثر خطورة يستهدف حياة الأبرياء
وباغتيال الدبلوماسي الأجنبي في قلب الخرطوم، تحول الفكر السلفي المتنامي وسط فئات الشباب في الجامعات والمساجد، من مستوى دعَوي محدود التأثير، إلى مستوى أكثر خطورة يستهدف حياة الأبرياء من المواطنين والأجانب.
ففي ذات الفترة تقريباً، وقبل شهورٍ قليلة من اغتيال غرانفيل، اقتحمت مجموعة أخرى من السلفيين المسلحين بالأسلحة الآلية مسجد الثورة الحارة الأولى، في قلب مدينة أم درمان، وفتحت النار على جموع المصلين، في حادثة وجدت الاستنكار من جميع أفراد المجتمع. ولم تكد تنقضي أيام قليلة على الحادثة، التي راح ضحيتها العشرات، حتى اقتحم شخص اسمه عباس، ينتمي للجماعات التكفيرية، مسجد الجرافة شمال أم درمان، مطلقاً النار من رشاش آلي على المصلين أثناء صلاة المغرب.
أسلوب التكفير
على هذا النسق، تواترت الحوادث التي استهدفت أبرياء من الأطفال والنساء والعجزة في أكثر من مكان. ولم تكتف الجماعات السلفية الجهادية باقتحام المساجد لإسكات الخصوم، بل ابتكرت أسلوباً آخر تمثل في نشر الدعوات التكفيرية خصوصاً ضد التنظيمات اليسارية الطلابية مثل الجبهة الديمقراطية، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي السوداني، وغيرها من الكيانات ذات التوجه المدني والعلماني.
للجماعات السلفية خصومة كبيرة مع الطرق الصوفية. وقد تجلت هذه الخصومة في الخطب والندوات التي تقيمها السلفية وتدين فيها مسلك الطرق الصوفية وتصفه بأنه مسلك فيه الكثير من الشرك و”الاستعانة بالأولياء الصالحين عوضاً عن الاستعانة بالخالق سبحانه وتعالى“، بحسب ما ورد في أدبيات الجماعات السلفية.
مد التيار السلفي يعود الى ”تقصير الدعاة وغياب دور المرشدين الذين ينتهجون الوسطية“
يوسف الكودة
تنامي المد السلفي في السودان في السنوات الأخيرة جعل كثيرا من المختصين والمراقبين للساحة السياسية يدرسون هذه الظاهرة. البعض يعزو مد التيار السلفي لجملة عناصر من بينها، بحسب رئيس حزب الوسط الإسلامي، يوسف الكودة، ”تقصير الدعاة وغياب دور المرشدين الذين ينتهجون الوسطية“.
في نفس السياق، يرى آخرون أن الفراغ الفكري الذي يسيطر على قطاعات واسعة من الشباب بسبب تردي التعليم، ربما يكون سبباً في أن يقع الشباب ضحايا للجماعات السلفية الجهادية في البلاد.
من جهته، يرى الباحث الإسلامي الطيب زين العابدين، أن الجماعة السلفية دخلت البلاد في أواخر ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي. ورغم تاريخ دخولها المبكر، حسب زين العابدين، إلا أنها لم تجد قبولا "لغرابة الأفكار التي كانت تطرحها وعدم تماشيها مع الفكر الصوفي البسيط الذي كان يسِم سلوك التديُّن الفطري للسودانيين“.
إلا أن دعم هذه الجماعات وتمويلها من دول عربيه "ساهمت في تمدد التيار السلفي ليتجلى بشكل سافر خلال السنوات الأخيرة في كثير من أوجه الحياة السياسية في البلاد، بما فيها تشكيل الحكومة الجديدة، وانتخابات جامعة الخرطوم وبقية الجامعات السودانية الأخرى"، بحسب رأي زين العابدين.
"تختلف الجماعات السلفية عن الطرق الصوفية في أسلوب عملها، إذ تحظى هذه الجماعات بوجود مكثف في المساجد والمدارس من خلال المحاضرات والندوات"، حسب الكودة، الذي يضيف "أنها تفوقت في هذا الجانب على الطرق الصوفية التي تكتفي بالأذكار وقرع الطبول“ ولا تبذل جهداً كبيراً لضم مريدين جددا.
”غياب الحركة الإسلامية من الساحة السياسية في الجامعات كان بمثابة فرصة لنمو التيار السلفي المتشدد“
الطيب زين العابدين
إلا أن زين العابدين، يؤكد أن "غياب الحركة الإسلامية من الساحة السياسية في الجامعات كان بمثابة فرصة لنمو التيار السلفي المتشدد“.
تأويل العنف
لم تكن هذه الجماعات حتى وقت قريب تلجأ للعنف، فقد تراجعت الحركة الإسلامية من المنابر الدعوية في المساجد والأسواق والأماكن العامة، حسب الباحث فيصل عبد الله، وتركت لها هذه المنابر تمارس فيها العمل الدعوي وتجنيد الشباب.
لكن عبد الله يفسر لجوء الجماعات السلفية للعنف مؤخراً بـ "ضعف خطابها الفكري والدعوي، الذي ما عاد يقنع قطاعات واسعة من الشباب المستنير"، ويدلل على رأيه هذا بلجوء الجماعات الجهادية والتكفيرية إلى ممارسة العنف واغتيال الأبرياء "مما يؤكد ضعف وهشاشة خطابهم الفكري"، حسب فيصل عبد الله.
تنامي الخوف من المد السلفي
يتخوف المراقبون من ازدياد مد التيارات السلفية في البلاد، خصوصاً أن هذه الجماعات لم تكتف بممارسة الدعوة السلمية داخل المساجد والأماكن العامة والجامعات، بل صارت تلجأ إلى ترويع المجتمع بفتاوى خطيرة.
لجوء الجماعات السلفية للعنف مؤخراً يُفسَّر ب"ضعف خطابها الفكري والدعوي، الذي ما عاد يقنع قطاعات واسعة من الشباب المستنير"
فيصل عبد الله
فقد أعرب عدد من الطلاب والشباب عن تخوفهم من البيانات والمنشورات التي قامت الجماعات التكفيرية بتوزيعها قبل يوم من ليلة الاحتفال برأس السنة الماضية، الأمر الذي جعل كثيرا من العائلات والشباب يرجعون إلى بيوتهم باكراً خوفا من لجوء هذه الجماعات للعنف لفض الإحتفالات.
من جهة أخرى، تزايد تنامي التيار السلفي لدرجة التأثير على خطاب الدولة الرسمي في أعلى المستويات.
ولا يُخفي بعض المواطنين من استياءهم من عدم كبح الدولة لجماعات التيار السلفي. ويتهم البعض الدولة بأنها فتحت الباب على شراعيه لكافة الجماعات التكفيرية، خصوصا في فترة التسعينيات، حين فرّ العديد من هذه الجماعات من دولها إلى السودان،
بداية القصة
أثناء احتفالات رأس السنة في عام 2008، وبينما كان الدبلوماسي الأمريكي الشاب، جون مايكل غرانفيل، عائدا بسيارته من حفل إلى بيته، كمنت له مجموعة من الشباب الملتحين في أحد الأزقة وأفرغت في جسده عشرات الرصاصات هو وسائقه السوداني، ليموت الاثنان بعد ساعاتٍ قليلة من نقلهما إلى المستوصف الطبي.
تحول الفكر السلفي المتنامي إلى مستوى أكثر خطورة يستهدف حياة الأبرياء
وباغتيال الدبلوماسي الأجنبي في قلب الخرطوم، تحول الفكر السلفي المتنامي وسط فئات الشباب في الجامعات والمساجد، من مستوى دعَوي محدود التأثير، إلى مستوى أكثر خطورة يستهدف حياة الأبرياء من المواطنين والأجانب.
ففي ذات الفترة تقريباً، وقبل شهورٍ قليلة من اغتيال غرانفيل، اقتحمت مجموعة أخرى من السلفيين المسلحين بالأسلحة الآلية مسجد الثورة الحارة الأولى، في قلب مدينة أم درمان، وفتحت النار على جموع المصلين، في حادثة وجدت الاستنكار من جميع أفراد المجتمع. ولم تكد تنقضي أيام قليلة على الحادثة، التي راح ضحيتها العشرات، حتى اقتحم شخص اسمه عباس، ينتمي للجماعات التكفيرية، مسجد الجرافة شمال أم درمان، مطلقاً النار من رشاش آلي على المصلين أثناء صلاة المغرب.
أسلوب التكفير
على هذا النسق، تواترت الحوادث التي استهدفت أبرياء من الأطفال والنساء والعجزة في أكثر من مكان. ولم تكتف الجماعات السلفية الجهادية باقتحام المساجد لإسكات الخصوم، بل ابتكرت أسلوباً آخر تمثل في نشر الدعوات التكفيرية خصوصاً ضد التنظيمات اليسارية الطلابية مثل الجبهة الديمقراطية، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي السوداني، وغيرها من الكيانات ذات التوجه المدني والعلماني.
للجماعات السلفية خصومة كبيرة مع الطرق الصوفية. وقد تجلت هذه الخصومة في الخطب والندوات التي تقيمها السلفية وتدين فيها مسلك الطرق الصوفية وتصفه بأنه مسلك فيه الكثير من الشرك و”الاستعانة بالأولياء الصالحين عوضاً عن الاستعانة بالخالق سبحانه وتعالى“، بحسب ما ورد في أدبيات الجماعات السلفية.
مد التيار السلفي يعود الى ”تقصير الدعاة وغياب دور المرشدين الذين ينتهجون الوسطية“
يوسف الكودة
تنامي المد السلفي في السودان في السنوات الأخيرة جعل كثيرا من المختصين والمراقبين للساحة السياسية يدرسون هذه الظاهرة. البعض يعزو مد التيار السلفي لجملة عناصر من بينها، بحسب رئيس حزب الوسط الإسلامي، يوسف الكودة، ”تقصير الدعاة وغياب دور المرشدين الذين ينتهجون الوسطية“.
في نفس السياق، يرى آخرون أن الفراغ الفكري الذي يسيطر على قطاعات واسعة من الشباب بسبب تردي التعليم، ربما يكون سبباً في أن يقع الشباب ضحايا للجماعات السلفية الجهادية في البلاد.
من جهته، يرى الباحث الإسلامي الطيب زين العابدين، أن الجماعة السلفية دخلت البلاد في أواخر ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي. ورغم تاريخ دخولها المبكر، حسب زين العابدين، إلا أنها لم تجد قبولا "لغرابة الأفكار التي كانت تطرحها وعدم تماشيها مع الفكر الصوفي البسيط الذي كان يسِم سلوك التديُّن الفطري للسودانيين“.
إلا أن دعم هذه الجماعات وتمويلها من دول عربيه "ساهمت في تمدد التيار السلفي ليتجلى بشكل سافر خلال السنوات الأخيرة في كثير من أوجه الحياة السياسية في البلاد، بما فيها تشكيل الحكومة الجديدة، وانتخابات جامعة الخرطوم وبقية الجامعات السودانية الأخرى"، بحسب رأي زين العابدين.
"تختلف الجماعات السلفية عن الطرق الصوفية في أسلوب عملها، إذ تحظى هذه الجماعات بوجود مكثف في المساجد والمدارس من خلال المحاضرات والندوات"، حسب الكودة، الذي يضيف "أنها تفوقت في هذا الجانب على الطرق الصوفية التي تكتفي بالأذكار وقرع الطبول“ ولا تبذل جهداً كبيراً لضم مريدين جددا.
”غياب الحركة الإسلامية من الساحة السياسية في الجامعات كان بمثابة فرصة لنمو التيار السلفي المتشدد“
الطيب زين العابدين
إلا أن زين العابدين، يؤكد أن "غياب الحركة الإسلامية من الساحة السياسية في الجامعات كان بمثابة فرصة لنمو التيار السلفي المتشدد“.
تأويل العنف
لم تكن هذه الجماعات حتى وقت قريب تلجأ للعنف، فقد تراجعت الحركة الإسلامية من المنابر الدعوية في المساجد والأسواق والأماكن العامة، حسب الباحث فيصل عبد الله، وتركت لها هذه المنابر تمارس فيها العمل الدعوي وتجنيد الشباب.
لكن عبد الله يفسر لجوء الجماعات السلفية للعنف مؤخراً بـ "ضعف خطابها الفكري والدعوي، الذي ما عاد يقنع قطاعات واسعة من الشباب المستنير"، ويدلل على رأيه هذا بلجوء الجماعات الجهادية والتكفيرية إلى ممارسة العنف واغتيال الأبرياء "مما يؤكد ضعف وهشاشة خطابهم الفكري"، حسب فيصل عبد الله.
تنامي الخوف من المد السلفي
يتخوف المراقبون من ازدياد مد التيارات السلفية في البلاد، خصوصاً أن هذه الجماعات لم تكتف بممارسة الدعوة السلمية داخل المساجد والأماكن العامة والجامعات، بل صارت تلجأ إلى ترويع المجتمع بفتاوى خطيرة.
لجوء الجماعات السلفية للعنف مؤخراً يُفسَّر ب"ضعف خطابها الفكري والدعوي، الذي ما عاد يقنع قطاعات واسعة من الشباب المستنير"
فيصل عبد الله
فقد أعرب عدد من الطلاب والشباب عن تخوفهم من البيانات والمنشورات التي قامت الجماعات التكفيرية بتوزيعها قبل يوم من ليلة الاحتفال برأس السنة الماضية، الأمر الذي جعل كثيرا من العائلات والشباب يرجعون إلى بيوتهم باكراً خوفا من لجوء هذه الجماعات للعنف لفض الإحتفالات.
من جهة أخرى، تزايد تنامي التيار السلفي لدرجة التأثير على خطاب الدولة الرسمي في أعلى المستويات.
ولا يُخفي بعض المواطنين من استياءهم من عدم كبح الدولة لجماعات التيار السلفي. ويتهم البعض الدولة بأنها فتحت الباب على شراعيه لكافة الجماعات التكفيرية، خصوصا في فترة التسعينيات، حين فرّ العديد من هذه الجماعات من دولها إلى السودان،