المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوميات صحفية مصرية فى سجون المخابرات السودانية



أبونبيل
03-08-2012, 12:24 PM
يوميات صحفية مصرية فى سجون المخابرات السودانية (1)


شيماء عادل تكتب عن محنة الـ 14 يوما..


أشعة الشمس تتساقط كالأعمدة على رؤوس مرتادى ميدان التحرير، الجميع يلتف فى مجموعات، بعضهم حول أجهزة الراديو الملحقة بالهواتف المحمولة، والبعض الآخر حول السيارات التى وقفت على مداخل ومخارج الميدان، فاليوم موعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بعد تأجيلها 4 أيام، الجميع يؤكد فوز الفريق أحمد شفيق رغم إعلان جماعة الإخوان المسلمين تقدم مرشحها الدكتور محمد مرسى، من خلال محاضر الفرز التى رفعتها حملته الانتخابية عبر موقعها الإلكترونى.

الشوارع خالية، والبنوك أغلقت أبوابها، وقوات الجيش انتشرت لتأمين المنشآت الحيوية بالبلاد، ومصادر أمنية رفيعة المستوى تتصل بالزملاء الصحفيين تنصحهم بسحب أموال كافية من البنك، لأن القادم لا يعلمه إلا الله، ووضع سياراتهم فى أماكن آمنة، خوفاً من اندلاع أحداث تهدد أمن البلاد.

ودعت أسرتى الصغيرة المكونة من 4 أفراد، وجلست إلى جوار والدتى، ووجدتنى أسألها للمرة الأولى: "ماما، لو حصل لى حاجة وأنا باشتغل، انضربت أو اعتقلت أو اتسحلت زى زمايلى فى أحداث العباسية، هتعملى إيه؟"
الأعصاب متوترة فى الميدان، والمستشار فاروق سلطان ما زال مستمراً فى خطبته العصماء، التى جعلت الحضور يفترشون الأرض، بعدما عجزت أرجلهم عن حمل أجسامهم. دقت الساعة الثالثة ظهراً، ودق معها ناقوس فوز «مرسى» بمنصب رئيس الجمهورية. حالات إغماء وبكاء منقطعة النظير فى أرجاء الميدان، كان بينها رجل أربعينى يبكى ممسكا بهاتفه المحمول، وهو يردد كلمة واحدة «خلاص يا محمود مفيش معتقلات تانى». أنهى الرجل حديثه وأنا واقفة أمامه تائهة فى سر سعادته التى لم أر مثلها من قبل، فبادرنى والبسمة على وجهه: «أصل محمود ده بقاله 18 سنة مرمى فى المعتقلات.. خلاص مفيش معتقلات تانى».

لم أعرف سر سعادة الرجل بغياب المعتقلات، فـ«المعتقل» بالنسبة لى مجرد كلمة تتردد على مسامعى يومياً. فى عام 2008 سافرت إلى غزة بصحبة الزميلين محمد عادل وشهرته «العميد ميت» وعبد العزيز مجاهد لتغطية الحصار الإسرائيلى على القطاع، دخلنا لأداء مهمتنا، أنا كصحفية تحت التمرين فى جريدة «المصرى اليوم»، وهما بصفتهما من المدونين النشطين. رجعنا إلى القاهرة لتصلنى أنباء عن اعتقال الزميلين، وفقاً لما تردد وقتها، لأنهما ينتميان لجماعة الإخوان.

خرج الزميلان بعد اعتقال تخطى الشهر، ورفضا أن يبلغانى بأية تفاصيل عما تعرضا له داخل المعتقل، واكتفيا بالقول: «انت بنت وما ينفعش نحكيلك اللى حصل»، حاولت معرفة ما حدث، لكن محاولاتى باءت بالفشل، بينما ظلت تربطنى بالزميلين صداقة، حتى اندلعت ثورة 25 يناير، ليتزامن معها حركة اعتقالات ومحاكمات عسكرية طالت قرابة الـ12 ألفا، وكان من قصصها المريرة قصة اعتقال محمود أمين فى أحداث العباسية الأخيرة.

ولمن لا يعرف محمود، فإنه أول شاب فقد بصره يوم 25 يناير، وتم نقله إلى مستشفى معهد ناصر، ولم يشفع له كونه أحد مصابى الثورة، للحيلولة دون ضمه إلى قائمة «المحاكمين عسكريا»، رغم أن كل ذنبه أنه توجه إلى العباسية لسحب أصدقائه من الميدان بعدما ورد اليه نبأ مقتل زميله عادل الجوهرى خطيب عزة هلال (صاحبة الجاكت الأحمر) التى حاولت إنقاذ فتاة مجلس الوزراء من أيدى الجنود، ولُقبت بعدها بـ«ست البنات»، تاركاً عمليته الجراحية لاستخراج شظية أصابت عينه، واستقر جزء منها على غشاء المخ.

عدت إلى المنزل بعدما اطمأن قلبى، بوصول الدكتور محمد مرسى لقصر الرئاسة. أخذت أقلب القنوات الفضائية لمعرفة صدى الخبر على المستويين العربى والعالمى، وإذا بى أمام أخبار خروج مظاهرات فى عدة مدن فى السودان، احتجاجاً على إجراءات التقشف التى أعلنتها حكومة الفريق عمر البشير، وأخبار أخرى عن تعرض قطاع غزة لقصف إسرائيلى.

وقعت فى حيرة من أمرى؛ هل أسافر إلى غزة لتغطية أحداث القصف، أم إلى السودان لتغطية الاحتجاجات. وبعد تفكير وقع الاختيار على السودان، لأننى لم أزرها من قبل على عكس القطاع. رفعت سماعة الهاتف واتصلت بالأستاذ مجدى الجلاد رئيس تحرير «الوطن»، وقلت له: «السودان فيها احتجاجات يا ريس»، وقبل أن أكمل كلامى قال لى: «سافرى يا شيماء وخدى بالك من نفسك».

لم أعرف سر سعادة الرجل الأربعينى بين المحتفلين بفوز «مرسى» بالرئاسة فى ميدان التحرير وهو يردد «خلاص يا محمود مفيش معتقلات تانى»
ذهبت إلى الجريدة وأنهيت إجراءات مأمورية سفرى إلى السودان، بعد الاتفاق على أن عملى سيضم شقين: تغطية الاحتجاجات السودانية بسبب إجراءات التقشف، ومقابلة أحد المسئولين السودانيين لمعرفة طبيعة العلاقات بين مصر والسودان بعد وصول الإخوان إلى الحكم.

ولأنها المرة الأولى لى فى السودان، جلست مع الزملاء سماح عبدالعاطى من قسم التحقيقات، ومتولى سالم رئيس قسم الزراعة والرى بالجريدة، وأيمن شرف رئيس قسم الترجمة، للاستفادة من خبراتهم فى زياراتهم السابقة للسودان، وتغطية موضوعات تتعلق بالشأن السودانى، وأمدتنى سماح بعنوان فندق يقع فى «السوق العربى» بقلب الخرطوم يسمى «كابرى»، وتطوع شرف بإعطائى رقم صديقه محمد الأسباط الصحفى بجريدة السودانى، الذى اعتقلته قوات البشير بعد 10 أيام من اعتقالى.

أما الزميلة عبير السعدى، وكيل نقابة الصحفيين للتدريب وتطوير المهنة، فكان لها نصيب لا بأس به من مساعدتى، فكنت أتواصل معها عبر الـ«فيس بوك» يوميا، فى إجراء أتبعه قبل سفرى لأى مدينة خارج مصر، حتى تكون نقابتى متواصلة معى تأميناً لى ولمد يد المساعدة فى حال احتجتها.


حزمت حقائبى وتوجهت إلى مطار القاهرة القديم لأحصل على التطعيم والبطاقة الصفراء، ثم إلى المطار الجديد للحاق بطائرتى المتجهة إلى الخرطوم فى الثالثة إلا ربعاً وأنا أتذكر كلمات زميلتى سماح: «خدى بالك من نفسك ويا ريت ما تدفعيش للتاكسى أكتر من 7 جنيه، وقولى له اسم الفندق وإنه فى منطقة اسمها السوق العربى، واوعى تنزلى من التاكسى إلا لما يوصلك لحد الفندق».

ركبت الطائرة، وأجلسنى الحظ إلى جوار سيدة أربعينية، مصرية الأم سودانية الأب، علمتْ أنها زيارتى الأولى للسودان، وأخذت ترسم لى صورة لمدينة الخرطوم، وتاريخ السودان وحضارتها قائلة: «البيوت أغلب سكانها عائلات، ولا تعلو على 4 طوابق فى أغلب الأحوال، على عكس مصر»، ثم تمسك السيدة بالكرسى فجأة: «مش باحب اقعد جنب الشباك لأنى أخاف من المرتفعات»، ثم تضحك: «دا ابنى بيحب مصر جدا، شايفة لابس خاتم عليه علم مصر، بس أنا باخاف عليه من مظاهرات الجامعة، خايفة يُعتقل وماعرفش عنه أى حاجة».

تصمت السيدة للحظات ثم تقول: «إحنا عكس مصر وتونس، البلدين قاموا بثورة جابت الإسلاميين للحكم، أما احنا فالإسلاميين موجودين ومش هيسيبوا الحكم، وللأسف الناس ماتعرفش إن السودان قام فيه ثورتين قبل كده»، ثم أخرجت ورقة من حقيبتها وكتبت عليها أرقام تليفوناتها، وقالت لى: «احنا خلاص بقينا أصحاب، وأول ما تجيبى خط تليفون، يا ريت تكلمينى عشان اعزمك على الغدا».

جلست أقلب الفضائيات بين احتجاجات السودان على التقشف وقصف غزة وتحيرت إلى أى جهة أسافر لتغطية الأحداث
انتهت السيدة من كتابة الأرقام، وانتهت معها رحلتنا ليعلن الطيار وصولنا إلى مطار الخرطوم. بمجرد أن وصلت الطائرة طلب منا الطاقم الجلوس للحظات، لم نكن نعرف الأسباب، لكننا وجدنا وفدا يبدو رسميا، مكونا من 10 أشخاص يلبسون جلابيب وعمامات بيضاء، يقفون أسفل سلم الطائرة، لاستقبال مجموعة من السودانيين، تبين بعد ذلك وجود حالة وفاة معهم، وجرى نقلهم فى سيارة خاصة إلى صالة الوصول.

كان من بين المسافرين سيدة أخرى بدت مصرية، الحزن لم يفارق وجهها منذ غادرنا القاهرة لدرجة جعلتها تبكى أثناء ركوبها الأتوبيس الداخلى لمطار الخرطوم، اقتربت منها وساعدتها على حمل حقائبها، التى تدل على أنها ستقيم لفترات طويلة فى العاصمة السودانية، سألتنى عن سبب زيارتى، أخبرتها أننى جئت للعمل، لم تسألنى عن جهة العمل، لكنها ردت مستنكرة: «حد ييجى السودان فى الظروف دى؟ لولا جوزى ما كنتش جيت أصلا».

لم أفهم الرسالة التى أرادت أن ترسلها لى السيدة، ولكنها قالت لى قبل مغادرتى المطار: «زوجى يعمل هنا طبيباً فى أحد المستشفيات الخاصة ويواجه مشاكل ومضايقات من قبَل المسئولين السودانيين لمجرد أنه مصرى»، ثم كتبت لى رقم هاتف زوجها وقالت لى: «إذا احتجتِ أى مساعدة كلمينا عشان نكون جنبك وربنا يعينك ويقويك يا بنتى».

تركتُ السيدة، دون أن أفهم مغزى كلماتها، وتوجهت إلى الجوازات لسحب بطاقة مخصصة للمسافرين الأجانب وملئها بكل البيانات: الاسم بالكامل «شيماء عادل عطية حافظ حسانين»، اسم الفندق الذى سأنزل به «كابرى»، مهنتى «صحفية بجريدة الوطن»، وسبب الزيارة «العمل وزيارة أصدقاء»، ليختم الشخص المسئول جواز سفرى ويسمح لى بالمرور.

خرجت من المطار لاستقلال تاكسى، استعدت نصائح زميلتى سماح، بالاستعلام عن مقابل التوصيلة مسبقا، يجيبنى السائق: «30 جنيه يا أستاذة»، تركته وسألت آخر، «نفس الأجرة»، والثالث لم ينقص أو يزيد، وعندما أخبرته بأن زميلتى كانت تدفع 5 أو 7 جنيهات رد السائق: «دا كان زمان قبل أن ترفع الحكومة الدعم عن المحروقات».

وصلنا إلى الفندق فى الثامنة مساء، وطلبت حجز غرفة باسم جريدة الوطن المصرية، مع تسجيل بياناتى كاملة، ودونت فيها أننى صحفية وأعمل فى جريدة الوطن للمرة الثانية على التوالى، لأتمكن أخيراً من الذهاب إلى غرفتى رقم 104، وآخذ قسطاً من الراحة، بدأ بالاستغراق فى نوم عميق، لم أستيقظ منه إلا صباح اليوم التالى

أبونبيل
03-08-2012, 12:34 PM
يوميات صحفية مصرية فى سجون المخابرات السودانية (2)

رحلة إلى كوخ الإمام "الصادق المهدى"


كتبت : شيماء عادل


صباح اليوم الثانى فى الفندق كان غريباً بعض الشىء فالساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً والهدوء يخيم على المنطقة الواقع فيها الفندق، نظرت من الشرفة وجدت سيدتين تجلسان على منضدة قصيرة وتجهزان المشروبات الساخنة، أدرت جهاز التليفزيون لتظهر قنوات التليفزيون الرسمى وهى تناقش الوضع الاقتصادى فى السودان والأسباب التى جعلت الحكومة السودانية تلجأ إلى إجراءات التقشف.

فكرت فى النزول إلى الشوارع ولكنى عدلت عن الفكرة خوفاً من أن أضل طريقى، فهذه هى المرة الأولى لى فى السودان، تذكرت رقم هاتف الصحفى الذى أرسله لى الزميل «أيمن شرف»، اتصلت بالصحفى أكثر من مرة لكنه لم يجب على الهاتف، هاتفت «شرف» ووعدنى بأنه سيجعل زميله يكلمنى على رقمى السودانى الذى اشتراه لى عامل فى الفندق مساء مقابل 10 جنيهات سودانية.

رن الهاتف ووجدت شخصاً يخبرنى بأن اسمه محمد الأسباط، وأنه صديق زميلنا «أيمن شرف»، رحب بى وقال إنه سيمر علىّ فى الفندق بعد ساعة من الزمن، رجعت إلى القنوات الرسمية فى محاولة لفهم ما تريد أن تنقله إلى المشاهد حول أزمة التقشف، ولكننى بصراحة لم أفهم هل الخبير الذى استضافته السيدة «الملتفة بالتوب السودانى» خبير أم مدافع عن سياسات الحكومة.

زرت الصادق المهدى فى منزله وتجولت فى أرجائه وجلست فى حديقته التى شهدت اجتماعات «البشير» وزعماء المعارضة
كلمات الخبير السودانى جعلتنى أرجع إلى الوراء وأتذكر تصريحات الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، عندما قال إن البلاد تعيش ارتفاعاً فى معدلات التنمية ومستوى المعيشة بدليل مئات آلاف من أجهزة التكييف التى اشتراها المواطنون وهو ما لم يختلف كثيراً عن رجل الحديد أحمد عز الذى خرج علينا بعد «نظيف» مؤكداً ارتفاع مستوى المعيشة بدليل السيارات الجديدة التى سدت شوارع القاهرة وتسببت فى أزمات مرورية.

مرت الساعة سريعاً وأنا أتذكر تصريحات مسئولى مبارك ليعيدنى هاتف «الأسباط» إلى الخرطوم مرة أخرى، نزلت لمقابلته فإذا هو رجل أربعينى طويل القامة نحيل الجسد يرتدى قميصاً أبيض وبنطالاً أسود وممسك بيده علبة سجائر، استقبلنى السودانى مرحباً: «أهلاً ببنت النيل» ثم جلسنا فى بهو الفندق وبدأت أحدثه عن مهمتى فى السودان وأنها المرة الأولى لى، وأريد مساعدته، خاصة أننى حاولت أكثر من مرة جمع معلومات عما يحدث فى البلد الشقيق لكن محاولاتى باءت بالفشل.

لم أعلم فى البداية سبب غياب المعلومات إلا بعد مرور أيام لى فى البلاد، سوف أسردها لكم عبر ألسنة أصحابها فيما بعد، أول سؤال وجهته للأسباط كان عن جمعة «لحس الكوع» التى شيرها عدد كبير من الشباب السودانى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، فرد الأسباط ضاحكاً «ده مثل عندنا مشهور فى السودان ومرادفه فى الأمثال المصرية لما تشوف حلمة ودنك».

الأسباط أخبرنى أن سبب تسمية الجمعة بهذا الاسم جاء رداً على تصريحات نائب الرئيس السودانى نافع على نافع على الشباب الذين طالبوا بالتغيير، حيث قال «نافع» لهم بأن من يتوهم تغيير نظام البشير فعليه لحس كوعه، بدأ الأسباط يحدثنى على الأوضاع والحياة الحزبية والسياسية داخل السودان، إلى أن تطرق الحديث لحزب الأمة ورئيسه الإمام الصادق المهدى، خاصة أن حكومة البشير أصدرت قراراً بإيقاف نشاطات الحزب إلا أن شبابه رفضوا تنفيذ القرار وواصلوا نشاطهم بل وسوف يشاركون فى جمعة «لحس الكوع».

سألت «الأسباط» هل يمكن مقابلة الإمام وإجراء لقاء معه فأنا أعلم أنه قضى فترة كبيرة من حياته فى القاهرة وأريد معرفة رؤيته للثورة المصرية ووصول الإخوان للحكم، وبالفعل اتصلت بصديقى الأستاذ جمعة حمدالله عبر «الفيس بوك» وحصلت منه على رقم مدير مكتب الإمام، واتصلنا به وحددنا معه ميعاداً صباح يوم الخميس فى الحادية عشرة ظهراً.

مر على «الأسباط» فى العاشرة والربع من صباح الخميس وذهبنا إلى منزل الإمام فى أم درمان، استقبلنا مدير أعماله الأستاذ محمد زكى، وطلب منا الجلوس حتى نزول الإمام، اعتذر «الأسباط» وطلب من «زكى» أن يأخذنى فى جولة فى أرجاء المنزل، وخاصة حديقته التى استضاف فيها المهدى وفد الاتحاد السوفيتى أيام الرئيس النميرى، التى شهدت أيضاً اجتماعات للرئيس البشير وزعماء المعارضة من قبل، ثم انتقلنا إلى مكان يشبه «الكوخ» فى حديقة بيت الإمام، أخبرنى الأسباط أنه مكان كان يلتقى فيه الصحفيون والأدباء والمثقفون على فترات متتالية.

صحفى سودانى ضحك عندما سألته عن «لحس الكوع» ورد قائلاً: «زى لما تشوف حلمة ودنك بالمصرى»
صوت «زكى» قطع تجولنا فى ساحة المنزل، وطلب منا الصعود إلى غرفة استقبال الضيوف فى الطابق الثانى فى المنزل ليأتى «الإمام» وأجرينا معه لقاء حصرياً لجريدة «الوطن».

حوار الصادق المهدى فى مثل هذا التوقيت وسط الاحتجاجات السودانية كان له رد فعل قوى نقله إلى زملائى فى الجريدة، فما زلت أتذكر كلمات زميلتى سماح عبدالعاطى وهى تهنئنى على الحوار الذى وصفته بالانفراد، ونقلت لى رد فعل القراء عليه.

انتهينا من حوار الصادق المهدى ووصلنا إلى الفندق فى الثالثة، وفى طريقنا أخبرت «الأسباط» برغبتى فى زيارة الإعلام الخارجى، لأننى أريد مقابلة مسئولين فى الحكومة لعمل لقاءات صحفية، فأخبرنى أن دوام العمل فى المؤسسات الحكومية انتهى، فضلاً عن أن يومى الجمعة والسبت إجازة رسمية، فقررنا أن نتقدم لمؤسسة الإعلام الخارجى يوم الأحد.

أثناء حديثنا مع الإمام المهدى علمنا من أحد العاملين معه، خروج مظاهرات من مسجد سيدى عبدالرحمن المهدى فى منطقة ودنباوى، ومن لا يعرف هذه المنطقة فهى منطقة تاريخية تضم عدداً كبيراً من «الأنصار» أى الذين خرجوا لنصرة المهدى الكبير أثناء ثورته على الأتراك عام 1880، ومن وقتها وهم يعلنون نصرتهم للمهدية وعائلتهم.

ذهبت إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة بعدما وعدنى «الأسباط» بأنه سيمر على مساء لكى نتناول الغداء معاً ونقابل بعض أصدقائه من الصحفيين، سألنى «الأسباط»: هل أكلتِ سمك النيل من قبل؟ أجبته بالنفى، وأننا فى مصر نفضل أكل سمك البحر، فعزمنى فى أحد المحال المشهورة بطهى سمك النيل، وبعد أن انتهينا ذهبنا إلى المعهد الثقافى الألمانى بشارع المك نمر، وهناك عرفنى بفتاة تدعى «مروة التيجانى»، وأخبرنى أنها صحفية وملمة بما يحدث فى الشارع السودانى.

منظمو المظاهرات يفضلون التواصل عبر «الإنترنت».. وعندما التقيت أحدهم أخذ رقم هاتفى وانصرف سريعاً
أخبرت مروة برغبتى فى تأدية صلاة الجمعة بمسجد الأنصار «سيدى عبدالرحمن المهدى» وبمقابلة أحد الشباب المنظمين لجمعة «لحس الكوع»، فأخبرتنى أنها سوف تساعدنى للوصول إلى المسجد، أما مقابلة أحد المنظمين فهو أمر غاية فى الصعوبة، وأن أغلبهم لا يظهرون خوفاً من إلقاء القبض عليهم، وأنهم يلجأون إلى «سكاى بى» ومواقع التواصل الاجتماعى، إلا أنها ستواصل محاولاتها.

أجرت مروة عدة اتصالات وأخبرتنى أنها ستقابلنى بأحدهم، وبالفعل بعد مرور ساعة قابلت أحد الأشخاص داخل سيارته فى شارع المك نمر لمدة لا تزيد على 5 دقائق، وكان معه ابنتاه الصغيرتان، اكتفى بأخذ رقمى وقال إنه سوف يتواصل معى فيما بعد، ثم تحرك هو والطفلتان بينما كانت مروة تجلس على رصيف الشارع فى انتظار انتهاء مقابلتى مع الرجل.

نزلت وأخبرت مروة بما حدث، ثم أخبرتنى أنها اتصلت بإحدى صديقاتها وسوف ترافقنى يوم الجمعة لأنها تمتلك سيارة، وبالتالى سنتحرك بشكل أسهل وأيسر، سلمت على مروة ثم أعادنى «الأسباط» إلى الفندق بعدما تأكد أن غداً فى جمعة «لحس الكوع» سيكون معى من يرافقنى من الفتيات، والجميع فى حالة ترقب هل سيتمكن الشباب من لحس أكواعهم أم سينتصر «نافع» نائب البشير.