ودالبدوي
17-05-2012, 11:01 PM
تزين جدران المكتب التراثي ، لرجل الأعمال الناجح ، الكهل السبعيني (س) ، أستاذ الجامعة سابقا ، شهادات خبرة وأخرى علمية عليا لا حصر لها ، صادرة عن جامعات عالمية مرموقة ، يشار لها بالبنان ، تحاذيها صور تذكارية منوعة الأحجام لعلماء وتجار وصناعيين محليين وإقليميين وعالميين تعامل معهم وعايشهم عبر عقود من الزمن .
تميز بأنه مفرط الذكاء والثراء ، لدرجة أن سقف حسابه المكشوف ، في عدد من المصارف ، زاد عن (..............) ألف دولار ، فيما كانت حياته التجارية إيجابية وموفقة ، في حين تميزت حياته الأسرية هي الأخرى بأكثر من استقرار وإلفه ، رغم أنه تزوج متأخرا ، إذ أنه كان يشاطر صغاره الثلاثة وابنته الوحيدة لعبا ومرحا كل يوم ، وكأنه مقرر تعليمي لا يجب أن يحيد عنه قط .
في بيته يستقر كل شيء بمكانه ، كأنه ثكنة عسكرية ، يحكمها الضبط والربط دون ثمة ضجيج أو صخب أو تسيب أو انفلات.... زوجته تعنى به كثيرا وبمقتنياتـه وبلوازمـه وبمتطلباته . فيما كانت كاتمة أسراره الوحيدة ، تحتويه إذا ما انتابته سورة غضب أو انفعال، مزيلة عنه التوتر بابتسامة ساحرة فاتنة تنسيه همومه ، إذ كانت مثالا يعتد به لنصف نموذجي آخر قل نظيره هذه الأيام !
في المقابل كان لا يشكو من أي مرض ، سوى ما تفرضه عليه نواميس الشيخوخة من مسلمات لا يجادل فيها اثنان ، وهو في هذا العمر الحرج ! كان يؤمن بالفحص الطبي الروتيني فقط ، تحاشيا لأية مفاجئات غير محسوبة .
بوصلته كانت تؤشر أنه في هوس الطب الحديث ومعجزاته وإنجازاته بحيث ما برح يحسبه يعيد إكسير الحياة لفاقده مهما كــان المرض عضالا ، ومهما تقدم به العمر !
ترددت على لسانه أكثر من مرة مصطلحات لأجهزة طبية متنوعة، لعل أبرزها كان (السونار) ......... حيث كان شديد الثقة والإعجاب به ، ناعتا إياه بالجهاز المؤتمن ، صاحب المعجزات العديدة ، جهاز لا يكذب ، ولا يداهن ، بل قل هو من يكشف الكاذب ! وله القابلية على اختراق رحم الأم الحامل مبينا جنس حملها من ذكر أو أنثى ، في حين يمكنه الغوص تحت الماء لأعماق مذهلة بحثا عن أشياء غير مرئية ، عن طريق إرسال موجات صوتية مع تحديد الوقت الذي يستغرقه رجوع الصدى بعد الاصطدام بالأشياء ! نعم ، إعجاب مفرط به لا مثيل له .
خال أن كل شيء فوق هذه البسيطة يمكن حله بواسطة السونار والدولار ! وتوقع أن أهداف الطب في أوربا وأمريكا واليابان تتمحور حول إطالة العمر ، وتجنيب الفرد مزالق الأمراض ومضاعفاتها ! هنا يبدو أنه جاء بنظرية يمجها العقل البشري ، ويرفضها الإنسان السوي حين ناقش طبيبه الخاص قائلا.......
- لماذا لا تساعد العقاقير والأجهزة الناس في إطالة معدل أعمارهم وتجنيبهم الوفيات المبكرة ؟!
- ألا تعرف أن موت الإنسان تتحكم به عوامل عديدة يعجز الطب ، بكل منجزاته العملاقة ، عن الحيلولة دون حدوثه ؟
- أنت ، إذن ، ذو إلمام بما أنفقت من أموال طائلة في أرقى مستشفيات العالم متجولا بين تحليلات مختبريه وسريريه متقدمة كي يعالج التلف لدي في ........... ، ولكنني أتيت إليك حصرا لعدم إلمامي بما تقوله هذه التقارير الطبية المشئومة . ويخامرني الشك أن ليس ثمة ما تحمد عقباه موجود بين دفتيها . أرجوك طمئني ماذا تقول ؟ أنا جد قلق هذه المرة !
- أصيب بالذهول عندما سمع من الطبيب المعالج أن حالته ميؤس منها آنذاك ، وأمامه قضاء سبعة أيام فقط ينظم خلالها أموره قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى !
- بكل بساطة تلخص المشهد قائلا (حالتك ميئوس منها !)
جن جنونه ، وأرخى العنان لصوته الأجش كي يشق عنان السماء صارخا بهستيرية غير منضبطة .......(حالتي ميئوس منها !!!) أمتأكد مما تقوله أيها الطبيب ؟ أيجوز هذا ؟ الملايين لم تسد الرمق ، ولم تشف الغليل !!!
لمن أتجه ؟ شهادات الدكتوراه والخبرة المعرفية المتراكمة أضحت حبرا على ورق ..... !
لقد خذلت ..... !
أرصدة المصارف جامدة لا حراك فيها ولا نبض .. أنت مخطئ ، يا طبيبي العزيز ، في نقل المعلومة لي ! أنا الذي ملأت رفوف المكتبات العالمية بالكتب والمجلدات وتقول لي "حالتي ميئوس منها" ! أنا الذي أغرقت الأسواق بالسلع النفيسة وتقول لي "حالتي ميئوس منها" ! أنا ........ أنا ........... أنا............. !!
طفق المسكين يبكي ، وكأنه طفل صغير لا يفقه ما يدور حوله ... أنه اليأس بعينه ! إنها ساعة الصفر ....ساعة المواجهة . اشتعل رأسه شيبا وهو يقرأ الكتب والصحف والمجلات والجذاذات بلا رحمة وبنهم منقطع النظير .
ألآن ، بالكاد يتنفس متحسرا :
أفنيت زهرة شبابي وأنا ألقي محاضرات على مدرجات جامعة ..............لشباب أصبحوا الآن قاب قوسين أو أدنى من الإحالة على المعاش إن لم أقل أنهم محالون فعلا !
ترقد مؤلفاتي التي تزيد عن (............) كتابا فوق رفوف المكتبات....... وتشهد غرف الصناعة والتجارة في الدول ألثمان وغيرها على بصمتي العريضة فيها ! وأسفي لما آلت إليه الأمور . ألا تشفع لي كل هذه المؤهلات ؟!
- يشيب الشعر مع تقدم العمر وهذا ليس بعار أو بمرض ، وكذلك تتدهور الصحة مع تقدم العمر ، وتضمحل مناعة الإنسان وتتقلص ، وهذه ثوابت . ولا يعتبر زملائي الأطباء ذلك مرضا بل ظاهرة طبيعية تتزامن مع الشيخوخة... فلم العجب !
- إذن .......
سأموت ميتة الكلاب ، وسوف ينتعش الدود بهذه الوليمة ........ لا يهمها إن كان المأكول جنرالا أو طبيبا أو مشعوذا أو أستاذا جامعيا مرموقا أو صناعيا ناجحا .....الكل سيان....... ، نعم ، هي الأرض ...... منها أتينا وإليها نعود ! أنا لله وأنا إليه راجعون .
تميز بأنه مفرط الذكاء والثراء ، لدرجة أن سقف حسابه المكشوف ، في عدد من المصارف ، زاد عن (..............) ألف دولار ، فيما كانت حياته التجارية إيجابية وموفقة ، في حين تميزت حياته الأسرية هي الأخرى بأكثر من استقرار وإلفه ، رغم أنه تزوج متأخرا ، إذ أنه كان يشاطر صغاره الثلاثة وابنته الوحيدة لعبا ومرحا كل يوم ، وكأنه مقرر تعليمي لا يجب أن يحيد عنه قط .
في بيته يستقر كل شيء بمكانه ، كأنه ثكنة عسكرية ، يحكمها الضبط والربط دون ثمة ضجيج أو صخب أو تسيب أو انفلات.... زوجته تعنى به كثيرا وبمقتنياتـه وبلوازمـه وبمتطلباته . فيما كانت كاتمة أسراره الوحيدة ، تحتويه إذا ما انتابته سورة غضب أو انفعال، مزيلة عنه التوتر بابتسامة ساحرة فاتنة تنسيه همومه ، إذ كانت مثالا يعتد به لنصف نموذجي آخر قل نظيره هذه الأيام !
في المقابل كان لا يشكو من أي مرض ، سوى ما تفرضه عليه نواميس الشيخوخة من مسلمات لا يجادل فيها اثنان ، وهو في هذا العمر الحرج ! كان يؤمن بالفحص الطبي الروتيني فقط ، تحاشيا لأية مفاجئات غير محسوبة .
بوصلته كانت تؤشر أنه في هوس الطب الحديث ومعجزاته وإنجازاته بحيث ما برح يحسبه يعيد إكسير الحياة لفاقده مهما كــان المرض عضالا ، ومهما تقدم به العمر !
ترددت على لسانه أكثر من مرة مصطلحات لأجهزة طبية متنوعة، لعل أبرزها كان (السونار) ......... حيث كان شديد الثقة والإعجاب به ، ناعتا إياه بالجهاز المؤتمن ، صاحب المعجزات العديدة ، جهاز لا يكذب ، ولا يداهن ، بل قل هو من يكشف الكاذب ! وله القابلية على اختراق رحم الأم الحامل مبينا جنس حملها من ذكر أو أنثى ، في حين يمكنه الغوص تحت الماء لأعماق مذهلة بحثا عن أشياء غير مرئية ، عن طريق إرسال موجات صوتية مع تحديد الوقت الذي يستغرقه رجوع الصدى بعد الاصطدام بالأشياء ! نعم ، إعجاب مفرط به لا مثيل له .
خال أن كل شيء فوق هذه البسيطة يمكن حله بواسطة السونار والدولار ! وتوقع أن أهداف الطب في أوربا وأمريكا واليابان تتمحور حول إطالة العمر ، وتجنيب الفرد مزالق الأمراض ومضاعفاتها ! هنا يبدو أنه جاء بنظرية يمجها العقل البشري ، ويرفضها الإنسان السوي حين ناقش طبيبه الخاص قائلا.......
- لماذا لا تساعد العقاقير والأجهزة الناس في إطالة معدل أعمارهم وتجنيبهم الوفيات المبكرة ؟!
- ألا تعرف أن موت الإنسان تتحكم به عوامل عديدة يعجز الطب ، بكل منجزاته العملاقة ، عن الحيلولة دون حدوثه ؟
- أنت ، إذن ، ذو إلمام بما أنفقت من أموال طائلة في أرقى مستشفيات العالم متجولا بين تحليلات مختبريه وسريريه متقدمة كي يعالج التلف لدي في ........... ، ولكنني أتيت إليك حصرا لعدم إلمامي بما تقوله هذه التقارير الطبية المشئومة . ويخامرني الشك أن ليس ثمة ما تحمد عقباه موجود بين دفتيها . أرجوك طمئني ماذا تقول ؟ أنا جد قلق هذه المرة !
- أصيب بالذهول عندما سمع من الطبيب المعالج أن حالته ميؤس منها آنذاك ، وأمامه قضاء سبعة أيام فقط ينظم خلالها أموره قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى !
- بكل بساطة تلخص المشهد قائلا (حالتك ميئوس منها !)
جن جنونه ، وأرخى العنان لصوته الأجش كي يشق عنان السماء صارخا بهستيرية غير منضبطة .......(حالتي ميئوس منها !!!) أمتأكد مما تقوله أيها الطبيب ؟ أيجوز هذا ؟ الملايين لم تسد الرمق ، ولم تشف الغليل !!!
لمن أتجه ؟ شهادات الدكتوراه والخبرة المعرفية المتراكمة أضحت حبرا على ورق ..... !
لقد خذلت ..... !
أرصدة المصارف جامدة لا حراك فيها ولا نبض .. أنت مخطئ ، يا طبيبي العزيز ، في نقل المعلومة لي ! أنا الذي ملأت رفوف المكتبات العالمية بالكتب والمجلدات وتقول لي "حالتي ميئوس منها" ! أنا الذي أغرقت الأسواق بالسلع النفيسة وتقول لي "حالتي ميئوس منها" ! أنا ........ أنا ........... أنا............. !!
طفق المسكين يبكي ، وكأنه طفل صغير لا يفقه ما يدور حوله ... أنه اليأس بعينه ! إنها ساعة الصفر ....ساعة المواجهة . اشتعل رأسه شيبا وهو يقرأ الكتب والصحف والمجلات والجذاذات بلا رحمة وبنهم منقطع النظير .
ألآن ، بالكاد يتنفس متحسرا :
أفنيت زهرة شبابي وأنا ألقي محاضرات على مدرجات جامعة ..............لشباب أصبحوا الآن قاب قوسين أو أدنى من الإحالة على المعاش إن لم أقل أنهم محالون فعلا !
ترقد مؤلفاتي التي تزيد عن (............) كتابا فوق رفوف المكتبات....... وتشهد غرف الصناعة والتجارة في الدول ألثمان وغيرها على بصمتي العريضة فيها ! وأسفي لما آلت إليه الأمور . ألا تشفع لي كل هذه المؤهلات ؟!
- يشيب الشعر مع تقدم العمر وهذا ليس بعار أو بمرض ، وكذلك تتدهور الصحة مع تقدم العمر ، وتضمحل مناعة الإنسان وتتقلص ، وهذه ثوابت . ولا يعتبر زملائي الأطباء ذلك مرضا بل ظاهرة طبيعية تتزامن مع الشيخوخة... فلم العجب !
- إذن .......
سأموت ميتة الكلاب ، وسوف ينتعش الدود بهذه الوليمة ........ لا يهمها إن كان المأكول جنرالا أو طبيبا أو مشعوذا أو أستاذا جامعيا مرموقا أو صناعيا ناجحا .....الكل سيان....... ، نعم ، هي الأرض ...... منها أتينا وإليها نعود ! أنا لله وأنا إليه راجعون .